خالص مسور
المرأة في التاريخ
المرأة في التاريخ
يرى البحاثة والمختصون في شؤون الأديان، أن الأنثى كانت أول معبودة في الأرض، وكان للخيال البشري دوره في إرساء قواعد اللعبة البشرية هذه، وذلك حينما قارن الإنسان بين المرأة والأرض وهي تخرج خشاشها، أي جرى تشبيه بطن الأنثى بخصوبة الأرض وما يخرج من باطنها من كلأ وزرع، وظهر مايسمى إلهة الأم الكبرى.
ومع تأليه المراة ظهربوادرعصر يسمى بالعصر الأمومي أو (الماتراهالني)، ونظراً لعاطفة الأمومة الجياشة لدى المرأة ولقلبها الرقيق وحنيتها على أولادها، وبعدها عن التسلط والتحكم في رقاب الناس والإستبداد، فقد ساد في هذا العهد القديم روح المساواة والتسامح في أجواء من الحرية والعيش المشترك بين البشرفي مختلف مشاربهم وشرائحهم، وأسبغت إلهة الأم الكبرى الحب والرعاية والحنان على البشرجميعاً وكانت الحياة الدينية والإجتماعية كلها تدورفي فلك الأم وقوانينها ويقول السواح:
…فحب المراة لأطفالها هو العاطفة التي ميزت علاقاتها بالمحيط الأوسع، وهو النموذج الأساسي للعلاقات السائدة بين أفراد ينظرون لبعضهم على أنهم أخوة في أسرة كبيرة، تتسع لتشمل المجتمع الأمومي صغيراً كان أم كبيراً ….وهي التي أسست لروح العدالة والمساواة الإجتماعية القائمة في الجماعة الأمومية، وابتعاد سيكولوجية المراة عن كل ميل نحو التسلط والإستبداد هو الذي اعطى هواء الحرية الذي تنفسته الجماعات الأمومية طيلة عهدهم.(1)
والنظام الأمومي لايزال متواجدا بين قباتئل الطوارق في أفريقيا، وحتى وقت قريب كان نظام تعدد الأزواج أيضاً قائماً بينهم. وفي فترة ماقبل الميلاد وحتى بعده بمئات السنين، كانت أستيرلدى اليهود وأعتقد انها جاءتهم من الشعوب الآرية فـ(ستير) باللغات الآرية تعني نجمة بالإضافة إلى عشتارالعربية، وفينوس، وأفروديت، وسيبيل تلك الإلهات اليونانيات والرومانيات، ما هن إلا إلهات للأرض أوإلهات الأم الكبرى، وكان للعرب أيضاً ثلاث إلاهات هن (مناة) إلهة الحظ في مكة وتعبد في قبيلة هذيل بالدرجة الأولى، و(اللات) وتدعى الربة وتعبد في الطائف، و(العزى) وهي تمثل نجم الزهرة وتعبد في قريش.
وكثيراً ما تطالعنا النصوص السومري التراثية على المقارنة بين الجنس والخصوبة وأهمية هذه الأخيرة للحياة في بلاد الرافدين القديمة، ويتجسد ذلك في أسطورة زواج إنانا سيدة الجنس والحب من وزوجها الثوردوموزي(تموز) وبزواجهما تخصب الأرض والضرع وتخضر الحقول والبساتين في كل عام. واستطاع السومريون تمثيل هذا الزواج والخصوبة في طقوس زواج الملك مع إحدى عاهرات المعبد المقدسة وفي احتفالات رأس السنة السومرية بالترافق مع كلمات إنانا أو عشتار بالبابلية الطافحة بالشبقية والجنس فتقول:
أنا المعدن الحنون
أنا من يدفع الرجل إلى المرأة
ويدفع المرأة إلى الرجل
من دوني(…) يضطجع الرجل وحيداً في غرفته
وتنام المرأة على جنبها وحيدة
وهكذا تدغدغ إنانا بكلماتها الجنسية، التي كانت تتلى في طقوس الزواج المقدس من قبل العاهرة والملك اللذان يمثلان الالهين إنانا ودوموزي، حيث تقوم الكاهنة أوعاهرة المعبد المقدسة بالزواج المقدس في عملية تمثيلية للإلهين السماويين بالترافق مع احتفالات صاخبة ماجنة. وكان في المعبد على الدوام عاهرات مقدسات وهن اللواتي يحرم عليهن الزواج ولكنهن يسمح لهن باستمتاع الكهنة ومضاجعتهم في أي وقت يشاؤون، ومع إحراء هذا الطقس الجنسي المثير يقبل الربيع بأزهاره وجماله وببهجته وخيراته، وبعد الزواج المقدس ومضاجعة الملك لها تبدو الكاهنة المقدسة أمام الجمهوروهي تخاطب الملك من شرفة برج بابل على لسان إنانا وتلقبه بالثور البري كناية عن القوة والخصوبة والفحولة فتقول:
أيها الثور البري
ياعين البلاد
سوف أبني بالحياة إلى أهلها
سوف ألبي جميع حاجاتها
وأحمل أهلها على تنفيذ العدالة
في البيت الفخم
وأجعل كلمات العدل في البلاد تنطق
وفي حوارغزلي شيق بين إنانا وحبيبها الإله، تقول إنانا التي اختلت بحبيبها حائرة لاتدري كيف تبرر لوالدتها سبب غيابها عن البيت فتقول:
في الليلة الماضية فيما كنت أنا، الملكة أشع ضياء
في الليلة الماضية فيما كنت أنا، ملكة السماء أشع ضياء
كنت أشع ضياء، أرقص طربا
كنت أترنم بإنشودة على اقتراب الضوء الساطع
التقى بي، التقى بي، الرب التقى بي
الرب وضع يده في يدي
اوشوم جال انا، ضمني إلى صدره
خلصني يجب أن أذهب إلى الييت
ماذا عساي أن أقول لكي أخادع أمي ننجال؟
فيخبرها حبيبها الاله:
فلأاخبرنك، لأخبرنك
أي إنانا، يا اكثر الناس خداعاً، فلاخبرنك
قولي إن صديقتي اصطحبتني معها إلى الساحة العامة
وغنت لي أغنياتها الحلوة
نعم إنه الوحدة والصراع، الحب والخديعة، وحدة وتوافق بين الزوجين بل الحبيبين، وتناقض أزلي وصراع بين الضرورة والحرية وعلى المكانة الإجتماعية بين الرجل والمرأة منذ أن استلم الرجل من المرأة مقدرات البلاد والعباد، صراع اندلع ولايلوح في الأفق على أنه قد ينتهي على المدى المنظور. فهوالصراع الخفي الصراع وحده لاغيره- ففي العهد الذي كانت الآلهة أنثى، انعدم الصراع والحروب على الأرض، وكان الرجل يتقرب من الأنثى ويحاول التشبه بها، وفي الإحتفالات التي كانت تجري في بابل، على شرف المرأة كان الشبان وهم في ذروة حماستهم الدينية يقومون بقطع أعضائهم الجنسية تبركاً وتشيهاً بالمرأة، ويلقونها أمام أبواب دور العبادة أو أمام دار أحد الأغنياء ليقوم بمعالجته والسهرعلى راحته بعد الجرح الذي أصابه، ولاشك أن قطع العضوالذكري آنذاك كان عبادة تشبهاً بالمرأة المؤلهة، أما اليوم فإن مراسيم تطهيرالصبيان الذكوروقطع أغلفتهم الذكرية، هوالمعادل الموضوعي والبديل المفروض لعادة الضحايا البشرية التي أبطلت على يدي النبي إبراهيم لأول مرة في الشرق.
