ماركس، لينين، أخطاء قاتلة، وتصرفات مأساوية

  خالص مسور

يقول لينين: (الفلسفة حزبية فإما مادية أو مثالية)، ورغم أنني أرى العلمية في الفلسفة الماركسية كفلسفة أكثر من باقي الفلسفات المثالية الأخرى، ألا أنني سأسجل بعض الأخطاء القاتلة على الجانب التطبيقي في هذه النظرية الموسوعية بامتياز، ولكني سأقول أن لينين وخاصة في تصرفاته وعقلياته السياسية كان بعيداً عن حقيقة تطبيق المادية الماركسية بشكلها السياسي المطلوب، بل سار بها قريباً من عقلية وتصرفات إستبداد ملوك شعوب الحضارات الآسيوية القديمة أو الإستبداد الآسيوي حسب تعبير ماركس
بل إن ثورته الإشتراكية عام 1917م غير المدروسة جيداً والتي جرت على طريقة الإنقلابيين في عصرنا الراهن، أدت إلى حدوث الكثير من المآسي الإنسانية ودون أن يحقق المقابل للإنسانية شياً يذكر، لا بل جر عليها الويلات والمصائب وفصول من القتل والمذابح المأساوية أدت إلى تلطيخ سمعة الإشتراكية وانهيارها السريع بعد أقل من السبعين عاماً.
ولا أدري لماذا سالت دماء البشرية بغزارة في التاريخ، على أيدي أصحاب أهم ثلاث إيديولوجيات إنسانية كانت ستصبح أمل البشرية في الوحدة والخلاص لولا مثالب البشر من منتسبيها وأخطاء وأحقاد وعنصريات ظهرت في السروالعلن، وهي الإسلام وأحزمته الناسفة، والقومية وشوفينيتها المقيتة، والإشتراكية وديكتاتوريتها الدموية. وفي الحقيقة لقد خيب أنصار هذه الإيديولوجيات – ولا أقول الإيديولوجيات ذاتها- آمال البشرية بسيكولوجياتهم الشرسة وأحقادهم الضغينة وتصرفاتمهم الهمجية بحق البشر والشجرحتى اليوم.     
ونعود إلى موضوعنا لنقول: في الحقيقة أن ما قام به لينين لم تكن ثورة اشتراكية بالمعنى الكامل للثورة الإشتراكية، بل كانت على الأرجح حركة انقلابية في الصميم، ولم تكن ثورة اشتراكية بالمفهوم الذي عناه ماركس، لأن الإشتراكية يقوم بها الإشتراكيون ومن يؤمن بالإشتراكية سبيلاً للخلاص والحرية، ولكن معظم من اتبعوا لينين في حركته هذه كانوا غير اشتراكيين وفلاحين لايعرفون للإشتراكية من معنى، وإنما جمعهم وضعهم المعيشي البائس ومعاداة القيصر وظلمه، لأن عدد أفراد الحزب الإشتراكي الديموقراطي لم يكن يتجاوز البضعة آلاف آنذاك، وهوعدد ضئيل لايكفي للقيام بثورة إشتراكية لوحده. وعن عدم فهم وإشتراكية جميع من قاموا بالثورة يروي لينين حادثة طريفة عن كيفية إقناعه للفلاحين بالسير وراءه ليس باقناعهم بالأفكار الإشتراكية، بل بإقناعهم بضرورة التخلص من وضعه المزري والتخلص من قيصر وأزلامه يقول لينين: حينما دخلت حقل فلاح أمارس الدعاية والتحريض ضد قيصر والتمهيد للثورة البروليتارية، بدأت أشرح لمضيفي الفلاح عن الإشتراكية وكيف انها تحرر العمال والفلاحين من نير الكولاك وظلم القيصر وأزلامه، فلم يأبه الفلاح لأحاديثي وما قلته أبداً، بل لم يفهم ماذا قلت له