أقبل ولا تخف.. إنني لا اكره احد قراءة في ديوان اشرف يوسف حصيلتي اليوم.. قبلة

هشام الصباحي

 القُبلة هي كل ما حصل عليه الشاعر طوال اليوم.. إنه الاحتفاء شعرا بهذه القبلة التي لم ينشغل بتحدد ماهيتها,أو شكلها أو حتى مصدرها, فهل هي قبلة من حبيبة وعاشقة أم من أُم يرسل إليها التلغرافات الشعرية أم من أب لا يعرف أن يعد لنفسه كُوبا من الشاي, مصدر هذه القبلة ليس محددا ويبدو أيضا انه كان غيرمهم لدى الشاعر.

     يعبر اشرف يوسف عن فشله/فشلنا في تحصيل أشياء مادية تساعدنا في مواصلة البقاء على قيد الحياة كالطعام والشراب  ومن رحم هذه الهزيمة كان لابد من البحث عن انتصارات أخرى كانت في حالة اشرف هي القبلة بمفهومها العام والشاسع بما لها من دلالة على الانفتاح على الفضاء الإنساني. 
 من هنا جاء ديوان حصيلتي اليوم..قبلة الذي كتبت قصائده مابين مارس 2003 وأكتوبر 2006 ,الذي يمثل الديوان الرابع في حياة الشاعر اشرف يوسف المولود في 24 مايو 1970 .. الصادر في القاهرة عام 2008 عن دار شرقيات حيث أصدر من قبل  ثلاث مجموعات شعرية هي ليلة 30فبراير,قصائد منسوخة عن سلسلة أدب الجماهير بالمنصورة عام 1995,وعبور سحابة بين مدينتين عن سلسلة أدب 21 بالمنصورة عام 1997,ويعمل مناديا للأرواح طبعة أولى عن دار شرقيات بالقاهرة عام 2002 وطبعة الكترونية عن موقع جهة الشعر عام 2005 
  إن الديوان يبدأ وينتهي بين ضفتي الأسرة حيث الأُم في البداية بقصيدة تأخذ عنوان تلغراف إلى الأم, و الأب في النهاية بقصيدة بعنوان أبى ربما أراد الشاعر أن ينحى بقصيدة النثر إلى منحى جديد وهو خلق ذات اكبر من ذاته الشخصية  تمثل الذات الأكبر نسبيا ويمكن إطلاق عليها الذات الأسرية, ولقد لعبت الأم المفصل الأساسي في القصيدتين حيث إنها الرابط السري والعلني معا بين الشاعر وأبيه على مستويات متعددة حياتية وإنسانية
   وبهذا يجعل الشاعر من قصيدة النثر التي لا تعترف بوجود أب لها وتنقلب وتحارب  كل ماهو سلطوي حتى ولو كان داخل العائلة في طريقها إلى التصالح مع الأب وسلطته التي ظلت تُقاوم في قصيدة النثر من التسعينات وفى حياة الشاعر من السبعينات ربما تكون حكمة المنتصر الذي يرى العالم من حوله دون توتر ودون رفض كامل لكل التابوهات التي يعرفها ولا يعرفها
   إن معركة الشاعر مع العالم والوجود  وإزاء كل ما يحدث معه وحوله كانت القبلة التي لم تكن عنوانا لقصيدة في الديوان وأيضا العنوان الكامل للديوان لم يكن اسم لقصيدة وكأنه يقول إن ما يحدث داخل الديوان والعالم معا ما يخصه هو هذه القبلة التي كانت حصيلة اليوم , ويعترف أمام العالم والجمع الافتراضي من المريدين الذي هو غير موجود إلا في فضاء الشعر ومخيلة القارئ الذي يتعامل مع ديوانه .
    إن مسالة التكوين الريفي كانت واضحة ومتجلية في الديوان حتى أنها تعلن عن كونها محك أساسي في ديوان اشرف يوسف حيث يقول في قصيدة تلغراف ص9″لأني مازلت ريفيا,لي فأس وعلى ذراعي أن تحملها”
وفى ص 33 يقول
“قروي ومعتاد على أقنعة كثيرة,
ليُسلى نفسه
صنع للطيور أقفاصا
وللحب بيتا بدلا من ساحة للرقص
وهكذا يظل البيت هو أولوية الفلاح ..الريفي وليست ساحة الرقص
    كانت رسائل الشيخ مجموعة القصائد التي تتصالح مع الآخر وتنصت إليه
وتنفتح على الكل دون تميز عنصري أو ديني أو طبقي وكانت تعبيرا جيدا عن قصيدة مارقة  من أسر المرجعيات إلى فضاء الإنسانية الأكثر شفافية ووسعا واحتواءا للجميع حيث يقول في ص 61
(اعتدل ظهري فجأة                            
واختطف قلبي شيخ وجدته يوشوش إلى جانبي
“أقبل ولا تخف…
إنني لا اكره أحدا”)
هشام الصباحي
كاتب مصري
H.alsabahi@gmail.com
المنصورة في 17-9-2008
روابط مهمة
للمقالات السابقة
والفيس بوك
http://www.facebook.com/group.php?gid=8147277718
نشر هذا المقال فى جريدة صوت البلد القاهرية العدد 83
http://www.gsmegypt.mobi/support/fonec/grad/sotalbald/16-10-2008.pdf
http://www.baladnews.com/bn/images/pdf/12.pdf