والصراع بين المرأة والرجل تعبرعنه خير تعبير إسطورة إنانا وإنكي، حيث عمد الإله إنكي السومري الذكر إله مدينة أريدو إلى الإستلاء على مقتنيات الإلهة إنانا إلهة مدينة أوروك السومرية أيضاَ، وذهب بها إلى بلده أريدو، فلاحقته إلى إنانا هناك، وتمكن بحيلة من أن يسكره وتسترجع مقتنياتها الإلهية، والتي هي قوتها ووسائل ربوبيتها. في هذا الصراع أراد إنكي الإله الذكرالإستلاء على مكانة إنانا الأنثى، ولكن كانت الأنثى لاتزال بإمكانها أن تثيت وجودها في الآغورا الإلهية. ولكن الحادثة تعبربجلاء عن بدء صراع الذكر مع الأنثى وانحدار دور الآلهة الإناث والولوج إلى العصر الذكوري وسيطرة الرجل على مقاليد الامور في مملكة الأنثى العتيدة، وبدء عصرمأساة المرأة على يدي الرجل في منعطف حاسم من منعطفات التاريخ البشري.
وقد جرى تمثيل الإنقلاب الذكري على الأنثى في السماء، وبدء لجوء المرأة إلى الحيلة والمكرإضطراراً في مواجهة قوة الرجل وصلفه وعناده. لأنها كعادة الأنثى اليوم حينما تعجزعن مجاراة قوة الرجل وسطوته الجسدية، فتلجأ إلى الخداع والمكر، وتوصف النساء حتى اليوم بهاتين الخصلتين، وفي الحقيقة نقول هما ليستا من صفاتها النفسية بل ألجأتها إليهما الرجل وظلمه لها على الدوام، ومن هنا فإن مايقوله القرآن الكريم: (إن كيدكن عظيم). هي عبارة صحيحة تماماً. ولكننا نؤكد مرة أخرى إلى أن كيدها العظيم هذا جاء من ضعفها الجسدي وسيطرة المجتمع الذكوري على مقدراتها لاغير فلم يبق أمامها سوى المراوغة والخداع. أما الصراع بين تيامات أم الآلهة السومرية الشريرة حسب الإسطورة البابلية وبين مردوخ الإله البابلي وانتصاره عليها، فهي تشكل بداية إنكسارالأنثى في بابل، وكان قبلهما م صراع آدم وحواء وهو أول صراع على وجه الأرض بين الذكر والأنثى حسب الرواية التوراتية حينما تسببت حواء في إخراج آدم من الجنة بإطعامه من التفاحة وشجرة معرفة الخير من الشر، وقتل هوما الثور السماوي على يدي الإله الآري – اليزيدي(ميثيرا) لدى الشعوب الآرية، وآخرها في فلسطين هوالصراع بين السيد المسيح وأمه في بلدة قانا اللبنانية، حينما رد يسوع المسيح على أمه التي طلبت منه بمعجزة ملء جرارالفلاحين الفقراء خمراً الذين جاؤا للإحتفاء به وبأمه، رد عليها بعنف لافت يقول: (مالي ولك يامرأة لم تأت ساعتي بعد). هذه الحوادث السماوية والأرضية معاً لهي أدلة قاطعة على بدء فقدان المرأة لمكانتها السماوية والإجتماعية في مجتمعات الشرق القديم وبدء حالة من العبودية أي استعباد المرأة للرجل، ولازالت حتى اليوم الأنثى تتبع الرجل، حيث يقول الأكراد حتى اليوم (النساء عصوات مكسورة)!
أي يبدو أن هذا الصراع الأزلي بين المرأة والرجل لم ينته بعد في منطقة الشرق، هذا الصراع الذي نشب بشكل خفي وعلني أحياناً، منذ أقدم العصور وحتى اليوم، أي منذ أن تقاسم الرجل والمرأة العمل منذ مرحلة الصيد، في العصر الحجري الأعلى أي منذ مايقرب من (12000) عام قبل الميلاد، حينما كان الرجل صياداً في البراري الموحشة والمرأة حول منزلها جامعة للقوت والغذاء، وحينها حازت المرأة على نوع من التأليه، بل أله الرجل المرأة طواعية، وجاء ذلك بشكل سلمي كضرورة تاريخية وبيئية، أي كنتيجة لغياب الرجل المتكرر عن المسكن مما أدى إلى سيطرة المرأة على مقاليد الأمورفي البيت، وبقاء الصياد تحت رحمة طعامها وما تقدمه له حينما يعود إلى البيت صياداً خائباً، فيرنو بعينين زائغتين (ٍٍٍSerpêl) إلى ما بيدها من طعام وشراب. وهكذا عبدها الرجل الصياد متجسدة في عبادة الأرض حيث وجد شبهاً بين الأرض وبين أمومة المرأة وخصوبتها والتي تخرج – كما الأرض- من أحشائها مولوداً جديداً تماماً كما تخرج الأرض – إلهة الأم الكبرى فيما بعد- من جوفها الممولود الجديد من نبات وزرع وخيروفير، أي اعتبرالأرض أما أيضاً تطعم أولادها الجائعين على سطحها، فسجد الرجل للمرأة، على أنها ممثلة الإلهة الام الكبرى وعطاءاتها وخضع لإلهته الأنثى خضوعاً تاماً.