وتلقى أحاديثي بفتور وعدم اكتراث. ولكني حينما زرته للمرة الثانية لأني كنت مصمماً على استنهاض القوى الفلاحية وإشراكها بالثورة، بدأت هذه المرة أسأله عن عمله وعن ثيرانه ومحراثه وأدواته وما يبذره وإنتاجه ومحصوله…الخ. عندها وجدته يصغى إلي بانتباه شديد هذه المرة واطمأن على أحاديثي معه، وهكذا استطعت استمالة هذا الفلاح وضمه إلى صفوف الثورة، فكنت أدخل بيته وسط ترحيبه ومجاملاته ودون أن يكون الرجل اشتراكياً بالضرورة. وما أوردته هنا لأدلل بأن من تبعوا لينين في حركته لم يكونوا من الإشتراكيين الديموقراطيين كلهم، ولهذا لم تكن ثورته قائمة على كاريزمات إشتراكية علمية كما عناها ماركس، بل حركة إنقلابية لاغير، شارك فيها الجيش والشعب أطاحت بالقيصر وأعوانه. ولذا كان على لينين – وإن كان ماركسياً حقاً- أن يكون قارئاً للأحداث وأن يعلم مسبقاً ما يقوله ماركس حيث لا تنجح الثورة في بلد متخلف، وأن ثورته التي يعتزم القيام بها ستكون فاشلة حتماً على المدى البعيد. ولا أعتقد أبداً أن لينيين قال في أي من أقواله الصريحة كما يقول بعض مؤيديه (لقد فشلنا…). وإذا كان قد قالها يوماً، فهو كلام غير مسؤول من لينين تماماً وينم عن تصرفات عبثية غير مدروسة، بل سأورده ما قاله في هذا الصدد وبخلاف هذا الكلام وبالحرف(……فإن جمهورية السوفييت البروليتارية الفلاحية قد ظهرت كأول جمهورية اشتراكية مستقرة في العالم، ولايمكن لها بعد الآن أن تموت وتزول بوصفها نموذجاً جديداً للدولة. ولم تبق وحدها بعد اليوم.)- لينين- ماركس – انجلس- الماركسية-ص- 534. ولهذا لا أعتقد أن الرجل قالها يوماً من الأيام، وإنما قيل ذلك حتى يتم تبرئة ساحة لينين من اللامسؤولية والتسرع في اتخاذ القرار بعد كل هذه الدماء التي أريقت على مذبح ثورة فاشلة سلفاً ودوماً حسب ماركس ، ولايعقل بعد كل هذه المجازر التي ارتكبت في حركته الإنقلابية أن يأتي هذا الثائر الضعيف التدبير ليقول هذه الكلمة المأساوية وبكل بساطة واستهتار بأرواح فلاحيه ورفاق دربه المخلصين ليخوض بهم غمار ثورة دموية طاحنة فاشلة مسبقاً، ثم يأتي ليقول بكل بساطة بل يجمل هذه الثورة التاريخية بعبارة (لقد فشلنا…).
ذاك أمرلايمكن تصديقه ووضعه في خانة ثائرمثل لينين أبداً، لأن مفجر الثورة لا يتحمل وزر أعماله فقط بل وزر كل ما ارتكبت في عهد ستالين وغير ستالين من مآس وويلات وقتل وذبح وتشريد، كما حدث لكردستان الحمراء وتشتت سكانها من قبل ستالين بسبب وبدونه، وقتله لعشرة آلاف فلاح بحجة أنهم كولاك معادون للثورة، جرى هذا كله في ظل الدولة السوفيتية الفتية، تحت ظل شعار عدم إستغلال الإنسان للإنسان لأن القتل والإعدامات هوفي حد ذاته إستغلال للإنسان من قبل الإنسان تماماً، وكان ذلك أيضاً بدلاً من شعار حق تقرير المصير الرنان الذي بدأ يجلجل في أذن الشعوب المستضعفة بدون طائل.
