حوار مع الكاتب والمحامي حسن دريعي

 أجرى الحوار: مشعل أوصمان (بافي نسرين) 

mishelosman@hotmail.com

حبذا لو تحدثنا عن حياتك باختصار؟

ولدت في مدينة عامودا عام 1948 في أسرة متوسطة الحال ، ولكن في بدايات وعي المحيطي أمست أسرة معسرة تماما، طفولتي كانت كحياة أي طفل من أطفال عامودا الذين كبروا وترعرعوا ، خارج اهتمام وعناية الأهل والأسرة وتربيتهم وعنايتهم، يعني أنها طفولة ترعرعت ونمت “بورا” ، وهذه المرحلة من حياتي وحياة أندادي هي موضوع رواية أعتقد أنها لربما تكون  ثنائية أو ثلاثية، الأولى هي بعنوان (“اليتيم” ..عندما يقبر اليتم الطفولة ينتشلها التهريب إلى أوحاله..).  

وإن شاء الله سوف تجد طريقها إلى النور في القريب العاجل لأنها الآن هي في وزارة الأعلام للموافقة ، هذه الرواية التي تبحث في تلك المرحلة من طفولة أطفال عامودا بشكل عام ومدى بؤسها وعوزها وفاقتها.. كانت أعجوبة بالنسبة لمن هم مثلي وفي وضعي أن يترفعوا إلى المرحلة الإعدادية حلم الأحلام، حقيقة كانت أعجوبة لا تصدق، ورغم ذلك اجتزت حتى المرحلة الإعدادية بدون تأخير بعذابات لا حدود لها..  كانت طموحاتي وأنا المعاصرلأخي رشيد وشغفه بأعداد مجلة الموعد وناي عبد الرحمن دريعي وعصمت فتح الله وإجادته لتقليد فريد الأطرش، طموحات في دراسة مجال فني كالموسيقا أو الرسم أو الأخراج السينمائي، ولكنها كانت أضغاث أحلام ، وبكل أسف، ولكن شكراً للظروف أنني وجدت طريقي إلى دار المعلمين نظام الأربع سنوات في الحسكة ، وإلا لبقيت متسكعاً في الشوارع أو في أي مطعم في بيروت لجلي وغسل أطباق ” المتكرشين”  “الخلجان” .. تخرجت بعد معارك طاحنة مع مدير دار المعلمين الرافض لتخرجي نهائياً .. في دار المعلمين عام 1968-1969 ليكون مصيري مع رفاقي  نفينا بشكل رسمي وتعسفي من قبل السلطة في ذلك الوقت لالتزامنا بالحزب الشيوعي السوري وإلى أكثر من محافظة، إلى دير الزور وريفها، إلى الرقة وريفها، وتمنينا الخدمة الإلزامية للخلاص من هذا الواقع المؤلم “المزعج” بعد انتهائي من الخدمة الإلزامية والاحتياطية قررت أن أستوطن مدينة اللاذقية، ليكون فيها فلذات كبدي وحصيلة عمري وحياتي ديمة ونشوان وحلا قلبي ذاته.. عشت فيها ما يقارب ربع القرن وأكثر، خلالها حصلت على الإجازة في الحقوق عام 1988 ، والآن أعمل محامياً في محافظة الحسكة ، في مدينتي العزيزة الجميلة ، الوارفة ، الوادعة ، الغالية عامودتي الحبيبة ، أي رجعت إلى مسقط رأسي، وهذا هو الصواب الحقيقي .. عامودا التي كانت على الدوام تدغدغ مشاعري وكل ما في أعماق أعماقي من أحاسيس ومشاعر تجاهها وتجاه من يقطنها من الأحبة .. عامودا التي كانت على مر السنين دفقة الدم في مهجة القلب المفعم بها وفيها وعليها ..  

