الشاعرة الكردية خلات أحمد: الرومانسية حالة إنسانية والمكتبة العربية شبه خالية من أي ترجمة للأدب الكردي

  حاورها : جاسم فيصل الزبيدي

خلات احمد.. شاعرة كردية هي أمرأة  تحمل (حزمة ضوء لأجل الجميلة) ديوانها اللافت كما انها صاحبة (مذكرات زهرة الاوكاليبتوس) الذي كتب عنه الكثير من النقاد.. شاعرة تحمل بين جنباتها أكثر من وجع،وجع الأرض،وجع التاريخ،ووجع الغربة.. ولكنها تتجلد للشامتين تريهم انها لريب الدهر لا تتضعضعُ.
“الاتحاد”…حاورت الشاعرة خلات احمد ودخلت عالمها الخاص حيث شاءت ان تفتح قلبها من خلال اللقاء التالي: 
*- ماذا حملت معك من زمن الطفولة؟

– وأنا أتأمل هذا السؤال، بدا لي أني لا أريد الحديث، أني سأكون أكثر توافقا مع أعماقي لذا اكتفيت بالصمت. قد يكون هذا ترتيبا من اللاوعي، فمنذ أن طبعت مجموعتي الثانية ” مذكرات زهرة الأوكاليبتوس”، يتملكني الإحساس بأني انتهيت من تدوين فترة طفولتي والصبا، لقد سالت تلك المرحلة كجدول صغير ضمن نصوص المجموعة، أحياناً بشكل واضح وأحياناً بشكل خفي. كإنعكاس الضوء على حجر كريم، كل مساحة بلون مختلف، في كل نص بلون آخر تبدت معايشات طفولتي وصباي، مشاعرها، مشاهداتها، افكارها، وما رافقها من أحداث على أصعدة شتى.
ربما لو أنني سأكتبها الآن من جديد متحررة من الأجواء التي رافقت المجموعة، ربما سأكتب تلك المرحلة بطريقة مختلفة، خاصة ودواخلي تبدو لي في الفترة الأخيرة كأن فيها ورش عمل، تحر ومقارنات ورؤى وتنظير وتحليل تجعلني اشعر أني خلية نحل. ومن جهة أخرى لو أتيح لأي منا أن يكتب طفولته بكل تفاصيلها فسيكون مجلداً يصل السقف، هناك الكثير الذي يتوارى عن التدوين كل مرة.” مذكرات زهرة الأوكاليبتوس”كانت بطريقة ما إحدى مرايا طفولتي وصباي.
أبدو الآن واقفة على ضفة أعماقي كما لو أنها نهر اجتاحه الطوفان للتو، احدق في الماء وأرقب أن يصفو لأقدر عمقه وأعيد كتابته من تلألؤ  آخر.

*- تارة نراك في اوج الرومانسية واخرى في قمة الاحباط.. فلماذا هذا التباين؟

– الرومانسية والإحباط مشاعر انسانية طبيعية جداً، وأنا مثل كل البشر لي أوقاتي السعيدة ولي اوقاتي الحزينة، هذه هي طبيعة الحياة، ولو أني غير هذا فسأكون خارجها. أحب أيضاً أن أشير إلى أن ما تسميه ” أحباطاً” في النصوص كان دائماً ملازما لكبرياء عال جموح. أنثى عارمة ومعتدة ومتسامية في ذاتها. الشعر، الذي في الداخل العميق طوال الوقت، يجعل الأمر أصعب قليلاً، أو ربما هو يجعله أكثر إحتمالاً بالتدوين، كنوع من التداوي بالكتابة. المهم في النهاية هو الشعر، أعني ما تنجلي عنه هذه الأحاسيس من شعر.