وهنا نقول: أن لينين وحتى ماركس ارتكبا – رغم مبادئهما الإنسانية ولاشك- ارتكبا أخطاء مأساوية قاتلة لاتنم عن عقل جبار كعقل ماركس ولينين وخاصة الأخير منظر الإشتراكية ومطورها، والذي ارتبط باسمه التنظير لحقبة أساسية من حقب الإشتراكية، ألا وهي الحقبة التي قالوا عنها: (اللينينة هي ماركسية القرن العشرين) أوالماركسية في العهد الإمبريالي، لأنه – وحسبما يقال- أن العالم البرجوازي دخل في مرحلة الإمبريالية حسب لينين في بداية القرن العشرين وفي عام 1898م تحديداً.وهي فترة الإستعمار والإمبريالية. وهذه الأخطاء التي سميتها بالمأساوية جرى الإعتراف بها من قبل ماركس ولينين ذاتهما، حينما وقف كل من ماركس وإنجلز ضد الثورة الإيرلندية التحررية واعترفا بأنهما كانا مخطئين تماماً، وحول خطأه بشأن الثورة الإيرلندية يقول ماركس في رسالة موجهة إلى إنجلس بتاريخ 2 تشرين الثاني نوفمبر عام 1867م. يقول فيها:(لقد حاولت جهدي بجميع الوسائل إثارة العمال الإنكليز للتظاهر في سبيل تأييد الحركة الفينيانية….فيما مضى، كنت أعتبر إنفصال إيرلندة عن انجلترا أمراً مستحيلاً. أما اليوم، فإني أعتبر هذا الإنفصال أمراً محتوماً، ولو أدى الامر، بعد الإنفصال إلى الإتحاد(الفيدرالية). لينين- ماركس- إنجلس- الماركسية- ص- 367- 368. الثورة كما اعترف لينين بأخطاء حصلت وستحصل بشكل علني وضمني حينما قال: (إن البروليتاريا لن تصبح قديسة بمجرد قيامها بالثورة ولن تكون معصومة من الأخطاء). ويمكن أن نعدد هنا بعضاً منها لاكلها وهي:
1- بالإضافة إلى موقفه من الثورة الإيرلندية وندمه وتراجعه عنه فيما بعد، هناك ماقيل عن خطأ ماركس الذي رآى: أن الثورة الإشتراكية لاتنجح إلا في بلد رأسمالي متقدم. وأعتقد بإمكاني التدخل هنا لصالح ماركس وأقول: بأنه لم يخطيء ماركس الذكي بل أخطأ من لم يفهمه من المنظرين له تماماً، لأن الرجل كان يمتلك رؤية مستقبلية بعيدة المدى، ولهذا أعتقد لم يكن هنا قصده، بل يظهر أنه لم يكن بقصد بأن الحركات الإنقلابية كالتي قام بها لينين وأنصاره بقلب الحكم والإستلاء على السلطة هي التي لم تنجح، فمثل هذه الإنقلابات سهلة ميسورة يمكن أن يقوم بها مجموعة من الضباط في أية دولة دونما حاجة إلى الجماهيرالشعبية يجرونها وراءهم، ولكن كان ماركس في اعتقادي يعني بكلامه قيام ثورة إشتراكية صحيحة المسار وقائمة على ركائز تمنحها الإستمرارية على نهج إشتراكي سليم تتصف بالديمومة والنجاح، فمثل هذه الثورة لايمكنها إلا أن تقوم في بلد برجوازي متقدم، وهذا هو بالضبط ماعناه ماركس بمقولته تلك لا الحركات الإنقلابية السريعة والآنية والمفاجئة التي يقوم بها مجموعات من العسكر أو حتى تحت قيادة مدنية وشعبية كما أوجدها لينين، ويخطيء منتقدوه من يظن أنه قال غير هذا.
ومن هنا، فمن السهولة بمكان أن تحدث حركة إنقلابية وتنجح بين عشية وضحاها في بلد فقير بشكل خاص، ولكنها قد تنهار على المدى القصير أو المتوسط بحركة مضادة، كما حدث مع حركة الرائد هاشم العطا ورفاقه في السودان في سبعينيات القرن الماضي في عام 1971م تحديداً. فالإشتراكية لاتنبني على كاريزمات وطقوس ثورة إنقلابية آنية أو حتى بانتخابات ديموقراطية في بلد متخلف دون أخذ الإحتياطات اللازمة لها كما حدث في تشيلي بقيادة الإشتراكي سلفادور أليندي عام 1973م الذي تم إعدامه أو قتله فيما بعد بشكل مأساوي مريع. بل يتطلب لنجاح واستمرارية الثورة الإشتراكية بمفهوم ماركس ركائز وعوامل توفرلها الإستمرارية والنجاحات بعيد المدى، مثل الصناعة المتقدمة، وعمال وفلاحون يدافعون عن مكتسباتهم، وقاعدة إقتصادية متينة، وقوة عسكرية قادرة على الدفاع عن مكتسبات الثورة…الخ.