عامودا هذا النبع الذي لا ينضب، من الذي دغدغ الأحاسيس في البدايات ؟
ولدت في بيئة متسيسة شيوعية وقومية وكان الشغل الشاغل للجميع الاهتمام بما كان يخطه يراع الشاعر الكردي جكرخوين أو محاولات الجميع وكتابة الشعر الكردي في البداية الجميع كانوا شيوعيين أو من أنصار السلم العالمي ثم أواخر الخمسينيات بارتيون.. أذاً في بيئة لم يكن فيها حياد قط .. فقد كان المد الثوري عرمرماً وفيما بعد المد القومي أيضاً، من عامودا خرج جميع مثقفي الجزيرة الكرد “جكرخوين- رشيد كورد- ملا حسن كورد-  ملا شيخموس قرقاتي”، كان لابد لهذه البيئة أن تترك بصماتها تماماً حتى على الأطفال في سني ذلك الوقت وبالتالي تكوين الملامح الأولى لشخصيته الأولى سواء في المجال السياسي لأكون لربما أصغر عضو سناً ملتزماً ومنضوياً تحت لواء الحزب الشيوعي السوري وبالتحديد في الصف الأول الإعدادي، وكانت لحسرات جدتي وآلامها التي ما انبرحت من كيانها ووجدانها قطع الجيش التركي على أعقاب فشل ثورة الشيخ سعيد والحملة التأديبية في جبال أومريان لرقاب ولديها رشيد وحسن بالمقصلة الفاشية، هذا الذي ترك عمق بصماتها في تكوين ملامح شخصيتي القومية، ولكن ببعد إنساني لا يعرف الحدود، وفي مثل سني ذاك ما كان سهلاً أبداً تكوين شخصيتي بملامحها الأممية والقومية الإنسانية عبر علاقة ديالكتيكية لا تنفصمان وكذلك تكوين الملامح الأولى لها في مجال الأدب والفن من شعر إلى آلة العود ألى الرسم.. حقيقة كانت مرحلة غنية بكل شيء وفي كل الأبعاد .. كانت مشبعة بالفولكلور الكردي الجميل الرائع في (الحصاد..البيادر..الشعيرية بالأصابع .. جرش الحنطة.. وألعاب الكبار الرائعة من فناجين القهوة والخاتم – فرق الخاتم ..) كل ذلك الغنى أثر في وعي كل فرد منا.. ولم يكن مقبولاً أن لا يتأثر هذا الوعي بعبد الرحمن دريعي ذلك الشيوعي المتحمس وبوالدي، وسليمان حاج حسن وجكرخوين ورشيد كورد المتواجدين باستمرار مع والدي، وفي العمق الإنساني كان تأثير عمي نعمت دريعي في صقل شخصيتي وتكوينها هذا الذي سأذكره أينما توجهت وكتبت عن كرمه، عن شهامته، عن مروءته، عن حبه للآخرين عن عطفه. كثيراً ما سئلت أنت ابن من ؟ فكنت وبشكل عفوي أقول: أنا أبن نعمت دريعي.  

الراحل عبد الرحمن دريعي ماذا تقول عنه؟
عبد الرحمن دريعي.. كم أجده عظيماً.. بالرغم من تفاوت السن بيني وبينه كان أخي..كان صديقي.. كان رفيقي.. كان قدوتي ومثلي الأعلى، وشيوعيتي أعتقد أن العصمة الأولى فيها كانت لعبد الرحمن دريعي، ويعود له الفضل الأكبر بتشجيعه لي لمتابعة دراستي، ولا أبالغ إن قلت لعبد الرحمن الفضل في كوني اليوم محاميا.. وكانت له بصماته أيضاٍ في توجهي الفني والأدبي.. كان عبد الرحمن شخصّية متواضعة جذابة إلى أبعد الحدود ، كان يقف بقوة إلى جانب المواهب الشابة. كان كريما شهما صادقا وأستطيع القول إنه كان في الحقيقة والواقع صاحب مدرسة خاصة به في عزف الناي، لكن ما يحزّ في نفسي لدرجة جدّ مؤلمة أنّه لم يلبِّ طلبنا جميعاً في تسجيل حديث تكنيكي لمعزوفاته الملحمية تلك التي منذ طفولتي الأولى وخلال مراهقتي” المقصوفة .. المقموعة” وحتى وفاته واليوم، وأنا أسمع نايه الحزين المسجّل بكل رداءة في أغاني معزوفات ” جتو – خليل غازي – ليلي دايكي – جمي جتلي – نسرين – ليلي أيمي ” . تعلمت ركوب الدراجة بدراجته البالون.. في زمن لم يكن في عامودا دراجة بالون غير دراجته .. كان كثير النقل التعسفي كمعلم ابتدائي .. كان دائماً مغضوبا عليه لجرأته ، كان دوماً كالقطة التي تحمل صغارها من مكان إلى آخر من الشدادي وحتى الدرباسية . كان من الرعيل الأول للمعلمين في عامودا في زمن كان المعلم حقيقة وواقعا مقدساً بين الناس .. زمن كانوا يقولون فيه لو أنّ المعلم طلب يد بنت الآغا سوف يلبي طلبه فوراً. كان عبد الرحمن شيوعياً حقيقياً نقياً كنقاء الينبوع المتدفق ماؤه بسخاء .. كما وكان كردياً حقيقياً أستطاع بأمتياز أن يجمع بين شيوعيته وقوميته عبر تلك العلاقة الديالكتيكية الحقه . وأخيراً لم يكن عبد الرحمن مرشداً في علم الناي الذي ما كان يفارقه في أسفاره وترحاله حتى وضع نايه في حضنه في مرقده الأخير ..    كان شاعراً ورساماً بارعاً لا زلت أحتفظ ببعض لوحاته حتى اليوم ، وعمر حمدي يعترف حتى اليوم ببصماته في حياته الفنية .