وهكذا رفعت المرأة إلى السماء ممثلة بالقمر، ويعتقد أن القمرهو أول معبود للإنسان على وجه الأرض، وذلك حينما وجد الرجل تشايهاً بين الدورة الطمثية للمرأة وبين الدورة الشهرية للقمرحول الأرض، في مدة 29 يوماً. فربط بين الدورتين واعتبرت هكذا الأنثى ممثلة للإله القمرفي الأرض، وساد بذلك ما يعرف بالعصرالأمومي (الماتراهالني) الذي يمكن اعتباره عصرعبادة الإلهة الأنثى.
وفي العصر الأمومي أوعصرعبادة الأنثى كانت أسماء معظم الآلهة أسماء أنثوية، وكان يسود جو من العطف والحنان وقلة الحروب والمنازعات في العالم كله، نظراً لرقة المرأة وعطفها وحنانها على أولادها البشر، فنعم العالم في ظلها بشيء من الهدوء والراحة بالمقارنة مع العصرالذكوري وسيطرة الرجل فيما بعد. واستمر الحال هكذا في عصرنعمت فيه المرأة أيضاً بالإحترام والتبجيل والتقدير، حتى ظهور مرحلة الزراعة المروية والأستقرار وأصبحت فلاحة الأرض بحاجة إلى ذراع الرجل وقوة عضلاته المفتولة، فبأت الأمورتفلت من يدي المرأة شيئاً فشيئأ، وبدأ عرشها الإلهي يهتز، وكان ذلك نذيرشؤم لحالة المرأة ومكانتها ومستوى حياتها، كما كان السبب في بؤسها وشقائها حتى اليوم.
ومكانة المرأة في الشرق تختلف من شعب إلى ىخر، وتحددها على الأغلب اليوم الشرائع السماوية والأعراف والقوانين الإجتماعية بالدرجة الأولى. فالمرأة في المانوية الهندية تختلف حالتها نوعاً ما عن المرأة في الشرق الأدنى القديم. حيث تتدنى مكانة الرجل الأعزب الإجتماعية ورجولته حسب قوانين مانوحتى يتزوج، وعندها يمكن أن يصبح عضواً يحظى بالإحترام والتقدير، ومن هنا يظهر مقداراحترام المرأة في المجتمع ودورها الهام في الحياة الإجتماعية الهندية المجتمع المقسم إلى طبقات أصلاً ولكن دوماً دون مكانة الرجل.
ويقول مانو في قوانين الزواج لديه: (الذرية وحدها يكمل الرجل، ويكمل إذا ما أصبح ثلاثة، هو، وزوجته، وابنه). وأعتقد أن هذه المقولة جرت على الهند الكثير من المصائب والويلات نتيجة التهافت على الزواج وماترتب على ذلك من زيادة السكان الذي وصل إلى أكثر من مليار نسمة اليوم ويزيد، وهو ما يشكل خطورة جدية على حياة الأنثى بالإضافة إلى الإقتصاد الهندي والإستهلاك المريع للمواد الغذائية وانتشار الفقر والجوع. ورغم أن الإسلام أيضاً يحض على الزواج (الزواج نصف الدين). و(لارهبنة في الإسلام) وكثرة الأحاديث التي تحض على الزواج وإكثار النسل، ولكن الرجل غير المتزوج في الإسلام لايفقد احترامه في مجتمعه كما يفقده الرجل الهندي الهندوسي.
وبما أن الزواج في الإسلام يؤدي إلى الكثير من الحسنات كمنع الزنا والموبقات، وتكثير جنود الغزو الجهاد في سبيل الله…الخ. بينما نظرة الهندي تختلف قليلاً ويعود إلى سببين إقتصادي أولاً، حيث يعتبر الولد الذكر معيلاً لأسرته ووالديه ويقيهما عنهما الكفاف وشظف العيش إن كبروا، والآخرهو العقيدة الهندوسية التي تحتم على الأبناء تقديم الطعام والاضاحي غلى أرواح موتى الاجداد والاسلاف حتى يرضي الأرواح ولايصيبها الفناء والضياع.
ولهذا فالإجهاض وضبط النسل لايناسبان الديانة الهندوسية بل من المحرمات لديها تماماً. ولهذا فمجرد رؤية الطفل الهندي النور فإن أبواه أول ما يفكران به هو زواجه، أي أن الهندي يتزوج مبكراً وتنتشر هكذا بينهم الزواج المبكر. هذا الزواج المبكر أيضاً له أسبابه الموجبة في المجتمع الهندي، بسبب أن الفتاة الهندية تنضج مبكرة أي في السن الثانية عشرة على أبعد تقدير، كما أنها حارة جنسياً ولولا الشرائع والقوانين الدينية فإنها لاتستطيع التحكم بغرائزها الجسدية وتندفع لارتكاب الزنا والمحرمات، والكتاب الجنسي الموسوم بـ(كاما سوترا) أو مذهب الشهوة والذي تحفل مضمونه بفنون العلاقات الجنسية خير دليل على ذلك. ولهذا فقد حضت الشريعة الهندوسية على زواجها المبكر منعاً للزنى والفواحش ماظهرمنها ومابطن، ورغبة الوالدين في كبح جماح شهوة الفتاة الجسدية في سن مبكرة. ولهذا فالفتاة التي تعنس ويفوتها قطار الزواج تهبط إلى الدرك الاسفل من حيث احترام المجتمع لها لا بل ستلحقها العار والشنارويكون الموت أفضل لها مئة مرة من الحياة. ولكن ورغم هذا فالمراة الهندية اليوم وبفضل هذه القوانين التي قد يرى الكثيرون منا انها جائرة تتمتع بفضيلة العفة والطهارة بالنسبة لنساء أوربا على الاقل. ورغم ما لهذا الزواج المبكر من محاسن مثل القضاء على الدعارة والفوضى الجنسية ومنع انتشار الأمراض الجنسية كالأيدز والسيفلس والزهري وغيرها، أو تلبية رغبة البراهمة الدينيين بالمحافظة على نظام الطبقات حينما منعوا زواج الفتاة بإرادتها، ألا ان إثمها اكثر من منافعها كما يظهر فهذا الزواج قد يؤدي إلى الأمراض بالنسبة للمرأة بشكل خاص، وإلى ضعف النمو العام ومشاكل إقتصادية أيضاً وإلى زيادة النسل وما يرافقها من انتشار البطالة والمشاكل الإجتماعية والأمية وتخلف المجتمع العام.
