قوس بلا قزح

محمد علي علي

“العصافير تطير، والأوراق تسقط .. مّر الصياد.. العصافير تسقط، والأوراق تطير”.
      “جاك بريفيرت”

زيت وزعتر، وأحياناً قطعة سكر، حلمنا، قوتنا اليومي لعصافير تعيش في أعشاش من قشّ البيدر، تزقزق ليل نهار كلّما اشتدّ الجوع أكثر !
الجوع كافر، الفقر والعوز، المرض والفاقة. كلّها نيران تلتهم أزاهير العمر من روضة، من دوحة، غاب عنها دفء الشمس وظل الشجر.
الفقر ليس عيباً، بل العيب أن لا تطير العصافير، أن تجوع على أفنان الشجر، وأن تموت في أعشاشها إن لم يسقط المطر!
سماء بلا عصافير قوس بلا قزح
عصافير بلا أعشاش  قوس بلا نصر
أعشاش بلا شجر قوس بلا وتر

العصافير لم تعد تطير في السماء اللازوردية، لم تعد تغني أنشودة المطر، بل تزحف على بطونها في الأرض، تنبش بمناقيرها الغضّة الطرية الدروب العتيقة بحثاً عن حبّات قمح يذرّها أنين الريح من صهيل الجهات!
عصافير “متسوّلة”، مقصوصة الجناح، تزقزق بطونها جوعاً، غدر بها الزمان والمكان، والأرض والسماء، تلوذ بالفرار من الغربان ،من “فزّاعة”الخراب والأطلال ،تهرب من بروق العواصف ورعود الأعاصير، فلا عشّ يؤويها في الصغر، ولا سماء تحميها عند الكبر.
عصافير يتيمة بعيون حزينة، تتأمّل فتات الخبز المتعفّن بين أزقة المدن، وعلى قارعات الطرق، تتوق لسنابل الحقول ودروب البساتين الظليلة عند الغروب والشروق، بانتظار فجر جديد يورق العشب والشجر بالخضرة والثمر.
أيّها الصياد لا تمرّ من هنا !
أيّها الصياد لا تطلق الرصاص، لا تقتل الشمس !
لا تجرح السماء بالنار..
 فوطن العصافير سماء وشمس وضياء !

أيّها الأفق الكئيب،لا تسأم من المغيب ،
العصافير لن تلبس الأكفان ،والشمس لن يخطفها الغمام ،
فهناك في الحقل مازالت تغرد كلّ صباح  ،على جبين الفجر الوليد بنشيد للخبز، سترتدي أجنحة مخمليّة، أرجوانية الريّش، وردية الزغب، ستطير من جديد عالياً، ستغنّي بلسانها الذهبيّ:
السماء فسيحة، فيها فسحة تكفي قوس قزح،
وغيمة مطر
الأرض طيبة، فيها تربة تكفي سنبلة قمح،
وغرسة شجر
السماء عشّنا
الشمس دفئنا
والأرض أمّنا!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

سيماڤ خالد محمد

مررتُ ذات مرةٍ بسؤالٍ على إحدى صفحات التواصل الإجتماعي، بدا بسيطاً في صياغته لكنه كان عميقاً في معناه، سؤالاً لا يُطرح ليُجاب عنه سريعاً بل ليبقى معلّقاً في الداخل: لماذا نولد بوجوهٍ، ولماذا نولد بقلوب؟

لم أبحث عن إجابة جاهزة تركت السؤال يقودني بهدوء إلى الذاكرة، إلى الإحساس الأول…

خالد بهلوي

بحضور جمهور غفير من الأخوات والإخوة الكتّاب والشعراء والسياسيين والمثقفين المهتمين بالأدب والشعر، أقام الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكُرد في سوريا واتحاد كردستان سوريا، بتاريخ 20 كانون الأول 2025، في مدينة إيسين الألمانية، ندوةً بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل الأديب الشاعر سيدايي ملا أحمد نامي.

أدار الجلسة الأخ علوان شفان، ثم ألقى كلمة الاتحاد الأخ/ …

فراس حج محمد| فلسطين

لست أدري كم سيلزمني لأعبر شطّها الممتدّ إيغالاً إلى الصحراءْ
من سيمسك بي لأرى طريقي؟
من سيسقيني قطرة ماء في حرّ ذاك الصيف؟
من سيوصلني إلى شجرة الحور والطلع والنخلة السامقةْ؟
من سيطعمني رطباً على سغب طويلْ؟
من سيقرأ في ذاك الخراب ملامحي؟
من سيمحو آخر حرف من حروفي الأربعةْ؟
أو سيمحو أوّل حرفها لتصير مثل الزوبعة؟
من سيفتح آخر…

حاوره: طه خلو

 

يدخل آلان كيكاني الرواية من منطقة التماس الحاد بين المعرفة والألم، حيث تتحوّل التجربة الإنسانية، كما عاينها طبيباً وكاتباً، إلى سؤال مفتوح على النفس والمجتمع. من هذا الحدّ الفاصل بين ما يُختبر في الممارسة الطبية وما يترسّب في الذاكرة، تتشكّل كتابته بوصفها مسار تأمل طويل في هشاشة الإنسان، وفي التصدّعات التي تتركها الصدمة،…