حوار مع الفنان التشكيلي بشار برازي

اجرى الحوار: آزاد

في البداية سررت بان أكون ضمن الحضور في افتتاح معرضك الشخصي وأهنئك على ما  قمت به من انجاز في مجال النحت, كما أريد أن تعرف القارئ من هو بشار برازي.

شكرا لحضوركم معرضي ورؤية أعمالي, فالمشاهدين دائما يشجعون الفنان على الاستمرار وخصوصا إذا كان المشاهد إعلاميا أو ناقدا تشكيليا أو صحفيا فهذا يعني لي الكثير. ولأي فنان. فانتم من يحاور وانتم من يسعى دائما لنشر أعمال وفكر الفنان بعد نقده وتمحيصه وتقديمه للقارئ والمشاهد. أشكركم ثانية لحضوركم.

اسمي بشار برازي .. تخرجت من قسم النحت في كلية الفنون الجميلة بدمشق وادّرس حاليا مادة النحت في معهد إعداد المدرسين بمدينة حلب.
متى بدأت العمل بمجال النحت. ومن له الفضل باكتشاف الموهبة لديك؟

للأسف بدأت النحت متأخرا. أي بعد تخرجي بعشرة سنوات أو أكثر ولست هنا بصدد تبرير انقطاعي بسبب الأولويات. المنزل، المال، كما يقولون (الفن لا يطعم خبزا) .. وأنا الآن مقتنع وكما كتبت د. محمد فؤاد بتقديمه لمعرضي الأول قائلا: (ليس المهم أن بشار برازي قد تأخر المهم أنه قد بدأ). أما من ناحية الموهبة … فبرأيي لا أحد يكتشف موهبة أحد. وخصوصا في مجال الفن التشكيلي. هناك من يساعد أو يشجع معنويا أو ماليا بمقابل أو دون مقابل موهبة ما. لكن الفنان بعمله المتواصل وبتوسيع ثقافته النظرية والبصرية هو من يكتشف نفسه.. أو بالأحرى أسلوبه بتنفيذ أفكاره وطريقة طرحه لها سواء كانت تشكيلاً أم شعراً وأنا مقتنع بان الموهبة تشكل النسبة الأقل من المثابرة … فقليلا من الموهبة وكثيرا من العمل قد تنجح أعمالا مهمة.
 
ماذا عن مشاركاتك الفنية هي فردية أم جماعية؟

معرضي الأول كان في صالة الخانجي بمدينة حلب بعنوان (ما خفي أحلى) واعتبره أجمل معرض في العالم (تصوّر). وكما اعتقد بأن سعادة كل الفنانين بمعرضهم الأول تجعلهم يحسون نفس الإحساس بأنهم الأهم والأجمل. أما المعارض الثنائية والجماعية فهي كثيرة جداً.
 
لاحظت في بعض أعمالك فراغا واسعا. ولكن بإطار. فهل هذا الفراغ متروك للمشاهد كي يشاركك بوضع اللمسات الأخيرة وبطريقته على العمل.

 – فعلا هذا ما قصدته وملاحظتك مهمة وقد اكتشفت هذه الصيغة بالعمل الثاني وليس الأول من تجربة اللعب على الفراغ وبدأت أركز أكثر بعد جدارية (المفكر) هكذا أسميتها  فالجدارية مؤلفة من رأس مائل ورجلين ضخمتين متدليتين من مستطيل واسع فارغ وأهملت باقي الجسد وعندما رآه احد أصدقائي قال لي مباشرة ومن مقدمات. أهذه جدارية لعازف عود؟ هكذا رأى صديقي ببصره  فيصبح عازف، مفكر، كاتب، محبط… الخ وبذلك ألغيت تسميتي للعمل تاركا ذلك للمتلقي.
 
 في معرضك ابتعدت عن الواقعية بشكل كامل. هل التكوين الفراغي أو الترميز يسهل على الفنان إيصال فكرته بطريقة أفضل ؟

لا أحب الغوص بمتاهات المدارس الفنية وتسمياتها .. فالواقعيين يتهمون التجريديين بعدم معرفتهم للرسم أساسا ويهربون إلى التجريد خوفا من كشفهم والتجريدي يتهم الواقعي أو الكلاسيكي بالجمود. والى أين سيصلون وماذا سيقولون … الخ
وارى بأن الفن رائعا بكل أساليبه ومدارسه ولا احد قادر على إلغاء الأخر فالفن أكثر حرية من أن يقيد بأسلوب وأنا يحاصر بمدرسة.
 
ما سر وجود سيامند وخجي وما مدى تأثير هذه الملحمة عليك لتجسيدها كعمل فني ؟

هناك تشابه شديد بفكرة الحب والتضحية. طريقة الحياة وقسوة المجتمع والقدر  تربط بين شخصيات متشابهة تقريبا. سيامند، انكيدو، حي بن يقظان فقمت بالعمل أكثر من جدارية كبيرة (ثلاثية) تتناول هذه الشخصيات ودخولها عالم الإنسان عن طريق المرأة التي (انسنتهم) بالحب وجعلتهم أشخاصا يساهمون في بناء الخير ويقاتلون الشر مع اشتراكهم في نهايتهم المأساوية الموت من اجل الآخر … الحبيب .. الصديق …
وقد عالج هذه الشخصيات وتناولها كثير من الفنانين. وستظل تلهم آخرين لإبداع أعمال جديدة.
 
