إعدام الفرعون ، مناوشة ثقافية أم إعلان حرب ؟.

  بقلم: فرمان صالح بونجق

هي إحدى مقولاتِ أهم وأعظم فلاسفة الإغريق (تكَلَّم حتى أراكَ) ، والتي لا يمكن إلاّ تسميتها بأنها واحدةٌ من أبرزِ خلاصاتِ نتاج الفكر البشري المرموق منذ أن بدأ تاريخُ الإنسانيةِ بتدوين نفسه ، سواءَ بالنقش أو بالحبر أو بالدمِّ ، ولأننا في هذا العصر لا نتعثرُ كثيراً بفيلسوفٍ على قارعةِ الطريق ، كما كان يحدثُ منذُ بضعةِ آلافٍ من السنوات ، حين كان للفلسفة شأن ، فنلجأ مضطرينَ إلى الاستعانة بما قيلَ آنذاك لفهم تداخلاتٍ وتشابكاتٍ وتقاطعاتٍ نكاد لا نفهمها في عصرنا هذا . وإنْ فهمناها ورَدَّدْناها ، فإنَّ أحداً لن يصدقنا في مسعانا لتقديم الحقيقة أو جزءٍ منها على الغالب ، لأنها وعلى رأي الفلاسفة أيضاً : لا أحد يملكها كاملةً.
 والجديرُ بالذكر فإنَّ هذه التداخلات التي تفرزها سلوكياتٌ سياسيةٌ مشاكِسةٌ أحياناً ومغامِرةٌ أحياناً وعدائيةٌ وقاتلةٌ في الأحايين الأخرى . ترتكز أيضاً إنْ كلياً أو جزئياً على فهم وإدراك هذا النسبي من الحقيقة ، وتوظيفها توظيفاً سيئاً لخدمةِ المشاريع الطائفية والجهوية في منطقتنا والتي باتتْ معروفةً إلى حدٍّ ما ولو على المستوى النخبوي من المشتغلين بالشأن الثقافي .
والجهبذُ الفارسيُّ لا يزال يتكلم ، وكلما تكلم كثيراً رأيناه أكثر ، فتارةً سيحرقُ الخليج العربي ، وتارةً سيمسحُ دولة اسرائيل من الخريطةِ الجيوسياسية ، وتارةً سيغرقُ البشريةَ بأسلحته النووية التي لم ينتجها بعدُ ، وتارةً يعدمُ ( الفرعون ) ، وتاراتٍ أخرى يهذي ويهذي إلى ما لانهاية ، معتقداً بأنه وكيل الله الأوحدَ على هذا الكوكب ، ومعتقداً أيضاً بأنه يملكُ صكوكاً شرعيةً من سلالةِ آلِ البيتِ ليحكمَ بها الخليقةَ ، ومتى كان آلُ البيتِ ينزعون إلى حكم الخليقةِ ؟!. ولأنها لم تكن إلاّ رسالةُ الله إلى بني البشر، وقد بُلِّغَتْ : ( اللهم إني بلّغت ، اللهم إني بلّغت ) ، فقد انقطعتْ علاقةُ السماءِ بالأرضِ بعدَ هذه الكلماتِ البسيطةِ والبليغةِ والحاسمةِ .
و الجهبذُ الفارسي ليس إلاّ منظومةُ الملالي من ذوي العمائم السوداءِ المبعثرينَ يميناً ويساراً والذين خرَّجتهم قُـمْ ليُبلِّغوا رسائِلَها قولاً وعملاً ، وهم لم يتوانوا عن فعل ما أُمروا بهِ على سبيلِ الطاعةِ والإخلاصِ للقمقم الأكبر. وخيرُ تشخيصٍ لهذه الطاعةِ انحناءُ أحمدي نجاد بكلِّ وقار، وتقبيلهِ أيادي مرشدِ الجمهوريةِ الإسلاميةِ إبانَ تصعيد الأولِ لسدَّةِ الحكم ، وعلى أية حال فإنها ليستْ جمهوريةً وليستْ إسلاميةً أيضاً ، ولكنها قد تكون كياناً فارسياً إذا استثنينا منها الشعوب الكردية والعربية والبلوشية والآذرية والتي تشكلُ ما نسبته 60% من مجموع السكان .
ومقولة ُسقراطَ تلك ( تكلم حتى أراك ) أعانتنا اليومَ في فهم الرسائلِ الإيرانيةِ ، السياسيةِ منها والطائفيةِ ، وحتى التفخيخيةِ التي تجولتْ ولا تزالُ تتجولُ هنا وهناك .
 ورسالتها اليومَ تختلفُ إلى حدٍّ ما من سابقاتها لكونها ترتدي لبوساً ثقافياً ليس إلاّ . واستهدفتْ الرسالة هذه المرةَ دولة مصرَ بكيانها السياسي والثقافي والشعبي أيضاً من خلال فيلم إعدام الفرعون والذي يتناول قضية اغتيال الرئيس المصري الراحل أنور السادات ، وليس بخفيٍّ على أحدٍ من تكونُ مصرُ ، وما هي إمكانيات مصر، وكيف سيكونُ ردُّ مصر . وليس من المهم أبداً شكلُ هذا الردِّ ، ولكن المهمَ أنّه سيكون عنيفاً وعنيفاً جداً ، وقد بدأتْ بوادرهُ تظهر للعيانِ من خلال ردود الفعل الأولية على مستوى المراجع الدينية والأوساط المثقفةِ المتحالفة بشدةٍ مع مصريتها كظاهرةٍ جنسويةٍ ووطنيةٍ وقوميةٍ وانتمائية . وإذا كان الإيرانيون قد نجحوا إلى حدٍّ ما في اختراق بعض الساحاتِ بتواطؤاتٍ محليةٍ ، إلاّ أنهم تمكنوا فقط هذه المرةَ من إطلاق الدبابير المصريةِ الوطنيةِ من أعشاشها لدى أول اقترابٍ من التخوم التي يعتبرُها المصريونَ مقدسةً ومقدسةً جداً ….