 الفنانَان (عمر حمدي و بشار عيسى) كانا من زملائك في الدراسة ماذا تقول عنهما ؟
كنت أسبقهما بصف.. بعام .. في دار المعلمين في الحقيقة  كان النهوض الثوري في ذروته وأوجه ، وكان هنالك اهتمام وعناية كبيران بالفنون بمختلف أوجهها وأشكالها وفروعها ، وعن طريق مرسم دار المعلمين الذي كان عبارة عن قاعة كبيرة مخصصة للرسم فقط ، تعرفت على عمر كرسام حقيقي من أسرة فقيرة ، فخذ مثلاً كيف سيغطي عمر قيمة الألوان والزيت ومادة “السابس” التي تؤسس بها اللوحات الخام المشدودة على أطر خشبية وكذلك مصروفه الخاص كان يضطرّ إلى العمل كخطاط لدى سينما القاهرة بليرة سورية واحدة عن دعايات وأسماء كل فلم يعرض فيها ، وبعد هذا أنني أستطيع القول اليوم كما قلته بالأمس مراراً “وبكل أريحية ووجدانية ” عمر كان منذ ذلك الوقت وحتى اليوم وبقناعتي إله اللون وبامتياز على ساحة الكرة الأرضية قاطبة . الإله المتسلطن على عرشه استعمالاً ، دمجاً ، مساحات ، تكوينات ، لمسات أصابع ، كان عمر المايسترو والمعلم بالنسبة لنا جميعاً وما بخل يوماً بصفته كذلك وعلينا جميعاً نحن الذين كنا نحبه بالنسبة إليه في مضمار الرسم أنا وبشار عيسى وجورج فرجوا حيث كانت بصمات عمر على بداياتنا واضحة تماماً .. ولا يمكن أن يغيب عن ذاكرتي تلك الليلة التي حطمت فيها دراجة عمر “الكورس” الحديثة وفي يومها الأول بعد خروجها من “شحمها” كما يقال .. استعرت منه الدراجة لأنزل إلى المشفى الوطني حيث يعمل جاري كممرض لأخذ حقنة دواء .. في تلك الليلة رسم لي هاتين اللوحتين .. كم كان سعيداً بشرائه لتلك الدراجة التي هويت بها في “نزلة” العزيزية القاسية وعتمة ليلها في خندق محفور حديثاً للكهرباء أو للماء أو للمجارير دون أن أعلم أنه محفور عصر ذلك اليوم بعد قدومنا من المدرسة .. كم سببت لعمر من ألم الساكت المذهول لما آل إليه حال دراجته ” راسماله” وهو الرافض بديلها أو تصليحها .. وبالإضافة إلى هاتين اللوحتين لعمر كم من اللوحات لدي .. وهذه بعضاً من لوحاتي عبر مراحل التصاقي بالرسم .. واليوم سعادتي تغمرني ولأبعد الحدود وكما في السابق أن بشار عيسى أيضاً استطاع أن يفرض ريشته واسمه عالمياً.. وبشاراً كان فناناً وصديقاً ورفيق درب ونضال وكلّي أسف أنّني لا أقتني لوحة واحدة من لوحاته.
 لوحاتك وآلة العود توحيان بأنّ لك حكاية مع الفن..!
بالنسبة للفن ذكرت سابقاً أنّ عبد الرحمن دريعي والفنان عمر حمدي  كان لهما بصمات واضحة في حياتي ، وفي دار المعلمين كنا نرسم ونعزف على الآلات الموسيقية ، كان لدينا أستاذان رائعان مشجعان وآخذان بالأيادي ، الموسيقي زياد عجان من اللاذقية خريج المعهد العالي الموسيقي في القاهرة والأستاذ الفنان ممدوح النابلسي من طرطوس خريج روما في الرسم .. وكان طبيعياً أن ينهل الموهوبون من منهلهما المعطاء بسخاء ، ومنا من ترك الريشة ، ومنّا من أصبح علماً من أعلام الفن عالمياً ، وبكل أسف أنا من كسرت وكسرت ريشتي على عتبات فرع الأمن السياسي بالحسكة والعام 1968 لأن ريشتي قمعت بكل  تعسف وجور.. عام دراسي كامل وأنا مداوم يومي لحظات وساعات ما بعد الغروب صيفاً وشتاءً وفي غرفة الانتظار المتعمد الغرفة المقيتة تلك ، وعد غداً .. لم تكن الكلمة وحدها هي المقموعة في أوطاننا ، بل الريشة واللون والحبر الأسود أيضاً ،   والله لقمع الريشة أو أرسم على مزاجي تركت الرسم وقمعت ريشتي ولماذا ؟ كان ذلك لأجل ريشة ولوحة مشتركة بيننا أنا وعمر حمدي والتي كانت بعنوان “الكل في المعركة” والتي علقت في الصدر من دار المعلمين وحكايتي المزرية مع مدير دار المعلمين في ذلك التاريخ غسان خضور الذي كان مصراً بعناد فاشل على عدم تخرجي من دار المعلمين ذلك العام. 

