شيرين كيلو قصائدها خفقات عامودا تنبض في الروح ..!! ( 2/ 2 )

حسين أحمد

شيرين كيلو شاعرة متميزة تخوض غمار الكتابة الادبية منذ فترة لابأس بها, اشكالية في جل قصائدها وأشعارها, وواقعية وموضوعية حتى الوجع في رؤاها الفكرية وخاصة فيما يمس قضايا الإنسان المظلوم .شيرين تعي ماهية اللعبة الكتابية والشعرية إدراكاً رائعاً ،وتعمل بوعي في قراءة ملكوت النفس البشرية خلال تراكماتها المتتالية. وهي حاضرة بامتياز في ذاتها الأنثوية المقهورة كامرأة مغلوبة على أمرها في شرقنا المغبر ثقافياً وسياسياً واجتماعياً.
تسافر إلى برازخ الكتابة عبر صفحاتها المبعثرة وهي في حالة شعرية مدامة. كما أنها تجيء إلى محراب القصيدة بحساسية ساحرة لتصل في بعض الاحايين إلى حد الانفلات الروحي, تتثقف بوحشية لذيذة فيما تشتهيها اناملها الكردية , وتأخذ بثقافتها المزركشة إلى المشهدية العامة بلا تردد او تريث ،لتمنح بدورها الحالة الثقافية الكردية آفاقاً شاسعة عبر إشارات ودلالات ومفردات مدونة باسمها , فيما تحملها هي للمرأة المعاصرة من فكراً وثقافة جميلتين, من هنا انها تسعى الى أن تكون شاعرة لها وزنها ومقامها في المشهدية الشعرية الكردية والتي تكتب بأنامل كردية .شيرين قدمت الكثير من نتاجاتها الثرية والجديرة بالتأمل في صميم صفحاتها المشبعة بالأحاسيس والمشاعر الانسانية الرقيقة إلى جانب المعرفة الجميلة والتي تمس هموم أبناء مدينتها عامودا ابنة التاريخ والأسطورة , ابنة الحرائق والمتاهات , ابنة المقابر الجماعية , ابنة الفجيعة ذاتها , عامودا التي أراد لها القدر إن تكون ثكلى بالتاريخ ثكلى بالهيتيين , والكوتيين, والطوروسيين, والسوباريين ,والاوركيشين, اجل لم تنسى الشاعرة على الاطلاق صراخات نسوة عامودا وهن تحملن أشلاء أطفالهن المتفحمة التي انتشلت من حريق سينما شهرزاد , وقد أذهلني كيف استطاعت الشاعرة ان تلامس معاناة هذه النسوة بدقة متناهية لتصرخ بأسمهن وباسم عذاباتهن الصعبة وهي تصور مشاعر امرأة ثكلى لم يخطف الموت فلذة كبدها الوحيد بقضاء الله وقدره بل بالحرق حياً حتى الموت. سمعتُ شيرين في أمسية ثقافية تنطق باسم الثكالى وكأنها كانت في جوف المحرقة لحظة الفجيعة في قصيدتها  (صوفي علي ) تصور رجل كهل اخذ ولده المحترق كلياً من بين الركام وهو عبارة عن  كومة من العظام عظما الساقين وجمجمة مفقوعة العينين وجسد مشوي وبعض الاصابع المقطوعة ووضعه فوق عربته الخشبية وهو يجول بها وسط بلدته المنكوبة , لينادي :
باذنجان أسود ..!!
تعالوا وتأملوا ..!!
ولا تشتروا ..! يا أهل الكرام ..!

من الغرابة أن شيرين اصغر بكثير من حدث السينما بل ربما لم تكن مولودة حين وقعت المأساة وأن دل ذلك على شيء إنما يدل على إنسانيتها الحميمة وإحساسها المرهف وقدرتها على ملامسة الذات الإنسانية المعذبة أينما تواجدت . أقول لولا الحياء كانت ادمعي ستذرف وأنا اسمع الشجن في قصائد شيرين لأمسية شعرية أذهلتني وحركت مشاعري من الاعماق حتى اعتقدت أن الزمن أعادني الى/13 / 11 / 1960 /  حيث تخيلت إنني أعيش مأساة الأطفال في لحظة شوائهم الجسدي والروحي والإنساني ,كما تؤمن الشاعرة إيماناً صادقاً بقضية اتخذتها على كاهلها وهي ان تكون رمزا للإنسان المقهور في ابرز جوانبه الحياتية ان كانت أجتماعية أو ثقافية أو إنسانية , لتنشد بأسلوبها الرائع  أجمل قصائد عن هذا الإنسان المفجوع في أديم هذه الجغرافية الواهنة  الذي اراد له الزمن ان يكون ابناً للعذابات والمأسي , ابناً لشرمولى المنكوبة , لكن رغم كل ذلك لم تحصل على نصيبها الطبيعي كشاعرة من الصحافة الالكترونية الكردية والعربية في ذات الوقت ربما لأنها لا تتهافت على الظهور والشهرة كثيراً لأنها مؤمنة أن الكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة أصلها ثابت وفروعها في السماء تأتي أكلها في كل حين, اذا هي واثقة بان الكلمة لابد ان تجد مكانتها المناسبة وتعلو شأنها في الالباب والقلوب النابضة في يوم من الايام دون الايهاب إلى وسائل الإعلام الحديثة أو غير ذلك.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…