وأحب أن اشير هنا إلى نقطة هامة، وهي أن الفتاة الهندية لدى مختلف طبقات الشعب حتى يومنا هذا لاتتزوج بمحض اختيارها ورغبتها بل يزوجها أبواها ويبحثان لها عن عريس هنا وهناك، فالشباب من الجنسين لاتتزوجان بمحض اختيارهما والفتاة التي تتزوج باختيار والديها تكون اشرف وأعلى مقاماً في مجتمعها من تلك التي تتزوج بالحب أي برغبتها او باتفاقها المسبق مع شاب اختارته هي بنفسها. وفي شريعة مانو يطلق اسم (زواج الكانذارفا) على الزيجات التي تجري برغية الطرفين وهو زواج شاذ تماماً، وينعت من يتزوجون بهذه الطريقة بأنهم وليد الرغبة او الشهوة، وسيفقد الزوجان عندئذ احترامهما لدى الجميع طوال حياتهما.
وتسبب هذه القوانين الصارمة في قلة الدعارة والزنا بين الهنود. وللتخفيف من آثارتحريم الشهوات فقد سمح الهندوس لعاهرات المعابد المقدسة بممارسة العهر المقدس وإرضاء شهوات الكهنة والرجال العابرين وتهب العاهرة نفسها للكهنة مجاناً، بينما لقاء أجر إن أرادت للغريب، على أن يشاركها الكهنة في جزء من موارد زناها. وكانت العاهرات اللائي أصبحن خادمات الله يحظين بتقدير كبير في مجتمعاتهن، وكانت الأسر تفتخر بوجود عاهرات لها في المعبد تخدم الله، وفي الحقيقة فهي تخدم شهوات الكهنة البرهميون لاغير بشكل فيها الكثير من اللؤم والخساسة. وكان هؤلاء قد دخلن في البدء راقصات وغانيات المعبد وكانت في أغانيهم الكلمات الفاحشة التي تثير الشهوة الجنسية، ثم يتحولن إلى خادمات الرب. بالإضافة إلى تعلمهن القراءة والقارئات كن يشبهن قارئات اليونان ((hetairai وفي كان معبد كولي (400) من خادمات الله. وأفضل أنواع الزواج لدى مانو هو الزواج بالشراء رغم وجود أنواع اخرى من الزواج في قوانينه كالزواج بالحب مثلاً، لأن الزواج بالشراء قائم على المنفعة الإقتصادية، والزواج بهذا الشكل هو زواج مجتمع ذكوري بامتياز، فالأب هو سيد الموقف في زواج ابنه او ابنته كما يجب فيه على المرأة فيه ان تتفانى في خدمة زوجها وأن تخلص له وعلى الرجل أن يكون زوجها ووالدها وحاميها، كما على المراة أن تكون تحت إشراف الرجل طول حياة الأب والأخ والزوج، وعليها أن تسير خلف الرجل على الدوام وتناديه يامولاي بل يا سيدي وإلهي1.
والمرأة خلقت بعد الرجل طبعاً من المكسرات والقطع والقصاصات التي تخلفت عند خلق الرجل مثل جبن الأرنب، وانخراط خرطوم الفيل، وخفة أوراق الشجر، ونفاق الكركي، وقسوة النمر، وثرثرة أبي زريق، وبكاء السحاب…الخ. حيث مزج الله هذا المزيج وخلق منها المرأة ثم قدمت هدية للرجل. كما أنه وبموجب قوانين مانو ثلاثة لايجوز لهم تملك أي شيء، هم المرأة ماعدا مهرها و والإبن والعبد. وحتى وقت قريب كانت المرأة تدفن مع زوجها إذا مات الزوج وتحرق على كومة حطب حتى تفارق الحياة، ويروي العالم اليوناني (استرابون) ان هذه العادة كانت منمتشرة في أيام حكم الإسكندر المكدوني للهند واستمرت حتى قبل سنوات فقط . ويروي التاريخ قصة عروس مات عنها عريسها فتدخل ملك الهند المسلم ( أكبرخان) لمنع العروس من إحراق نفسها، إلا أنها أصرت على حرق نفسها وهي تقول لدانيال ابن اكبر خان: الملك – كفى- كفى. ثم أحرقت نفسها وسط الحطب المشتعل. إلا أن ذلك تم إلغاءه بموجب قوانين وضعية ولكن المرأة في الهند إذا ما كانت أماً ولودة منجبة استحقت التقدير والإحترام من مجتمعها.. وفي اعتقادي أن هذه الحالة مع ظاهرة وأد البنات في شبه الجزيرة العربية هي أقسى ماواجهته البشرية في تاريخها! ولاأدري كيف اخترع هؤلاء الكهنة القدماء هذه الطرق الجهنمية بتفكيرهم الوحشي المضطرب والتي هي الجنون بعينه؟ ولكن بالتأكيد كان ذلك مما يخدم مصالحهم الشخصية والإقتصادية، فأسدلوا على البشرية منذ العهد السومري وحتى اليوم فصولاً مريعة للحياة الإنسانية بتفكيرهم الساذج حتى الجنون، لقد اخترع هؤلاء الرهبان الفاسدوا العقل عالماً خرافياً، وتركوا الناس يسبحون مع الخرافات والأباطيل وترهات ما انزل الله بها من سلطان. وتسببوا في إحراق قلوب الثكالى والبشرية وخاصة النساء بالحرق مرة وبالعهر مرة ثانية وتقديم الأضاحي البشرية مرة ثالثة ورابعة وخامسة…وهكذا.(2)
………………….