فكان جل هذه العومل غير متوفرة في روسيا القيصرية آنذاك ولاتمتلك أرضية ملائمة لتكون قاعدة صلبة لثورة في حجم الثورة أوكتوبر الإشتراكية 1917م. وأحسب أن ثورة اوكتوبر الإشتراكية كانت ثورة في مضارب البدو الرعاة، أي في دولة بدون مؤسسات رأسمالية وبدون قاعدة صلبة للتقدم الإقتصادي المستقبلي. وهكذا صدق ماركس وأخطأ لينين وفشلت حركته الإنقلابية فشلاً مأساوياً، إما لأنه لم يفهم ماركس تماماً، أو أنه تسرع فدفعته طموحاته الصادقة للقيام بحركته العتيدة لإقامة دولة العمال والفلاحين قبل أوانها! دولة ليس فيها مستغل ومستغل ولكن أين له ذلك في بلد متخلف معظمه من الفلاحين الفقراء وقلة من الكولاك؟ وبهذا يمكن تبرئة ماركس من تهمة الخطأ في أن الثورة البروليتارية لاتنجح إلا في بلد رأسمالي متقدم كبريطانيا وألمانيا مثلاً، وإلقاء اللوم على لينين وتسرعه في العمل، أولعدم فهمه لمقولة ماركس تلك، فقام يناطح قيصر وجنوده بل كل المتدخلين الخارجيين في شؤون الدولة الفتية والذين بلغوا الأربعة عشرة جهة بل الإمبريالية العالمية كلها، لتنهار دولته بشكل مأساوي مرير في غضون  سنوات معدودات من قيامها، إذاً صدق ماركس هنا وأخطأ لينين، كما قال عمر بن الخطاب ذات يوم: أخطأ عمر وأصابت امرأة.
2- لينين وإعدام قيصر وعائلته، ومقولة ديكتاتورية البروليتارية. 
يقول ماركس (…بين المجتمع الرأسمالي والمجتمع الشيوعي تقع مرحلة تحول المجتمع الرأسمالي تحولاً ثورياً إلى المجتمع الشيوعي، وتناسبها مرحلة انتقال سياسية، لايمكن أن تكون الدولة فيها سوى الديكتاتورية الثورية البروليتارية). ويعقب لينين على هذا الكلام بقوله: (أما الآن فتطرح المسألة بشكل يختلف بعض الشيء: وأن الإنتقال من المجتمع الرأسمالي، الذي هو بسبيل التطور نحو الشيوعية، إلى المجتمع الشيوعي يستحيل بدون مرحلة انتقال سياسية. ولايمكن لدولة هذه المرحلة أن تكون غير الديكتاتورية الثورية البروليتارية.). – لينين- حول التنظيم الإشتراكي للإقتصاد الوطني- ص- 67.
أي أن لينين بدأ هنا مرحلة تطبيق الشعار الديكتاتوري على أرض الواقع بكل ويلاته ومآسيه، لأن الديكتاتورية هي الديكتاتورية سواء البرجوازية منها أو الإشتراكية لافرق، إلا من جهة تحديد يمن ستطبق عليهم هذه الديكتاتورية..ولهذا واعتماداً على هذه المقولة قام لينين وهو في ذروة حماسه ونجاحاته الثورية بقتل القيصر وعائلته المؤلفة حسب بعض الروايات من زوجة وستة أبناء أحدهم كان مريضاً في العاشرة من عمره رمياً بالرصاص، رغم أن البعض من الشيوعيين الروس يرون أن قيصر أعدم من قبل مجرمين، أي ينكرون أن يكون للينين دور في قتله. ولكن الشواهد واضحة ولاحاجة للإنكار بل الإعتراف بالخطأ فضيلة، وهو لم يترفع بعمله هذا عما فعله القيصر بالكاهن (غابون) وأنصاره الأبرياء ممن احتشدوا معه عام 1905م أمام باب قيصر يطالبونه بالإصلاحات الإقتصادية وتحسين مستوى معيشتهم، فأمر القيصر رجاله حينها برميهم بالرصاص، فمات الكثيرون من الفلاحين الفقراء من جراء ذلك العمل الهمجي المشين، وللعلم فنحن لانريد هنا أن ننتقص من قيمة لينين وحركته أبداً بل هو معالجة لموضوع تاريخي هام في مسيرة البشرية لاغير، وأسف على خروج هذه الحركة الإنسانية عن إطارها الصحيح وبدء عهدها بالدماء والرصاص وكان يمكن لها أن تكون أملاً للبشرية كلها.
