وقفة مع الجرح !!! في ربيع ساخن

  عبد الرحمن آلوجي

كان ذلك مساء 23 آذار2008م ، في منزل الشاعر والكاتب الصديق إبراهيم اليوسف ذلك الذي تربطني به علاقات عائلية  قديمة،لم تكن الزيارة -هذه المرة – معتادة ، كانت زيارة مواساة ، ومداواة، تأهبنا لها مع مجموعة من رفاقنا ،شملت جراحاتنا وجرحانا في غمرة احتفالات شعبنا الأعزل الصامد  ،بعيده القومي (نوروز)….
خرجنا من مآتم الشهداء ..إلى مراقد الجرحى …وكان كرم إبرا هيم اليوسف واحد اًمن أولئك، ممن استوقفنا وآلمنا من الأعماق.. وقفت أتأمل ذلك الفتى ((كرم)) باندفاعه وحيويته ودفق شبابه  المعهود…
راح يروي لنا قصة تلك الطلقة التي مست كل نبضة في كيانه المتدفق حياة وألقاً.. تلك التي خرقت جانباً من رأسه.. لتحرق وتدمي.. وتولول هاربةًً.. نافخةً كل أسباب الويل.. هادرة كأنها تخرج في معركة دامية..  تزرع الرعب وتعمق الألم في كل حاسة من كيانه المفعم.. الغض.. روى لنا, كيف شاهد مشهد الموت شاخصاً.. بأنيابه الحمراء.. بأظفاره الرهيبة.. برائحة الدم  تطلق  بعنجهية  وغزارة..  ،سالت الكلمات مرسلة من بين شفتيه وهو يرصد لحظة الموت:
أدركت أني أعانيه.. أعانيه بكل كيانه.. بكل تراكماته و آلامه..  ،أعاني الموت وأنا أراجع شريطاً خاطفاً.. علبة التبغ.. وقد نفضت منها (سيجارة) واحدة.. لمن أدعها ؟! والدتي.. إخوتي.. أصدقائي … لمن أترككم ..؟ هل يمكن أن يكون الوداع حاراً دافقاً.. عنيفاً.. مؤلماً إلى هذا الحد ؟!.
ماذا كنت قد  جنيت.. حتّى أخرج من هذه الحياة.. وأنا لا أزال في عنفوان فتوتي ؟! ، لم أفرغ من طاقتي .. من مشاعري .. من أفكاري.. من مشاريعي..  ،من أملي بالحياة لأمتي ..،لم أفرغ إلا القليل..، هناك عطاء كثير أريد أن أعانقه .. هناك آمال عريضة.. هناك.. هناك.. ،هل يمكن أن يحول الموت دونها وهو يدب في أوصالي.. أن يقطعني عنها.. أن يطفئ شعلة الحياة في كياني ؟! .. ،ينفض كل ذرة حياة في أعماقي ؟! كيف يمكنك – يا كرم – و أنت تعاني لحظات الموت .. أن تنسى أنك في عمر الورد , لما تقض منه وطراً؟!
هل يستحق هذا العمر الوردي أن يقطف في المهد ؟!.. ماذا جنيت حتى تودع الحياة -وهي تضج بالأمل – مكرهاً .. مساقاً إليه , تحت رائحة الدم.. يتدفق من عروقك ؟!
 سؤال مشروع.. كنت أطرحه على نفسي ، وأنا أتمرّغ في دمي .. هل كان جزاء ذلك إني من امة مفدية؟! هل جنت هذه الأمة نكرا دائماً حتى تعذب في فلذات أكبادها؟! هل أساءت إلى البشرية لأنها امتلكت مفتاح أقدم حضارة على وجه الأرض؟!
 هل كان ذنبها أنها قدمت آلاف العباقرة والأعلام.. وكانت أرضها تصافح سمائها في نبعة الخير .. مخضلة .. خضيرة .. ومنسابة في وديان وينابيع .. غارقة في تغريدة البلابل و الشحارير ؟! عامرة بالحياة .. دافقة بالآمل .. منسابة إلى الغد ؟! لقد كنت أشمّ رائحة عزرائيل .. وهو يقتطف روحي كياناً متوهجاً.. متألماً .. ظامئاً .. يبحث في لحظة الفراق عن أخلاء و أصدقاء .. وناد يجمعنا .. ومناقشات محتدمة .. حول الصحافة و الشعر والأدب .. كانت لحظات لم أجد لها مثيلا .. في حياتي .. هذه التي لم تلوث بخيانة .. ولم تجرح بخطيئة .. ولم تدنس بالتواء أو نفاق .. أو مكيدة .. هل يمكن أن يكون جزائي أني من قوم لم يخونوا ولم يخدعوا .. ولم يفكروا في الغدر ؟! بل كانوا – في كل حين – دعاة سلام وأمن .. ورسل محبة وانفتاح .. يخرجون إلى يومهم الجديد .. بمباهج و أهازيج .. ورائحة الرماد ؟! تذبح في ديرسم وزيوا وحلبجة و قامشلو ؟!

