الفراشة والأحرار

  عهد الهندي
بعد أن كانت سجينة في إحدى بقاع الأرض، أطلِقَ سراحها لتطير تاركةً وراءها ذكريات مؤلمة عن سجون قذرة. طارت هذه الفراشة حتى أمست فوق سوريا، نظرت إلى الأسفل فرأت مبانٍ كثيرة محاطة بالعسكر والدبابات، إلا أن شيئاً جذبها إلى هذه الأبنية، لربما ذلك الضوء الملائكي  الصادر عنها.
قررت الفراشة أن تنزل، لربما الفضول دفعها إلى ذلك. كان المكان مرعبا، فمئات السيارات تحيط به، إضافة إلى العسكر مع بنادقهم وهواتفهم اللاسلكية، كل منهم كان يفعل شيئاً ما، إلا أنهم يشبهون بعضهم البعض كثيراً.. فجميعهم قبيحون.

تبعت الفراشة الضوء، لترى هناك وجوها خمسينية جميلة:
الفراشة: من أنتم؟
الأحرار: نحن أبناء الحرية.
الفراشة: ألا تحسون بالضجر في هذا المكان الممل؟
الأحرار: ولم الضجر معنا؟ هاهنا الأستاذ علي العبد الله، محلل سياسي يحلل لنا أخبار العالم، ومعنا الكاتبان جبر الشوفي وأكرم البني، إضافة إلى أحمد طعمة وآخرين، فلم الضجر ونحن معهم؟!
الفراشة: الصحة.. وكيف صحتكم، ألا تشعرون بالمرض؟
الأحرار: فلم المرض، ولدينا الطبيب وليد البني والطبيبة فداء حوراني، إضافة إلى كونها طبيبة، تعالج إحباطنا؛ فهي تبث روح النضال فينا، كونها سليلة عائلة اشتهرت بتاريخها النضالي.
الفراشة: وماذا عن طعام السجن، سمعت أن أكل السجون فيه بحص يكسر الأسنان؟
الأحرار: نعم لكن لدينا هنا الدكتور أحمد طعمة، وهو طبيب أسنان.
الفراشة: ما أجمل هذا المكان، بدأت فكرتي تتغير عن السجون  إنها فعلاً جميلة. وهل كل سجونكم هكذا؟ 
تركتهم الفراشة بعد وعدها لهم بالعودة، وطارت لتنزل إلى سجن آخر، دخلت أحد الأجنحة لترى رجلأ كبير السن أشيب الشعر، وذا عينين واسعتين يحمل ورقاً ودفتراًً. 
سألت إحدى السجناء هناك: ماهذا الجناح؟
السجين: إنه جناح الجرائم الجنسية.
ارتعبت الفراشة الصغيرة، ووضعها السجين على يده وقال لها: لا تخافي، فلم يعد بيننا مجرمون، فالمجرمون عندما قرؤوا لهذا الرجل الجالس هناك مع قلمه، أعلنوا عن إيقاف إجرامهم. والمجرمون ممن لم يوقفوا إجرامهم، خرجوا بالعفو الرئاسي السابق..!!
الفراشة: ومن ذلك الرجل الطيب، ولم هو في السجن أصلاً؟
السجين: إنه كاتب، وهو هنا لأنه فضح جرائم المجرمين في كتابته.
الفراشة: وما اسمه؟
السجين: إنه ميشيل كيلو.
طارت الفراشة مغتبطة وتردد” ما أجمل قاطني سجونهم” .
دخلت الفراشة جناحا آخر، فرأت شخصاً قصير القامة أسود العينين. ألقت عليه التحية فرد عليها ببيان صحافي، استنكر وشجب فيه ما حصل لزملائه، وكان اسمه أنور البني.
ثم دخلت إلى مكان آخر، فرأت شخصاً يحمل ريشة الرسم بيده ويرسم طريق المنزل المزين بالورود، يرسم درباً بات انتهاؤه قريبا. كانت اللوحات جميلة، بل كان هو الأجمل، واسمه كمال اللبواني.
ورأت الفراشة فائق ومحمود، ورأت سجناء يشعون بألوان الكسكسور الجميلة.
طارت الفراشة لتذهب إلى مكان آخر. كان في منطقة باردة، لكنها لم تشعر بالبرد، وما إن دخلت، حتى رأت شيئاً أشبه بسوق عكاظ!
فالشاعر فراس سعد، يلقي قصيدة عن الثورة، ليرد عليه حسام ملحم بقصيدة عن الحرية وهكذا.
علام فاخور كان بجانبهم. كان ينحت على الجدران تماثيل عن الخارج. عمر وطارق وماهر ودياب وأيهم كلهم كانوا هناك، ومعروف راقص الكرمانجو  ونزار رستناوي.
أحبت الفراشة تلك السجون من حبها لقاطنيها، ثم طارت لأعلى نقطة فوق سماء سوريا… فبدأت نداءات الشعب بالارتفاع نحوها يسألونها عن البشرى؟ 
الفراشة: نعم، سآتيكم بالبشرى، شرط أن أكون في السجن مع سجنائكم الذين أحب!
الشعب: ولكن إن جاءت البشرى سيخرج أحبائك، وسيأتي غيرهم!
الفراشة: لايهم، من كان غيركم، فكلم أحبائي.
الشعب: لكن غيرنا من داخلي السجن سيكون الحكام، وعندها سيمسي السجن مكاناً قذراً لايطاق!
الفراشة: بئس شعب خانع أنتم، لا يستحق البشرى؛ ألديكم كل هؤلاء الأحرار في السجون، وتحاتجون لبشرى مني؟ لن أعطيكم شيئاً، فأنتم من يجب أن يعمل ليجلب بشرى نفسه!!
الشعب: آه.. آه… آه… 

– خاص ثروة

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…