محمد قاسم
مقدمة:
هناك -دوما وفي العموم- حالتان.. يعيشها الإنسان بالنسبة لأي أمر.
1-حالة الواقع.
2–حالة التمني (أو التصور او التخيل..) أو الطموح..!
وذلك كله بقصد تحسين شروط الحياة التي يحياها.. وهذا أمر طبيعي في سياق طبيعة التكوين للحياة –سواء أكان من قبل الله وهو ما اعتقده- أو من قبل الطبيعة ذاتها كما يقرره الطبيعيون –ولهم أسماء مختلفة لسنا الآن بصدد الإشارة إليها-.
مقدمة:
هناك -دوما وفي العموم- حالتان.. يعيشها الإنسان بالنسبة لأي أمر.
1-حالة الواقع.
2–حالة التمني (أو التصور او التخيل..) أو الطموح..!
وذلك كله بقصد تحسين شروط الحياة التي يحياها.. وهذا أمر طبيعي في سياق طبيعة التكوين للحياة –سواء أكان من قبل الله وهو ما اعتقده- أو من قبل الطبيعة ذاتها كما يقرره الطبيعيون –ولهم أسماء مختلفة لسنا الآن بصدد الإشارة إليها-.
فأما التصور فهو غيبي –بظهر الغيب- لا نعرف حقيقته.. ولكننا نحاول ان نتصوره خيالا –والخيال ذاته يمكن أن يقسم الى قسمين (خيال واقعي، وخيال عقلي، الأول مادته من الواقع ولكننا نشكله تصوريا كما نشاء، والثاني مادته من المجردات (المفاهيم والرموز..) ونتصوره كما نشاء ولكن ضمن ضوابط منطقية، بسبب تقيدها بها- طبيعة أو تكوينا..-).
ولذا فإن اللجوء الى التصور وحده في الحكم على الأشياء، يضع سلوكنا في خانة الذاتية ..أي تحكم الحالة الذاتية في أسلوب تفكيرنا.. وحكمنا على الأمور.. وهذا –بالطبع- يعرضنا للتأثر بالحالة النفسية التي نكون عليها حين اتخاذ القرار أو الحكم.. وقد نصيب وقد نخطئ.. والخطأ احتمال وارد دائما، إلا من رحم ربك -كما يقال- ولكن المخطئ- وخاصة المتنفذ والحاكم.. عادة لا يقبل بإبراز خطئه.. أي لا يقبل بالنقد – وهي المشكلة التي يعاني منها المخطئون–سيكولوجيا- إذ يعتقدون ان الاعتراف بالخطأ يقلل من هيبته لدى المحكومين.. ولا تزال هذه الصيغة غالبة في التفكير الشرقي عموما والعربي خصوصا..!.
هذا ما كان سائدا في حياة الناس في العصور الأولى عندما كان الحاكم ملكا أو إمبراطورا او أميرا..الخ.
فقد كان هو المصدر لكل القرارات. والتي قد تكون متأثرة بمزاجه.. أو بطلب زوجته.. أو بتأثير من بعض الذين يحيطون به.وقد يكونوا من أصحاب الأغراض الخاصة..الخ.
وقد عانت البشرية من هذا النمط ، من إدارة الحياة الاجتماعية والسياسة، معاناة مؤلمة، ففكر المهتمون والمختصون –فلاسفة-مفكرون-علماء…الخ- لإيجاد مخرج من هذا المأزق المؤثر سلبا على الحياة..!
ومن الذين اشتهر اسمهم بالتضحية في هذا السبيل الفيلسوف الإغريقي سقراط.. والذي تطلق عليه الموسوعة الفلسفية المختصرة[i] ((شهيد الفلسفة الأول)).
والحقيقة يمكن ترجمة القول (أول شهيد للدعوة الى التطور في الإدارة السياسة). ولهذا فقد لقي حتفه على يد المحافظين في الحكومة (الأرستقراطيين).. ولذلك حكاية جديرة بمعرفتها.. ولكن ليس هنا مجالها.
إلا أن ذروة التضحية كانت عند ثوار الثورة الفرنسية، والذين نجحوا في فتح سجن الباستيل –رمز القهر والجبروت- وأخرجوا المسجونين ظلما –على الأغلب- ولدوافع خاصة، من (طاقم الحكم وعلى رأسه الملك)..
هؤلاء الثوار ثبّّّتوا أركان الجمهورية الفرنسية الأولى، والتي لا تزال، مبادئها هي الملهمة، لكل المتعاملين مع الفكر الحقوقي والإنساني في المجتمعات الحاضرة..
