يكتبها: الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أشرنا إلى طبيعة التطورات في بنية المجتمع العراقي نهاية القرن التاسع عشر وإلى جذور المسرح في حضارة وادي الرافدين السومرية وعمق الانقطاع وحجم الفجوة بين تلك الجذور ومرحلة النهضة الحديثة وما كان يسود من حالات المنع وقوانين العيب وأشكال لغة التخلف التي عرقلت انطلاقة جدية للمسرح والمسرحية في عراق القرن التاسع عشر وما تلاه… ومع ذلك فإنَّ لذكاء الوليد الجمالي الجديد أسلوبا مناسبا اخترق جدران المصاعب والعراقيل عبر طبيعة الموضوعات وشكل التقديم المتناسب مع الطقوس العامة للمجتمع…
من هنا كان نجاح الأنماط المسرحية المختلفة آنذاك؛ فكان نجاح المسرحية التاريخية أمرا عائدا لجهة تضمّنها معطيات مرحلة النهضة والقيم الوطنية والقومية ومبادئ الثورة على الحكمين العثماني والأنجليزي.. ومثلها نجاح المسرحية الأخلاقية من جهة انعكاس أثر الثورة الاجتماعية ومتغيرات البنى الطبقية والقيم العامة لجديد الزمن…
ونحن هنا نسجل تعبير المسرحية العراقية الأولى عن مجموع الطيف العراقي وخلفياته المتنوعة ومثالنا على ذلك: مسرحيات نبوخذنصر وخراب بابل والزباء التي تعود إلى التاريخ الرافديني القديم مستلهمة منه ما يناسب المرحلة ونماذج نظيرة في تأثيرها واختيارها مثل الأمير الحمداني وفتح الشام والقادسية وصقر قريش من تلك التي تعود للتاريخ الوسيط للبلاد… ومن الطبيعي أن يكون القصد في مفردة نجاح المسرحية يكمن في درجة تحقيق العلاقة بالمتلقي وتوفير القناعة المناسبة بالجهد الإبداعي المسرحي الوليد في ظروف تلك المرحلة…
ومن أجل ذلك وفي إطار المسرحيتين (التاريخية والاجتماعية) سنتابع اهتمام الأولى بشخصيات البطولة القومية والوطنية مثلما ركزت الأخرى على هموم الشخصية وأوصاب حياتها اليومية محاولة تحليل المتغيرات في ضوء القيم الاجتماعية الجديدة، فكانت موضوعات المرأة وتقويم العلاقات الاجتماعية وتطهيرها من أمراض التخلف كقضايا الزواج والعلاقة بين المرأة والرجل ومشاكل الغيرة والإغواء وموضوعة المساواة والقيم الأخلاقية، مما شكل لبّ مسرحيات النشأة ومثال ذلك: لطيف وخوشابا، الفتاة العراقية، الإخلاص والخيانة، وحيدة، عاقبة الطيش، آباء السوء، تقريع الضمير وغيرها…
إنَّ النظر في قائمتي المسرحيتين التاريخية والاجتماعية بجدية، يجعلنا أمام ضرورة الالتفات إلى القيمة الدرامية الحقيقية لمسرحيات القائمتين وهي قطعا ذوات مستويات متباينة وكثير منها محاولات أولى في الكتابة المسرحية. وسنحاول هنا الكشف عن الخصائص التي اتسمت بها هذه المحاولات متلمسين خصائص بنيتها الدرامية مثلما نحاول تسليط الضوء على تبادلها التأثير مع محيطها الواقعي عبر محمول دوالها الفنية وإن جاءت بمستويات بسيطة في ضوء معايير إنسانية واسعة لقراءة الصنف الدرامي..
