برزو محمود
مع التركيز على تبيان الظروف المحيطة باللهجتين الرئيسيتين: الشمالية (الكورمانجية) والجنوبية (السورانية)، وتحديد العوامل الموضوعية والذاتية التي ساهمت سواء في نمو وتقدم الواحدة منهما، أو في تأخر وعرقلة عجلة تطورها. كما أود توضيح نقطة أخرى وهي أن الصراع اللغوي يدور على محورين متداخلين:
1. محور يدور بين اللهجتين الكرديتين.
2. محور يدور بين الكردية واللغات الأخرى (التركية والفارسية والعربية)
الصراع بين الكورمانجية والسورانية قد لا يكون بتلك الدرجة التي تمكّن الواحدة منهما أن تصرع الأخرى، بالأخص في المرحلة الحالية، لأن موقع إحتكاك اللهجتين ببعضهما البعض تتمركز في منطقتين محددتين هما كردستان العراق و كردستان ايران حيث يحسم الامر سلفاً لصالح اللهجة الجنوبية بسبب تفوق الكم العددي لناطقيها في كلتا المنطقتين من جانب، وتفوقها المعرفي والثقافي من جانب أخر. ومن الموضوعي القول أن الجانب المعرفي يشكل عاملاً هاماً في نمو اللغة القومية وتحديد هويتها، فلو أردنا من خلال اللهجة الشمالية أن نحصل على ثقافة معينة في حقل من حقول المعرفة، لنقل الفلسفة أو النقد الادبي أو الدراسات السياسية، لا نجد مرجعاً أو مصدراً واحداً في إحدى هذه المعارف مدون باللهجة الشمالية، تأليفاً كان أو ترجمةً. أما في اللهجة الجنوبية يمكنك الحصول على مراجع بكمية ما في عدد غير قليل من الحقول المعرفية مما يمكّن القارئ من مطالعة الكتب التخصصية باللغة الكردية، وهذا ما يشير بوضوح الى أن الاخيرة قد تطور في جهازها الاصطلاحي الى مستوى جيد يُمكّنها من ترجمة الكثير من المراجع العلمية والأدبية الى اللغة الكردية، وهذا يدل على أن القارئ الكردي بإمكانه الحصول على مقدار لابأس به من الثقافة بالاعتماد على ما هو مدون في اللهجة الجنوبية، في حين أن المكتبة الكورمانجية تفتقر إلى أبسط المصادر المعرفية، وما هو متوفر لا يخرج عن حدود مجموعة من الدواوين الشعرية. لا شك أن هذا التطور اللغوي الحاصل على مدى قرن من الزمان يقع الى حد كبير على الجانب الكسيكولوجي المفرداتي، كما أن الجانب النحوي في اللهجة الجنوبية هي الأخرى خضعت لعملية تثبيت صيغ لغوية معينة ومحددة ومرشحة أن تأخذ صيغة الستاندرد على الأقل بالنسبة للكردية الجنوبية، ومتفق عليها من قبل أعضاء المجمع العلمي الكردي.
إذا ألقينا النظر إلى تاريخ مسيرة اللغة الكردية في القرن العشرين يظهر لنا جلياً أن هنالك لهجتين رئيسيتين أخذتا طريقهما نحو التطور بخطى متفاوتة وعلى جميع الأصعدة، وهما السورانية الناطقة من قبل غالبية أكراد العراق وأكراد ايران، والكورمانجية التي تتكلم بها اكثرية أكراد تركيا، وجميع أكراد سوريا، و25% من أكراد العراق، و20% من أكراد ايران. وبموجب العدد السكاني نرى وجود لهجتين رئيسيتين في اللغة الكردية، يمكن أن نوضح ذلك في الجدول التالي:
الدولة | مجموع السكان | السورانية | الكورمانجية | زازاكي | لوري وهورامي |
العراق | ,54 ملايين | 3 | 1 | نصف مليون | |
ايران | 8 ملايين | 6 | 1 | 1 | |
تركيا | 12 مليون | 9 | 3 | ||
سوريا | 2 مليون | 2 | |||
السوفيت | 300 الف | 300 الف | |||
الكل | 26 ونصف | 9 | 13 | 3 | واحد ونصف مليون |
من المعلوم أن كردستان العراق تمارس حقوقها الثقافية بالشكل الرسمي وباللهجة السورانية منذ أن كانت تحت الوصاية الانكليزية، أي منذ بداية القرن الماضي، اذ كان الانكليز قبيل الحرب العالمية الاولى يصدرون مجلة ثقافية باسم (تيكهشتني راستي) باللغة الكردية وكانت توزع في كردستان العراق، علماً أن النشاط الادبي باللهجة السورانية كانت قد بدأت منذ أوائل القرن التاسع عشر.