ثم تتالت الخطوات حتى بلغت حدا أصبحت الملكية في البلدان الأوروبية مجرد رمز لوحدة الأمة –دون أية سلطات سوى بعض السلطات المراسيمية منها-بريطانيا –النرويج-السويد-بلجيكا..الخ-.
وربما كان هذا من وحي مفهوم في عالم الفلسفة السياسية هو الـ(علمانية)- وهو ترجمة للكلمة الانكليزية (secularisim ) للدلالة على فصل الدين (الغيبي) عن أمور الحياة –بحسب الموسوعة الحرة (ويكبيديا). وكان ذلك في العام 1648م مع التوقيع على صلح “وستفاليا” لإنهاء الحروب الدينية. وقد ترافق مع ذلك ظهور الدولة القومية (أي العلمانية) وتم نقل ممتلكات الكنيسة الى سلطات الدولة المدنية بحسب المصدر نفسه-والتي ستعرف بهذا الاسم منذ ذاك فصاعدا..[ii]
لماذا اختيار العلمانية فلسفة حكم في الغرب؟
بطبيعته الإنسان مخلوق حيوي وعاقل.. ولذلك فقد ساد الكون.. وعدل فيه وطوره ليستجيب لمتطلبات حياة سهلة ورغيدة يتطلع الى ان يعيشها..فاختلف بذلك عن الكائنات الأخرى التي ظلت تعيش غريزيا وفق ما خلقت منذ البدء، وستظل كذلك الى ما شاء الله ..!
فكان لا بد من النضال -الصراع مع المعيقات- أو ضد الطبيعة –كما تقول الماركسية- ومن هذه المعيقات ما كان البشر مصدره عبر حكم مستبد وتحت أي مسمى كان.. فكانت الحروب وكانت النزاعات.. وكانت المعارك الطاحنة وكان الدمار.. الى ان هداه فكره الى البحث عن مخرج لهذا المأزق المؤلم.. فكانت الثورات التي أنتجت في الحصيلة، اتفاقات ربما كان “وستفاليا”المحطة الأولى فيها..ليتطور مفهوم العلمانية على حساب الاستبداد الديني –أو الأصح الاستبداد باسم الدين-.
وكان المفكرون على رأس هؤلاء الباحثين والمضحين ..فتم بذلك الدخول في مرحلة جديدة من أسلوب الحكم عبر التداول وممارسة الأسلوب الديمقراطي في السياسة، والأسلوب الليبرالي في الاقتصاد (حرية السوق) كما ثبته كفكرة،آدم سميث الاقتصادي الانكليزي المعروف – انعكست واقعا عمليا معتمدا في الغرب، ويتجه العالم كله –الآن-الى تبنيها…ما عدا المنتفعين من خلاف ذلك-الأنظمة الاستبدادية باسم الأيديولوجيا –أيا كانت ومنها الأيديولوجية الدينية-
فكان ذلك، المخرج المتاح-وليس بالضرورة الكامل -من الحكم الاستبدادي..!
وقد اثبت نجاعته في الواقع الأوروبي.. ولكن الشرق الإسلامي الذي كان دور الإسلام أكثر عمقا في السيكولوجية الاجتماعية فيه، بالمقارنة مع المسيحية .. فلا يزال يناقش هذا الأمر، والنقاش يحتدم في المحافل المختلفة. ربما لأن الإسلام تناول البعد الاجتماعي أكثر في حياة المؤمنين بخلاف المسيحية التي ظلت أكثر شيء في إطار الروحانيات..مما جعل المعطيات المقدمة باسم الدين صحيحة او خاطئة- تتغلغل في سيكولوجية المسلمين أكثر..! وأنتج تقييدا لفهم القضايا الاجتماعية والسياسية بما يوفره الحكام من اتجاهات،ساهم في ذلك تواطؤ من بعض المهيمنين دينيا باسم كونه: عالما، او مفتيا، او غير ذلك…!
وكان هذا الإجراء، بداية المقتل في تطوير الفكر الإسلامي علميا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا..الخ. لأنها ألغت القوة النقدية في التفكير لدى المسلمين المهيمنين على مقاليد السلطة-قصدا او بدون قصد- فالنتيجة واحدة..هي غياب الفكر النقدي..وتكريس الفكر السكوني..!