(1) – مجلة (علامات) ص- 585- م 15 ج 60
…فحب المراة لأطفالها هو العاطفة التي ميزت علاقاتها بالمحيط الأوسع، وهو النموذج الأساسي للعلاقات السائدة بين أفراد ينظرون لبعضهم على أنهم أخوة في أسرة كبيرة، تتسع لتشمل المجتمع الأمومي صغيراً كان أم كبيراً ….وهي التي أسست لروح العدالة والمساواة الإجتماعية القائمة في الجماعة الأمومية، وابتعاد سيكولوجية المراة عن كل ميل نحو التسلط والإستبداد هو الذي اعطى هواء الحرية الذي تنفسته الجماعات الأمومية طيلة عهدهم.(1)
والنظام الأمومي لايزال متواجدا بين قباتئل الطوارق في أفريقيا، وحتى وقت قريب كان نظام تعدد الأزواج أيضاً قائماً بينهم. وفي فترة ماقبل الميلاد وحتى بعده بمئات السنين، كانت أستيرلدى اليهود وأعتقد انها جاءتهم من الشعوب الآرية فـ(ستير) باللغات الآرية تعني نجمة بالإضافة إلى عشتارالعربية، وفينوس، وأفروديت، وسيبيل تلك الإلهات اليونانيات والرومانيات، ما هن إلا إلهات للأرض أوإلهات الأم الكبرى، وكان للعرب أيضاً ثلاث إلاهات هن (مناة) إلهة الحظ في مكة وتعبد في قبيلة هذيل بالدرجة الأولى، و(اللات) وتدعى الربة وتعبد في الطائف، و(العزى) وهي تمثل نجم الزهرة وتعبد في قريش.
وكثيراً ما تطالعنا النصوص السومري التراثية على المقارنة بين الجنس والخصوبة وأهمية هذه الأخيرة للحياة في بلاد الرافدين القديمة، ويتجسد ذلك في أسطورة زواج إنانا سيدة الجنس والحب من وزوجها الثوردوموزي(تموز) وبزواجهما تخصب الأرض والضرع وتخضر الحقول والبساتين في كل عام. واستطاع السومريون تمثيل هذا الزواج والخصوبة في طقوس زواج الملك مع إحدى عاهرات المعبد المقدسة وفي احتفالات رأس السنة السومرية بالترافق مع كلمات إنانا أو عشتار بالبابلية الطافحة بالشبقية والجنس فتقول:
أنا المعدن الحنون
أنا من يدفع الرجل إلى المرأة
ويدفع المرأة إلى الرجل
من دوني(…) يضطجع الرجل وحيداً في غرفته
وتنام المرأة على جنبها وحيدة
وهكذا تدغدغ إنانا بكلماتها الجنسية، التي كانت تتلى في طقوس الزواج المقدس من قبل العاهرة والملك اللذان يمثلان الالهين إنانا ودوموزي، حيث تقوم الكاهنة أوعاهرة المعبد المقدسة بالزواج المقدس في عملية تمثيلية للإلهين السماويين بالترافق مع احتفالات صاخبة ماجنة. وكان في المعبد على الدوام عاهرات مقدسات وهن اللواتي يحرم عليهن الزواج ولكنهن يسمح لهن باستمتاع الكهنة ومضاجعتهم في أي وقت يشاؤون، ومع إحراء هذا الطقس الجنسي المثير يقبل الربيع بأزهاره وجماله وببهجته وخيراته، وبعد الزواج المقدس ومضاجعة الملك لها تبدو الكاهنة المقدسة أمام الجمهوروهي تخاطب الملك من شرفة برج بابل على لسان إنانا وتلقبه بالثور البري كناية عن القوة والخصوبة والفحولة فتقول:
أيها الثور البري
ياعين البلاد
سوف أبني بالحياة إلى أهلها
سوف ألبي جميع حاجاتها
وأحمل أهلها على تنفيذ العدالة
في البيت الفخم
وأجعل كلمات العدل في البلاد تنطق
وفي حوارغزلي شيق بين إنانا وحبيبها الإله، تقول إنانا التي اختلت بحبيبها حائرة لاتدري كيف تبرر لوالدتها سبب غيابها عن البيت فتقول:
في الليلة الماضية فيما كنت أنا، الملكة أشع ضياء
في الليلة الماضية فيما كنت أنا، ملكة السماء أشع ضياء
كنت أشع ضياء، أرقص طربا
كنت أترنم بإنشودة على اقتراب الضوء الساطع
التقى بي، التقى بي، الرب التقى بي
الرب وضع يده في يدي
اوشوم جال انا، ضمني إلى صدره
خلصني يجب أن أذهب إلى الييت
ماذا عساي أن أقول لكي أخادع أمي ننجال؟
فيخبرها حبيبها الاله:
فلأاخبرنك، لأخبرنك
أي إنانا، يا اكثر الناس خداعاً، فلاخبرنك
قولي إن صديقتي اصطحبتني معها إلى الساحة العامة
وغنت لي أغنياتها الحلوة
نعم إنه الوحدة والصراع، الحب والخديعة، وحدة وتوافق بين الزوجين بل الحبيبين، وتناقض أزلي وصراع بين الضرورة والحرية وعلى المكانة الإجتماعية بين الرجل والمرأة منذ أن استلم الرجل من المرأة مقدرات البلاد والعباد، صراع اندلع ولايلوح في الأفق على أنه قد ينتهي على المدى المنظور. فهوالصراع الخفي الصراع وحده لاغيره- ففي العهد الذي كانت الآلهة أنثى، انعدم الصراع والحروب على الأرض، وكان الرجل يتقرب من الأنثى ويحاول التشبه بها، وفي الإحتفالات التي كانت تجري في بابل، على شرف المرأة كان الشبان وهم في ذروة حماستهم الدينية يقومون بقطع أعضائهم الجنسية تبركاً وتشيهاً بالمرأة، ويلقونها أمام أبواب دور العبادة أو أمام دار أحد الأغنياء ليقوم بمعالجته والسهرعلى راحته بعد الجرح الذي أصابه، ولاشك أن قطع العضوالذكري آنذاك كان عبادة تشبهاً بالمرأة المؤلهة، أما اليوم فإن مراسيم تطهيرالصبيان الذكوروقطع أغلفتهم الذكرية، هوالمعادل الموضوعي والبديل المفروض لعادة الضحايا البشرية التي أبطلت على يدي النبي إبراهيم لأول مرة في الشرق.
