كارت بلانش.. لن أحتج هذه المرة، ولن أتهم

فتح الله حسيني*

كان بودي أن أترك هذه الزاوية بيضاء، فارغة كعقول التيوس، ولو لمرة واحدة، احتجاجاً على ما يثار على شاشات المزابل، من أوساخ أنصاف وأرباع الكتبة وهم ينثرون سمومهم الجاهلية على عوالم الآخرين وصباحاتهم ومساءاتهم، ولكني لم أشأ ذلك، خشية أن أتهم بأني أفلست في الكتابة بعد كتابة متواصلة لم أكف عنها منذ ولوجي الطاحش في عالم الكتابة المزاجية.

ما أن تتهافت على أخبار الكرد، شتاتاً شتاتاً، حتى تجدهم أكثر بؤساً وأكثر إفلاساً من ذي قبل، لا جديد على المستويين السياسي والثقافي، كل ما هنالك خبر قروي من هنا، وخبر قرويين من هناك، وبعض الرعاة وبعض المهمشين، والنخبة عاكفة، بمحض ارادتها، على أمور أهم، وهي الاشتغال على الهم الإبداعي بعيداً عن الأضواء الخافتة والمزيفة الجافة..

 “أنا لا أتمنى أن أكون صانع العالم، منظر هذا العالم يفتت كبدي” جملة جميلة رددّها الفيلسوف الصيني كونفوشيوس، تصورا مازلنا نعود الى حقبة كونفوشيوس في معرفة واقعنا الداعر والعاهر والجاهل، والأكثر بعداً عن متاهات الواقع الكردي المتردي بامتياز مقيت.

في تركيا الطورانية تنهال أبواط الجندرمة على رؤوس الكرد من استانبول الى دياربكر، ولا أحد يمجد الألق والنضال الكردي هناك، على أرض تبغ أجدادنا المبجلين الجليلين، فيما المقاتلون الكرد من أجل أحلامنا وأحلامهم ، ينذرون الروح من أجل كرامة وطن ممزق.

 في ايران، تتشبث الجمهورية الاسلامية الايرانية بكل اسلاميتها، وتبدد وتفتت الرأس عن جسد الكرد زنزانة زنزانة، مشنقة مشنقة، وما زال البعض يمجد أولئك الطغمة من الآياتيين الخاتميين الخامنئيين الخمينيين.

 وفي سوريا، ما زالت حركتنا التي لم تحتفل خجلاً بمرور واحد وخمسين عاماً مريراً على عمر عهرها السياسي حتى خجل الكرد من تواريخ مشينة باتت تتكشف لأولئك الذين كانت عوراتهم الى الأمس غير البعيد عورات عليها صورة نمر هندي.

وفي العراق، ما زال الكرد يتخبطون في محليتهم المفرطة، صحفيون لم صيتهم المحلي لا يعرفون خرائطهم خارج حدود محافظاتهم، والأقدار الكردية تسير وفق لا مشيئتها، والخرائط تبكي نقاشيها. نعم كان بودي أن أحتج على كل هذه المصائر المفضية الى فراغها الرث، أفضل من أن يجن جنوني وأكيل المدائح الرثة والغثة جزافاً دون بوصلة وتظل أقدار الكردي متشابهة، سوداء، سوداء، سوداء. انا في حالة احتجاج دائم، على كل من يشوه صورة الكردي، صورة أسى الكردي، صوت حزن الكردي، وبلاده يرحب بالموت البطئ على رؤوس كرده اللاضالين.
 

*نائب رئيس تحرير صحيفة الأمل.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حيدر عمر

تمهيد.

الأدب المقارن منهج يعنى بدراسة الآداب بغية اكتشاف أوجه التشابه والتأثيرات المتبادلة بينها، ويكون ذلك بدراسة نصوص أدبية، كالقصة أو الرواية أو المقالة أو الشعر، تنتمي إلى شعبين ولغتين أو أكثر، و تخضع لمقتضيات اللغة التي كُتبت بها. ترى سوزان باسنيت أن أبسط تعريف لمصطلح الأدب المقارن هو أنه “يعنى بدراسة نصوص عبر ثقافات…

نابلس، فلسطين: 2/7/2025

في إصدار ثقافي لافت يثري المكتبة العربية، يطل كتاب:

“Translations About Firas Haj Muhammad (English, Kurdî, Español)”

للكاتب والناقد الفلسطيني فراس حج محمد، ليقدم رؤية عميقة تتجاوز العمل الأدبي إلى التأمل في فعل الترجمة ذاته ودوره الحيوي في بناء الجسور الثقافية والفكرية. يجمع هذا الكتاب بين النصوص الإبداعية المترجمة ومقاربات نقدية حول فعل الترجمة في…

سربند حبيب

صدرت مؤخراً مجموعة شعرية بعنوان «ظلال الحروف المتعبة»، للشاعر الكوردي روني صوفي، ضمن إصدارات دار آفا للنشر، وهي باكورة أعماله الأدبية. تقع المجموعة الشعرية في (108) صفحة من القطع الوسط، و تتوزّع قصائدها ما بين الطول والقِصَر. تعكس صوتاً شعرياً، يسعى للبوح والانعتاق من قيد اللغة المألوفة، عبر توظيف صور شفّافة وأخرى صعبة، تقف…

عبد الجابر حبيب

 

أمّا أنا،

فأنتظرُكِ عندَ مُنحنى الرغبةِ،

حيثُ يتباطأُ الوقتُ

حتّى تكتملَ خطوتُكِ.

 

أفرشُ خُطايَ

في ممرّاتِ عشقِكِ،

أُرتّبُ أنفاسي على إيقاعِ أنفاسِكِ،

وأنتظرُ حقائبَ العودةِ،

لأُمسكَ بقبضتي

بقايا ضوءٍ

انعكسَ على مرآةِ وجهِكِ،

فأحرقَ المسافةَ بيني، وبينَكِ.

 

كلّما تغيبين،

في فراغاتِ العُمرِ،

تتساقطُ المدنُ من خرائطِها،

ويتخبّطُ النهارُ في آخرِ أُمنياتي،

ويرحلُ حُلمي باحثاً عن ظلِّكِ.

 

أُدرِكُ أنّكِ لا تُشبهينَ إلّا نفسَكِ،

وأُدرِكُ أنَّ شَعرَكِ لا يُشبِهُ الليلَ،

وأُدرِكُ أنَّ لكلِّ بدايةٍ…