عدنان عجيل
التقيته مصادفة في عيد الصحافة الكردية فقدم لي مجموعته القصصية التي تحمل عنوان (الضياع) وفي تقاسيم وجهه نقش الضياع طقوسه وأبجدياته فكان لي وقفة مع هذا الضياع في زمن اللامنتمي .
التقيته مصادفة في عيد الصحافة الكردية فقدم لي مجموعته القصصية التي تحمل عنوان (الضياع) وفي تقاسيم وجهه نقش الضياع طقوسه وأبجدياته فكان لي وقفة مع هذا الضياع في زمن اللامنتمي .
أي ضياع قصده محمد علي ؟ اهو الاغتراب بمعناه الفلسفي ؟ ام هو الاستلاب الذي اصبح سمة المجتمعات المتشيئة , المجتمعات السلعية التي تحاول تجريد الانسان من انسنته وتحوله الى سلعة استهلاكية انه يشدد على صرخة نيكولاس: (ان ما يحدث في هذا العالم غير عادل , غير عادل, وانا لا اوافق على ذلك …).
محمد علي انتسب الى جبهة الادب في مواجهة الضياع وهو على يقين بان مهمة الادب تجميل الواقع , الادب ثورة على القبح وعلى مفرزات الفساد , انه سفينة النجاة امام طوفان الضياع , حيث يخاطب الجانب الانساني مشددا على البعد القيمي والعاطفي الذي بدونه تفقد الحياة توازنها السليم. عبر مجموعته البسيطة اعلن النفير العام ودق نواقيس الخطر منذرا بالضياع القادم من واقع متردي نعيش فيه باقنعة مزيفة , نحن ابناء القهر وسليل الغبار والقرى المنسية الموشومين بالغياب , نتيه بين احرف التاريخ اللامدون في واقع يضغط علينا بكل قساوة , نبحث عن النقاء في صدق الكلمة , في وجه عاشقة لم تشوبها زيف الطلاء.
سيكون الضياع دائم الحضور ما دمنا تحولنا الى كائنات مسخية مجردة من آدميتها , فاقدة للذات الحقيقية , كائنات هلامية متحولة تستمد اوكسجين حياتها بمدى تسويقيتها السلعوي او بمدى ابتعادها عن الادب والتذوق الروحي. كائنات ناقصة وجدت زيف السعادة في الاقتناء المادي تتملكها السخرية والازدراء لذاك العاشق الدونكيشوتي الذي يتغنى بهديل الحمام . كائنات تعاني حالة شيزوفرانية بين الامتلاك المادي والفقدان المعنوي.
والقاص محمد علي ليس الاول والاخير الذي يحاول تنبيهنا لهذه الحالة اللاسوية , الاستلابية التي يعانيها الانسان العولمي المصاب بداء القلق الوجودي , نحن مدعوين للبحث عن ذواتنا الحقيقية في خضم هذا الضياع. انه يوظف الواقع مبينا الاوجه والاشكال المتنوعة والمتعددة للضياع , فاذا كان للحب الوان وللعنف اشكال وللخيانة اوجه فان للضياع وجه متباين الاقنعة , ولعل قصته (القطيع المهاجر) احدى هذه الاقنعة , فهي تروي مأساة المهاجرين الهاربين من الضياع الى الضياع , كيف تم دسهم بين الماشية على احدى البواخر المتجه الى الفردوس المفقود بعد تغيير ملامحهم واسمائهم ولكن يكتشف امرهم من قبل خفر السواحل , يقول القبطان : “لقد غيرنا جميع معالمكم لكن الكلاب كشفتكم من رائحتكم البشرية ….. لم اكن اعرف ان رائحة لحم عشرات من البشر ستفوق على رائحة قطيع من الاغنام …. ياللرائحة البشرية النفاذة”.
اما في قصة (الضياع) التي تحمل اسم المجموعة يسرد حالة من الضياع اليومي التي يعانيها الانسان في واقعنا الاجتصادي , رجل هجرته زوجته تحت وطأة الفقر وتكاتل عليه الجيران مطالبين بديونهم و تقاسموا اغراض المنزل , يقرر الهروب الى العاصمة لايحمل سوى حقيبة سفره والكثير من الانكسارات, وفي الكراج يطلب منه المعاون وضع الحقيبة بين العفش والاحتفاظ بالبطاقة التي تحمي الحقيبة من الضياع, في المجتمعات الاستهلاكية تبدو الحقيبة اثمن من الانسان .
وفي قصة (المقبرة) يجسد حالة الهروب حيث القبر يشبه قلب كبير يتسع للكل, الاحياء والاموات , انه المكان الذي يستوي فيه الكل , المكان الذي لايسمح لاحد الدخول فيه قبل الاغتسال .
في قصة (الزيارة الابدية) يتحدث عن زيارة الجدة لقبر الحجي كل خميس وفي المناسبات وتقرأ الفاتحة ثم تتحدث معه وتروي له كل شيئ عن الاحياء وينتابها شعور بان الحجي يطلبها وبعد ايام وفت الجدة بوعدها ولبت طلب الحجي . ما البعد السيكولوجي وراء حديث الاحياء مع الاموات ؟ الا يعني هذا بانه ايحاء لاشعوري وكأن لسان حالها تقول : “كم بات العيش مع الاحياء مقرفا ولايطا ق ” او ما من حي قادر على احتواء انسانيتك المهدورة , وهنا يمثل الرحيل الابدي طابع الهروب من الضياع .