ولأنَّ الشخصية تمثل واحدة من عناصر البناء الفني في المسرحية مثلما تمثل قيمة فلسفية مهمة في توجيه نظر المتفحص لأية مسرحية، فقد التفت كتّاب المسرحية لمسألة تقديم شخصياتهم على وفق المرحلة ومعطياتها في محاولة لجذب جمهور التلقي؛ وكان لـِغنى تلك الشخصيات وتعقيدات وجودها دافعا بدأ يفرض ضرورة تقديمها على وفق معالجات نوعية مختلفة استطاعت المسرحية العراقية أن تأخذ منها ما أتيح لها نسبيا في مرحلة نشأتها…
وفي أجواء تلك المرحلة كان من المؤكّد أنَّ التنوعَ في التعبير أعظم وأغنى عند الكشف عن الشخصية منه عند تطبيق مواقف [إنسانية دراميا] طالما استُعمِلتْ بخاصة في الكتابات السطحية للقرون الأخيرة أو الفترة التي سبقت مرحلة ولادة المسرحية في العراق، فلأجل الكشف عن ثقل الشخصية الجديدة وعن إمكاناتها الكامنة، فإنَّ الوسائلَ الأدبية السائدة [الشكلية أو التي تتناول الظاهرة من الخارج] لم تعُدْ كافية وحدَها لاستقصاء هذه الشخصية والتعرف إلى دواخلِها، وسبر جوهرها وجوهر الظواهر العامة في حركتها في إطار العلاقات الجديدة.
وهكذا جاء توظيفُ أساليب إبداعية مركبة ليكون أكثر ارتباطاَ َ مع دواخل شخصية المرحلة فكان توليف الغنائية والملحمية في تركيبة درامية قدمت مضمونا منصباَ َ على معالجة أعمق لتبادل التأثير بين الجوهر والمظهر.
وهذا التأثير المتبادل بين خطة العلاقات الشخصية وبين الخطة الأيديولوجية (العامة) في المسرحية يظل في نهاية المطاف تأثيرا مثمرا ومختلفا نوعيا حيث يؤدي إلى تحطيم الحدود بين مختلف التراكيب الصنفية وحتى النوعية [لأشكال التعبير الجمالي] ومن ثمَّ إلى الاندماج العضوي بين أسسها مشيرين في ضوء قراءتنا هنا إلى أن ظهور الغنائية والملحمية وغيرهما في البنية الدرامية للنص المسرحي العراقي تحديدا لم يكن دائما سببه تخلف البنية الدرامية للمسرحية العراقية أو بدائية النشأة بقدر ما كان في الحقيقة تعبير عن عمق المتغيرات التي تمظهرت في وعي كتّاب المرحلة وأشكال تعبيرهم في أحيان عديدة…
وبمتابعة استقرائية لمسرحية المرحلة، نتبيّن أنماطها متمثلة في: التاريخية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية؛ ونتبين فيها شخصيات متنوعة مختلفة؛ وأول أمثلتنا التي يمكن متابعتها تتجسّد بشخصيات أول مسرحية عراقية أي “لطيف وخوشابا” لنعوم فتح الله السحار؛ وثيمة المسرحية تكمن في القيم التربوية السلبية لحياة أبناء الفئة المترفة مادياَ َ وأثر العمل وخشونة الحياة في صقل تجربة الإنسان وحسن تربيته وهو ما يدخل في ثيمة المسرحية الأخلاقية، التي قامت عقدتها على (الاستبدال)، بما قدم بوضوح أثر الشخصية وحركتها وعلائقها في بنيتها.
وفي المسرحية الأخلاقية بعامة؛ ظهرت عندنا شخصية تمثل المحور الخارجي للعمل أو تعليق المؤلّف بشكل غير مباشر وبتوصيف آخر مرجعية العمل وخلفيته أو بنيته في دائرتها الكبرى.. ولابد لمثل هذه الشخصية أنْ تكون موجودة في المسرحية الأخلاقية لأنَّها، في الحقيقة، تعدّ الوسيلة الموظّفة للإعلان عن غاية العمل ومن ثمَّ فهي ليست وجوداَ َ فائضا زائدا بل هي كينونة بنائية جوهرية ضرورية.. وعلينا أنْ نلاحظ كون مادة التعليق الذي تطلقه هذه (الشخصية) سيظلّ ممثلا لجوهر هذا النمط من العمل الدرامي… ولطالما تعرضت المسرحية العراقية للقراءة المغلوطة حيثما تعلق الأمر بقراءة شخصية الراوي حتى مراحل متقدمة في حياة مسرحيتنا ونقدها المتخصص…
أما الشخصيات الأهم في المسرحية الأخلاقية فهي شخصيتـا البطل ونقيضه ولا نقول: خصمه لأنَّ فلسفة العمل هنا (في خطته الفكرية العامة) كانت تقوم في الغالب على أساس إصلاحي توفيقي وعلى أساس أنَّ سلوك البطل ليس أكثر من صفات فردية سهلة الانقياد أو عادية التغيير..
