جكرخوين، الذي أشار لي من نافذة بيته

  محمد عفيف الحسيني

عندما توفي سيداي جكرخوين، كنتُ في عامودا؛ خرجتُ مع مَنْ خرج، إلى جانب المطار، لاستقبال جنازته ـ روحه الشاعرية التي ماتتْ في ستوكهولم، ودفنت في منزله، حيث أنتم الآن، ولستُ أنا، ولا السيد الكبير.
في غرفتي في عامودا، كانت صورة كبيرة له، بالأبيض والأسود، معلقة، لا أعرف أين راحت، بعد نزوحي إلى السويد.
كان جكرخوين، يحتضر، وأنا كنت أفكر بالذهاب إلى الدولة التي مات فيها منفياً.
كلانا من عامودا، كلانا نكتب الشعر، كلانا عشنا في المنفى السويدي، هو مات فيها، وأنا لازلتُ أعيش فيها.
تلك السنة، بعد وفاته، وفي ستوكهولم، كنا ثلة من الكتاب في حارة تينستا Tensta، التي تعج بالمهاجرين والمنفيين من أمثالنا، مررنا أمام بناء، أشار لي أحدهم، بأن جكرخوين، كان يسكن هنا، وأشار بأصبعه على شقة ما، للحظات خيل لي بأن الشاعر ناداني، بحركة مبهمة، لم أفهمها، لكن، وكأنني رأيت زناراً معلقاً على الحائط، مضفوراً بألوان علم كوردستان، تلك هي المرة الوحيدة، التي مررت بها أمام بيته.
لكن، في ستوكهولم، وأيضاً في كل زيارة لي، لها، لابد أن أذهب إلى مقهى ـ قبو، خاص بالشعراء والتشكيليين والموسقيين، أخلاط الله المبدعة، كلها تجتمع هناك، في هذا المقهى، أتخيل بأن هذا المنفي الشاعر، كان يتردد إليه. وقد كتبتُ، وقتها فصلاً كاملاً عن وجود الشاعر هناك، كتابة الفانتازيا حوارياً مع عمي الشيخ صدرالدين، الذي كان يلقي قصائده في المجالس، غيباً، وفي عامودا، وأيضاً في القامشلي، لكن، ليس في السويد.
لا أعرف كثيراً عن فعاليات مهرجانكم، لأنني انقطعتُ منذ حوالى العشرين سنة؛ لكن، راقتْ لي الفكرة كثيراً، خاصة وجود جائزة باسم الشاعر الريادي، مادام ليس له إسم في أي شارع من شوارع قامشلي أو عامودا، أو حتى في قرية هيمو!؟، بالطبع الممنوع، واضح؛ الممنوع الشمولي، الذي لا يرى إلا نفسه في المرآة.
أتمنى، لو قام أحد النحاتين الكرد، بصنع تمثال يليق بهذا الكبير، ينصب في بيته، مع ضريحه المبارك، أسوة بما يجري في العالم.
لكم التقدير، أتمنى لكم الموفقية.

محمد عفيف الحسيني، الذي يعيش في البلد الذي مات فيه، سيداي جكرخوين.

غوتنبورغ السويد 2008

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…