 كونك أحد الناجين من حريق سينما عامودا،  كيف راودتك فكرة كتابة (عامودا تحترق) ؟ 
 كما قلت في الندوة التي أشرفتم عليها “كروبا حسكة للثقافة الكردية” في مدينة الحسكة أقولها اليوم أيضاً كنت جباناً لأنّني لم أكتب منذ زمن طويل بالرغم من ضغط فكرة الكتابة عنها على كياني ووجداني ونفسي لأن فكرة الكتابة عن حديثنا الفجائعي لم تغب عن ذاكرتي يوماً وأنا المقتدر إلى ذلك أدبياً كمعبر بدقة عن أفكاري .. ولكن يظهر أنه لكل أمر حينه وأوانه وشكراً لهم بأنهم قربوا هذا الحين والأوان واستئصال عامل الخوف والجبن . أي دفعوني مرغماً إلى الكتابة التي أنا بحاجة إليها عن فاجعة سينما عامودا ، طلبوا مني أن أشوه حقيقة الفاجعة لإرسالها بشريط فيديو إلى أوربا سايكس بيكو، فقلت لهم أنا جاهز ولكن بشرط أن تكتب الحقيقة دون سواها ، للأمانة وللتاريخ. إذ لا يعقل ويقبل أن تكتب تاريخاًً مشوهاً ومحرفاً، أم أنه قدرنا أن يفرض علينا كتابة تاريخ مشوه استجابة لرغبات ذاتية ومصالح فردية، تناقشنا في ماهية الحقيقة وماهية التشويه فكانت دوما الطلب (هذه لا تجوز، وهذه لا تقلها ، وهذه لا تكتبها، وهذه لست مجبرا لقولها) قلت: معنى ذلك أنكم تطلبون مني أن أكون شاهد زور”الما بعد الألف” من الذين كتبوا عن فاجعة سينما عامودا، لأن الفاجعة قيل وكتب فيها شهادات زور لا متناهية، ومن هنا كان قراري الصعب في الكتابة عن الفاجعة بقوة لا متناهية ومن أرضية هي بمنتهى الصلابة والصدق والواقعية ، والكتابة وإن جاءت متأخرة ، وأن تكتب متأخراً خير من أن لا تكتب نهائياً.. فكانت “عامودا تحترق” بصيغة المضارع وبشكل نهائي .

