الهواء الذي أزرق

  إبراهيم حسو 


لأنكِ من ماء قديم
مشتعلة.
لأنكِ كحيوان شعري يقتات من عمري
أو كشمس مكسورة انحدرت بين الغدران العريضة ونست شكلها فيَّ.
لأنكِ المضيئة في أول الصبح يقع بدوره على الأرض فارغ اليدين.
لأنكِ من احمر شاهق كدم يشبه دماً:
قطفتكِ
وافترستكِ
خارج الشعر أو داخله لا فرق.

لأنكِ خريف وامرأة منسدلة كخريف بطران.
لأنكِ حليب وسلاسل زهر على قمة زرقاء في سرير الأبدية.
لأنكِ بلا نهدين وأُذن مصنوعة من الألمنيوم.
لأنك كضلع رجل في سرير يحترق ويتذمر،
لأنكِ مقلوبة
بضحك
وتاج مستدير.
لأنكِ
أفضل شجرة على فوهة العالم،
أفضل صيف للذين يصقلون الصيف منذ آلاف السنوات
ويخرجون من الشعر عراة وجرحى
أفضل أجنحة للفتاة الغبارية المخطوفة للتو في بهو من سرخس،
بأناس مشبوكين بالبعض كسرخس ذاته.
لأنكِ حمراء من لحم اصطناعي لصيد الأجانب المشوهين
في النساء.
لأنكِ ضاحكة ومنشرحة كنهر من ضباب.
لأنكِ عمياء بلا ذهب للرؤية، بلا فضة للبوح
بلا ظلام للذكرى، بلا رصاص للرقص.
لأنكِ مطلقة من امرأة أنجبت لا شيء
فأقفلت البحر عليها وبكت بعيون ورقية.
لأنكِ والقرود التي ترتدي النظارات النافذة
تقرأين الأفق بحبات لا متناهية من شعر خلص مدته.
لأني امتلككِ كعصفور في القصيدة، كقرد له بصمات نمر اخرق…
أتركك الآن:
بل أضيف ما لا يحصى.

2
لا يوجد أحد على هذه الأرض من يمتلكها،
فتصير ككل ارض أخرى.
لا توجد طيور، كي نعرّفها للشجر.
لا يوجد ثمر كي تبقى الأرض مثمرة، مضيئة
كما تعمل السماء في نهاراتها.
الكل هناك، سوى الأرض التي تبقى وتضيء.
لا يوجد أحد ليربطها كي لا تقع، فتتكسر المياه
هنا وهناك دون مبالاة
لا أحد يستطيع مواجهة السماء، وهي تتقطع بسكين
قرصان أعمى لا يعرف شيئا عن الزرقة والألوان.

3

السمك هو الوحيد يقرأ بهدوء ما يعانيه البحر.

4
كذبت الأرض طويلا حتى صدّقناها
هربت من اسمها، فربطوها بالبحر.

5
مهما كنت بعيدا عن رأسي
فأني جميل وأسير،
أسير لأني بحبكِ أعطش وأقع كأرض تغمرها الخضرة.
أسير لأنكِ داخل قلبي، حكيمة وقوية، ولأنك كعالم
سفلي تنتقلين من عدن إلى عدن.

6
مهما كنت سأبقى
طفلا مشوّشا يلعب بأنفاسه
ينتعش حكيما من أقصى الكلمة، يرتكب ريحا تشبهه
في الكثير.
ريح تجري كفراشات وهمية،
إعصار يطوف بالأرض
نحو الأبدية.

7
رأسي يسقط في الوحل
لأنه حمامة حقيقية.
بلا عشب
أو ضباب
أو ذهب خالص.
لم أجد الخلاص في الحب ولكني وجدت الله
لم أجد أحداً لأني وقعت مفتوح العينين على ورد دفين.
أحييني
كي أسوق نصفَي قلبي إلى بئر تشبه القدر
إلى حمامة مكسورة الهواء، بيد العبيد ذوي الرؤوس
الحليقة.
أحييني
كي يسحرني طائر أزرق، إرهابي في مشيته
مظلم الأجنحة وقور وعطشان.

8
حبّكِ يقرع جسمي، يدفعني نحو عالم سفلي،
إلى قفار يفتحها رعيان من بلاد الحكمة، يغلقها رعيان
من قرون منفية.

9
تتحدثين عن الضباب في مكان واطئ
تختلسين معي الريح التي ترتفع وتهبط في واد مغطى
بالشوك والثعابين.
تمتطين الجميع بالنسبة الى حلاوتك، وحديثك المستمر
عن الحيوانات النورانية، التي في جوار الله.
وكنتِ ترفعين 24 سنة من عمري في كأس معتمة،
طافحة بالشكر الجزيل للظلام والطفولة المفككة،
في النهار الذي لا يثق به أحد منا.

النهار

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عصمت شاهين الدوسكي

 

ربما هناك ما یرھب الشاعر عندما یكون شعره تحت مجھر الناقد وھذا لیس بالأمر الحقیقي ، فالشاعر یكتب القصیدة وينتهي منھا لیتحول إلى تجربة جدیدة ،حتى لو تصدى لھ ناقد وبرز لھ الایجابیات وأشار إلى السلبیات إن وجدت ، فلیس هناك غرابة ، فالتحلیل والتأویل یصب في أساس الواقع الشعري ،وكلما كتب الشاعر…

فيان دلي

 

أرحْتُ رأسي عندَ عُنقِ السماءْ،

أصغيْتُ لأنفاسِ المساءْ،

بحثْتُ فيها عن عُودٍ ثقاب،

عن فتيلٍ يُشعلُ جمرةَ فؤادي،

ناري الحبيسةَ خلفَ جدرانِ الجليد.

 

* * *

 

فوجدْتُه،

وجدْتُه يوقظُ ركودَ النظرةِ،

ويفكّكُ حيرةَ الفكرةِ.

وجدْتُه في سحابةٍ ملتهبةٍ،

متوهّجةٍ بغضبٍ قديم،

أحيَتْ غمامةَ فكري،

تلك التي أثقلَتْ كاهلَ الباطنِ،

وأغرقَتْ سماءَ مسائي

بعبءِ المعنى.

 

* * *

 

مساءٌ وسماء:

شراعٌ يترنّحُ،

بينَ ميمٍ وسين.

ميمُ المرسى، عشبٌ للتأمّلِ وبابٌ للخيال

سينُ السموّ، بذرةٌ للوحي…

ربحـان رمضان

بسعادة لاتوصف استلمت هدية رائعة أرسلها إلي الكاتب سمكو عمر العلي من كردستان العراق مع صديقي الدكتور صبري آميدي أسماه ” حلم الأمل ” .

قراته فتداخلت في نفسي ذكريات الاعتقال في غياهب معتقلات النظام البائد الذي كان يحكمه المقبور حافظ أسد .. نظام القمع والارهاب والعنصرية البغيضة حيث أنه كتب عن مجريات اعتقاله في…

ادريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…