والصراع بين المرأة والرجل تعبرعنه خير تعبير إسطورة إنانا وإنكي، حيث عمد الإله إنكي السومري الذكر إله مدينة أريدو إلى الإستلاء على مقتنيات الإلهة إنانا إلهة مدينة أوروك السومرية أيضاَ، وذهب بها إلى بلده أريدو، فلاحقته إلى إنانا هناك، وتمكن بحيلة من أن يسكره وتسترجع مقتنياتها الإلهية، والتي هي قوتها ووسائل ربوبيتها. في هذا الصراع أراد إنكي الإله الذكرالإستلاء على مكانة إنانا الأنثى، ولكن كانت الأنثى لاتزال بإمكانها أن تثيت وجودها في الآغورا الإلهية. ولكن الحادثة تعبربجلاء عن بدء صراع الذكر مع الأنثى وانحدار دور الآلهة الإناث والولوج إلى العصر الذكوري وسيطرة الرجل على مقاليد الامور في مملكة الأنثى العتيدة، وبدء عصرمأساة المرأة على يدي الرجل في منعطف حاسم من منعطفات التاريخ البشري.
وقد جرى تمثيل الإنقلاب الذكري على الأنثى في السماء، وبدء لجوء المرأة إلى الحيلة والمكرإضطراراً في مواجهة قوة الرجل وصلفه وعناده. لأنها كعادة الأنثى اليوم حينما تعجزعن مجاراة قوة الرجل وسطوته الجسدية، فتلجأ إلى الخداع والمكر، وتوصف النساء حتى اليوم بهاتين الخصلتين، وفي الحقيقة نقول هما ليستا من صفاتها النفسية بل ألجأتها إليهما الرجل وظلمه لها على الدوام، ومن هنا فإن مايقوله القرآن الكريم: (إن كيدكن عظيم). هي عبارة صحيحة تماماً. ولكننا نؤكد مرة أخرى إلى أن كيدها العظيم هذا جاء من ضعفها الجسدي وسيطرة المجتمع الذكوري على مقدراتها لاغير فلم يبق أمامها سوى المراوغة والخداع. أما الصراع بين تيامات أم الآلهة السومرية الشريرة حسب الإسطورة البابلية وبين مردوخ الإله البابلي وانتصاره عليها، فهي تشكل بداية إنكسارالأنثى في بابل، وكان قبلهما م صراع آدم وحواء وهو أول صراع على وجه الأرض بين الذكر والأنثى حسب الرواية التوراتية حينما تسببت حواء في إخراج آدم من الجنة بإطعامه من التفاحة وشجرة معرفة الخير من الشر، وقتل هوما الثور السماوي على يدي الإله الآري – اليزيدي(ميثيرا) لدى الشعوب الآرية، وآخرها في فلسطين هوالصراع بين السيد المسيح وأمه في بلدة قانا اللبنانية، حينما رد يسوع المسيح على أمه التي طلبت منه بمعجزة ملء جرارالفلاحين الفقراء خمراً الذين جاؤا للإحتفاء به وبأمه، رد عليها بعنف لافت يقول: (مالي ولك يامرأة لم تأت ساعتي بعد). هذه الحوادث السماوية والأرضية معاً لهي أدلة قاطعة على بدء فقدان المرأة لمكانتها السماوية والإجتماعية في مجتمعات الشرق القديم وبدء حالة من العبودية أي استعباد المرأة للرجل، ولازالت حتى اليوم الأنثى تتبع الرجل، حيث يقول الأكراد حتى اليوم (النساء عصوات مكسورة)!
أي يبدو أن هذا الصراع الأزلي بين المرأة والرجل لم ينته بعد في منطقة الشرق، هذا الصراع الذي نشب بشكل خفي وعلني أحياناً، منذ أقدم العصور وحتى اليوم، أي منذ أن تقاسم الرجل والمرأة العمل منذ مرحلة الصيد، في العصر الحجري الأعلى أي منذ مايقرب من (12000) عام قبل الميلاد، حينما كان الرجل صياداً في البراري الموحشة والمرأة حول منزلها جامعة للقوت والغذاء، وحينها حازت المرأة على نوع من التأليه، بل أله الرجل المرأة طواعية، وجاء ذلك بشكل سلمي كضرورة تاريخية وبيئية، أي كنتيجة لغياب الرجل المتكرر عن المسكن مما أدى إلى سيطرة المرأة على مقاليد الأمورفي البيت، وبقاء الصياد تحت رحمة طعامها وما تقدمه له حينما يعود إلى البيت صياداً خائباً، فيرنو بعينين زائغتين (ٍٍٍSerpêl) إلى ما بيدها من طعام وشراب. وهكذا عبدها الرجل الصياد متجسدة في عبادة الأرض حيث وجد شبهاً بين الأرض وبين أمومة المرأة وخصوبتها والتي تخرج – كما الأرض- من أحشائها مولوداً جديداً تماماً كما تخرج الأرض – إلهة الأم الكبرى فيما بعد- من جوفها الممولود الجديد من نبات وزرع وخيروفير، أي اعتبرالأرض أما أيضاً تطعم أولادها الجائعين على سطحها، فسجد الرجل للمرأة، على أنها ممثلة الإلهة الام الكبرى وعطاءاتها وخضع لإلهته الأنثى خضوعاً تاماً.