هناك من يقول بأنك ابتعدت عن الحقيقة في كتابك (عامودا تحترق)..؟
وما الحقيقة في وجهة نظرهم منذ ما يقارب الخمسين عاماً، وهذا الذي يقول إنني ابتعدت عن الحقيقة ما الحقيقة التي عنده ؟
وأهم حقيقة من تلك الحقائق ..أقول بوضوح وصراحة لا لبس ولا غموض فيها مثل الجميع بأنه هناك جريمة مرتكبة فهذا صحيح ، ولكننا لم نسمح لغير القانونيين أن يكيفوا الجريمة بدلاً عنا وهم الجاهلون لقانون العقوبات السوري ، وهذا في كل الأعراف لا يجوز .. سياسياً جيروا فاجعة السينما لضيق الأفق الحزبي والمصلحي ولكن قانونيا  “ستوب” فالمحامون الكرد ، القانونيون الكرد هم الأجدر بتكييف هذه الجريمة، وقلت في  لقاء مع قناة (Roj T.V ) كيّفتُ الجريمة ولم يعارضني قانوني واحد محام واحد في هذا التكييف، لأقول نحن أمام جريمة تسبّب في القتل لـ/187/ طفلاً حرقاً وقتلهم تشويهاً جسدياً وقتلهم تشويهاً نفسياً، وهنا أقول مقالتي التي نشرت في مواقع أنترنيتية كثيرة تحت عنوان “رسالة إلى معالي وزر وزارة الداخلية عبد الحميد السراج – وزير الداخلية السورية عام 1960″. هذه المقالة التي أعتبرها جزءاً لا يتجزّأ من كتاب عامودا تحترق وسوف أقوم بنشرها في كتاب “عامودا تحترق” الجزء الثاني _ وثائقي.
وحرز عنا المسؤولية في ارتكاب هذا الجرم حسب التسلسل التالي:
1- عبد الحميد السراج وزير الداخلية السوري.
2- مصطفى سفيان مدير ناحية عامودا.
3- قدورة وطاقمه في بلدية عامودا.
4- مدراء المدارس الثلاث المتنبي والغزالي و عمار.
5- معلمي المدارس الثلاث.
ومحاكمة الموجودين في سوريا أمام محاكمنا الوطنية بجريمة التسبب في القتل.. ومحاكمة الذين هم خارج سوريا مثل عبد الحميد السراج أمام المحاكم الدولية.
ثم تركنا الأبواب للكتابة و للنقد.. وهناك دراسة نقدية قاسية ومنصفة بذات الوقت لمجموعة من الباحثين والكتاب و الأدباء… ومن هنا من كان قد وجدنا أو يجدنا ابتعدنا عن الحقيقة فهو  تجني على جميع الأسماء والشخصيات التي وردت في الكتاب أو في الدراسات النقدية ثم وهناك دراسات قادمة في الطريق فأهلاً وسهلاً بها. 