وكثيرا ما كان هذا التغيير يجري بشكلِ ِ آليّ .. إذ لا يتأخرْ البطل عندما يوُضِع في الاختبار عن تغيير سلوكه من دون أية مشكلات أو من دون تلك التعقيدات الحياتية الإنسانية النفسية والاجتماعية التي ترافق مثل هكذا تغييرات. وهذا أمر غير واقعي من جهة ولا يخضع لمنطق تطور الشخصية الإنسانية (ولا الشخصية الدرامية) الطبيعي.
وفي ضوء ذلك، فإنَّ ثغرة كهذه أثرت في بنية مسرحيتنا بشكل مباشر حيث رصدنا حالة من التطور غير المسوَّغ منطقياَ َ على صعيدَي الشخصية ومن ثمَّ البنية في نسبة من مسرحيات تلك المرحلة المبكرة…
وعلى صعيد الشخصيات الثانوية وعلاقتها بالبنية، وجدنا أنَّ استخدام الشخصيات الثانوية لتعميق دور الشخصية الرئيسة في مسرحية المرحلة قد جاء منسجما من حيث المبدأ [أو بصورة عامة] مع تصورنا للدراما بوصفها (فعلاَ َ) قبل أنْ تكون (وصفاَ َ) أو(سرداَ َ)..
غير أنَّ ذلك لم يخلُ من ثغرات من الناحية العملية؛ فكان يمكن الاستغناء عن شخصيات ثانوية عديدة مبثوثة في المسرحية ممن كانت تؤدي المهمة الدرامية نفسها والاكتفاء بواحدة للتعبير عن سلوك البطل أو الشخصية الرئيسة؛ تحقيقا للتكثيف الدرامي المنشود.
ويهمنا هنا أنْ نسجل أنَّ المسرحية الأخلاقية عادة ما قدمت موضوعاتها وشخصياتها بطريقة وعظية إصلاحية تنتمي لثقافة المرحلة من جهة القيم التقليدية المحافظة ومن جهة تقديم القيم المثالية من التراث التربوي والنفسي بسبب من مآس وانكسارات خطيرة أصابت المجتمع طوال قرون من الحكم العثماني الذي لم يخلف إلا حاضرا بائسا مريضا ما كان له إلا أن يتعكز في تباشير نهضته الوليدة على بعض من بقايا الماضي من دون أن يغفل تفاعله بل اقتباسه التعبير الجمالي الجديد مما وصلت إليه تجاريب الشعوب الأخرى، كما هو حال المسرحية في دراستنا هذه…
* حقوق النشر محفوظة للكاتب
WWW.SOMERIAN-SLATES.COM
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أستاذ الأدب المسرحي
ونحن هنا نسجل تعبير المسرحية العراقية الأولى عن مجموع الطيف العراقي وخلفياته المتنوعة ومثالنا على ذلك: مسرحيات نبوخذنصر وخراب بابل والزباء التي تعود إلى التاريخ الرافديني القديم مستلهمة منه ما يناسب المرحلة ونماذج نظيرة في تأثيرها واختيارها مثل الأمير الحمداني وفتح الشام والقادسية وصقر قريش من تلك التي تعود للتاريخ الوسيط للبلاد… ومن الطبيعي أن يكون القصد في مفردة نجاح المسرحية يكمن في درجة تحقيق العلاقة بالمتلقي وتوفير القناعة المناسبة بالجهد الإبداعي المسرحي الوليد في ظروف تلك المرحلة…
ومن أجل ذلك وفي إطار المسرحيتين (التاريخية والاجتماعية) سنتابع اهتمام الأولى بشخصيات البطولة القومية والوطنية مثلما ركزت الأخرى على هموم الشخصية وأوصاب حياتها اليومية محاولة تحليل المتغيرات في ضوء القيم الاجتماعية الجديدة، فكانت موضوعات المرأة وتقويم العلاقات الاجتماعية وتطهيرها من أمراض التخلف كقضايا الزواج والعلاقة بين المرأة والرجل ومشاكل الغيرة والإغواء وموضوعة المساواة والقيم الأخلاقية، مما شكل لبّ مسرحيات النشأة ومثال ذلك: لطيف وخوشابا، الفتاة العراقية، الإخلاص والخيانة، وحيدة، عاقبة الطيش، آباء السوء، تقريع الضمير وغيرها…
إنَّ النظر في قائمتي المسرحيتين التاريخية والاجتماعية بجدية، يجعلنا أمام ضرورة الالتفات إلى القيمة الدرامية الحقيقية لمسرحيات القائمتين وهي قطعا ذوات مستويات متباينة وكثير منها محاولات أولى في الكتابة المسرحية. وسنحاول هنا الكشف عن الخصائص التي اتسمت بها هذه المحاولات متلمسين خصائص بنيتها الدرامية مثلما نحاول تسليط الضوء على تبادلها التأثير مع محيطها الواقعي عبر محمول دوالها الفنية وإن جاءت بمستويات بسيطة في ضوء معايير إنسانية واسعة لقراءة الصنف الدرامي..
