الاستاذ دحام كعادته المتبعة في ردوده النقدية يحاول دائماً تصوير الأمر بالشكل المضطرب على طريقة خلط الحابل بالنابل من أجل تحريف مسار النقد الجاد والخروج منها بأي ثمن كان. على كل حال، لن أدخل في المسألة من هذا الباب، بل سأتوقف في هذا المقال عند حدود بعض المخالفات المرتبطة بالتحليل اللغوي والتي لاحظتها من خلال قراءتي لمقال الاستاذ دحام عبد الفتاح في رده على الاستاذ ابراهيم محمود، وتتلخص في ثلاث نقاط، وهي:
النقطة الأولى:
في مقالته ((كلمات صميمية: ابراهيم محمود في جلجامش المقروء كردياً…. مقتحم مجازف…!)) يتوقف الأستاذ دحام ليرد على الاعتراض الذي وجهه إليه الاستاذ ابراهيم محمود، وهي كالتالي:
(((يعترض (ابراهيم محمود) نحوياً على صياغة العبارة (gazî kir ) ويعتبرها غير صحيحة، لكون الفعل (kir) يعود الى مجموعة الآلهة، أي أن فاعل الفعل المركب (gazî kir) جمع يعود إلى (الآلهة) وقد جاء مفرداً ، والصحيح (gazî kirin) .
– هذه مسألة نحوية، تقع في باب (تطابق الفعل مع الفاعل والمفعول في الجمع والإفراد). في اللغة العربية تكون العلاقة التطابقية جمعاً وإفراداً، تذكيراً وتأنيثاً بين الفعل وفاعله ولا علاقة للمفعول به بالعملية التطابقية. أما في الكردية فالأمر مختلف. أحياناً يكون التطابق بين الفعل وفاعله، وأحياناً بينه وبين مفعوله، حسب نوع الفعل وزمنه، … وكلمة ( gazî) مفردة مؤنثة(vê gaziyê) ، ثم هي في الجملة مفعول به. وحسب قاعدة التطابق المذكورة تكون العلاقة التطابقية بين فعل (kir) بصيغة الإفراد ومفعوله المفرد (gazî) . أما الفاعل (الجمع)، العائد إلى مجموعة (الآلهة) فلا علاقة له بالتطابق. وبناءً عليه تكون الصيغة الصحيحة هي (gazî kir)
وحكم (منتقدنا) في تصويب هذه المسألة يدخل في باب (المجازفة بما لا يعلم) . ))) انتهت الفقرة.
والآن جاء دوري في إبداء الرأي:
الأستاذ دحام عبد الفتاح من خلال فقرته أعلاه يقدم التحليل اللغوي في مسألتين: الأولى وتتضمن الكيفية التي تتم فيها عملية التطابق بين الفعل وفاعله، وهي صحيحة لا لبس فيها، وبالتالي لن نتوقف عندها، بل سنعرج إلى المسألة الثانية التي تفيد أن كلمة gazî مفعول به في اطار الفعل المركب gazî kir. هذا التحليل اللغوي الجديد تشكل مخالفة لغوية بامتياز للأسباب التالية:
1. الأفعال الكردية من حيث البناء تأخذ ثلاث أنماط: البسيط والمشتق والمركب، وهذا الأخير سنقف عنده (أي النمط المركب) باعتبار أن gazî kir يدخل ضمن نمط الافعال المركبة اذ يتكون صرفياً من جزأين: جزأه الأول غالباً ما يكون من الأسماء أو من الصفات أو غيرهما، وجزءه الثاني من الافعال، مثل:
أ _ الاسم + فعل
الاسم + فعل | |
gazî + kirin | gazîkirin |
maç + kirin | maçkirin |
bar + kirin | barkirin |
şer + kirin | şerkirin |
êrîş + kirin | êrîşkirin |
ب _ الصفة + فعل
الصفة + فعل | |
amade + kirin | amadekirin |
xweş + kirin | xweşkirin |
reş + kirin | reşkirin |
qenc + kirin | qenckirin |
2. لا توجد علاقة نحوية بين جزأي الفعل المركب، بل يعد من الناحية النحوية وحدة واحدة لا يمكن تجزئتها نحوياً (بالمعنى السينتاكسي للكلمة) كأن نقول gazî اسم بمعنى نداء وهي مفعول به في الجملة (على حد تحليل الاستاذ دحام) ، و kir فعل ماضي بمعنى عمل أو فعل يتطابق مع مفعوله gazî . وعلى هذا الاساس ستكون maç مفعولاً به، وكذلك bar, reş, xweş, amade . وهذا خطأ واضح لسبب واحد هو أن كل عنصر منهما فقد استقلاليته السابقة دلالياً ونحوياً وأصبحا يكونان وحدة واحدة تعطي دلالة مستقلة مختلفة عن دلالة كل عنصر على حدة. وبالتالي يمكن أن ندقق في الجمل التالية لنشاهد معاً المفعول به الحقيقي الخاص بالفعل المركب:
جملة الفعل المركب | مفعول به |
1. Min gazî Azado kir | Azado |
2. Şêrînê destê zarokan maç kir | destê zarokan |
3 .Te dilê min reş kir | dilê min |
4 . Me mala xwe bar kir | mala xwe |
فإذا كانت كلمة gazî مفعولاً به للفعل kir في الجملة الأولى، ماذا سيكون Azado ؟!! وقس على ذلك الجمل الأخرى، لا بل آلاف الجمل منها. واستناداً على هذا التحليل لا يمكن أن نعد gazî مفعولاً به للفعل kir . هذا، وثمة تفاصيل وقضايا لغوية أخرى ترتبط نحوياً بهذا الموضوع، إلا أننا هنا لن ندخل في التفاصيل.