ولذا ساد مفهوم الخليفة (الملك باسم الدين) كمفهوم ضروري ومنسجم مع مقتضيات الشريعة–او حكم شرعي-.وعلى الرغم من ان البعض من العلماء لم يكونوا من المتواطئين..ولكن النزوع الصوفي لديهم-سواء أكانوا صوفيين او لم يكونوا- أبعدهم عن التفكير الحر،فضلا عن افتقارهم الى الخبرة السياسية العملية.. ولذا فقد ساهمت فتاواهم..وطريقة تفكيرهم في تكريس مفهوم الخلافة (في إطار القبول بالاستبداد..).
وأن لا أدعو هنا الى ممارسة علماء الدين للسياسة..ولكني ادعوهم الى اكتساب وعي وخبرة بالسياسة قبل إطلاق النظريات عنها..مما يجعلها تأتي متخيلة وليست ناتج تجربة واقعية..
لذا فقد جاءت نظرتهم –غالبا- من وحي الفعالية الذهنية النظرية واستنتاجات منطقية من نصوص قد يكون فهمها ناقصا، او في غير محله.
ولا تزال هذه المشكلة قائمة، ويدفع ضريبتها كل فكر –او قلم-حر..وما حكاية الدكتور نصر أبو حامد-مثلا- عنا ببعيد..
وفي التاريخ القديم قصص كثيرة ..محاكمة ابن رشد، مقتل الحلاج..ملاحقة المعتزلة ..الخ.
وقد استجابت هذه النزعة-أو أنها استجابة أصلا- للسيكولوجية القبلية التي سادت حياة العرب منذ ما قبل الإسلام. حيث كان النظام العشائري-او القبلي، برأي حميدي دهام الهادي[iii]- سائدا في وقت كانت الإمبراطوريتان الرومانية والفارسية تتحكمان في القبائل العربية، كل فيما يتبعه جغرافيا واجتماعيا..وقد أورثهم هذا الواقع نوعا من القبول بواقع الخضوع لهما من جهة.. وبنوع من التطلع والتشوف نحو الانعتاق من حكمهما من جهة أخرى..ولقحت النزعة الأخيرة، ذهنيتهم وسيكولوجيتهم، نوعا من ممارسة الشعور بالتعالي –او الرغبة في التعالي- على واقعهم بإجراءات شكلية في حياتهم-منها التشدد في العرقية(النسب)[iv]-وقد تكرست يوما بعد يوم، سلوكا ذا بنية سيكولوجية خاصة، وذا ذهنية خاصة .. تجسد في العلاقات والسلوكيات..يقول ابن خلدون: ((..بمعنى أن النسب إنما فائدته هذا الالتحام الذي يوجب صلة الأرحام حتى تقع المناصرة والنعرة،وما فوق ذلك مستغنى عنه،إذ النسب أمر وهمي لا حقيقة له،ونفعه إنما هو في هذه الوصلة والالتحام….وإذا كان إنما يستفاد من الخبر البعيد ضعف فيه الوهم وذهبت فائدته وصار الشغل فيه مجانا ومن أعمال اللهو المنهي عنه.ومن هذا الاعتبار معنى قولهم: “النسب علم لا ينفع وجهالة لا تضر”.بمعنى أن النسب إذا خرج عن الوضوح وصار من قبيل العلوم ذهبت فائدة الوهم فيه عن النفس،وانتفت النعرة التي تحمل عليها العصبية فلا منفعة حينئذ…)).وهو يربط بين هذه النزعة وبين حالة الفقر والتخلف..
وظلت المشكلة تعيش في حياتهم منذ ذلك الزمن..لذا فهم دوما قليلوا الثقة بالآخرين.ويظنون دوما بالآخرين السوء والسعي لانتزاع ما في يدهم حكما او غيره..ودون تفهم لطبيعة ومجريات الأحداث –بحسب العصر والقيم السائدة فيه- أو بعبارة أخرى عدم تفهم الواقع بأشكاله المختلفة ومعطياته المتغيرة ..! ويمكن تسمية ذلك بالفكر السكوني الذي ميز طبيعة التفكير عندهم..فكل جديد يمثل خصما او عدوا لهم..وقد أبقاهم ذلك في حال من التخلف ،يعترف بذلك، مثقفوهم ومفكروهم المتنورون و،المتحررون بقوة، في مختلف المنابر (التلفزيون-الكتب المجلات الجرائد..الخ) ولعل ذلك يفيد في التحرر من المعيقات الذهنية ويحرر السيكولوجية من المؤثرات المعيقة للتطور..وربما ضعف فعالية الفكر وتطبيقاته يجعلهم يعوضون عن ذلك بنوع من الوهم الذي تجسده الشعارات والصخب الإعلامي والنزوع الهجومي في التشخيص والتقدير والحوار-إذا أمكن تسميته حوارا أصلا-الاتجاه المعاكس في قناة الجزيرة مثل واضح ،صخب وشتائم وهجوم وتخوين..الخ.!