ولأنَّ الشخصية تمثل واحدة من عناصر البناء الفني في المسرحية مثلما تمثل قيمة فلسفية مهمة في توجيه نظر المتفحص لأية مسرحية، فقد التفت كتّاب المسرحية لمسألة تقديم شخصياتهم على وفق المرحلة ومعطياتها في محاولة لجذب جمهور التلقي؛ وكان لـِغنى تلك الشخصيات وتعقيدات وجودها دافعا بدأ يفرض ضرورة تقديمها على وفق معالجات نوعية مختلفة استطاعت المسرحية العراقية أن تأخذ منها ما أتيح لها نسبيا في مرحلة نشأتها…
وفي أجواء تلك المرحلة كان من المؤكّد أنَّ التنوعَ في التعبير أعظم وأغنى عند الكشف عن الشخصية منه عند تطبيق مواقف [إنسانية دراميا] طالما استُعمِلتْ بخاصة في الكتابات السطحية للقرون الأخيرة أو الفترة التي سبقت مرحلة ولادة المسرحية في العراق، فلأجل الكشف عن ثقل الشخصية الجديدة وعن إمكاناتها الكامنة، فإنَّ الوسائلَ الأدبية السائدة [الشكلية أو التي تتناول الظاهرة من الخارج] لم تعُدْ كافية وحدَها لاستقصاء هذه الشخصية والتعرف إلى دواخلِها، وسبر جوهرها وجوهر الظواهر العامة في حركتها في إطار العلاقات الجديدة.
وهكذا جاء توظيفُ أساليب إبداعية مركبة ليكون أكثر ارتباطاَ َ مع دواخل شخصية المرحلة فكان توليف الغنائية والملحمية في تركيبة درامية قدمت مضمونا منصباَ َ على معالجة أعمق لتبادل التأثير بين الجوهر والمظهر.
وهذا التأثير المتبادل بين خطة العلاقات الشخصية وبين الخطة الأيديولوجية (العامة) في المسرحية يظل في نهاية المطاف تأثيرا مثمرا ومختلفا نوعيا حيث يؤدي إلى تحطيم الحدود بين مختلف التراكيب الصنفية وحتى النوعية [لأشكال التعبير الجمالي] ومن ثمَّ إلى الاندماج العضوي بين أسسها مشيرين في ضوء قراءتنا هنا إلى أن ظهور الغنائية والملحمية وغيرهما في البنية الدرامية للنص المسرحي العراقي تحديدا لم يكن دائما سببه تخلف البنية الدرامية للمسرحية العراقية أو بدائية النشأة بقدر ما كان في الحقيقة تعبير عن عمق المتغيرات التي تمظهرت في وعي كتّاب المرحلة وأشكال تعبيرهم في أحيان عديدة…
وبمتابعة استقرائية لمسرحية المرحلة، نتبيّن أنماطها متمثلة في: التاريخية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية؛ ونتبين فيها شخصيات متنوعة مختلفة؛ وأول أمثلتنا التي يمكن متابعتها تتجسّد بشخصيات أول مسرحية عراقية أي “لطيف وخوشابا” لنعوم فتح الله السحار؛ وثيمة المسرحية تكمن في القيم التربوية السلبية لحياة أبناء الفئة المترفة مادياَ َ وأثر العمل وخشونة الحياة في صقل تجربة الإنسان وحسن تربيته وهو ما يدخل في ثيمة المسرحية الأخلاقية، التي قامت عقدتها على (الاستبدال)، بما قدم بوضوح أثر الشخصية وحركتها وعلائقها في بنيتها.