وجدير بالذكر أن تحليله الصائب في المسألة الأولى (المذكورة أعلاه) تتناقض في بعض من جوانبه مع ما ذهب اليه نفس الكاتب وبنفس الموضوع في كتابه ((مشكلات اللغة الكردية)) رغم أنها تعد من القضايا المطروقة والمكررة في معظم كتب النحو الكردي من قبل، وقد أشرت الى تلك النقطة في مقابلة لي في السنة الماضية. أما المسألة الثانية التي توقفت عندها هنا، فهي، حسب علمي، غير مطروقة في كتب النحو الكردي.
ومن الموضوعي الإشارة الى أن الخطأ الذي وقع فيه دحام أثار فيني هذه الملاحظة لأول مرة، كما لو أن شخص ما ينبهني على أمر لم ألحظه أو لم يكن مثار جدل في ذهني من قبل، مما يدفعني الى وصف هذا الخطأ بالايجابية، على الأقل بالنسبة لي، في مجال التحليل اللغوي. وفي هذا الصدد ينبغي علينا التركيز على أنه لا يكفي أن نكرر ما قاله الأسبقين في تحليلاتهم اللغوية فحسب، بل علينا أن نضيف أفكاراً وأبحاثاً جديدة أيضاً، وخاصةً تلك الجوانب التي لم ترد أو لم تبث في أمرها في كتاباتهم ودراساتهم اللغوية.
وفي ختام هذه الفقرة، أليس من حقنا أيضاً أن نسخر من حكم (مترجمنا) في تحليل هذه المسألة بأنه يدخل في باب (محدودية التفكير اللغوي) بالرغم من أنها تقع في صلب اهتماماته وكتاباته؟؟
النقطة الثانية:
يرى أبراهيم محمود: ((في مجمل النص، يتم الخلط بين ما يخص (اليوم) و(الشمس)، ولا أظن أن ذلك بخاف على المترجم، لكنه يترجم الاثنين بـ(roj)، كما في الصفحتين (94- 186)، في النص العربي، والمقابل كردياً، في الصفحتين (37- 88)((. وما يثير الاستغراب أن الاستاذ دحام رفض هذه الفكرة بحجة أن السياق اللغوي يكفل هذه المهمة.
في الحقيقة أن ما يطرحه الاستاذ ابراهيم محمود هو فكرة التمايز اللغوي لفظاً ومعنىً بين مفهومين مختلفين مثل الشمس والنهار، أي ضرورة ايجاد المقابل اللغوي الخاص بكل مفهوم على حدة، وهي فكرة سليمة يتناولها علم المصطلح باستمرار، وقد طرحها المجمع العلمي الكردي في سبعينات القرن الماضي حيث خصص كلمة xor الكردية كمقابل لـ (الشمس)، وكلمة roj كمقابل لكلمة (النهار) .
وفي سياق الخلط اللغوي يمكن ملاحظة مثال أخر من نص الترجمة الكردية لملحمة جلجامش وهو أن المترجم يستعمل لفظة xweda كمقابل لمفهومين مختلفين: الإله (اله الحب أو اله الشمس… الخ) واسم الجلالة الله، وهي اللفظة التي نتداولها كردياً في الحديث اليومي. أعتقد أنه من الضروري أن نميز لغوياً بين هذين المفهومين، اذ نخصص Xweda أو Xuda مقابل الله اسم الجلالة، كما هو الحال في الاستعمال اليومي، ونخصص كلمة xudawend أو homa كمقابل الإله: المعبود، مثل:
xudawendê xor | إله الشمس |
xudawendê evînê | إله الحب |
xudawendê bayê | إله الرياح |
النقطة الثالثة:
يتابع الاستاذ دحام في رده على الاستاذ ابراهيم محمود قائلاً:
– ((أود هنا أن أقف عند صيغة (çolistan) التي أجدها غير دقيقة، فاللاحقة (istan) تفيد معنى المكانية للإسم الذي تتصل به، نحو: (daristan) مكان الشجر (الغابة) و (mûristan) مكان النمل. وكلمة (çol) ذاتها تعني البر والفلات، وهما (مكانان). فما فائدة اللاحقة المكانية في اتصالها بالمكان نفسه ؟! وماذا تزيد في المعنى وماذا تنقص منه ؟!))