ولو أستثننينا كردستان العراق، لا نجد مدارس حكومية أو رسمية باللغة الكردية في الأجزاء الاخرى، رغم وجود هامش من الحرية في ممارسة الحقوق الثقافية في كردستان ايران، حيث يسمح باصدار بعض المجلات الكردية مثل سروة، واصدار كتب أدبية وثقافية، كما يسمح بالنشاط الفني والمسرحي، وهنالك بث اذاعي باللغة الكردية منذ ستينات القرن الماضي، وفي المدة الاخيرة ظهر البث التلفزيوني أيضاً. أما بالنسبة لأكراد تركيا وسوريا حيث اللهجة الكرمانجية لا نجد أي اعتراف رسمي بممارسة الكرد حقوقهم الثقافية نتيجة للسياسة الشوفينية المتبعة من قبل الحكومات حيال الشعب الكردي. ومع هذا، نجد أن الحكومة التركية تسمح الان باصدار جرائد ومجلات كردية، وتسمح بإصدار كتب أدبية وتاريخية وثقافية عامة باللغة الكردية. أما في سوريا حيث يحرم إصدار أية مجلة أو طبع كتاب باللغة الكردية بشكل علني ولكن منذ العقد الاخير من القرن الماضي يمكن أن نجد هنا وهناك بعض الكتب التي تدور حول الادب والفولكلور الكرديين باللغة العربية يسمح بنشرها أو يمكن القول أن السلطة في بعض الاحيان تغض النظر عنها.
في الحقيقة أننا نلاحظ أن غبناً تاريخياً قد لحق بالكردية الشمالية (الكرمانجية) بعد أن كانت الرائدة في ديوان الشعر الكردي الكلاسيكي على مدى القرنين السادس عشر والسابع عشر – مما أدى الى تخلفها وأصيبت بالضعف والوهن نتيجة سيطرة وهيمنة اللغة الرسمية السائدة، (الغير كردية). ولو عدنا إلى التاريخ الكردي الحديث منذ بداية القرن العشرين، يلاحظ أن فرص احياء اللهجة الشمالية قليلة جداً بالمقارنة مع السورانية رغم أن أول صحيفة كردية صدرت في التاريخ الكردي كانت باللهجة الشمالية وهي جريدة كردستان في عام 1898 بالقاهرة بالحروف العربية، وتليها مجلة ) jîn ( الصادرة في عام 1918 في استانبول، لكن الفرصة الوحيدة التي هيأت المناخ الملائم للهجة الشمالية بالنمو هي الاصدار العلني لمجلة هاوار وروناهي الكرديتين في عام1944 – 1931 بدمشق إبان الانتداب الفرنسي على سوريا، حيث نجد لأول مرة الكتابة الكردية بالحروف اللاتينية وضعها اللغوي الكردي المعروف الامير جلادت بدرخان.
وبعد تأسيس الدولة التركية الحديثة على يد كمال أتاتورك بدأت اللهجة الكورمانجية بالتقهقر أمام ضغط الشوفينية التركية التي بذلت جهداً كبيراً في عملية صهر اللغة الكردية ومحوها من الوجود بغية تحقيق هدف تتريك الكرد في تركيا، إذ وصل الامر بها الى فرض الجزية المالية على كل من يتكلم الكردية ليس في الدوائر الحكومية فحسب، بل في المقاهي والمنازل. في الحقيقة أن الارهاب التركي ضد اللغة الكردية بدأت من عام 1920 واستمرت بنفس الوتيرة الشوفينية حتى عام 1980 مستخدماً الة القمع الهمجية ضد الشعب الكردي الأعزل ليتخلى عن لغته الكردية وتحل محلها التركية، وبالتالي شيئاً فشيئاً يندمج مع القومية التركية، وتصبح أصوله الكردية في طي النسيان أو أنها مخزنة في ذاكرة غير قادرة على الحركة الا في اطار الايديوليجية التركية. في الحقيقة أن سياسة الصهر اللغوي هذه أعطت نتائج ملموسة على أرض الواقع، فقد جرى تحولاً كبيراً على لغة وذهنية عدد غير قليل من فئات المجتمع الكردي اذ يتحدثون التركية ليس ققط في مكان العمل أو في الادارة الحكومية، بل حتى في منازلهم ومع أطفالهم وذويهم، وتراهم غير قادرين على التحدث باللغة الكردية رغم اعترافهم اللفظي بأصولهم الكردية.
