باسلات الشعر الكردي (6) جانا سيدا

إبراهيم حسو

تتجاوز الشاعر الكردية جانا سيدا لغتها اليومية الطويلة عبر تركيبات حكائية متينة تخفي دائما معان مفاجئة وانزياحات تأخذ الصفات و النعوت و الأفعال و تظهر معان مرادفة عبر الإشارات و الضمائر التي تدل على فعل واحد, و هي تعمل على نصها كما يعمل نشّار الخشب في قطع الشجرة من جذوعها , لترمي بقية الإطراف و الأغصان التالفة , لا تجهد جانا في إبراز مفاتن قصيدتها, فتراها دائما متوقدة في كل مقطع من مقاطعها , تجمّل مفرداتها الشعرية و تحفزّها على الاضطلاع بأكثر من وظيفتها التركيبية لتتسلم وظائف بديلة كأن تلعب على إطعام النص دلالات مغايرة للمفردة  نفسها أو تفسيرات أخرى للكلمة.
استدلالي على نصوص جانا كان من خلال كتاباتها المتفرقة و المتناثرة المنشورة في ألنت , و لا أعرف أن نشرت شيئا من نصوصها ضمن كتاب شعري , و قياسا على ما نشرتها جانا تظل هي الجرس الأفرط  ثقافة و الأكثر التحامًا مع ما تكتبها , و هي الشاعرة الكردية الناضجة شعريا و فكريا  التي تفتح الحياة على مصراعيها و تنهل منها مادتها الشعرية, و تقبض منها المواضيع الحميمية الأكثر ولوجا و استدراكا :

ستأتي السنين بحنينكَ،
وأصابعك التي من غيم
ستنبئ بالجفاف،
مثل زورقٍ ورقي،
سيأتي صوتك
سيصلُ متأخرا ً !

 (عندما نكتب، لانضع أنوثتنا على رف من رفوف المكتبة …) بهذه الجملة تخرم جانا سيدا ما هو الأليف و الوديع و السمج من حياة الأنثى , هي لا تريد أن تكون الشاعرة (الأنثى) و حسب, وتكون هي المقام أو مثوى كتابة جريانية سيلانية لا ضفاف لها و لا مصب , تكتب و تشرع أنوثتها على الضفة المقابلة لقصيدتها , قد تبرز أنوثتها هنا و قد تضمرها هناك , في لعبة شعرية تتخللها الجمال و الحياة بكل أوجْْها:

سوف لن يرَ أحدٌ، أثرَ السنين على يديك
ولا قامتك التي انحنت يوماً لها
سوف لن يرَ أحدٌ، الحبرَ المسطّر في عينيك
ولا حروف اسمها،
وآثار أسفارها في عروقكَ.
سوف لن يعرف أحدٌ أنها قد عبرتْ قلبك
وأنتَ
سوف لن تنسَ.

  مرحى لهذا الصوت الهادئ و السحيق و المخفي و الطويل كصوت الشجرة عندما تمرّ عاصفة ما.. معتوهة …….

مقاطع من قصائدها

1
ذهبتْ،
ظلتْ عيناك متمددتين فوق الوسادة،
أصابعك تهدهد بعضها بين شعري
وقلبك، كان ينبض في يدي.

2
صباحاً، كانت عيناك تبكيان على صدري،
وقلبك حجرٌ في يدي،
حجرٌ صامتُ،
لا يفيق.

3
بعد بستانٍ من الأرق،
استيقظتْ وردةٌ في يدكَ.

4
متعبةٌ مثل يديك
كم أنت رحيمُ في قتلي!!.
لون جثةٍ في كفيكَ.

5
ما من زهرةٍ، إلاّ وقطفتها من قامتي.
صحراءٌ أنا اليوم.
وكذا لم تُبقِ لحظةً في عينيّ

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…