في العراق………..!
إذا كان هذا الأمر ينطبق على السيكولوجية والذهنية العربيتين، فإن العراق يحتل الموقع الأول في ذلك..فالعراق بلد قديم جدا من حيث السكن البشري فيه –بلاد ما بين النهرين – وقد تعاقب على الوجود فيه شعوب مختلفة من أعراق وثقافات مختلفة، فضلا عن كونه كان محط حروب طاحنة ومتتابعة منذ فجر التاريخ، سواء من اليونان والمصريين او الشعوب المجاورة –وهذا أمر معروف- أو بين بعضهم بعضا، وقد أعطى هذا الأمر، العراقيين سيكولوجية خاصة متعايشة مع المشاكل والحروب .. وظهرت الخاصة المظهرية في حياتهم أكثر مما افقدهم بعض توازن نفسي وذهني انعكس أسلوبا في التحليل والتشخيص.. لعل عنصر العنف فيه ذو دور واضح تاريخيا.. ربما للطبيعة وتشكيلاتها الصحراوية والجبلية دور مؤثر في هذه السيكولوجية..
إضافة الى ليّّّّّّّ عنق الحقائق بدوافع سياسية أو عرقية.. كمحاولة اعتبار كل المنحدرين عن السامية عربا –السريان-الآشوريون-الكلدانيون.. وهم طبعا يرفضون ذلك ويبحثون عن خصوصيتهم القومية ما عدا حالات منتفعة ضمن بلدان معينة كالمنخرطين منهم في حزب البعث انتفاعا فقط..
ولعل هذا هو السبب في رأي البعض بان العراق موطن الشقاق والنفاق..ومن ثم كان لموقف الحجاج المشهور في قوله:
إني لأرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها..واني والله لها …
بعد تلاوته بيت الشعر المعروف:
هذا أوان الشد فاشتدي زيم ==== قد لفها الليل بسواق حطم
من هنا تنبع الخصوصية العراقية والتي استغلها النظام السابق أحسن استغلال,,وكاد ان ينجح في زرع فكرة ان العراق لا يحكم الا بهذا النوع من الحكم والحكام..بل ان الدول المجاورة والمحللين السياسيين العروبيين استغلوا الأمر ليشيروا الى شيء من هذا.
والحقيقة ان هذه الفكرة مكرسة في الثقافة السياسية العربية منذ البدايات..فالحاكم ينبغي ان يكون (سوبرمان) إذا جاز التشبيه..لذا فإن إحاطته بهالة خاصة من مستلزمات الثقافة الحكمية عندهم..وبما انه ليس –في الحقيقة –كذلك.فلا بد من إكثار الطبالين والزمارين ليصوروه على الشاكلة المص3ورة في الأذهان.ومن جهة أخرى فإن طاقما من الحماة للحكم صبح ضرورة سياسية،ويتجسد في جيش عرمرم من أجهزة الأمن والاستخبارات الداخلية يرهبون به عدو الحاكم -الشعب-..! ويستهلك هذا التصور السلوك المبني عليه، غالبية أموال ووقت الحكم لخدمة الشعب.!
ولكن الأمريكان كانوا أفضل تشخيصا عندما أشاروا الى فكرة الفوضى الخلاقة .ويبدو أنهم قد صرفوا جهدا ووقتا لاكتشاف هذه الحقيقة ..فإن تطوير ذهنية كهذه لا يمكن الا بتحطيم بنيتها..
وإعادة صياغتها من جديد..-وهذا محط الحساسية الشديدة لدى أصحاب الفكر السكوني عادة..فكل جديد خصم وعدو يريد ان يهدم ما يرونه –نظريا- رغم ما يعانونه من سوء ممارسة هذا القديم..!
ولكن هل ينجح الأمريكان في ذلك؟
المشكلة ان الأمريكان ليسوا رسلا..بل أمة متقدمة تكنولوجيا وعلميا واقتصاديا وعسكريا..الخ
ولهم تركيبتهم الثقافية والتي تلعب المصلحة دورا مركزيا في بنيتها.. فكيف يمكنهم ان يوفقوا بين هذه العناصر.