وبالنسبة لأكراد السوفيت الذين ينتمون الى الطائفة اليزيدية، فقد حصلوا على بعض الحقوق الثقافية في ظل الحكم الشيوعي أنذاك، وقد برز منهم نخبة أكاديمية قدمت نشاطاً علمياً على صعيد معهد الاستشراق، ولا سيما في البحوث اللغوية والتاريخية، ويمكن أن نذكر بعض الاسماء اللامعة في هذا المجال مثل قناتي كوردو، جاسمى جليل، جليلى جليل، زاري يوسف وغيرهم اذ لعبت هذه الرموز دوراً غير قليل في جمع وتدوين التراث الشفاهي الكردي باللهجة الشمالية وطبعه على شكل مجلدات.
أما كردستان ايران والعراق قد شهدتا تطوراً سياسياً وحضارياً واجتماعياً أفضل بكثير من بقية الاجزاء، لهذا السبب نجد أن اللهجة الجنوبية (السورانية) لدى أكراد العراق وايران نالت قسطاً غير قليلا من الرعاية والاهتمام والتي تتجسد في شكل مؤسسات حكومية وأهلية تعلم وتنشر اللغة الكردية. ولو عدنا إلى ماضي اللهجتين في فترة ما قبل القرن التاسع عشر أي في القرنين السادس عشر والسابع عشر نلاحظ أن اللهجة الشمالية كانت مزدهرة في تلك الفترة أكثر من الجنوبية، فالشعراء الأكراد العظام أمثال الجزيري والخاني وفقه تيران … أسسوا المدرسة الشعرية الكلاسيكية باللهجة الشمالية، في حين أن اللهجة الجنوبية دخلت الادب الكردي مع حلول القرن التاسع عشر وبدأت تزدهر على يد نالي وسالم و شيخ رزا وحاجي قادر كويي. أما في بداية القرن العشرين ظهر أدباء وشعراء مثل بيكس، وبيرميرد، والشيخ صالح، وكوران … واستمرت اللهجة السورانية في تطورها اللغوي حيث أحرزت تقدماً ونجاحاً كبيرين بالمقارنة مع اللهجة الشمالية نتيجة لتعاظم قوة الحركة القومية الكردية في كردستان العراق إذ حصل الكرد فيها على بعض من الحقوق الثقافية، ومع بروز القوى اليسارية على الحكم في ثورة تموز عام 1958 نص الدستور العراقي على أن العراق يتكون من قوميتين: العرب والكرد، وهما شركاء في الوطن، هذا الوضع السياسي الجديد للمسألة الكردية في العراق انعكس بشكل ايجابي على اللغة والادب الكرديين، اذ نرى أن اللغة الكردية وخاصة اللهجة الجنوبية لأول مرة تدرس كفرع جامعي في قسم الاداب بجامعة بغداد في عام 1958. ولكن هذه الخطوات الايجابية لم تكن تلبي طموح الشعب الكردي مما دفع بالحركة الكردية الى ساحة النضال لانتزاع حقوق الكرد كاملة كقومية ثانية في العراق. وفي 11 أذار عام 1970 وتحت ضغط الثورة الكردية أضطرت الحكومة العراقية على توقيع اتفاقية الحكم الذاتي لكردستان العراق، واعتبرت اللغة الكردية اللغة الرسمية في مناطق الحكم الذاتي في الدولة العراقية، وتم انشاء المجمع العلمي الكردي في بغداد، وجامعة كردية في السليمانية والتي أنتقلت فيما بعد الى أربيل وسميت بجامعة صلاح الدين، وتم انشاء اتحاد كتاب الكرد، والجمعيات الثقافية الكردية، وإصدار مجلات عديدة، ونشر الاف الكتب باللهجة الجنوبية، وفتح المدارس في مناطق الحكم الذاتي لكافة المراحل الدراسية. كل هذا ساهم في تطوير الحركة اللغوية، وخاصة مع ظهور علماء لغويين كبار مثل الاستاذ مسعود محمد، رئيس المجمع العلمي الكردي، وتوفيق وهبي، وعلاء الدين سجادي، ومحمد الخال، وكريم شارزا، ومحمد أمين هورماني، وعائلة المدرس (بيارا)، والدكاترة: عزالدين مصطفى رسول، وجمال نه به ز، ومعروف خزه دار، ووريا عمر أمين، وعبد الرحمن حاج معروف، وكامل البصير، وكمال مظهر، ومحمد معروف