محمد علي يكتب عن خيبات الامل والاحلام ا لمبعثرة كما في قصة (دموع لو يراها العالم) , واحيانا يعيدنا الى تراث الف ليلة وليلة كما في (مطحنة الحبّ) . وفي القصة الاخيرة (وخز الطفولة) حيث يبدو البون شاسعا بين صفاء الطفولة وبرائتها وعالمها الشفاف وبين عالم الكبار بكل زيفه واقنعته واستبداده واستلابه و التي تحاول ان تجرد الطفولة من احلامها البيضاء لتصنعها على شاكلتها دون ان تدرك بان ذاكرة الطفولة تحتفظ بصور واحداث الماضي التي تؤسس شخصيته المستقبلية كما يؤكد علم النفس الطفل بان سبع السنوات الاولى للطفل تحدد شخصيته (مضت الايام وكذلك الاعوام …… لكن عقدته الطفولية بقيت تلازمه كظله, فكلما يسمع كلمة زوجة , يتذكر الفلقة , فيمسك بقدميه ويحس بوخز الابرة فيصيح التوبة …. التوبة).
سيكون الضياع دائم الحضور ما دمنا تحولنا الى كائنات مسخية مجردة من آدميتها , فاقدة للذات الحقيقية , كائنات هلامية متحولة تستمد اوكسجين حياتها بمدى تسويقيتها السلعوي او بمدى ابتعادها عن الادب والتذوق الروحي. كائنات ناقصة وجدت زيف السعادة في الاقتناء المادي تتملكها السخرية والازدراء لذاك العاشق الدونكيشوتي الذي يتغنى بهديل الحمام . كائنات تعاني حالة شيزوفرانية بين الامتلاك المادي والفقدان المعنوي.
والقاص محمد علي ليس الاول والاخير الذي يحاول تنبيهنا لهذه الحالة اللاسوية , الاستلابية التي يعانيها الانسان العولمي المصاب بداء القلق الوجودي , نحن مدعوين للبحث عن ذواتنا الحقيقية في خضم هذا الضياع. انه يوظف الواقع مبينا الاوجه والاشكال المتنوعة والمتعددة للضياع , فاذا كان للحب الوان وللعنف اشكال وللخيانة اوجه فان للضياع وجه متباين الاقنعة , ولعل قصته (القطيع المهاجر) احدى هذه الاقنعة , فهي تروي مأساة المهاجرين الهاربين من الضياع الى الضياع , كيف تم دسهم بين الماشية على احدى البواخر المتجه الى الفردوس المفقود بعد تغيير ملامحهم واسمائهم ولكن يكتشف امرهم من قبل خفر السواحل , يقول القبطان : “لقد غيرنا جميع معالمكم لكن الكلاب كشفتكم من رائحتكم البشرية ….. لم اكن اعرف ان رائحة لحم عشرات من البشر ستفوق على رائحة قطيع من الاغنام …. ياللرائحة البشرية النفاذة”.
اما في قصة (الضياع) التي تحمل اسم المجموعة يسرد حالة من الضياع اليومي التي يعانيها الانسان في واقعنا الاجتصادي , رجل هجرته زوجته تحت وطأة الفقر وتكاتل عليه الجيران مطالبين بديونهم و تقاسموا اغراض المنزل , يقرر الهروب الى العاصمة لايحمل سوى حقيبة سفره والكثير من الانكسارات, وفي الكراج يطلب منه المعاون وضع الحقيبة بين العفش والاحتفاظ بالبطاقة التي تحمي الحقيبة من الضياع, في المجتمعات الاستهلاكية تبدو الحقيبة اثمن من الانسان .
وفي قصة (المقبرة) يجسد حالة الهروب حيث القبر يشبه قلب كبير يتسع للكل, الاحياء والاموات , انه المكان الذي يستوي فيه الكل , المكان الذي لايسمح لاحد الدخول فيه قبل الاغتسال .
في قصة (الزيارة الابدية) يتحدث عن زيارة الجدة لقبر الحجي كل خميس وفي المناسبات وتقرأ الفاتحة ثم تتحدث معه وتروي له كل شيئ عن الاحياء وينتابها شعور بان الحجي يطلبها وبعد ايام وفت الجدة بوعدها ولبت طلب الحجي . ما البعد السيكولوجي وراء حديث الاحياء مع الاموات ؟ الا يعني هذا بانه ايحاء لاشعوري وكأن لسان حالها تقول : “كم بات العيش مع الاحياء مقرفا ولايطا ق ” او ما من حي قادر على احتواء انسانيتك المهدورة , وهنا يمثل الرحيل الابدي طابع الهروب من الضياع .
محمد علي يكتب عن خيبات الامل والاحلام ا لمبعثرة كما في قصة (دموع لو يراها العالم) , واحيانا يعيدنا الى تراث الف ليلة وليلة كما في (مطحنة الحبّ) . وفي القصة الاخيرة (وخز الطفولة) حيث يبدو البون شاسعا بين صفاء الطفولة وبرائتها وعالمها الشفاف وبين عالم الكبار بكل زيفه واقنعته واستبداده واستلابه و التي تحاول ان تجرد الطفولة من احلامها البيضاء لتصنعها على شاكلتها دون ان تدرك بان ذاكرة الطفولة تحتفظ بصور واحداث الماضي التي تؤسس شخصيته المستقبلية كما يؤكد علم النفس الطفل بان سبع السنوات الاولى للطفل تحدد شخصيته (مضت الايام وكذلك الاعوام …… لكن عقدته الطفولية بقيت تلازمه كظله, فكلما يسمع كلمة زوجة , يتذكر الفلقة , فيمسك بقدميه ويحس بوخز الابرة فيصيح التوبة …. التوبة).
وفي النهاية أي الدروب نسلك لنعثر على ذواتنا التي تتلاشى كاحلامنا الصغيرة في واقع يحكمه طغيان الضياع .