 المولوية والفراغ مررت عليها أكثر من مرة وفي كل مرة أرى الجديد ما هي رسالتك من تلك الجدارية ؟

الفنان محسن الخانجي وكذلك وليد كموش وآخرين قد رسموا المولوية بعشرات الوصفيات وقد دخلوا في تفاصيل فكر المولوية الصوفي أما أنا فقد أعجبت بالتشكيلات والدوائر التي يرسمها الراقصون مجتمعين بأجسادهم وألبستهم الخاصة في فراغ المكان فأبقيت الرأس والأيدي. واختصرت باقي الجسد بدائرة أو شكل بيضوي. والدوران هو أول ما يشدك في الرقصات وهي الفكرة الرئيسية في فلسفة المولوية .. ولم أتعمق في ذلك هدفي كان التشكيل الجديد وليست فكرة المولوية ذاتها.
 
وجدت عدة جداريات في معرضك هي عبارة عن مستطيلات وأرجل ورؤوس. ما رسالتك من هذه الأعمال ؟

هي طريقة أو أسلوب للتعبير عني أنا … بدون التأثر بأحد فاغلب النحاتين ليس في سوريا فقط بل بالعالم كله تجد تأثيرات واضحة من أسلوب النحات العالمي هنري مور أو جياكو ميتي  … وبطريقة تبسيطهم للكتل وعلاقتها مع الفراغ … وأرجو أن أكون قد وفقت بالهروب من مطب التقليد أو التأثر .. أو لطش أفكار الآخرين.

  لنترك فن النحت قليلاً .. ماذا عن اهتماماتك الأخرى؟

أنا اعشق الموسيقى. وأجيد العزف على آلة العود ولي الحان كثيرة مسجلة في التلفزيون السوري (طبعا أغاني للأطفال) وكذلك شاركت بتلحين ووضع موسيقا لمسرح الطفل وعملت مع أكثر من مخرج مسرحي مثل زكي كورديللو، عدنان سلوم، مأمون الخطيب … وكذلك صممت شفافات خيال الظل ودمى لعدد  من مسرحيات الأطفال.
 
 ماذا تقول ككلمة أخيرة؟ ولمن توجهها إلى المسؤولين أم للشباب الذين يتوجهون لفن النحت وهل تشجعهم على العمل بهذا المجال الصعب؟

بصراحة فن النحت مهمل نسبيا إذا ما قيس بالتصوير مثلاً والفنون الأخرى .. من قبل الدولة والمجتمع معاً. والنحات يعاني من صعوبات كثيرة كالمكان الواسع البعيد عن السكن أي المشغل وكذلك الجهد المضني أثناء العمل وعدم وجود مساعدين وارتفاع سعر الأدوات … الخ
حتى أن بعض النحاتين تركوا النحت وتوجهوا للفنون الأخرى بسبب هذه الصعوبات ومع أن النحت حافظ للفكر والتاريخ كما يقال عنه. ولكن ما يفعل لأجله هو اقل بكثير مما يستحق وأتمنى بالا تجبرني المصاعب على فراقه.


شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أعلنت منشورات رامينا في لندن، وبدعم كريم من أسرة الكاتب واللغوي الكردي الراحل بلال حسن (چولبر)، عن إطلاق جائزة چولبر في علوم اللغة الكردية، وهي جائزة سنوية تهدف إلى تكريم الباحثين والكتّاب المقيمين في سوريا ممن يسهمون في صون اللغة الكردية وتطويرها عبر البحوث اللغوية والمعاجم والدراسات التراثية.

وستُمنح الجائزة في20 سبتمبر من كل عام، في…

في زمنٍ تتكسر فيه الأصوات على صخور الغياب، وتضيع فيه الكلمات بين ضجيج المدن وأنين الأرواح، يطل علينا صوتٌ شعريّ استثنائي، كنسمةٍ تهبط من علياء الروح لتفتح لنا أبواب السماء. إنه ديوان “أَنْثَى عَلَى أَجْنِحَةِ الرِّيحِ” للشاعرة أفين بوزان، حيث تتجلى الأنوثة ككائنٍ أسطوري يطير فوق جغرافيا الألم والحنين، حاملاً رسائل الضوء، ونافخاً في رماد…

ماهين شيخاني

كان مخيم ( برده ره ش ) يرقد بين جبلين صامتين كحارسين منسيّين: أحدهما من الشمال الشرقي، يختزن صدى الرياح الباردة، والآخر من الغرب، رمليّ جاف، كأنّه جدار يفصلنا عن الموصل، عن وطنٍ تركناه يتكسّر خلفنا… قطعةً تلو أخرى.

يقع المخيم على بُعد سبعين كيلومتراً من دهوك، وثلاثين من الموصل، غير أن المسافة الفعلية بيننا…

إدريس سالم

 

ليستِ اللغة مجرّد أداة للتواصل، اللغة عنصر أنطولوجي، ينهض بوظيفة تأسيسية في بناء الهُوية. فالهُوية، باعتبارها نسيجاً متعدّد الخيوط، لا تكتمل إلا بخيط اللغة، الذي يمنحها وحدتها الداخلية، إذ تمكّن الذات من الظهور في العالم، وتمنح الجماعة أفقاً للتاريخ والذاكرة. بهذا المعنى، تكون اللغة شرط لإمكان وجود الهُوية، فهي المسكن الذي تسكن فيه الذات…