فتاح، …الخ. أما من الدكاترة النساء: نسرين فخري، وكوردستان موكرياني، وباكيزا رفيق حلمي، وشكرية رسول، …. فالنشاط اللغوي والأدبي والعلمي لدى أكراد كردستان العراق أحدث منعطفاً كبيراً في تطوير وتقدم اللهجة السورانية بخطوات سريعة ونوعية لم يعرفها تاريخ اللغة الكردية من قبل. أما اللهجة الشمالية في العراق رغم أنها لغة محافظة دهوك بالكامل لم تحسب لها أي حساب في المدارس الكردية، والأنكى من هذا لم تكن محافظة دهوك مشمولة ضمن اطار الدائرة التعلمية باللغة الكردية بموجب اتفاق سياسي سري بين الحكومة العراقية والحكومة التركية تقضي بمنع فتح المدارس باللغة الكردية، وبالأخص باللهجة الشمالية، في محافظة دهوك، التي تجاور أكراد تركيا في الجغرافيا، وتشاركهم في نفس اللهجة. لا شك أن هذا الاجراء ساهم في تأخر وتراجع اللهجة الشمالية وتقهقرها أمام اللهجة الحنوبية. وعلى الرغم من وجود الحدود السياسية والثقافية بين هاتين اللهجتين، الا أن تأثيرات هذه الحركة اللغوية لم تقتصر على أكراد كردستان العراق فقط، بل أصبحت ترسل اشعاعاتها لتنير الطريق أمام سير الحركة اللغوية والأدبية في كردستان ايران ولا سيما أن الطرفين يشتركان في اللهجة، وبنسبة أقل على اللهجة الشمالية من جانب آخر، حيث نلاحظ أن ألفاظ ومفردات اللهجة الجنوبية تعبر الحدود السياسية لتدخل إلى عالم الكتابة والصحافة والشارع السياسي الكردي الخاص باللهجة الشمالية، وخاصة على الجانب السوري، إذ أن الوعي القومي الكردي في سوريا نشأ ونما وتطور بفعل تأثير الحركة القومية الكردية في العراق حيث العلاقات الوطيدة بين الجانبين بدأت منذ تأسيس الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا في عام 1957، ونتيجة لهذه العلاقات لازال حتى الان نلاحظ شيئاً من التبادل اللغوي يحدث في الواقع بين اللهجتين السورانية في العراق والكورمانجية في سوريا، ومن هذه المفردات:
المعنى العربي | kurdi (Sorani) |
الثورة | şoreş |
الشعب | gel |
شكراً | spas |
قرار | birryar |
طليعة | pêşeng |
اقتراح | pêşniyar |
التحرر | rizgar |
الامة | netewe |
تفضل | Fermo |
المثقف | rewşenbîr |
الرسالة | name |
نشاط | çalakî |
وحتى على مستوى الاسماء يمكن ملاحظة أن اللهجة الشمالية قد أخذت الكثير من مفردات اللهجة الجنوبية، مثل:
Keç: Netewe, Ronak, Zêwe, Gelawêj, Hêwe,
Kur: Şêrko, Şêrgel, Azad, Rizgar, Kardo, Hejar,
وتزداد كمية هذه المفردات يوماً بعد يوم
المشكلة القائمة حالياً والتي تعترض الكرد هي ايجاد اللغة الكردية الموحدة لجميع الكرد في العالم في ظل وجود أكثر من لهجة، ولكن اختصاراً نحصر المسألة في لهجتين رئيسيتين (السورانية والكورمانجية)، كل منهما تطمح أن تكون قبل غيرها اللغة الكردية الموحدة. أن الحديث حول اللغة الكردية يقودنا مباشرة إلى الصراع اللغوي الموجود بين اللهجتين الشمالية والجنوبية، إذ تعمل كل منهما على الاحتفاظ بشخصيتها وكيانها، علماً أن العوامل الخارجية التي تتمثل في تقسيم كردستان بين دول عدة تحكمها حكومات من قوميات غير كردية ترى لذاتها الحق في ممارسة ئقافتها القومية وفرض لغتها لتحل محل اللغة الكردية في المدرسة وفي الجامعة وفي التلفاز وفي الراديو وفي جميع المعاملات الادارية الحكومية، هذه العوامل لعبت دوراً أساسياً ورئيسياً سواء