للبحث صلة……………
هذا ما كان سائدا في حياة الناس في العصور الأولى عندما كان الحاكم ملكا أو إمبراطورا او أميرا..الخ.
فقد كان هو المصدر لكل القرارات. والتي قد تكون متأثرة بمزاجه.. أو بطلب زوجته.. أو بتأثير من بعض الذين يحيطون به.وقد يكونوا من أصحاب الأغراض الخاصة..الخ.
وقد عانت البشرية من هذا النمط ، من إدارة الحياة الاجتماعية والسياسة، معاناة مؤلمة، ففكر المهتمون والمختصون –فلاسفة-مفكرون-علماء…الخ- لإيجاد مخرج من هذا المأزق المؤثر سلبا على الحياة..!
ومن الذين اشتهر اسمهم بالتضحية في هذا السبيل الفيلسوف الإغريقي سقراط.. والذي تطلق عليه الموسوعة الفلسفية المختصرة[i] ((شهيد الفلسفة الأول)).
والحقيقة يمكن ترجمة القول (أول شهيد للدعوة الى التطور في الإدارة السياسة). ولهذا فقد لقي حتفه على يد المحافظين في الحكومة (الأرستقراطيين).. ولذلك حكاية جديرة بمعرفتها.. ولكن ليس هنا مجالها.
إلا أن ذروة التضحية كانت عند ثوار الثورة الفرنسية، والذين نجحوا في فتح سجن الباستيل –رمز القهر والجبروت- وأخرجوا المسجونين ظلما –على الأغلب- ولدوافع خاصة، من (طاقم الحكم وعلى رأسه الملك)..
هؤلاء الثوار ثبّّّتوا أركان الجمهورية الفرنسية الأولى، والتي لا تزال، مبادئها هي الملهمة، لكل المتعاملين مع الفكر الحقوقي والإنساني في المجتمعات الحاضرة..
ثم تتالت الخطوات حتى بلغت حدا أصبحت الملكية في البلدان الأوروبية مجرد رمز لوحدة الأمة –دون أية سلطات سوى بعض السلطات المراسيمية منها-بريطانيا –النرويج-السويد-بلجيكا..الخ-.
وربما كان هذا من وحي مفهوم في عالم الفلسفة السياسية هو الـ(علمانية)- وهو ترجمة للكلمة الانكليزية (secularisim ) للدلالة على فصل الدين (الغيبي) عن أمور الحياة –بحسب الموسوعة الحرة (ويكبيديا). وكان ذلك في العام 1648م مع التوقيع على صلح “وستفاليا” لإنهاء الحروب الدينية. وقد ترافق مع ذلك ظهور الدولة القومية (أي العلمانية) وتم نقل ممتلكات الكنيسة الى سلطات الدولة المدنية بحسب المصدر نفسه-والتي ستعرف بهذا الاسم منذ ذاك فصاعدا..[ii]
لماذا اختيار العلمانية فلسفة حكم في الغرب؟
بطبيعته الإنسان مخلوق حيوي وعاقل.. ولذلك فقد ساد الكون.. وعدل فيه وطوره ليستجيب لمتطلبات حياة سهلة ورغيدة يتطلع الى ان يعيشها..فاختلف بذلك عن الكائنات الأخرى التي ظلت تعيش غريزيا وفق ما خلقت منذ البدء، وستظل كذلك الى ما شاء الله ..!
فكان لا بد من النضال -الصراع مع المعيقات- أو ضد الطبيعة –كما تقول الماركسية- ومن هذه المعيقات ما كان البشر مصدره عبر حكم مستبد وتحت أي مسمى كان.. فكانت الحروب وكانت النزاعات.. وكانت المعارك الطاحنة وكان الدمار.. الى ان هداه فكره الى البحث عن مخرج لهذا المأزق المؤلم.. فكانت الثورات التي أنتجت في الحصيلة، اتفاقات ربما كان “وستفاليا”المحطة الأولى فيها..ليتطور مفهوم العلمانية على حساب الاستبداد الديني –أو الأصح الاستبداد باسم الدين-.