وهكذا رفعت المرأة إلى السماء ممثلة بالقمر، ويعتقد أن القمرهو أول معبود للإنسان على وجه الأرض، وذلك حينما وجد الرجل تشايهاً بين الدورة الطمثية للمرأة وبين الدورة الشهرية للقمرحول الأرض، في مدة 29 يوماً. فربط بين الدورتين واعتبرت هكذا الأنثى ممثلة للإله القمرفي الأرض، وساد بذلك ما يعرف بالعصرالأمومي (الماتراهالني) الذي يمكن اعتباره عصرعبادة الإلهة الأنثى.
وفي العصر الأمومي أوعصرعبادة الأنثى كانت أسماء معظم الآلهة أسماء أنثوية، وكان يسود جو من العطف والحنان وقلة الحروب والمنازعات في العالم كله، نظراً لرقة المرأة وعطفها وحنانها على أولادها البشر، فنعم العالم في ظلها بشيء من الهدوء والراحة بالمقارنة مع العصرالذكوري وسيطرة الرجل فيما بعد. واستمر الحال هكذا في عصرنعمت فيه المرأة أيضاً بالإحترام والتبجيل والتقدير، حتى ظهور مرحلة الزراعة المروية والأستقرار وأصبحت فلاحة الأرض بحاجة إلى ذراع الرجل وقوة عضلاته المفتولة، فبأت الأمورتفلت من يدي المرأة شيئاً فشيئأ، وبدأ عرشها الإلهي يهتز، وكان ذلك نذيرشؤم لحالة المرأة ومكانتها ومستوى حياتها، كما كان السبب في بؤسها وشقائها حتى اليوم.
ومكانة المرأة في الشرق تختلف من شعب إلى ىخر، وتحددها على الأغلب اليوم الشرائع السماوية والأعراف والقوانين الإجتماعية بالدرجة الأولى. فالمرأة في المانوية الهندية تختلف حالتها نوعاً ما عن المرأة في الشرق الأدنى القديم. حيث تتدنى مكانة الرجل الأعزب الإجتماعية ورجولته حسب قوانين مانوحتى يتزوج، وعندها يمكن أن يصبح عضواً يحظى بالإحترام والتقدير، ومن هنا يظهر مقداراحترام المرأة في المجتمع ودورها الهام في الحياة الإجتماعية الهندية المجتمع المقسم إلى طبقات أصلاً ولكن دوماً دون مكانة الرجل.
ويقول مانو في قوانين الزواج لديه: (الذرية وحدها يكمل الرجل، ويكمل إذا ما أصبح ثلاثة، هو، وزوجته، وابنه). وأعتقد أن هذه المقولة جرت على الهند الكثير من المصائب والويلات نتيجة التهافت على الزواج وماترتب على ذلك من زيادة السكان الذي وصل إلى أكثر من مليار نسمة اليوم ويزيد، وهو ما يشكل خطورة جدية على حياة الأنثى بالإضافة إلى الإقتصاد الهندي والإستهلاك المريع للمواد الغذائية وانتشار الفقر والجوع. ورغم أن الإسلام أيضاً يحض على الزواج (الزواج نصف الدين). و(لارهبنة في الإسلام) وكثرة الأحاديث التي تحض على الزواج وإكثار النسل، ولكن الرجل غير المتزوج في الإسلام لايفقد احترامه في مجتمعه كما يفقده الرجل الهندي الهندوسي.
وبما أن الزواج في الإسلام يؤدي إلى الكثير من الحسنات كمنع الزنا والموبقات، وتكثير جنود الغزو الجهاد في سبيل الله…الخ. بينما نظرة الهندي تختلف قليلاً ويعود إلى سببين إقتصادي أولاً، حيث يعتبر الولد الذكر معيلاً لأسرته ووالديه ويقيهما عنهما الكفاف وشظف العيش إن كبروا، والآخرهو العقيدة الهندوسية التي تحتم على الأبناء تقديم الطعام والاضاحي غلى أرواح موتى الاجداد والاسلاف حتى يرضي الأرواح ولايصيبها الفناء والضياع.
ولهذا فالإجهاض وضبط النسل لايناسبان الديانة الهندوسية بل من المحرمات لديها تماماً. ولهذا فمجرد رؤية الطفل الهندي النور فإن أبواه أول ما يفكران به هو زواجه، أي أن الهندي يتزوج مبكراً وتنتشر هكذا بينهم الزواج المبكر. هذا الزواج المبكر أيضاً له أسبابه الموجبة في المجتمع الهندي، بسبب أن الفتاة الهندية تنضج مبكرة أي في السن الثانية عشرة على أبعد تقدير، كما أنها حارة جنسياً ولولا الشرائع والقوانين الدينية فإنها لاتستطيع التحكم بغرائزها الجسدية وتندفع لارتكاب الزنا والمحرمات، والكتاب الجنسي الموسوم بـ(كاما سوترا) أو مذهب الشهوة والذي تحفل مضمونه بفنون العلاقات الجنسية خير دليل على ذلك. ولهذا فقد حضت الشريعة الهندوسية على زواجها المبكر منعاً للزنى والفواحش ماظهرمنها ومابطن، ورغبة الوالدين في كبح جماح شهوة الفتاة الجسدية في سن مبكرة. ولهذا فالفتاة التي تعنس ويفوتها قطار الزواج تهبط إلى الدرك الاسفل من حيث احترام المجتمع لها لا بل ستلحقها العار والشنارويكون الموت أفضل لها مئة مرة من الحياة. ولكن ورغم هذا فالمراة الهندية اليوم وبفضل هذه القوانين التي قد يرى الكثيرون منا انها جائرة تتمتع بفضيلة العفة والطهارة بالنسبة لنساء أوربا على الاقل. ورغم ما لهذا الزواج المبكر من محاسن مثل القضاء على الدعارة والفوضى الجنسية ومنع انتشار الأمراض الجنسية كالأيدز والسيفلس والزهري وغيرها، أو تلبية رغبة البراهمة الدينيين بالمحافظة على نظام الطبقات حينما منعوا زواج الفتاة بإرادتها، ألا ان إثمها اكثر من منافعها كما يظهر فهذا الزواج قد يؤدي إلى الأمراض بالنسبة للمرأة بشكل خاص، وإلى ضعف النمو العام ومشاكل إقتصادية أيضاً وإلى زيادة النسل وما يرافقها من انتشار البطالة والمشاكل الإجتماعية والأمية وتخلف المجتمع العام.