في الحدود الفاصلة بين هاتين اللهجتين، أو في تأخر نمو اللغة الكردية. لذا فأن الوضع السياسي للشعب الكردي ككل يشكل السبب المباشر للحالة التي ألت اليها اللغة الكردية حيث لم يصل الكرد الى لغة موحدة مادام الكرد لا يمتلكون جغرافية سياسية موحدة تحت حكم دولة واحدة، كردية كانت أو غير كردية. فالتقسيم الجغرافي في صيغة تعددية أثنية (عربية، تركية، فارسية) أدى الى تقسيم اجتماعي وتقسيم لغوي بأن واحد، اذ نصبح أمام حالة كردية عربية، وحالة كردية تركية، وحالة كردية فارسية، وأخيرأ كردية أوربية. هذه التعددية، مع ما فيها من ايجابيات بفعل التعددية الثقافية، الا أنها مع مرور الزمن تفقد التألف الهارموني الموجود أصلاً في نسيج المجتمع الكردي بكل فئاته ولهجاته، وهذا ما ينعكس، تقارباً أو تباعداً، في صورة التوافق والاختلاف على مستوى الصيغ اللغوية بين اللهجات الكردية. وبالرغم من أن اللهجة الكرمانجية تحتل رقعة سكانية وجغرافية أكبر من اللهجة السورانية، إلا أن هذه الاخيرة قد خطت أشواطاً واسعة ومتقدمة في مسيرة تطور اللغة الكردية، وهذا ما جعل الدعوة إلى اللغة الموحدة تميل نحو ترجيح السورانية على غيرها من اللهجات الاخرى، وهي الان اللغة الرسمية التي تسود كل من كردستان ايران والعراق، حيث تستخدم في المدارس والادارات الحكومية. ولكن بإعتقادي أن السورانية، رغم تطورها وتقدمها المعرفي، كماً ونوعاً، من الصعب أن تفرض نفسها على أكراد تركيا وسوريا (والاقلية الكردية الموجودة في السوفيت وافغانستان وأوربا ….) وذلك لأسباب عديدة: عدم وجود كيان كردي موحد تضم جميع أجزاء كردستان، وبالتالي غياب قوة السلطة أو غياب الحكومة الكردية المركزية القادرة على تنفيذ القرار على أرض الواقع، والزام الناس بتطبيقه وخاصة الشريحة الطلابية التي تتلقى العلم بلغة معينة. بالاضافة الى ما سبق يلاحظ بشكل عام أن العقل الكردي (للأسف) غير قادر على استيعاب هذه القضية، اذ لا نجد علماء كرد يستوعبون هذه المسألة في اللهجة الشمالية لكي يتخطوها أو يتجاوزوها ، أو يبادروا بدراستها كاشكالية السنية من وجهة نظر علمية. نزعة الاستعلاء اللهجوي والمعرفي لدى أصحاب اللهجة الجنوبية يقودهم إلى رأي وحيد الجانب، ويزيد من وتيرة الصراع بالاتجاه اللاعقلاني واللاعلمي حيث تزداد العصبية اللهجوية، والتفكير النمطي، وبالتالي يتمسك كل واحد بلهجته بالشكل الاعمى.بالاضافة الى ما سبق يمكن القول أن اللهجة الكردية الجنوبية لم تستطع أن تبتلع اللهجة الشمالية بسبب الحدود الدولية الفاصلة بين هاتين اللهجتين كما أن لهذه الحدود تأثير سلبي كبير في احداث الفجوة بينهما، وإبعاد أحدهما عن الأخرى مما يعمق من أوجه الاختلاف بينهما، ويساعد على تكوين عوامل التفرقة والتفتيت بدلاً من تقوية صلات القربى والتوحيد، لأن الدولة التركية لازالت منهمكة بإزالة اللغة الكردية (اللهجة الشمالية) في كردستان تركيا، وإحلال لغتها التركية محل الكردية الشمالية لهذا السبب يلاحظ جلياً أن الكردية الجنوبية تقدمت على شقيقتها الشمالية بخطوات كبيرة ، اذ تتمتع الآن بقوة مفرداتية وطاقة ايديوماتيكية تفوق على أختها الشمالية كماً ونوعاً. ومن خلال جهود علمائها المخلصين، فقد تسلحت بجهاز مصطلحي يغطي أغلب العلوم، وتستطيع أن تواكب الحضارة، وتنقل العلوم الحديثة إلى الكردية بسهولة ويسر.