وكان المفكرون على رأس هؤلاء الباحثين والمضحين ..فتم بذلك الدخول في مرحلة جديدة من أسلوب الحكم عبر التداول وممارسة الأسلوب الديمقراطي في السياسة، والأسلوب الليبرالي في الاقتصاد (حرية السوق) كما ثبته كفكرة،آدم سميث الاقتصادي الانكليزي المعروف – انعكست واقعا عمليا معتمدا في الغرب، ويتجه العالم كله –الآن-الى تبنيها…ما عدا المنتفعين من خلاف ذلك-الأنظمة الاستبدادية باسم الأيديولوجيا –أيا كانت ومنها الأيديولوجية الدينية-
فكان ذلك، المخرج المتاح-وليس بالضرورة الكامل -من الحكم الاستبدادي..!
وقد اثبت نجاعته في الواقع الأوروبي.. ولكن الشرق الإسلامي الذي كان دور الإسلام أكثر عمقا في السيكولوجية الاجتماعية فيه، بالمقارنة مع المسيحية .. فلا يزال يناقش هذا الأمر، والنقاش يحتدم في المحافل المختلفة. ربما لأن الإسلام تناول البعد الاجتماعي أكثر في حياة المؤمنين بخلاف المسيحية التي ظلت أكثر شيء في إطار الروحانيات..مما جعل المعطيات المقدمة باسم الدين صحيحة او خاطئة- تتغلغل في سيكولوجية المسلمين أكثر..! وأنتج تقييدا لفهم القضايا الاجتماعية والسياسية بما يوفره الحكام من اتجاهات،ساهم في ذلك تواطؤ من بعض المهيمنين دينيا باسم كونه: عالما، او مفتيا، او غير ذلك…!
وكان هذا الإجراء، بداية المقتل في تطوير الفكر الإسلامي علميا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا..الخ. لأنها ألغت القوة النقدية في التفكير لدى المسلمين المهيمنين على مقاليد السلطة-قصدا او بدون قصد- فالنتيجة واحدة..هي غياب الفكر النقدي..وتكريس الفكر السكوني..!
ولذا ساد مفهوم الخليفة (الملك باسم الدين) كمفهوم ضروري ومنسجم مع مقتضيات الشريعة–او حكم شرعي-.وعلى الرغم من ان البعض من العلماء لم يكونوا من المتواطئين..ولكن النزوع الصوفي لديهم-سواء أكانوا صوفيين او لم يكونوا- أبعدهم عن التفكير الحر،فضلا عن افتقارهم الى الخبرة السياسية العملية.. ولذا فقد ساهمت فتاواهم..وطريقة تفكيرهم في تكريس مفهوم الخلافة (في إطار القبول بالاستبداد..).
وأن لا أدعو هنا الى ممارسة علماء الدين للسياسة..ولكني ادعوهم الى اكتساب وعي وخبرة بالسياسة قبل إطلاق النظريات عنها..مما يجعلها تأتي متخيلة وليست ناتج تجربة واقعية..
لذا فقد جاءت نظرتهم –غالبا- من وحي الفعالية الذهنية النظرية واستنتاجات منطقية من نصوص قد يكون فهمها ناقصا، او في غير محله.
ولا تزال هذه المشكلة قائمة، ويدفع ضريبتها كل فكر –او قلم-حر..وما حكاية الدكتور نصر أبو حامد-مثلا- عنا ببعيد..
وفي التاريخ القديم قصص كثيرة ..محاكمة ابن رشد، مقتل الحلاج..ملاحقة المعتزلة ..الخ.
وقد استجابت هذه النزعة-أو أنها استجابة أصلا- للسيكولوجية القبلية التي سادت حياة العرب منذ ما قبل الإسلام. حيث كان النظام العشائري-او القبلي، برأي حميدي دهام الهادي[iii]- سائدا في وقت كانت الإمبراطوريتان الرومانية والفارسية تتحكمان في القبائل العربية، كل فيما يتبعه جغرافيا واجتماعيا..وقد أورثهم هذا الواقع نوعا من القبول بواقع الخضوع لهما من جهة.. وبنوع من التطلع والتشوف نحو الانعتاق من حكمهما من جهة أخرى..ولقحت النزعة الأخيرة، ذهنيتهم وسيكولوجيتهم، نوعا من ممارسة الشعور بالتعالي –او الرغبة في التعالي- على واقعهم بإجراءات شكلية في حياتهم-منها التشدد في العرقية(النسب)[iv]-وقد تكرست يوما بعد يوم، سلوكا ذا بنية سيكولوجية خاصة، وذا ذهنية خاصة .. تجسد في العلاقات والسلوكيات..يقول ابن خلدون: ((..بمعنى أن النسب إنما فائدته هذا الالتحام الذي يوجب صلة الأرحام حتى تقع المناصرة والنعرة،وما فوق ذلك مستغنى عنه،إذ النسب أمر وهمي لا حقيقة له،ونفعه إنما هو في هذه الوصلة والالتحام….وإذا كان إنما يستفاد من الخبر البعيد ضعف فيه الوهم وذهبت فائدته وصار الشغل فيه مجانا ومن أعمال اللهو المنهي عنه.ومن هذا الاعتبار معنى قولهم: “النسب علم لا ينفع وجهالة لا تضر”.بمعنى أن النسب إذا خرج عن الوضوح وصار من قبيل العلوم ذهبت فائدة الوهم فيه عن النفس،وانتفت النعرة التي تحمل عليها العصبية فلا منفعة حينئذ…)).وهو يربط بين هذه النزعة وبين حالة الفقر والتخلف..