*- يقول الدكتور عدنان الظاهر عنك “إستطاعت الشاعرة (خلات) أن توحي لي أنَّ شخصيتها الحقيقية هي غير شخصيتها الشعرية. أي الشخصيتين أقوى؟ وما تعليقك عليه؟

خلات أحمد: بالتأكيد لست شاعرة طوال الوقت، فمثلي مثل كل البشر الآخرين لدي إلتزاماتي الحياتية التي ليست دائماً مؤاتية للشعر، لكن هذا لايعني أني مصابة بالشيزوفرينيا وأعيش انفصاماً بين شخصيتي كشاعرة وشخصيتي كإنسانة، من المؤكد أن الشعر وإن لم يكن ينبثق في كل لحظة أو حدث أو مناقشة على شكل قصيدة فهو موجود في تصرفاتي ويعبر عن وجوده من خلال رؤاي وعلاقتي بالعالم بأشيائه وأحداثه وناسه. أيضاً الشخصية الشعرية ليست نتاج ذاتها وحسب، ليست موهبة وحسب، إنما أيضاً عمل دؤوب ومثابرة وحب كثير من ذات مجاورة/ متحدة بها. كلنا متعدد في ذاته، هذا لاشك فيه، علينا فقط أن نعثر تلك الذوات، التي بكليتها تشكل شخصيتنا، وليس هذا بالأمر السهل إطلاقاً.

*- لك تجارب رائعة بترجمة النصوص من الكردية الى العربية لبعض الشعراء لاقت أصداء كبيرة لدى بعض المعنيين فلماذا هذه التجربة؟

– كلما مر الوقت أدركت أكثر أنني ومنذ البداية احمل بذرة الترجمة في داخلي إلى جانب محالاوتي في الشعر. كوننا كأكراد تربينا وكبرنا بلغتين، العربية كلغة إجبارية ووحيدة للمدرسة والإعلام والدوائر الرسمية، والكردية لغة الأم والأحلام، فبطريقة ما اجتمع في كيان كل كردي أحد شروط الترجمة وبقي عليه إما أن ينميه أو أن يهمله. هل سيكون مستغرباً أن أصرح أن أول ترجماتي من الكردية الى العربية لم تكن شعراً؟ بدأت بترجمة فصل من كتاب يبحث في التراث الفلكلوري الشفاهي الكردي  ومن ثم مقالات تبحث في التاريخ الكردي تلاها ترجمات للقصة القصيرة. الشعر جاء مؤخراً، تحديداً بعد أن بدأت الكتابة باللغة الكردية، حينها أدركت حجم افتقار المكتبة العربية إلى أية ترجمات للأدب الكردي، أمثلة نادرة هي التي تمت ترجمتها، وبدى لي كم أن المثقفين العرب مهتمون بترجمة الشعر من كل لغات العالم الى العربية والتصفيق له أياً كان، وكم هم متعامون عن اللغة الكردية الجارة القريبة. مستندة إلى حبي للشعر والى تمكني المعقول من اللغة العربية بدأت بالترجمة، أولا بقصيدة، ثم جاءت فكرة ملف يضم الشعراء الكرد في سوريا، وقد تم نشر الملف في العديد من الجرائد والمجلات الورقية في بقاع عديدة من العالم، آخرها في مجلة”الحركة الشعرية” في المكسيك والتي يترأسها الشاعر اللبناني الصديق “قيصر عفيف”وقد لاقت كما أسلفت وقعاً جيداً وهذا يثني على جهدي ووقتي. تجربة خضتها بحب وحماسة كبيرين ولو أن وقتي يسمح لي، ولو أني ألمس أهتماماً أكثر من دور النشر العربية، لترجمت أكثر وأكثر.