ولهذا نقول نعم قد يحق للينين أن يعدم قيصراً على فعلته جزاء من الله وفاقاً، وبما تلطخت به أياديه من دماء الفلاحين الأبرياء، ولكن فما ذنب زوجته وأسرته وأطفاله ليعدموا بصورة مأساوية على أيدي من ينادون بعدم إستغلال الإنسان للإنسان مع أنهم لم يقتلوا احداً؟ فهل كانت أيادي الزوجة والأبناء أيضاً ملطخة بالدماء ياترى؟ أم أنه الإنتقام على الطريقة الآشورية لاغير؟
وباعتقادي كان إعدام عائلة قيصرأول مسمار دموي في نعش الدولة السوفيتية الفتية، ولهذا نقول: لقد أخطأ هنا لينين وقادته الثوريون خطأ فاحشاً وارتكبوا مذبحة رهيبة لاتغتفر. وحول الإعدامات السهلة التي يمكن أن تقوم بها القوات الثورية يقول لينين: (ومن حيث تسهيل عمليات دفع الأموال وسحبها على الجمهور، وإزالة صفوف الإنتظار، واعتقال المرتشين والمحتالين وإعدامهم رمياً بالرصاص…الخ) هكذا كانت الإعدامات السهلة تجري في الدولة الفتية لذنوب لايستحق المرء عليها حكم الإعدام. وبهذا وضع لينين نفسه في موضع التهمة فقتل أناساً أبرياء وقام بثورة غير بريئة تماماً، هذا إذا ماتجردنا من عقليتنا الشرقية التي تمجد الزعيم وتصفق له مهما فعل ونمجده ولانقربه بالنقد والمساءلة فهو على الدوام فوق النقد والقانون، لأن أفعاله كلها ما هي إلا وحي يوحى! وهو معصوم من الأخطاء والزلل.
وفي هذا المعنى يقول الدكتور الفيلسوف العربي زكي نجيب محمود:(أس البلاء في مجال الفكر هو أن يجتمع السيف والرأي الذي لارأي غيره في يد واحدة، فإذا جلا لك صاحب السيف صارمه، وتلا عليك باطله، زاعماً أنه وحده الصواب المحض والصدق الصراح، فماذا أنت صانع إلا أن تقزل له: نعم، وأنت صاغر؟…). تجديد الفكر العربي – ص- 33.  لذها نقول: أن أحكام لينين الدموية القاسية وما قام به يرقى إلى حد السذاجة السياسية والأخلاقية معاً، وكانت قوانينه وتصرفاته متخلفاً عن قوانين شعوب وتصرفات أصحاب الحضارات القديمة، أي أنها لم ترق إلى مستوى شريعة المصلح السومري أوركاجينا، أوأورنمو، أوقوانين حمورابي مطلقاً.  فشريعة حمورابي المأخوذة في جلها من أوركاجينا وأورنمو أيضاً، تقول السن بالسن والعين بالعين، ولايتعدى ذلك إلى الذرية والأبناء مثلما فعله لينين في قيصر وأولاده وهم كنموذج دوماً، وإذا أضفنا إليه ستالين فإن ما قام به الرجل يماثل ما تفعله طالبان وأصحاب الأحزمة الناسفة اليوم في الأسواق المكتظة بالمتسوقين الابرياء تحت شعار(ألله أكبر) والله منهم براء. فشرائع هؤلاء المصلحين القدماء كانت أعدل من شريعة إعدام الأطفال من الأبرياء ممن لم تتلطخ أياديهم بدماء البشر.