وظلت المشكلة تعيش في حياتهم منذ ذلك الزمن..لذا فهم دوما قليلوا الثقة بالآخرين.ويظنون دوما بالآخرين السوء والسعي لانتزاع ما في يدهم حكما او غيره..ودون تفهم لطبيعة ومجريات الأحداث –بحسب العصر والقيم السائدة فيه- أو بعبارة أخرى عدم تفهم الواقع بأشكاله المختلفة ومعطياته المتغيرة ..! ويمكن تسمية ذلك بالفكر السكوني الذي ميز طبيعة التفكير عندهم..فكل جديد يمثل خصما او عدوا لهم..وقد أبقاهم ذلك في حال من التخلف ،يعترف بذلك، مثقفوهم ومفكروهم المتنورون و،المتحررون بقوة، في مختلف المنابر (التلفزيون-الكتب المجلات الجرائد..الخ) ولعل ذلك يفيد في التحرر من المعيقات الذهنية ويحرر السيكولوجية من المؤثرات المعيقة للتطور..وربما ضعف فعالية الفكر وتطبيقاته يجعلهم يعوضون عن ذلك بنوع من الوهم الذي تجسده الشعارات والصخب الإعلامي والنزوع الهجومي في التشخيص والتقدير والحوار-إذا أمكن تسميته حوارا أصلا-الاتجاه المعاكس في قناة الجزيرة مثل واضح ،صخب وشتائم وهجوم وتخوين..الخ.!
في العراق………..!
إذا كان هذا الأمر ينطبق على السيكولوجية والذهنية العربيتين، فإن العراق يحتل الموقع الأول في ذلك..فالعراق بلد قديم جدا من حيث السكن البشري فيه –بلاد ما بين النهرين – وقد تعاقب على الوجود فيه شعوب مختلفة من أعراق وثقافات مختلفة، فضلا عن كونه كان محط حروب طاحنة ومتتابعة منذ فجر التاريخ، سواء من اليونان والمصريين او الشعوب المجاورة –وهذا أمر معروف- أو بين بعضهم بعضا، وقد أعطى هذا الأمر، العراقيين سيكولوجية خاصة متعايشة مع المشاكل والحروب .. وظهرت الخاصة المظهرية في حياتهم أكثر مما افقدهم بعض توازن نفسي وذهني انعكس أسلوبا في التحليل والتشخيص.. لعل عنصر العنف فيه ذو دور واضح تاريخيا.. ربما للطبيعة وتشكيلاتها الصحراوية والجبلية دور مؤثر في هذه السيكولوجية..
إضافة الى ليّّّّّّّ عنق الحقائق بدوافع سياسية أو عرقية.. كمحاولة اعتبار كل المنحدرين عن السامية عربا –السريان-الآشوريون-الكلدانيون.. وهم طبعا يرفضون ذلك ويبحثون عن خصوصيتهم القومية ما عدا حالات منتفعة ضمن بلدان معينة كالمنخرطين منهم في حزب البعث انتفاعا فقط..
ولعل هذا هو السبب في رأي البعض بان العراق موطن الشقاق والنفاق..ومن ثم كان لموقف الحجاج المشهور في قوله:
إني لأرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها..واني والله لها …
بعد تلاوته بيت الشعر المعروف:
هذا أوان الشد فاشتدي زيم ==== قد لفها الليل بسواق حطم
من هنا تنبع الخصوصية العراقية والتي استغلها النظام السابق أحسن استغلال,,وكاد ان ينجح في زرع فكرة ان العراق لا يحكم الا بهذا النوع من الحكم والحكام..بل ان الدول المجاورة والمحللين السياسيين العروبيين استغلوا الأمر ليشيروا الى شيء من هذا.
