المسرحية العراقية: شؤون وشجون [1]

يكتبها: الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
 
يشكل الركح المسرحي ميدان الحياة الإنسانية بتلوناتها وتنوعاتها؛ والمسرح بهذه الأرضية يمثل صرح الثقافة البشرية والخلاصة الفلسفية الفنية لمسيرة التمدن والتحضر.. فالمسرح وليد مجتمع المدينة، مجتمع تقسيم العمل، مجتمع تطور الوعي الإنساني ورقيِّه وهو المعبر الجمالي ببنيته الخاصة عن تلك التغيرات العميقة في مسيرة التعبير الإنساني عن رغباته وتطلعاته وأحلامه…

ولأنَّ أول ولادة لدولة المدينة كانت في أرض سومر وحضارتها، فقد كانت ولادة المسرحية هنا حيث شيدت المسارح الأولى وتمَّت كتابة النصوص التي مثلت البذرة المرهصة للمسرح العالمي. ولكن، من شجون الزمن ضعف الدراسات السومرية حتى أنّ المركز العالمي للدراسات السومرية المنتظر ما زال يحبو بعيدا عن أيّ شكل للدعم لانطلاق دراساته الجدية المؤملة..
ولأنَّ العراق الوسيط كان يخضع لعتمة تراجعت به لأزمنة الكهوف والبوادي فقد افتقد طويلا للتعبير المسرحي ولم يكن ممكنا ولا متاحا لأي شكل للتعبير والإبداع أن يوجد في ظلال تلك المرحلة من الحياة في العراق الوسيط، حتى جاءت النواتات الأوَل لنهضته الحديثة..
ففي منتصف القرن التاسع عشر كانت أجواء الحراك الاجتماعي قد بدأت أولى خطواتها، وإن بطريقة بطيئة متثاقلة بسبب من طول زمن السبات وطبيعة الحكم التي سادت على المستويين المؤسساتي الدولتي والاجتماعي العام بما تحكَّمت فيه من تقاليد مرضية مفروضة قسرا.. ويوم بدأت أولى لمسات التفاعل مع فن التعبير الدرامي المسرحي عبر أنشطة تنويرية معروفة، كانت ولادة فن التعبير المسرحي المعاصر…
أما أول النصوص فكانت بلغاتها الأصل “الأجنبية” كالفرنسية والأنجليزية وغيرها؛ ثم صرنا نترجم للغات المحلية وكانت العربية متأخرة في ما تمَّ الترجمة إليه من اللغات المحلية في العراق، إذ سبقتها السريانية في هذا الأمر.. ولابد لنا هنا من الاعتراف بما لتلك المسيرة من أهمية تأسيسية ومن إطلاقها شرارة البدء للكتابة بآليات التعبير الجمالي للبنية الدرامية..
ومن المفيد هنا أن نشير إلى أنه كانت كتابات ليست قليلة قد أنجزت ولم تصلنا مثلما وصلت النصوص الأولى للمسرحية العراقية وسنلاحظ ذلك عبر قراءة فهرس المسرحية العراقية، إذ أنه ليس من المنطق أن نقول: إنَّ المسرحية الأولى وُلِدت هكذا فكانت موثَّقة مسجلة ووصلتنا من دون مقدمات ومحاولات أخرى غيرها.. وحتى هذه المسرحية وهي مسرحية “لطيف وخوشابا 1892” قد جرى فيها سجال طويل وحتى زمن متأخر، فأشارت أغلب تلك الكتابات التي وصلتنا إلى أنها ليست إلا مسرحية مترجمة…
وكان سرّ الحديث عن تلك المسرحية كونها مترجمة أو في أفضل الأحوال مقتبسة بأغلب مادتها وكل تفاصيل بنيتها، يعود إلى تناقل التوصيف من كاتب لآخر ومن أبرز وآخر من كتب في الأمر كل من الأستاذين علي الزبيدي وعمر الطالب في كتابيهما بالعنوان ذاته “المسرحية العربية في العراق” وفيهما أكدا على كون “لطيف وخوشابا” هي مسرحية مترجمة، وكرر آخرون ما قالاه بالخصوص…
وحتى نأتي للتفصيل بشأن هذه المسرحية التي تمثل منطلق الأعمال الدرامية العراقية، ينبغي أن نشير إلى أن مسرحنا العراقي لم يولد في محيط سهل يتقبله.. إذ كانت طبيعة التقاليد السائدة تحظر التمثيل بل الفنون عامة وتسخر منه في حين وتقمعه في أحيان أخرى. ولهذا مثَّل المسرح ثورة اجتماعية فكرية مرادفا فعاليات التجديد في فنون التعبير الأخرى كما في الشعر العراقي…