وأحب أن اشير هنا إلى نقطة هامة، وهي أن الفتاة الهندية لدى مختلف طبقات الشعب حتى يومنا هذا لاتتزوج بمحض اختيارها ورغبتها بل يزوجها أبواها ويبحثان لها عن عريس هنا وهناك، فالشباب من الجنسين لاتتزوجان بمحض اختيارهما والفتاة التي تتزوج باختيار والديها تكون اشرف وأعلى مقاماً في مجتمعها من تلك التي تتزوج بالحب أي برغبتها او باتفاقها المسبق مع شاب اختارته هي بنفسها. وفي شريعة مانو يطلق اسم (زواج الكانذارفا) على الزيجات التي تجري برغية الطرفين وهو زواج شاذ تماماً، وينعت من يتزوجون بهذه الطريقة بأنهم وليد الرغبة او الشهوة، وسيفقد الزوجان عندئذ احترامهما لدى الجميع طوال حياتهما.
وتسبب هذه القوانين الصارمة في قلة الدعارة والزنا بين الهنود. وللتخفيف من آثارتحريم الشهوات فقد سمح الهندوس لعاهرات المعابد المقدسة بممارسة العهر المقدس وإرضاء شهوات الكهنة والرجال العابرين وتهب العاهرة نفسها للكهنة مجاناً، بينما لقاء أجر إن أرادت للغريب، على أن يشاركها الكهنة في جزء من موارد زناها. وكانت العاهرات اللائي أصبحن خادمات الله يحظين بتقدير كبير في مجتمعاتهن، وكانت الأسر تفتخر بوجود عاهرات لها في المعبد تخدم الله، وفي الحقيقة فهي تخدم شهوات الكهنة البرهميون لاغير بشكل فيها الكثير من اللؤم والخساسة. وكان هؤلاء قد دخلن في البدء راقصات وغانيات المعبد وكانت في أغانيهم الكلمات الفاحشة التي تثير الشهوة الجنسية، ثم يتحولن إلى خادمات الرب. بالإضافة إلى تعلمهن القراءة والقارئات كن يشبهن قارئات اليونان ((hetairai وفي كان معبد كولي (400) من خادمات الله. وأفضل أنواع الزواج لدى مانو هو الزواج بالشراء رغم وجود أنواع اخرى من الزواج في قوانينه كالزواج بالحب مثلاً، لأن الزواج بالشراء قائم على المنفعة الإقتصادية، والزواج بهذا الشكل هو زواج مجتمع ذكوري بامتياز، فالأب هو سيد الموقف في زواج ابنه او ابنته كما يجب فيه على المرأة فيه ان تتفانى في خدمة زوجها وأن تخلص له وعلى الرجل أن يكون زوجها ووالدها وحاميها، كما على المراة أن تكون تحت إشراف الرجل طول حياة الأب والأخ والزوج، وعليها أن تسير خلف الرجل على الدوام وتناديه يامولاي بل يا سيدي وإلهي1.
والمرأة خلقت بعد الرجل طبعاً من المكسرات والقطع والقصاصات التي تخلفت عند خلق الرجل مثل جبن الأرنب، وانخراط خرطوم الفيل، وخفة أوراق الشجر، ونفاق الكركي، وقسوة النمر، وثرثرة أبي زريق، وبكاء السحاب…الخ. حيث مزج الله هذا المزيج وخلق منها المرأة ثم قدمت هدية للرجل. كما أنه وبموجب قوانين مانو ثلاثة لايجوز لهم تملك أي شيء، هم المرأة ماعدا مهرها و والإبن والعبد. وحتى وقت قريب كانت المرأة تدفن مع زوجها إذا مات الزوج وتحرق على كومة حطب حتى تفارق الحياة، ويروي العالم اليوناني (استرابون) ان هذه العادة كانت منمتشرة في أيام حكم الإسكندر المكدوني للهند واستمرت حتى قبل سنوات فقط . ويروي التاريخ قصة عروس مات عنها عريسها فتدخل ملك الهند المسلم ( أكبرخان) لمنع العروس من إحراق نفسها، إلا أنها أصرت على حرق نفسها وهي تقول لدانيال ابن اكبر خان: الملك – كفى- كفى. ثم أحرقت نفسها وسط الحطب المشتعل. إلا أن ذلك تم إلغاءه بموجب قوانين وضعية ولكن المرأة في الهند إذا ما كانت أماً ولودة منجبة استحقت التقدير والإحترام من مجتمعها.. وفي اعتقادي أن هذه الحالة مع ظاهرة وأد البنات في شبه الجزيرة العربية هي أقسى ماواجهته البشرية في تاريخها! ولاأدري كيف اخترع هؤلاء الكهنة القدماء هذه الطرق الجهنمية بتفكيرهم الوحشي المضطرب والتي هي الجنون بعينه؟ ولكن بالتأكيد كان ذلك مما يخدم مصالحهم الشخصية والإقتصادية، فأسدلوا على البشرية منذ العهد السومري وحتى اليوم فصولاً مريعة للحياة الإنسانية بتفكيرهم الساذج حتى الجنون، لقد اخترع هؤلاء الرهبان الفاسدوا العقل عالماً خرافياً، وتركوا الناس يسبحون مع الخرافات والأباطيل وترهات ما انزل الله بها من سلطان. وتسببوا في إحراق قلوب الثكالى والبشرية وخاصة النساء بالحرق مرة وبالعهر مرة ثانية وتقديم الأضاحي البشرية مرة ثالثة ورابعة وخامسة…وهكذا.(2)
………………….
(1) – مجلة (علامات) ص- 585- م 15 ج 60
(2) – البقية من وول ديورانت- قصة الحضارة – الجزء الأول – ص- 700 ومابعد