والحقيقة ان هذه الفكرة مكرسة في الثقافة السياسية العربية منذ البدايات..فالحاكم ينبغي ان يكون (سوبرمان) إذا جاز التشبيه..لذا فإن إحاطته بهالة خاصة من مستلزمات الثقافة الحكمية عندهم..وبما انه ليس –في الحقيقة –كذلك.فلا بد من إكثار الطبالين والزمارين ليصوروه على الشاكلة المص3ورة في الأذهان.ومن جهة أخرى فإن طاقما من الحماة للحكم صبح ضرورة سياسية،ويتجسد في جيش عرمرم من أجهزة الأمن والاستخبارات الداخلية يرهبون به عدو الحاكم -الشعب-..! ويستهلك هذا التصور السلوك المبني عليه، غالبية أموال ووقت الحكم لخدمة الشعب.!
ولكن الأمريكان كانوا أفضل تشخيصا عندما أشاروا الى فكرة الفوضى الخلاقة .ويبدو أنهم قد صرفوا جهدا ووقتا لاكتشاف هذه الحقيقة ..فإن تطوير ذهنية كهذه لا يمكن الا بتحطيم بنيتها..
وإعادة صياغتها من جديد..-وهذا محط الحساسية الشديدة لدى أصحاب الفكر السكوني عادة..فكل جديد خصم وعدو يريد ان يهدم ما يرونه –نظريا- رغم ما يعانونه من سوء ممارسة هذا القديم..!
ولكن هل ينجح الأمريكان في ذلك؟
المشكلة ان الأمريكان ليسوا رسلا..بل أمة متقدمة تكنولوجيا وعلميا واقتصاديا وعسكريا..الخ
ولهم تركيبتهم الثقافية والتي تلعب المصلحة دورا مركزيا في بنيتها.. فكيف يمكنهم ان يوفقوا بين هذه العناصر.
للبحث صلة……………
——-
[i] –الموسوعة الفلسفية المختصرة –ترجمة جلال العشري وآخرون-تدقيق زكي نجيب محمود
[ii] -للدكتور عوض محمد القرني رأي آخر في ترجمة الكلمة عرضها في كتابه العلمانية –التاريخ والفكرة، يقول فيها((أصل العلمانية ترجمة للكلمة الإنجليزية ” secularism ” , وهي من العلم فتكون بكسر العين , أو من العالم فتكون بفتح العين , وهي ترجمة غير أمينة ولا دقيقة ولا صحيحة , لأن الترجمة الحقيقية للكلمة الإنجليزية هي ” لا دينية أو لا غيبية أو الدنيوية أو لا مقدس” , لكن المسوقون الأول لمبدأ العلمانية في بلاد الإسلام علموا أنهم لو ترجموها الترجمة الحقيقية لما قبلها الناس ولردوها ونفروا منها, فدلسوها تحت كلمة العلمانية لإيهام الناس أنها من العلم, ونحن في عصر العلم, أو أنها المبدأ العالمي السائد والمتفق عليه بين الأمم والشعوب غير المنحاز لأمة أو ثقافة )).
[iii] -الشيخ حميدي دهام الهادي رئيس قبيلة الشمر في سورية يفرق بين مفهوم القبيلة والعشيرة لصالح أهمية القبيلة وهو من دعاة تكريس دور القبيلة في الحياة الاجتماعية والسياسية .وهذا ما نلاحظه عمليا في واقع العراق الآن..
[iv] – النص التاسع- من مقدمة ابن خلدون –المختار من التراث العربي-سهيل عثمان و محمد درويش-وزارة الثقافة دمشق1978
و النص العاشر (في ان الصريح من النسب إنما يوجد للمتوحشين في الفقر من العرب ومن في معناهم) ويشرح ذلك دالا على تخلف التشدد في النسب (أي الأسلوب القبلي في التفكير وتكوين العلاقات..) وهو ما يدعى بالعصبية كسمة لنمط التفكير هذا..!
——
و النص العاشر (في ان الصريح من النسب إنما يوجد للمتوحشين في الفقر من العرب ومن في معناهم) ويشرح ذلك دالا على تخلف التشدد في النسب (أي الأسلوب القبلي في التفكير وتكوين العلاقات..) وهو ما يدعى بالعصبية كسمة لنمط التفكير هذا..!
——
خاص جريدة الاتحاد الوطني الكردستاني