وتحمَّل المسرحيون الأوائل متاعب ومطاردات ومحاصرة وأعمال همجية وصلت حدّ التصفية الجسدية. وفوق هذا وذاك كان المبدع العراقي يقبع خلف عتمة منعت عنه الكتاب وصلات التثاقف واكتساب المعارف؛ إلا أن ذلك كان مترافقا مع الشرارات الأوَل لنهضة المجتمع العراقي من سباته..
ومن الطبيعي في ظل توافر فرص السفر والاتصال بالآخر العربي والأوروبي ممثلين في الأعمال المسرحية بسوريا ولبنان  ومصر وإيطاليا وإنكلترا وفرنسا كان للآباء الدومنيكان ولعدد من أبناء الطيف العراقي المسيحي واليهودي أدوارهم الريادية المعروفة والموثقة في التاريخ المسرحي.. ولم يكن هذا إلا خطوة من أخرى تاليات نهض بها العراقيون بأطيافهم جميعها في كتابة النص الدرامي…
وقبل الدخول في صلب بدايات المسرحية العراقية الجدية نشير إلى أنه من الطبيعي وجود نشاط لها بين جدران بعض الملاهي الليلية وأماكن الاسترخاء والتسلية؛ حيث نمت أعمال تمثل طبيعة تلك الأماكن والمنتديات وتلائم طبيعة جمهورها والعاملين فيها. وقد كان لمثل هذه الأنشطة نتائج بوجهين أحدهما سلبي يتعلق بوصم الفنان المسرحي بكونه ابن النوادي الليلية الرخيصة وما كان يجرّه هذا التوصيف من متاعب وأوصاب ومعرقلات، وآخر إيجابي عبر مراكمة الخبرات في الأداء وفي الكتابة ورصيدها البنيوي الجمالي والمضموني…
لقد صرنا نقرأ ونستمع للقصيدة المتحررة بمضامينها وصار أديبنا ينظر ببواكير وعيه إلى طبيعة الصراعات الجارية ومنحاها والمتغيرات في البنية الاجتماعية بظهور طبقات جديدة من الشغيلة ومن الفئات المثقفة فضلا عن الاطلاع على النظريات التي شكلت وعي الإنسان المعاصر من مثل ما جاء به ماركس وفرويد وداروين وفريزر في الاقتصاد والسيكولوجيا والبايولوجيا والأنثروبولوجي..
إنَّ كلَّ ذلك كان المقدمة التي أوقدت شعلة التحرر من إسار الأشكال التقليدية في الكتابة.. وسنجد أول ثورة في مجال الشعر لاحقا بعد تراكمات إيجابية وافية عندما تنطلق قصيدة التفعيلة والشعر الحر من هنا من أرض الشعر والأدب والفنون. أما في مجال الكتابة الجديدة في مجالات السرد فتنطلق القصة بألوانها وتلحق بها بُعيد عقود قليلة الرواية العراقية.. ومن بين كتّاب فنون القول المتنوعة ومن رديفهم في إبداع النص الجديد تبزغ أولى خيوط فجر المسرحية العراقية…
لقد كُتِبت عشرات بل مئات النصوص منذ ولادة أول نص مسرحي عراقي في نهايات القرن التاسع عشر. واحتفظ إرشيف المكتبة المسرحية العراقية بعديد من تلك النتاجات؛ على الرغم من الخسائر الفادحة التي لحقت به غب حرب مارس- إبريل 2003 وانفلات الأوضاع وحرائق بغداد وأعمال السلب والنهب والاعتداءات التصفوية التدميرية التي تعرضت لها المكتبات ومؤسسات الثقافة والفنون من أصابع مرضية دخيلة كما حصل في حرق المكتبة الوطنية ومكتبة التوثيق المسرحي في مؤسسة السينما والمسرح وغيرهما…
إنَّ أبرز تلك الأعمال تمثلت في نمطين مسرحيين هما المسرحية التاريخية لما لها من دور في استعادة مجد التاريخ وزهوه والمسرحية الاجتماعية التي تمَّ توظيفها للتعاطي مع القيم الأخلاقية ومعالجة المشكلات التي عانى منها المجتمع بقيوده وتقاليده البالية التي تعرض لها المسرح العراقي بكل جرأة وروح تنويري.. وهنا ثبت بفهرس تلك المسرحيات التاريخية والاجتماعية:
فهرس المسرحية التاريخية في مرحلة النشأة

