قصص قصيرة جداً

أحمد اسماعيل اسماعيل

خيبة:


من نافذة في أعلى بناء شاهق لاحت لنحلة قادمة من البراري العذراء زهرات جميلات.
ضربت النحلة الهواء بجناحيها الرقيقين، وحلقت صوبها عالياً، أحست بالتعب يثقل جناحيها، وخشيت أن تهوي من شدة ما أصابها من إرهاق.. لكنها تماسكت وراحت تحلم برحيق تلك الزهرات الجميلات.
فاض قلبها بالسعادة والسرور وهي تحط إلى جانب زهرات حمراء، وصفراء، وبيضاء..التفت حول بعضها، بإتقان وروعة فائقة. سحرها المنظر، فاندفعت نحوها بشوق، وراحت تلامسها زهرة زهرة ملامسة رقيقة، فوجدتها قاسية، يابسة كقطع من خشب لا رائحة فيها.

  أدهشها الأمر، وأفزعها، فحامت من جديد حول الزهرات الجميلات، وحطت عليها عسى أن تجد بغيتها.. لكن دون جدوى.
انتابها شعور عارم بالحزن، والخيبة، فتركت النافذة العالية، وأزهارها المتصلبة، واتجهت صوب البراري البعيدة غير آبهة بالأزهار الكثيرة التي كانت تزين نوافذ وشرفات الأبنية العالية.

ملوك:


مات كلب الملك،
فأقيمت في المملكة مجالس العزاء أياماً وليالي، وتقرحت عيون الوزراء، والولاة، والحجاب من كثرة العويل.. وتسربل الشعب بالسواد.
مات الملك.
احتفى الجميع بالملك الجديد، وانتفخت أكف الوزراء، والولاة، والحجاب من كثرة التصفيق.

وبقيَ الشعب متسربلاً بالسواد

تجربة العصفورة الصغيرة:

بأصابع جمدتها الرياح القارسة التي كانت تهب في الغابة، وعينين دامعتين من صفعها الشديد، سدد الصياد فوهة بندقيته ناحية سرب من العصافير كان يزقزق على شجرة من أشجار الغابة.
بعد لحظة ترقب، ضغط الصياد على الزناد..فتهاوت العصافير كأوراق الخريف، وامتزج الأحمر القاني بالأبيض، الذي فرشته ندف الثلج المتساقطة بساطاً ناصع البياض.
وبيدين متجمدتين، وعينين دامعتين، راح الصياد يفصل الرؤوس الصغيرة عن الأجساد الغضة.أبصرت عصفورة صغيرة احتضنتها أمها الجريحة دموع الصياد، فقالت لأمها:
_ أماه. انظري دموع هذا الرجل، إنه يبكينا.
نظرت الأم إلى صغيرتها بإشفاق وخوف، تأوهت بألم وهي تحاول التحدث إلى صغيرتها، وقبل أن تتكلم وتنبس بحرف، امتدت يد الصياد الغليظة إليها، وعلى مرأى من العصفورة الصغيرة؛ فصلت اليد رأس الأم عن جسدها. شاهدت الصغيرة فعل الصياد، فداهمها الرعب والفزع، وبالكاد حملت جسدها بعيداً عن المكان.
ومن يومها،
لم تعد الصغيرة ترى في الصيادين سوى تلك اليدين الغليظتين اللتين فصلتا رأس أمها عن جسدها.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

قبل أيام، أعلمتني رفيقة دربي، أن السيدة ستية إبراهيم أحمد دوركي، وهي والدة الصديق والحقوقي فرمان بونجق هفيركي، قد وُدّعت من دنياها. قبل يومين، أعلمتني ابنتي سولين من ألمانيا، أن صديقتها نرمين برزو محمود، قد ودّعت هي الأخرى من دنياها، لتصبح الاثنتان في عالم الغيب. في الحالتين ثمة مأساة، فجيعة. هما وجهان يتقابلان، يتكاملان،…

أحمد آلوجي

من بين الشخصيات العامودية التي تركت بصمة عميقة في ذاكرتي، أولئك الذين منحوا فنهم جلَّ اهتمامهم وإبداعهم، لا سيّما في المناسبات القومية واحتفالات نوروز التي كانت دائمًا رمزًا للتجدد والحياة. ويبرز بينهم الراحل الفذ مصطفى خانو، الذي أغنى المسرح الكردي بعطائه وإحساسه الفني الرفيع، فاستطاع أن يجذب الجماهير بموهبته الصادقة وحبه الكبير…

آهين أوسو

لم يكن يوما عاديا ،نعم فترة من التوتروالقلق مررنا بها.

إنه آذار المشؤوم كعادته لايحمل سوى الألم .

استيقظت صبيحة ذاك اليوم على حركة غير طبيعية في أصابع يدي ،ماهذا يا إلهي ،أصابعي تتحرك كأنها مخلوقات حية تحاول الهروب من تحت اللحاف ،هممت بالجلوس في فراشي اتحسس يدي ،نعم إنها أصابعي التي تتحرك لاشيء…

(ولاتي مه – خاص):
على امتداد أكثر من خمسة عقود، يمضي الفنان والمناضل شفكر هوفاك في مسيرة حافلة تجمع بين الكلمة الثورية واللحن الصادق، ليغدو أحد أبرز الأصوات التي عبرت بصدق عن آلام الشعب الكردي وأحلامه بالحرية والكرامة.
منذ انخراطه المبكر في صفوف الحزب الديمقراطي الكردستاني في سبعينيات القرن الماضي، ظل شفكر وفيا لنهجه…