 حرام عليكم .. أن تقطفوا هذه الزهرات اليانعة .. وهي في براعمها .. حرام عليكم أن تدمروا فرحة الطفولة .. أن تمزقوا هذه الثياب الزاهية .. أن تلطخوا عبق الياسمين برائحة البارود .. وبقع الدماء .. وهي تشخب من شرايين .. تهب الحياة .. لأننا أمة محبة وعلم وإخاء .. حرام أن يجتاحني هذا الشعور , وأنا أرسم لوحتي الجميلة .. يطير منها ألف لحن و لحن .. وألف لون و لون .. نقياً زاهياً .. متالقاً غارقاً في النور .. لقد كانت لحظات دامية .. مرعبة .. سرعان ماوجدت نفسي محاطاً بأصدقاء كنت أتطلع إلى لقائهم في عالم آخر .. ولكني لا أدري كيف عدت إلى الحياة مرةً أخرى .. لأسمع أن زهرات من أصدقائي وأهلي قطفت .. وسافرت عبر قطار الزمن إلى عالم آخر سحقت وانطفأت .. تألمت كثيراً .. بكيت في أعماقي .. وصحوت على أصواتهم .. وأصوات أهلي .. وعدت مرة أخرى إلى الحياة!!.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

فراس حج محمد| فلسطين

في النص الأخير قلت شيئاً شبيهاً برثاء النفس، وأنا أرثي أصدقائي الشعراء:

كلّما ماتَ شاعرٌ تذكّرتُ أنّني ما زلتُ حيّاً

وأنّ دوري قريبٌ قريبْ

ربّما لم يُتَحْ للأصدقاءِ قراءةُ قصائدهم في رثائي المفاجئ

وها هو الشاعر والناقد محمد دلة يغادر أصدقاء على حين فجأة، ليترك خلفه “فارسه الغريب” ونقده المتوسع في قصائد أصدقائه ونصوصه. محمد دلة…

أحمد جويل – ديرك

 

لقد أدمِنتُ على تذوّق القرنفل كلَّ يوم،

ولم يكن باستطاعتي التخلّص من هذا الإدمان…

وذات يوم، وكعادتي الصباحيّة، دفعتني روحي إلى غيرِ بُستان،

علّني أكتشف نكهةً أُخرى،

لعلّها تُداوي روحي التي تئنّ من عطره…

 

بحثتُ في ثنايا المكان…

وإذا بحوريّةٍ سمراء،

سمراء كعودِ الخيزران،

تتزنّرُ بشقائقَ النّعمان…

عذرًا، سأكمل الخاطرة لاحقًا.

 

شقائق النعمان كانت تخضّب وجنتيها برائحةِ زهرة البيلسان.

أمسكتْ بيدي، وجعلنا نتجوّلُ…

سيماف خالد جميل محمد

 

هناك حيث تنبعث الحياة، حيث كانت روحي تتنفس لأول مرة، هناك أيضاً أعلنتْ روحي مغادرتها، لم يكن من الممكن أن أتخيل ولو للحظة أن تغادرني أمي، هي التي كانت ولا تزال الصوت الوحيد الذي أبحث عنه في الزحام، واليد التي تربت على قلبي في الأوقات الصعبة، كيف يمكن لخبر كهذا أن يتسلل…

بدعوة من جمعية صحفيون بلا حدود الدولية، أقيمت اليوم، السبت ٦ نيسان ٢٠٢٥، أمسية شعرية متميزة في مدينة إيسن الألمانية، شارك فيها نخبة من الشعراء والكتّاب اعضاء الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد.

وشهدت الأمسية حضورًا لافتًا وتفاعلاً كبيرًا من الحضور، حيث تناوب على منصة الشعر كل من:

صالح جانكو

علوان شفان

يسرى زبير

بالإضافة إلى الصديق الشاعر منير خلف، الذي…