ت اسم المسرحية اسم المؤلّف عام الصدور
01 يوسف الحسن حنا حبشي 1883
02 نبوخذ نصر الخوري هرمز تورسو المارديني 1889
03 خراب بابل الخوري أنطوان زيوني 1908
04 الأميران الشهيدان المطران جرجيس قندلا 1910
05 النعمان بن المنذر محمد مهدي البصير 1919
06 دولة الدخلاء محمد مهدي البصير 1924
07 فتح مصر يحيى ق 1924
08 مشاهد الفضيلة سليمان الصائغ 1931
09 الزباء سليمان الصائغ 1933
10 الأمير الحمداني سليمان الصائغ 1933
11 الحسين (مسرحية شعرية) محمد الرضا شرف الدين 1933
12 القادسية يحيى ق 1935
13 فتح الشام يحيى ق 1936
14 شهامة العرب نسيم حلول 1938
15 صقر قريش عبدالله حلمي إبراهيم 1939
16 عودة سمير أميس عبداللطيف الشهابي 1939

                                        
      أما  النمط الرئيس الثاني فهي المسرحية الاجتماعية ومنها يبرز موضوعان أولهما يتعلق بالقضية السياسية المباشرة والمتعلقة بالثورة الوطنية والقومية ضد الأتراك وضد الاستعمار الجديد أما الموضوعة الثانية فتتعلق بهموم الشباب وطموحاتهم والمشاكل العائلية من علاقات وظروف محيطة بها.
وهذه المسرحيات هي:ــ
فهرس المسرحية الاجتماعية في مرحلة النشأة
 

ت
اسم المسرحية اسم المؤلّف التاريخ
01 لطيف وخوشابا نعوم فتح الله السحار 1892([1])
02 استشهاد نرسيس سليم حسون 1904
03 شعّو سليم حسون 1905
04 البرئ المقتول حنا رسام 1911
05 الفتاة العراقية نديم الإطرقجي 1925
06 الصرّاف أبو روبين نوري ثابت (حبزبوز) 1927
07 الإخلاص والخيانة سلمان يعقوب 1927
08 القرط الذهبي حنا رسام 1929
09 إحدوثة الباميا حنا رسام 1930
10 وحيدة علوان أبوشرارة (الشابندر) 1930
11 الجندي الباسل جميل رمزي القطان 1931
12 العائلة المنكوبة نديم الإطرقجي 1932
13 عاقبة الطيش إبراهيم حقي محمد 1932
14 مثلنا الأعلى عبدالمجيد عباس 1934
15 آباء السوء نعيم إلياهو 1934 (4)
16 ضحية العفاف جميل رمزي القطان 1934
17 جميل صدقي الزهاوي حسين الظريفي 1934
18 قيس ولبنى (شعرية) خضر الطائي 1934
19 أفندي من كذب نديم الإطرقجي 1935
20 طعنة في القلب سليم بطي 1936
21 الأقدار سليم بطي 1936
22 فلسطين المجاهدة حنا رسام 1936
23 الاعتراف نديم الإطرقجي 1938
24 تقريع الضمير سليم بطي 1938
25 أنا الجندي عبدالله حلمي إبراهيم 1938
26 كاترين صفاء مصطفى 1938
27 مسرحيتان رسول عبدالوهاب العسكري 1939
28 التضحية إلياهو خضوري 1939
29 الكشاف محمود لطفي 1939
30 غرام الفارس محمد طاهر توفيق 1939
31 ضحايا اليوم سليم بطي 1939

 
 
* حقوق النشر محفوظة للكاتب   
            WWW.SOMERIAN-SLATES.COM  
 
 
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أستاذ الأدب المسرحي
tayseer54@hotmail.com
   

3 ـ  مسرحية لطيف وخوشابا أول نص درامي محلي تقع عليه يد الباحثين ولهذا فقد عدّ تاريخ الولادة للدراما العراقية على الرغم مما دار بصدده من مناقشات وآراء مختلفة.
4 ـ   المسرحيات (30,24,16,15) وجدناها في أماكن متفرقة وتتوزع الأصول والصور المستنسخة بين عدد من المكتبات الشخصية.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…