ويظهر أن لينين لم يكن لديه حل وسط إعتماداً على قوله المثير للجدل: (إما الإرهاب الاحمر وإما الإرهاب الابيض). أي هنا لم يميز لينين بين الحرسين في الناحية الأخلاقية فكلا الحرسين إرهابيان وفي هذه الحالة لابد أن واحدهم سيتغلب على الآخر بشكل مأساوي مرير، فكان أن تغلب في النهاية الإرهاب الأبيض على الأحمر وانهارت الجمهورية السوفيتية من أساسها.
وهنا نسأل: لماذا المعاملة بالمثل من قبل أقطاب ثورة إنسانية اشتراكية تجاوزاً؟ فإذا كانت الديكتاتوريات الغربية على سبيل المثال تمارس تمييزاً وديكتاتوريات شوفينية ضد العمال والفلاحين، فلماذا لم تترفع لينين عن ذلك ويتوفر على التسامح والعفو عند المقدرة..؟ بل عاملهم بمثل ماعاملوا بها الناس، وبهذا فلم يكن هناك مايميز حركته في حكمها عنهم، أي لماذا لايسامح لينين كما الإسلام الذي جب ماقبله، وقد عفى عمر بن الخطاب عن قاتل أخيه زيد بن الخطاب حينما اعتنق القاتل الإسلام، وقال له عمر حقوقك محفوظة في الإسلام ولكني لا أريدك أن تكون أمام عيني وفي جهي. وهو بخلاف ما أقدم عليه لينين وستالين وإعداماتهما المثيرة للجدل. فكان  يجب إشاعة جو من التساهل والتسامح نوعاً ما وتطبيق شعار ديكتاتورية البروليتاريا في محله الأنسب والمناسب، ويعتقد بأن وجود هذا الشعار الإضطراري يدل على حركة في اللحظة الخطأ وفي المكان الخطأ، ويدل على عدم نضوج العوامل الذاتية والموضوعية للثورة المرتجاة وأن هناك مقاومة عنيدة ضد الثورة فيجب والحال هذه تصفية المقاومين بأي شكل من الأشكال، ولهذا فكان الإنقلاب باعتقادي في هذه الحالة لم يكن ضرورياً ولم تنضج أركانه بعد، ولهذا حدث ماحدث من السقوط المدوي للجمهورية السوفيتية الفتية. وحينما نريد أن نبررالقيام بالحركة الإنقلابية اللينينة، بأن الشعب الروسي كان مهيأً للثورة واستغله لينين لتسديد ضربته الساحقة للقيصرية، أقول نعم كانت هناك إرهاصات لثورة الجياع ثورة يريدها الشعب – كما قلنا-  لإجبار الدولة للقيام بإصلاحات وليست ثورة اشتراكية، ولفهم الإشتراكية يتطلب فهمهاً وعياً طبقياً صارماً، في وقت لم يكن الشعب الروسي يفهم ماهي الطبقات. إذاً كانت هناك إرهاصات لثورة الجوعى وليس لثورة اشتراكية علمية، تنادي بعدم استغلال الإنسان للإنسان ولهذا نبريء ساحة ماركس من تهمة الخطأ في مقولته المثيرة: لايمكن قيام الإشتراكية إلا في بلد متقدم وهو صحيح تماماً، حيث لايمكن القيام بتلك الثورة العتيدة في مضارب البدو. وهنا يتبادر إلى الذهن سؤوال وهو: طالما أن ماركس القائل بعدم نجاح الثورة الإشتراكية إلا في بلد متقدم فلماذا خالفه لينين وهو الرجل الصارم في تطبيق النظرية الماركسية؟ بل قام بثورته الدموية في بلد مثل روسيا لاتتوفر فيها شروط نجاح ثورة بحجم الثورة الإشتراكية؟ وهنا أقول: أن ما يقصده ماركس بالنجاح ليس هو القضاء على قيصر بحركة إنقلابية فجائية مثيرة، بل ما يقصده هو استمرار وديمومة الثورة ليس إلا، ولماذا لم يلق لينين آذاناً صاغية لما قاله ماركس فيتجنب ثورة دموية كان وقودها العمال والفلاحين والناس البسطاء والأبرياء؟ وأكرر مرة أخرى القول بأن لينين هنا عجزعن فهم ماركس تماماً لأنه قال وهو في ذروة حماسه: (لقد انتصرت الإشتراكية وإلى الأبد). ولهذ كان ذاك خطأ آخر قاتلاً أضيفت إلى أخطائه الإستيراتيجية في مسيرة الحركة الإشتراكية الروسية البلشفية.