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

مروان شيخي

المقدّمةُ:

في المشهدِ الشِّعريِّ الكُرديِّ المعاصرِ، يبرزُ الشاعرُ فرهادُ دِريعي بوصفِه صوتاً خاصّاً يتكلّمُ من عمقِ التجربةِ الإنسانيّةِ، لا بوصفِه شاهداً على الألمِ فحسبُ، بل فاعلاً في تحويلِه إلى جمالٍ لغويٍّ يتجاوزُ حدودَ المكانِ والهويّةِ.

ديوانُه «مؤامرةُ الحِبْرِ» ليسَ مجرّدَ مجموعةِ نصوصٍ، بل هو مساحةٌ روحيّةٌ وفكريّةٌ تشتبكُ…

غريب ملا زلال

سرمد يوسف قادر، أو سرمد الرسام كما هو معروف، عاش وترعرع في بيت فني، في دهوك، في كردستان العراق، فهو إبن الفنان الدهوكي المعروف يوسف زنكنة، فكان لا بد أن تكون حياته ممتلئة وزاخرة بتجربة والده، وأن يكتسب منها بعضاً من أهم الدروس التي أضاءت طريقه نحو الحياة التي يقتنص منها بعضاً من…

أحمد مرعان

في المساءِ تستطردُ الأفكارُ حين يهدأ ضجيجُ المدينة قليلًا، تتسللُ إلى الروحِ هواجسُ ثقيلة، ترمي بظلالِها في عتمةِ الليلِ وسكونِه، أفتحُ النافذة، أستنشقُ شيئًا من صفاءِ الأوكسجين مع هدوءِ حركةِ السيرِ قليلًا، فلا أرى في الأفقِ سوى أضواءٍ متعبةٍ مثلي، تلمعُ وكأنها تستنجد. أُغلقُ النافذةَ بتردد، أتابعُ على الشاشةِ البرامجَ علّني أقتلُ…

رضوان شيخو

 

ألا يا صاحِ لو تدري

بنار الشوق في صدري؟

تركتُ جُلَّ أحبابي

وحدَّ الشوق من صبري.

ونحن هكذا عشنا

ونختمها ب ( لا أدري).

وكنَّا (دمية) الدُّنيا

من المهد إلى القبر..

ونسعى نحو خابية

تجود بمشرب عكر..

أُخِذنا من نواصينا

وجرُّونا إلى الوكر..

نحيد عن مبادئنا

ونحيي ليلة القدر

ونبقى…