لقمان ديركي: وحيداً في المنزل

لقمان ديركي

يحدث أن يأتي العيد وأنت تنتظر الحرية، تنتظر أن يمضي أهلك إلى مسقط الرأس، إلى البلدة البعيدة، فتقول في نفسك إنك ستتذرع وتتحجج كي تبقى في المنزل وحيداً، لا .. لن تذهب معهم ولو على جثتك، وتصر على المكوث في المنزل وحيداً، وبالطبع ستقول بأنك ستستغل فترة العيد كي تدرس، وسيكون جيداً جداً أن لا ضجة
في المنزل، ولا أصوات، ولا إخوة ولا أخوات، ولا أم ولا أب، لكن أمك لن تقتنع، وستصر على ذهابك معهم ولو على جثتها أيضاً، وستتكرر كلمة الجثة كثيراً عند طرحك لموضوع بقائك وحيداً في المنزل، وسيحاول والدك أن يقنعك بالذهاب إلى البلدة والدراسة هناك
لكنك ستجعر بعدة براهين وإثباتات على أن الدراسة في البلدة غير ممكنة، لأنو ابن خالتك لن يتركك وشأنكن كما أن ابن عمك العاطل عن العمل سيدبقك، بالإضافة إلى شلة الطرنيب والتريكس من أقاربك التي ستسهرك حتى الصباح على أكل الختيار، وبلع الأربع بنات، وطرنب بالغش، وغمز شريكه، فتلين والدتك قليلاً، وتفكر أن الولد معه حق والله ولكنها لن تستسلم، وستغريك بالبلدة عندما تذكر بنات خالك الجميلات، وبنت عمك الأمورة، فيبتسم الوالد وهو يراك تفكر في هذه اللحظات، ويحس الجميع أنك ذاهب معهم لا محالة، خاصة عندما يلمحون لمعان المعاني في عيونك، لكنك ستتذكر أن بنات الخال وبنت العم ما لهم بسيرة الحب إلا في حال انتهائه بالزواج، وأنت فين والزواج فين، لساتك شلوف منتوف مالك حيلة ولا فتيلة بأمور الاستقرار إلا لبعد عشر سنوات تكون قد تخرجت فيها من الجامعة وخدمت العسكرية واشتغلت شي خمس سنين ويفضل أن تكون هذه الخمس سنين الأخيرة في الخليج حيث الدراهم والريالات والدنانير، وتصرخ فجأة أنك ستبقى ستبقى ستبقى وستدرس وتدرس وتدرس، ويوافقون على بقائك بعد أن تقرر أمك أن تترك لك كل الجلي كي تتسلى به في أوقات فراغك، ويترك لك الإخوة كل الغرف بفوضاها كي تتسلى بترتيبها في العيد، ويوصيك الوالد بأن لا تدخل أحداً إلى البيت وخاصة رفاق السوء، وتنبهك الوالدة بأنك مراقب من قبل الجيران ويا ويلك إذا ما أدخلت البنات الفلتانات إلى البيت، وتحلف وتقسم وتؤكد وتوقِّع على الوثيقة، وتنفرد بالبيت، تتصل بأصدقائك كي يزوروك لكن لا أحد، الكل مضى إلى البلدة، والذي لم يمض مو فاضي لأنو عم يزور الأقارب، تتصل بصديقاتك كي تأتي شي وحدة منهن وتدرس معك، لكن ولا وحدة وافقت، لأنهن ذكيات ويعرفن أنو أهلك مسافرين، تنزل إلى الشارع عسى ولعل تصادف شي حدا لكن لا أحد سوى الأولاد وهم يلعبون على المراجيح ويطلقون النار على بعضهم البعض من المسدسات، تدخل إلى مركز المدينة فتجده خاوياً خالياً إلا من المراهقين من جماعة سينما العيد، تجلس في المنزل، تتسلى بترتيب الغرف كلها، تتسلى بالجليات، ثم تشطف المنزل كتبرع منك، تتفرج على التلفزيون فتمل، لأنو كل المسلسلات خلصت، تحاول النوم فلا يأتيك النوم، تمضي في الصباح الماكر إلى الكراج وتصعد في الباص الحبيب، وبوجهك إلى البلدة، إلى بنات الخال والخالات والأعمام، وإلى التريكس والطرنيب والمتة، ويفرح بك الأقرباء بعد أن زعلوا لأنك بقيت في المدينة، وينظر إليك الوالد متهكماً، والإخوة والأخوات شامتين شامتات، وتنظر أمك إليك بحنان.  
———- 

بلدنا

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

د. فاضل محمود

رنّ هاتفي، وعلى الطرف الآخر كانت فتاة. من نبرة صوتها أدركتُ أنها في مقتبل العمر. كانت تتحدث، وأنفاسها تتقطّع بين كلمةٍ وأخرى، وكان ارتباكها واضحًا.

من خلال حديثها الخجول، كان الخوف والتردّد يخترقان كلماتها، وكأن كل كلمة تختنق في حنجرتها، وكلُّ حرفٍ يكاد أن يتحطّم قبل أن يكتمل، لدرجةٍ خُيِّلَ إليَّ أنها…

سندس النجار

على مفارق السنين
التقينا ،
فازهرت المدائن
واستيقظ الخزامى
من غفوته العميقة
في دفق الشرايين ..
حين دخلنا جنائن البيلسان
ولمست اياديه يدي
غنى الحب على الافنان
باركتنا الفراشات
ورقصت العصافير
صادحة على غصون البان ..
غطتنا داليات العنب
فاحرقنا الليل بدفئ الحنين
ومن ندى الوجد
ملأنا جِرار الروح
نبيذا معتقا
ومن البرزخ
كوثرا وبريقا ..
واخيرا ..
افاقتنا مناقير حلم
ينزف دمعا ودما
كشمس الغروب …

خلات عمر

لم تكن البداية استثناءً،,, بل كانت كغيرها من حكايات القرى: رجل متعلّم، خريج شريعة، يكسو مظهره الوقار، ويلقى احترام الناس لأنه “إمام مسجد”. اختار أن يتزوّج فتاة لم تكمل الإعدادية من عمرها الدراسي، طفلة بيضاء شقراء، لا تعرف من الدنيا سوى براءة السنوات الأولى. كانت في عمر الورد حين حملت على كتفيها…

عصمت شاهين دوسكي

* يا تُرى كيف يكون وِصالُ الحبيبةِ، والحُبُّ بالتَّسَوُّلِ ؟
*الحياةِ تَطغى عليها المادّةُ لِتَحُو كُلَّ شيءٍ جميلٍ.
* الأدبُ الكُرديُّ… أدبٌ شاملٌِّ آدابِ العالمِ.

الأدبُ الكُرديُّ… أدبٌ شاملٌ مجدِّ آدابِ العالَمِ… يَتَفَوَّقُ هُنا وَهُناكَ، فَيَغدو ألمانية الشَّمسِ… تُبِعِثُ دِفئَها ونورَها إلى الصُّدورِ… الشِّعرُ خاصَّةً… هذا لا يعني أنه ليس هناك تَفَوُّقٌ في الجاوانبِ الأدبيَّةيَّةُِ الأخرى،…