3- في مسألة الدين: هنا أخطأ ماركس ولينين كليهما في نزعتهما الإلحادية ومحاولتهما إنهاء المعتقدات الدينية التي تأصلت في نفوس الإنسان الشرقي منذ آلاف السنين بضربة واحدة، وكان هذا خطأ آخر قاتلاً إرتكبه ماركس بالذات، فكان يمكن للرجلين أن يناديا بشعار حرية الأديان ثم وبعد نجاح الثورة، يمكن عن طريق المناهج الدراسية وتدريجياً إضعاف الدين في نفوس الأجيال الصاعدة إن أرادوا إضعافه. وكلام ماركس عن معاداة الدين خير دليل على ما يمكن أن نسميه: بصحة في النظرية وخطأ في التطبيق. فقال ماركس الدين أفيون الشعوب. ولما وجد انصاره أن في هذا ما هو لغير صالح النظرية الإشتراكية وأنه شعار ينفر الناس من الماركسية أكثر مما يرغبونهم فيها، قالو أن ماركس ذكر:أن الدين أفيون الشعوب إذا استغل. وعبارة إذا استغل هي اضافة جديدة وذكية من مؤيدي الماركسيبة ليس إلا، لأن العبارة غير موجودة في نصها الأصلي أبداً، وسأورد لكم بالحرف ما قاله ماركس، لتروا ان ليس في قوله هذه العبارة التبريرية بشكلها المروى عنه. فماركس كان يطرح آراءه بكل جرأة وشفافية معهودة منه، ولأنه كان يدرك مدى عرقلة الدين لنظريته الإشتراكية وخاصة في قضايا تحرير المرأة وتوزيع الأراضي والميراث والعبادات…الخ. أما ما قاله كارل ماركس عن الدين هنا فهو التالي :(الدين زفرة الكائن المثقل بالألم، وروح عالم لم تبق فيه روح، وفكر عالم لم يبق فيه فكره، إنه أفيون الشعوب). ماركس- دفاتر فلسفية- ص- 53 – 57.  الى هنا انتهى كلام ماركس وليس فيه عبارة اذا استغل مطلقاً. وهنا أيضاً بإهماله الجانب الروحي الإلهي في الإنسان، دق ماركس مسماراً صدءاً في نعش نظريته المثيرة للجدل، أودى بها إلى الهاوية مع جملة من العوامل الأخرى.
