أسماء للنسيان رواية لنسيان الأحداث الكبرى

  د.آزاد أحمد علي
pesar@hotmail.com

  هذه الرواية تسجل تفاصيل حياة اعتيادية، تنساب زمنياً في حي فقير بمدينة حلب السورية. رواية تفتقر إلى الأحداث النمطية، كما تفتقد في الوقت نفسه إلى الشخصيات المحورية، فهي تزدحم وتطفح بالتفاصيل اليومية والحكايات الثانوية، حكايات تعود لعدد من العائلات البائسة. عائلات محبطة، مصابة بأمراض اجتماعية صغيرة. عائلات مسيحية، مسلمة، أرمنية، عربية، كردية. رواية تحتضن مجتمع حاشية المدينة وهوامشها المنسية.
لا أحداث مهمة تدور بين دفتي هذه الرواية، لأنها ترصد حركة البشر العاديين، غير النمطيين، غير الأبطال. تعج بشخصيات قلما تصنع الأحداث الكبرى. أطفال يكبرون، ينتقلون من الألعاب اليومية إلى أحاديث ولغط الجامعة. من المشاغبات الطفلية في الشوارع إلى أفكار مراهقة في الجامعة. تزدحم الرواية بالشخصيات الثانوية جميعاً، فكلها شخصيات ثانوية. مجرد أسماء، لدرجة تبدو أنها رواية الأسماء والأطياف. حيث أن معظم الشخصيات تكنى في النص بأقل من اسمها الحقيقي، هي تلميحات، اقل من أسماء ( بنت أم هاسميك، ابن أم رامي) وهكذا..
 تماما كما في نص الرواية تجري الحياة في مدينة حلب عادية  سلسة، حواشي المدينة تستقبل المهاجرين بشغف، تتلقفهم من الأرياف والمناطق النائية، شباب وشابات يدخلون، الدخول ـ الحدث. شخصيات تتدفق في حواري حلب، سيل من الأسماء والأطياف، يأتون من كل أطراف سورية(طلاب، طالبات، مجرد أسماء: خدوج، عيوش، فطوم، شيرين…) يأتون بقصصهم وحكاياتهم الريفية الخاصة، يلتحفون عادات مدنهم الصغيرة. ترتصف هذه القصص والحكايات والسرديات والثرثرات كالمنمنمات على سطح الرواية ولا تصنع حدثاً بذاته:))  أعرف أن بتولاً ابنة عائلة من طرطوس، والدها مسؤول من الصف الثاني، وأمها من عائلة عريقة هناك. أخوها وأختها الكبيران سببا كثيراً من المتاعب والحرج لأبيهما، بسبب انخراطهما في نشاطات سياسية معارضة، ولم تدفع عنهما مكانة الأسرة الاعتقال أكثر من مرة. تلم بتول بالكثير من الأفكار السياسية بسبب أخيها وأختها, ولهذا فضل أبواها إبعادها لتكمل دراستها في حلب, ووجدتها هي فرصة سانحة للتخلص من شجارات أخيها وأبيها. تفخر بتول بجدها لأمها الذي كان قيادياً في حزب قديم, ومشهوراً في ريف المنطقة كلها كشخص مستقيم, وصاحب كلمة حتى على صهره المسؤول. تدرس بتول لتصبح “فلاحة مثقفة”, أي تدرس الزراعة, وتربطها بصديقتي أواصر عائلية, ترجع إلى أن أمها وأم رامي تنحدران في الأصل من قرية واحدة تقع في الوسط بين مدينتي حمص وطرطوس. جدها لأمها هو الذي أطلق على أخيها الكبير اسم محمد جورج, وبعد وفاة الجد كان الأمر قد استقر على مناداته بجورج, على عادت الأسماء المركبة عندنا, فأخي الصغير اسمه الأصلي نعمة الله ونحن نناديه: نعمت)).
رواية أسماء للنسيان للروائي الشاب عمر قدور تتابع رصد تحولات مجموعة من الأطفال المهمشين الذين حرموا من مباهج الحياة، من حنين ودفء الآباء والأمهات, أطفال فقدوا ذويهم في معارك الحياة الصغيرة:(( لقد فتحت عيني على الدنيا ولم أر بجانبي أبا, أرى الأولاد في أحضان أبائهم, أما أبي فهو غائب دائماً, أحبه بشكل غامض, أحبه لأنه أبي, بل اعتدت على حبه أكثر عندما يغيب. تأقلمت مع هذا الوضع في حمص, ولما وضعنا هنا في بيت جدي فقد حماني عبء الشجارات بين جدتي وأمي, لم تتفاهما مطلقاً, وفرض علي أنا الصغير أن أكون نقطة تجاذب بينهما, وأنا اشعر باستقلاليتي لان أهل أبي يفرقون بيني وبين أمي, ويفضلونني عليها. لا يكتب لي أن اهنأ باستقرار, فمن حمص إلى بيت جدي, ثم إلى حارتكم, ثم إلى حمص… ثم افقد أبي نهائياً)).
 وكأن الكاتب يود أن يسترجع بهذا النص الروائي أيام طفولته وطفولة أمثاله, ويستحضر طيفاً واسعاً من الأسماء والأفراد الذين مروا في حياته, كشريط مسجل, وكأنه يريد أيضاً نسيان الكثير من الأسماء والأحداث الصغيرة, ليغربلها ويصففها من جديد. وربما يحاول تثبيت اسم واحد أو أكثر لصديقة حميمة أو عشيقة دائمة.
أنها رواية تخص الحياة العادية, نص يعالج الحياة اليومية قبل فلترتها أدبياً, وكأن الكاتب يتقصد في أن لا يكتب عن أي حدث أو قضية كبرى, فالنص مخصص للمسائل الصغرى, وربما لان أحداثها تدور في مدينة عريقة مثل مدينة حلب, مدينة لا تجيد صنع الأحداث بقدر ما تنتج السلع وتتوسع في البنيان ويمتد عمرانها لتستوعب كل هذه الأسماء  ـ الحشود القادمة إليها من كل الجهات البعيدة. هذه الحشود التي قد لا تشكل في المحصلة اسماً واحداً.
ــــــــــــــ
أسماء للنسيان _ عمر قدور _ رواية
 دمشق _ وزارة الثقافة _ 2007
عدد الصفحات 165

