مسافةُ الألف (كم) تبدأُ بآلامِ الظهرِ وتنتهي بمدينة مبللة (بين القامشّلي ودمشق دبيبُ فرح وتأوه)

محمود عبدو عبدو

بين المسافات ثمةَ خيالٌ قابع ووقتٌ ضائع, جائع

من القامشلي المعتلية صهوة الشمال المُخضر بزراعته المُخضر بقلوبه المفعم بالخير منحدراً صوب أعرق عاصمة صوب “دمشق”, مسافة تحكي امتداد الخَضار وتلاقحه مع صحوة الصحراء ورملها  ولغة النهرين دجلة” الخابور” والفرات والروافد الملتوية والإنسان السوري الناشط ُ على امتداد البصر والطريق.
رحلة الألف كيلومتر التي تقطعها ملتصقا بكرسي البولمان طوال عشر ساعات المتوالية تحمل تعب الجلوس وآلامه, برفقة نافذةٍ تطلُ بها على الوطن وبطاقات الحب والفرح والعمل فيه, وأوجاع الصعود والهبوط والالتفاف والالتفات, وخبطات الألم والزفت,
رحلة القادم من الشمال ذلك الشمال الذي لونه سليم بركات بنثره ” شمال أنت يا شمال, تركنا لك أن تتباهى بنا على مضض, كانت الجهات الأخرى قد اختارت شعوبها, فلم ير كلانا بُدَّ من عقد قران المصادفة على المصادفة ” سيرة صبا 118ص
رحلة تجمع الكثير, تبدأ من القامشلي المرتشفة ظل الخطيئة فالحسكة بفمها المجنون وقوافل جداولها فديرالزور المتقلدة أزاهير الحصاة والمدن الصغيرة المرصفة حول طريق الألف كيلومتر وعروس البادية تدمر وساحة نصرها لتدخل دمشق التي غطتها أغطية الصوف الإلهي” غيوم السماء الناصعة البياض”
ألمٌ .. ومدينةٌ مبللة
ومشوار يحمل زوايا الإرهاق والود
ينفلت اللسان المعقود وتنطق منافذ الألم مشتكيةً من الألف كم
وإن مددت يدي صدفة أو قصداً إلى مفردة من المفردات الدالة على الوجع والطول, فالحلم بأن خلف الألم يكمن حلمٌ أمويٌ ماطر وصورة مدينة نائمة يعيد اليد لصوابها 
عندها ستلمس مباشرة صوت قلبك الجزراوي بريفيته الخجولة, لتمر بمحاذاة الخابور وتطلق”  زلغوطة” حسكاوية وتنطلق بعدها بإتجاه الآمال المعلقة كالجسر المُعلق في ديرالزور, تراه ليلا بأضوائه المنعكسة على الفرات بانبساطية مفرطة.
يتوغل خاطرك بعيداً في رومانسيات المسير والطريق والأحلام والأفلام الهندية التي تراها على الطريق ودور بطولتك الافتراضي, وقد تفاجئك فرامل السيارة ودعسة البنزين لتفيق منتفضاً وتبصر الكيلومترات المتبقية وفق الشاخصات المرتبة على الطريق .
تحلق عالياً بآلامك بأفراحك وتلقي بنفسك في الوقت الساهر ورقصة النجوم ناسياً أرض ميزوبوتاميا” أرض بين النهرين” الجزيرة السورية
بفنونها الحياتية المثبتة في ذاكرة الأبناء وولادات الحضارات فيها, حينها تبصر حاضرة الأمويين دمشق ماثلة أمامك بغوطتها وسحب دخانها بغيومها الماطرة  لتبلل زيارتك وكيلومتراتك الألف بضحكة شتائية  ووجهٍ أنثوي اشتاق لقُبل السماء ودمع اللقاء.

جريدة تشرين – الملف الثقافي الأسبوعي

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…