وفي المسرحية الأخلاقية بعامة؛ ظهرت عندنا شخصية تمثل المحور الخارجي للعمل أو تعليق المؤلّف بشكل غير مباشر وبتوصيف آخر مرجعية العمل وخلفيته أو بنيته في دائرتها الكبرى.. ولابد لمثل هذه الشخصية أنْ تكون موجودة في المسرحية الأخلاقية لأنَّها، في الحقيقة، تعدّ الوسيلة الموظّفة للإعلان عن غاية العمل ومن ثمَّ فهي ليست وجوداَ َ فائضا زائدا بل هي كينونة بنائية جوهرية ضرورية.. وعلينا أنْ نلاحظ كون مادة التعليق الذي تطلقه هذه (الشخصية) سيظلّ ممثلا لجوهر هذا النمط من العمل الدرامي… ولطالما تعرضت المسرحية العراقية للقراءة المغلوطة حيثما تعلق الأمر بقراءة شخصية الراوي حتى مراحل متقدمة في حياة مسرحيتنا ونقدها المتخصص…
أما الشخصيات الأهم في المسرحية الأخلاقية فهي شخصيتـا البطل ونقيضه ولا نقول: خصمه لأنَّ فلسفة العمل هنا (في خطته الفكرية العامة) كانت تقوم في الغالب على أساس إصلاحي توفيقي وعلى أساس أنَّ سلوك البطل ليس أكثر من صفات فردية سهلة الانقياد أو عادية التغيير..
وكثيرا ما كان هذا التغيير يجري بشكلِ ِ آليّ .. إذ لا يتأخرْ البطل عندما يوُضِع في الاختبار عن تغيير سلوكه من دون أية مشكلات أو من دون تلك التعقيدات الحياتية الإنسانية النفسية والاجتماعية التي ترافق مثل هكذا تغييرات. وهذا أمر غير واقعي من جهة ولا يخضع لمنطق تطور الشخصية الإنسانية (ولا الشخصية الدرامية) الطبيعي.
وفي ضوء ذلك، فإنَّ ثغرة كهذه أثرت في بنية مسرحيتنا بشكل مباشر حيث رصدنا حالة من التطور غير المسوَّغ منطقياَ َ على صعيدَي الشخصية ومن ثمَّ البنية في نسبة من مسرحيات تلك المرحلة المبكرة…
وعلى صعيد الشخصيات الثانوية وعلاقتها بالبنية، وجدنا أنَّ استخدام الشخصيات الثانوية لتعميق دور الشخصية الرئيسة في مسرحية المرحلة قد جاء منسجما من حيث المبدأ [أو بصورة عامة] مع تصورنا للدراما بوصفها (فعلاَ َ) قبل أنْ تكون (وصفاَ َ) أو(سرداَ َ)..
غير أنَّ ذلك لم يخلُ من ثغرات من الناحية العملية؛ فكان يمكن الاستغناء عن شخصيات ثانوية عديدة مبثوثة في المسرحية ممن كانت تؤدي المهمة الدرامية نفسها والاكتفاء بواحدة للتعبير عن سلوك البطل أو الشخصية الرئيسة؛ تحقيقا للتكثيف الدرامي المنشود.
ويهمنا هنا أنْ نسجل أنَّ المسرحية الأخلاقية عادة ما قدمت موضوعاتها وشخصياتها بطريقة وعظية إصلاحية تنتمي لثقافة المرحلة من جهة القيم التقليدية المحافظة ومن جهة تقديم القيم المثالية من التراث التربوي والنفسي بسبب من مآس وانكسارات خطيرة أصابت المجتمع طوال قرون من الحكم العثماني الذي لم يخلف إلا حاضرا بائسا مريضا ما كان له إلا أن يتعكز في تباشير نهضته الوليدة على بعض من بقايا الماضي من دون أن يغفل تفاعله بل اقتباسه التعبير الجمالي الجديد مما وصلت إليه تجاريب الشعوب الأخرى، كما هو حال المسرحية في دراستنا هذه…
* حقوق النشر محفوظة للكاتب
WWW.SOMERIAN-SLATES.COM
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أستاذ الأدب المسرحي