** عن شرفات الشام، العدد (25) ـ  دمشق  24/3/2008

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماهين شيخاني

 

في قلب الجزيرة السورية، وعلى تخوم الخابور والحدود، نشأت بلدة الدرباسية في ثلاثينيات القرن الماضي لتكون أكثر من مجرد نقطة على الخريطة. فقد تحوّلت خلال العقود التالية إلى ملتقى اجتماعي نابض بالحياة، بفضل ما عُرف بـ”المضافات” – تلك المؤسسات الشعبية التي جمعت بين الضيافة، والحوار، والمكانة الاجتماعية.

المضافة: أكثر من مجلس ضيافة

في التقاليد الكوردية، لم…

غريب ملا زلال

“إن لم تجدني بداخلك، فإنك لن تجدني أبداً”
قول قاله جلال الدين الرومي، تذكرته وأنا أطوف بين أعمال التشكيلي رشيد حسو، بل أحسست أن أعماله تلك تخاطبني بهذه الجملة، وكأنها تقول لي: التفت إلى دواخلك فأنا هناك، وإذا أردت أن تقرأني جيداً اقرأ ما في…

فراس حج محمد| فلسطين

تعالَيْ
متّعي كُلّي بأعضائكْ
من أسفل الرأس حتّى رَفعة القدمينْ
تعالَيْ
واكتبي سطرينِ في جسدي
لأقرأ في كتابكِ روعة الفنَّيْنْ
تعالَيْ
واشعلي حطبي على شمع تلألأ
في أعالي “الوهدتين”
تعالَيْ
يا ملاكاً صافياً صُبّ في كأس امتلاء “الرعشتينْ”
تعالَيْ
كي أؤلّف أغنياتي منهجاً لكلّ مَنْ عزف الهدايةَ

في نضوج “الزهرتينْ”
تعالَيْ

كيْ أقول لكلّ خلق اللهْ:
“هذا ابتداع الخلقِ ما أحلاهْ!
في انتشائك شهوة في موجتينْ”
تعالَيْ
مُهْرة مجنونة الإيقاعِ
هادئة عند…

“في الطريق إلى نفسي” هو عنوان الديوان الثالث عشر للشاعر الكردي السوري لقمان محمود، وقد صدر حديثًا عن دار 49 بوكس في السويد. في هذا الديوان يكتب الشاعر قصائده بخبرة شعرية واضحة المعالم، بما تملكه من حساسية الرؤية وخصوصية الالتقاط والتصوير والتعبير. فالشاعر شغوف منذ ديوانه الأول “أفراح حزينة” عام 1990، بشدة التكثيف اللغوي وحِدَّة…