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماهين شيخاني

ولد الكاتب والصحفي والمناضل الكوردي موسى عنتر، المعروف بلقب “آبي موسى” (Apê Musa)، عام 1918 في قرية “ستليلي” الواقعة قرب الحدود السورية، والتابعة لمدينة نصيبين في شمال كوردستان. ترعرع يتيماً بعد أن فقد والده في صغره، فحمل في قلبه وجع الفقد مبكراً، تماماً كما حمل لاحقاً وجع أمّته.

بدأ دراسته في مدارس ماردين، ثم انتقل…

أسدل يوم أمس عن مسيرتي في مجلة “شرمولا” الأدبية الثقافية كمدير ورئيس للتحرير منذ تأسيسها في أيلول 2018، لتبدأ مسيرة جديدة وسط تغييرات وأحداث كبرى في كُردستان وسوريا وعموم منطقة الشرق الأوسط.

إن التغييرات الجارية تستدعي فتح آفاق جديدة في خوض غمار العمل الفكري والأدبي والإعلامي، وهي مهمة استثنائية وشاقة بكل الأحوال.

 

دلشاد مراد

قامشلو- سوريا

19 أيلول 2025م

الشيخ نابو

في زمن تتكاثر فيه المؤتمرات وترفع فيه الشعارات البراقة، بات لزاما علينا أن ندقق في النوايا قبل أن نصفق للنتائج.

ما جرى في مؤتمر هانوفر لا يمكن اعتباره حدثاً عابراً أو مجرد تجمع للنقاش، بل هو محاولة منظمة لإعادة صياغة الهوية الإيزيدية وفق أجندات حزبية وسياسية، تُخفي تحت عباءة “الحوار” مشاريع تحريف وتفكيك.

نحن لا نرفض…

نجاح هيفو

تاريخ المرأة الكوردية زاخر بالمآثر والمواقف المشرفة. فمنذ القدم، لم تكن المرأة الكوردية مجرّد تابع، بل كانت شريكة في بناء المجتمع، وحارسة للقيم، ومضرب مثل في الشجاعة والكرم. عُرفت بقدرتها على استقبال الضيوف بوجه مبتسم ويد كريمة، وبحضورها الفعّال في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية. لقد جسّدت المرأة الكوردية معنى الحرية، فلم تتوانَ يومًا عن…