 سمعت بأنك تساعد كلّ كردي مجرد من الجنسية في المعاملات القانونية دون أجر؟
لا أبداً .. لا أنظر إلى القضية بهذه الصورة بأجر أو بدون أجر .. وإنما أنظر إليها من خلال منطلق سياسي إنساني .. يمتد عمره إلى أكثر من /45/ سنة من المأساة الحقيقية ، وطبعاً فإن قضية أجانب محافظة الحسكة هذه الموبقة بحق ما يقارب الربع مليون كردي، والنتائج الضارة الناتجة عنها .. هذه القضية هي الشغل الشاغل باعتقادي لكل سياسي في المحافظة وخارجها.. هذه القضية التي يطرح إلغاؤها في كافة المنابر السياسية والثقافية و لحزبية في البرلمان ، في مجالس المحافظات والمؤتمرات النقابية والعرائض بآلاف التواقيع ، بالإضافة إلى الحقوق الثقافية للكرد في سورية والقضايا الأخرى كقانون الأحكام العرفية وحالة الطوارىء والحريات الديمقراطية وغيرها.. فهذه القضايا جميعها إنسانياً وضميرياً ووجدانياً وحزبياً وطبقياً تعشعش في أعماقي و فكري ، ومن هنا فتحت طاقة أمل أمام تثبيت زواج ونسب هؤلاء الأجانب وأولادهم المكتومين ووجدت أنها فرصتي الحقيقية من خلال قناعتي المطلقة أن الشيوعية هي الممارسة قبل أي اعتبار آخر. نعم فرصتي لأعبر عن جزء من وطنيتي تجاه هذه الشريحة الواسعة من البؤساء و المظلومين من شعبي فأعلنت في محكمة عامودا (أنا أعلنه عملاً وطنياً تطوعياً) وذلك بفتح أبواب مكاتبنا على مصراعيها لاستقبال أجانب محافظة الحسكة المجردين من جنسيتهم السورية جنسية آبائهم و أجدادهم ، وتمنيت من كل المحامين أن يحذوا حذوي ويقفوا إلى جانبي في تنفيذ هذا الشعار، وبكل وجدان بررت بعهدي هذا ، وتطوعي هذا ، إلى حد كبير جداً.. فإلى اليوم حصلت على (50) قرار، في عامودا والدرباسية ورأس العين و الحسكة و القامشلي، و لم أتناول فلساً واحداً من أحد . بعد فترة قصيرة جاءني مجموعة محامين محتجّين بضراوة قائلين:(جاءنا عمل من السماء وأنت تضيّع علينا هذا العمل).قلت لهم: أين كل المزاودات في قضية الإحصاء إذاً ؟ وأنا من ناحيتي سأمارس قناعتي حتى النهاية . ومارستها..
وأنا مستمر في هذه المعركة حتى هذه اللحظة، وبكل أسف لم يقف إلى جانبي في فكرة العمل التطوعي هذا سوى محام واحد فقط.. و بصدد ذلك نشرت مقالة في مواقع كثيرة وتحت عنوان (أما آن للوعود أن تتحقق) ؟..

مكتومو القيد ماذا تقول عنهم؟
في الحقيقة والواقع  فإنّ قضية المكتومين معقدة وشائكة لأكثر من سبب ، وحالاتها كثيرة جدا ، وآفاق حلها غير واضحة ومرئية أبدا.. فالأجانب يجب أن تعود إليهم جنسيتهم طال الزمن أم قصر وهو الحل الموضوعي في الواقع الموضوعي في سوريا..وهنا أستطيع القول: دعونا اليوم ننتهي من قضية الأجانب بشكل نهائي وبعدها سيكون لنا نضال سياسي لا هوادة فيها لأجل هؤلاء المكتومين الذين يجب أن نبحث في حالاتهم وننصف من ألحق به تعسف وظلم منهم.. فوضى الأهل و إهمالهم فأصبحوا بذلك من أجانب مكتومين . بكل أسف لا أحد يقترب منهم.

