على كلّ شيء تقريبا

عبدالرحمن عفيف

خبّأت لي حبيبتي دفترا من ورق الزّيزفون
في زهرة وزيزفون المقبرة
وقبّرة اللّيل الحنونة راحت تخبّىء الحروف
في هذه الحارة فتاة تسمّى قمرا مبتسما
تحبّ الشبّان المراهقين
قلبها في كفّها تعطي الابتسامات والعضّات

على الشّفاه.
البيت وشجرة التّوت الأصفر المائل إلى الأبيض
وفي الصّباح القمر الأبيض تحت الشّجرة
وبئر ليست عميقة البتّة
تحطّمت مجاري التّواليت منذ أسابيع
وفتاة تعيش في هذا الشّارع
يحبّها الشبّان من كلّ أنحاء المدينة الصّغيرة
غرقت أرجلهم ودواليب درّاجاتهم النّارية
في الرّوائح النتنة
الصّيف بطوله وعرضه.

عرس يعجّ بالمدعوّين ولا أعرف أحدا
العريس أعارني كتابا لبرناردشو منذ شهرين بالإنكليزيّة
مساء يضيء العرس كأنّه قدّيس
مساء يمرّ فارس من الرّائحة العتيقة على أحاسيسي
وصمتي بغير جدوى
أنظر في المدعوّين وسكّر ملفوف بكلينكس ومطّاط
رقيق وشراب يشربه الأطفال
المدعوّون والرّاقصون وأشرطة المكبّرات
تدوّي وتدوّي.

كرمة مائلة إلى ذهني
في الصفّ الأصفر
الشّمس لها قلب
للزّهرة البرتقاليّة أسنان وصدر
يخفق قلبي للفتاة البيضاء الشّاحبة
في عرس رجل أزعر
آخ التفاتة الفتاة التي لعبت
معنا …
أنا وجار لي
في الصفّ الخامس أو السّادس.

امرأة عجوز لا تفعل سوى المرور في الشّارع
الجدار طيني يميل إلى الهدم
غبية ساعات وحدتي على الشّوارع المضيئة جدّا
أرى شجرة كبيرة بجانب بيت كبير
يعرف صديقي فتى في هذا البيت
تغنّي المسجّلة بأعلى صوت في بيتهم.

لو أنّني أقلّ خجلا
وتسلّقت رقبتها بالقبل والحنان والكلمات العطريّة
لو أنّها كانت حبيبتي لوحدي
وعضّت على شفتها لي
وشنقتُ لها قبلة عنيفة على نهدها.

لم أعرف القصّة كاملة والتفاصيل الجديدة
غابت كلّها عنّي
انهمكت بشحرور أسود غنّى في أحزان البلدة
غنّى الشّحرور قصص المجانين والمنهوكين
والسّكارى والدكتاتوريّين
وخيّل إليّ أنّه شحرور
ربّما كان فقط خيالي الليليّ
هو من عاش بدلا عنّي.

والتي تدلّت من حبّة العنب الخضراء الشفّافة
تدلّت لي بيضاء
ثمّ صارت امرأة جميلة
سكنت في طابق بيت عمّها
على الشّارع العام في المدينة الصامتة
تكلّمت هناك بكلام أبيض لم أفهمه من ذلك العلوّ
قالت شيئا لم أعرفه عنّي منذ سنين.

الذين كانوا أصدقائي
بقوا أصدقائي في الأعراس والشّوارع والحانة الوحيدة
كانوا يملكون بيوتا وأمّهات وأسرارا عميقة
كانوا يملكون أحذية ويمشّطون شعورهم
ويكتبون رسائل العشق والشّعر ويمارسون الضّجر
كلّ أسبوع على طريقتهم
أصدقائي قوّتهم بقيت معهم طويلا.

وغاب قمر آخر
أبيض اللّون
وغطّى الجامع الكبير
وقمرٌ أزرق
خرج وغطّى كامل أنفاسي
صحت مع العصفور على حجر صغير
قبل قدوم الشّتاء بأيّام
العصفور كان حكيما ونادما
مثلي على كلّ شيء تقريبا.

تقريبا على المئذنة والشبّاك والأصدقاء
تقريبا على المدرسة والصفّ والطّابق العلويّ
على الشّارع العام
تقريبا على الفتاة المسمّاة قمرا
وتعضّ شفتها
كما أخبرني الأصدقاء
الذين احتفظوا بأمّهاتهم
وأحذيتهم وأسرارهم
وأنا أفشيت وأفشيت.

وأخبرت نفسي كما في الحكاية
لو كان هناك حجر وضربت رأسي
برأس العصفور عليه
وكسرتُ نايي ومنقار العصفور
وريشة مدمّاة بالصّداقة.
وقمر أبيض وأخضر
مثل الفتاة لونا
لو قضيت عمرا
مع أبيضي وأخضري عليه.

20/07/08

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

مروان شيخي

المقدّمةُ:

في المشهدِ الشِّعريِّ الكُرديِّ المعاصرِ، يبرزُ الشاعرُ فرهادُ دِريعي بوصفِه صوتاً خاصّاً يتكلّمُ من عمقِ التجربةِ الإنسانيّةِ، لا بوصفِه شاهداً على الألمِ فحسبُ، بل فاعلاً في تحويلِه إلى جمالٍ لغويٍّ يتجاوزُ حدودَ المكانِ والهويّةِ.

ديوانُه «مؤامرةُ الحِبْرِ» ليسَ مجرّدَ مجموعةِ نصوصٍ، بل هو مساحةٌ روحيّةٌ وفكريّةٌ تشتبكُ…

غريب ملا زلال

سرمد يوسف قادر، أو سرمد الرسام كما هو معروف، عاش وترعرع في بيت فني، في دهوك، في كردستان العراق، فهو إبن الفنان الدهوكي المعروف يوسف زنكنة، فكان لا بد أن تكون حياته ممتلئة وزاخرة بتجربة والده، وأن يكتسب منها بعضاً من أهم الدروس التي أضاءت طريقه نحو الحياة التي يقتنص منها بعضاً من…

أحمد مرعان

في المساءِ تستطردُ الأفكارُ حين يهدأ ضجيجُ المدينة قليلًا، تتسللُ إلى الروحِ هواجسُ ثقيلة، ترمي بظلالِها في عتمةِ الليلِ وسكونِه، أفتحُ النافذة، أستنشقُ شيئًا من صفاءِ الأوكسجين مع هدوءِ حركةِ السيرِ قليلًا، فلا أرى في الأفقِ سوى أضواءٍ متعبةٍ مثلي، تلمعُ وكأنها تستنجد. أُغلقُ النافذةَ بتردد، أتابعُ على الشاشةِ البرامجَ علّني أقتلُ…

رضوان شيخو

 

ألا يا صاحِ لو تدري

بنار الشوق في صدري؟

تركتُ جُلَّ أحبابي

وحدَّ الشوق من صبري.

ونحن هكذا عشنا

ونختمها ب ( لا أدري).

وكنَّا (دمية) الدُّنيا

من المهد إلى القبر..

ونسعى نحو خابية

تجود بمشرب عكر..

أُخِذنا من نواصينا

وجرُّونا إلى الوكر..

نحيد عن مبادئنا

ونحيي ليلة القدر

ونبقى…