4- المراوغة في شعار حق تقرير المصير
فباستثناء فنلندة التي أعطتها لينين استقلالها وسمح لها بالإنفصال، كان شعار حق تقرير المصير من الشعارات الجوفاء التي رفعتها ثورة أوكتوبر الإشتراكية العظمى للشعوب المنضوية تحت ظل الدولة الإشتراكية الفتية، التي ورثت تركة ثقيلة عن القياصرة، فتم رفع شعارحق تقرير المصير للشعوب المستعمرة، بينما هولم يكن يرى أن دولته كانت تستعمر خمس عشر جمهورية منذ عهد القياصرة وحتى حركته الثورية. وسنورد هنا بعض أقوال لينين حول حقوق الأقليات وحق تقريرالمصير للشعوب فيقول:(يترتب على الإشتراكيين ألا يطالبوا فقط بتحرير المستعمرات فوراً وإطلاقاً ودون أي تعويض، والحال إن هذا المطلب لايعني بتعبيره السياسي سوى الإعتراف بحق تقرير المصير، إنما ينبغي عليهم أيضاً أن يؤيدوا ويساندوا بأشد العزم والتصميم العناصر الأكثر ثورية في حركات التحرر الوطني البرجوازية الديموقراطية في هذه البلدان، وأن يساعدوا في قيام ثورتها وفي نشوب حربها الثورية عند الإقتضاء ضد الدول الإمبريالية). مسائل – ص – 129. ورغم أن لينين يقصد بحق تقرير المصير حق الإنفصال وتشكيل دولة مستقلة، ولكننا نلاحظ هنا أن حق تقرير المصير فقط لمن يقاوم ضد الدول الإمبريالية وحده، أما رغبات الشعوب في ظل الإشتراكية وحقها في تقرير المصير فلن تلبى باستثناء فنلندا وحدها. وفي إدانة واضحة للأحزاب الشيوعية التي تنافق في قضايا الشعوب يقول لينين: (ينبغي على جميع الأحزاب الديموقراطية الإشتراكية أن تؤيد وتساند الحركات التحررية ليس بكلمات جوفاء ولا تعابيرغامضة والإنتظار حتى تحقيق الإشتراكية، بل يجب أن يرد ذلك في أو يتوضح في برامجها السياسية، ومن لم يفعل ذلك فهو ينافق في قضايا الشعوب). مسائل.
بينما تحالف لينين في الوقت نفسه مع الزعيم التركي مصطفى كمال ضد تطلعات الشعوب التركية التي كانت تناضل ضد همجية هذه الدولة وصلفها وغرورها، وفي عام 1924م استطاع مصطفى كمال أن يخدع الدولة السوفيتية بسهولة على أنه يقارع الإنكليز والفرنسيين الإمبيرياليين، لابل أعدم أربعة عشر شيوعياً تركياً من القادمين من روسيا في عرض البحرالأسود دون يرف جفن لأقطاب الثورة البلشفية، وهنا أعتقد أن لينين نفسه كان يرى تناقضه في تطبيق هذا الشعار لأنه كان يرفق بالتطبيق عبارة (إذا أراد الشعب ان ينفصل)، وهو يدرك أن الاحزاب الشيوعية المسيطرة على الجمهوريات الخمس عشرة المنضوية تحت السيادة السوفيتية لايمكنها أن تسمح لهذه الشعوب أن تنفصل وتستقل عن طريق استفتاء نزيه وعملي، وذلك عن طريق الترغيب حيناً والترهيب أحياناً، ورببما كان له مبرراته آنذاك، لأنه كان يخشى والثورة لاتزال في مهدها أن تصبح هذه الجمهوريات التي هي أقرب إليها من حبل الوريد – إن استقلت – بؤرة للإمبريالية والرجعية والحرس الأبيض، ومن ثم الهجوم منها على الجمهورية السوفيتية الفتية ولما يصلب عودها بعد، ولذلك كان يريد الإحتفاظ بهذه الجمهوريات رغم شعار حق تقرير المصير الأمر الذي أودى بمصداقية هذا الشعار المبدئي لدى الشعوب المستغلة والمستضعفة سواء في الجمهورية السوفيتية نفسها أوفيا العالم كله. وبذلك أعتقد أن هذه الأخطاء كانت نقمة للبعض ونعمة للشعوب الأخرى، هي نقمة نظراً للضحايا الكثيرة والدماء التي أريقت سواء على أيدي من الحرس الاحمر، ونعمة لأن أخطاء الإشتراكية والإشتراكيين أدت إلى انهيار الجمهورية السوفيتية التي خرجت عن المسار ولم تصبح أمل العالم في الخلاص من نيرالعبودية والتخلف، أوأمل الشعوب في التحرر من الفقر والجوع.
………………    

* الفينيان: ثوريون إيرلنديون برجوازيون صغار، طالبوا بالإستقلال الوطني لبلدهم وإقامة الجمهورية الديموقراطية، وتحويل الفلاحين المستأجرين إلى مالكين للأراضي…الخ. وقد عولوا على الإنتفاضة المسلحة لأجل تحقيق برنامجهم السياسي. ولكن نشاطهم التآمري مني بالفشل. في أواخر الستينيات، تعرض الفينيان لأعمال القمع بالجملة. في السبعينات تلاشت الحركة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…