ماذا تقول عن انتخابات الإدارة المحلية في عامودا ؟
أتمنى أن لا تجده ردّاً على أحد. قلت منذ البداية أفضل ردّ أن لا ترد، وهذا أمر، وعندما تكون أمام سيل مما حصل في ذهن صاحبه فقط من الإفك و البهتان مناقضاً للحقيقة والصدق شيء آخر..في العمل الانتخابي كل يريد النجاح ولا ضير في ذلك وهو حق طبيعي لكل مرشح وكل يضع تكنيكاته وفق مصلحته ومصلحة حلفائه إن كان هناك من حلفاء حقيقين .. وهذا ما حصل لدى الفرقاء عبر قوائم فلتسمَّ ما تسمّى . المهمّ أنها قوائم .. قائمتان ومن خلال جميع الأرضيات.. الانتخابات في عامودا سارت وفق ما أراد لها الفرقاء أنفسهم وبتباينات ملحوظة ما بين اليوم الأول والثاني ، بأساليب عمل مختلفة ما بين اليوم الأول والثاني وبتصريحات صريحة من أصحابها بأننا نمنا على صناديقنا حتى الصباح ، وبأن مدير الناحية تعاون بشكل ممتاز مع الاحتجاجات ومع سير العملية الانتخابية ، والسؤال كيف أطلب من الغير أن “يسقط نفسه” وينجّحني هذا ما لم يحصل في أية عملية انتخابية ، الكل يتمنى ويعمل لإنجاح نفسه .. وأقولها بكل صراحة ووضوح أنني قدت العملية الانتخابية كحزب شيوعي من خلال فريق عمل عسكري تماماً في انضباطه وتنفيذه للأوامر من جهة واستنفار منظمة المدينة وريفيها استنفاراً كاملاً ومن خلال الكوادر كافة .. وفي كل معركة لابد من منتصر ، والادعاء بالاتهامات هي شريعة المهزوم في العملية الانتخابية. حدث فرق واحد فقط في مدرسة صالح يونس .. جاءت أخت بالهوية الانتخابية لأختها كشفها أحد المراقبين على الصناديق واحتج بها لكونه كان أستاذها .. قلت وما الحّل لا طالما الاسم دخل الصندوق وفوراً بادرت :
–   يا أختي لمن ستدلين بصوتك ..؟
–  لقائمة الشيوعين
– أنت واثقة من نفسك .. ؟
–   نعم
وبعد أن طوت الورقة الانتخابية أخذتها من يدها ومزقتها وقدمتها للأستاذ المحتجّ وغيره .. قائلاً : هذه واحدة بواحدة فهل رضيتم . وكثيراً ما تدخلت لاحتجاجات القائمة التي أنا في الطرف الآخر منها وكان مراقبوهم يشكرونني على ذلك ..
وما حصل في الجامع الكبير الاستغراب لازال يرافقني حتى اليوم حول وجود ورقة نقل موطن بخاتم وتوقيع مدير المنطقة ولكنها بدون تاريخ ودون جدوى حاولت إفهام من يصرخ وبهدوء أن خلوها من التاريخ لا يبطلها طالما تحمل خاتم وتوقيع مدير المنطقة ..طبعاً سمعت كلاماً لا يليق بأي قائل .. أما النقطة الأخيرة فهي ومن خلال حرية القرار معنا كمنسقين بين أحزاب الجبهة الأستاذ المحامي عدنان فاضل ومن خلال اتصالاتنا الكثيفة مع بعض الشخصيات لكي نضمها إلى قائمة الجبهة وحتى الهزيع الأخير من الليل دون أن نفلح أي أننا قمنا بواجبنا تجاه بعض الشخصيات التي كنا نجدها جديرة أن تكون في المجلس الجديد.. أو لربما حتى رئيس مجلس ولكن دون فائدة لأنها اختارت القائمة الأخرى وهكذا ومن خلال سير العملية أردت تحقيق أهداف محدودة :
1- النجاح ..
2- أن أثبت لكل من ادعوا بأنه ليس هناك أربعة شيوعين في عامودا .
3- أن يرى الآخرون المدّعون ذاتهم أن الحزب الشيوعي السوري لديه كوادر مجربة تستطيع قيادة المعارك السياسية والطبقية بمنتهى التنظيم اللينيني .
4- أن نثبت للجميع أصدقاء وأعداء أن تحالفاتنا هي على الدوام استراتيجية ثابتة راسخة.
صديقي العزيز مع كامل إيماني بأنني كما هو موجود فأيضاً الآخر موجود وإن كان نقيضي تماماً.. ومع الإيمان بصحة التعددية في الآراء يكون التطور الأكيد .  

ما هي نتاجاتك المطبوعة والمخطوطة؟
المطبوعة:
–      عامودا تحترق  الجزء الأول .
قيد الطباعة :
–      الحضانة فقهاً وقانوناً.
في الموافقة :
–      اليتيم  رواية الجزء الأول .
المخطوطة:
– اليتيم الجزء الثاني.
– عامودا تحترق  الجزء الثاني .. وثائقي.
– مجزرة أومريان.. وثائقية.

نشكرك على هذه الصراحة..
– أنا بدوري أشكركم جدّاً..

 

 

 

 

     

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…