*- البعض يقول ان خلات احمد شاعرة بفرع واحد من فروع الشعر متميزة فيه ولكنها لاتجيد خوض غمار باقي فروعه؟ وهل من الضروري ـ من وجهة نظرك ـ أن يجيد الشاعر فنون الشعر؟

– لا أعرف ما الذي يعنيه “البعض” بقول كهذا، إذا كان يقصدون أني لا أكتب الشعر العامودي وشعر التفعيلة، فالأمر بالنسبة لي ليس حتى مجالاً للتفكير، لقد اخترت قصيدة النثر وهي في رأيي من أصعب الشعر لأن المعيار فيها هو الشعر ذاته وليس رنين القافية، الشعر بكل معانيه وخياله وصوره وإضماراته وإيحاءاته وتأويله وحيويته المتجددة كالنهر في كل لحظة، قصيدة من الصعب جداً أن تثبت نفسها إلا أذا كانت شعراً حقيقياً، ولايمكن لرنين اللغة وإيقاعها التغطية على خللها، قصيدة تمنح مجالاً لاينفك متشاسعاً للإشتغال على اللغة. أما إذا كانوا يعنون شكل القصائد التي اكتبها. فقد كتبت الشعر وكتبت النثر. كتبت القصيدة الملحمية الطويلة “أوشحة الفجر” والقصيدة  الومضة “بعض الأشياء”، كتبت قصائد تحمل تحت عنوانها الرئيسي ثمانية مقاطع تتكامل وفي ذات الوقت كل مقطع قصيدة مستقلة كاملة بعنوان مستقل، كتبت القصيدة ذات النفس الواحد والقصيدة ذات المقاطع، كتبت قصيدة الحب والرومانس وقصيدة الرفض والمشاكسة المتدللة، كتبت الوطن بأشكاله الكثيرة. ومع هذا  ليس لي أن أدعي أني ألممت بكل الشعر، فمن يمكن له ذلك؟ لكني مثل الجميع أحاول إليه، مصرة على حقي في الإختلاف، في محاولة الإبتكار، وأعطاء قصيدتي نكهتي الخاصة التي تدل علي حتى ولو لم يكتب  اسمي تحت القصيدة، وفي النهاية فالشعر كالله والحب، لايطال، إنما فقط نحاول إليه.

*- هل مازلت على رأيك القائل “مازالت المكتبة العربية شبه خالية من اي ترجمة للادب الكردي”؟

–  ما ترجم حتى الآن أقل من قليل، فقط مختارات لشعراء بعينهم. كم رواية تم ترجمتها إلى العربية؟ كم قصة قصيرة؟ كم مسرحية؟ كم بحثاً؟ كم كتاب تاريخ؟ شيء لايذكر هو ما تمت ترجمته.

*- ماهي آخر أعمالك الأدبية شعراً وترجمة؟

–  ثمة أنثلوجيا للشعر الكردي في سوريا، والكتاب يقع في فصلين، الأول يخص ترجمات للشعراء الذين يكتبون باللغة الكردية فقط والفصل الثاني يضم الشعراء الذين يكتبون باللغة العربية أو يكتبون باللغتين، المفروض ان يصدر الكتاب قريباً في الجزائر تحت عنوان “نوافذ باكرة، خارج الزمن” ويكون حاضراً في معرض الكتاب الدولي في الجزائر في أكتوبر القادم. أيضاً ثمة بالكردية مشروع CD مع الفنان “زبير صالح“ يضم قراءة عشر قصائد بالكردية بصوتي إلى جانب موسيقا وأغان الفنان، أيضاً من المفروض أن يصدر قبل نهاية العام. عدى عن هذا، أعمل منذ فترة في إعداد وترجمة مجموعة  قصصية  تضم مختارات من نتاج أربعة كتاب من أجزاء كردستان الأربعة وقد اخترت كلاً من الأدباء: فرهاد بيربال، سوزان سامانجي، حليم يوسف وبرويز جيهاني.

*- ساترك لك حرية الكلمة الاخيرة؟

– ممتنة لإهتمامكم بإجراء هذا اللقاء، وشاكرة صبركم. وحقيقة هو محل غبطتي أن يكون للشعر قوة اجتياز كل هذه المساحات، الحقيقة والمجازية، ليكون موضع حوار وتواصل. إهتمامكم وأهتمام القراء لما أكتب هو الثمرة الحقيقة لمحبتي وإجلالي للشعر.
———

جريدة الاتحاد

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…