الذاكرة السينمائية في عامودا عن قصص الموت والدموع

محمود عبدو عبدو

عادة تترافق السينما بالمباهج والصور الحيّة, لكن الذاكرة الشعبية في بلدة عامودا الجزراوية ذات طابع مختلف, فمهرجان دمشق السينمائي الحالي وتزامنه مع ذكرى سينمائية خاصة وفاجعة مرتبطة بهذا الفن (السينما) في بلدة عامودا، هو ما حوّل السينما وربطها بالمفردة التي لا زمت أهالي عامودا طويلا، “حريق السينما”، أو “حريق سينما عامودا”، في الثالث عشر من تشرين الثاني من كل عام، يتذكَّر أبناء المدينة أطفالهم وضحايا الحريق الكبير، ويقومون بأداء الصلوات وباقات الورود للنصب التذكاري في حديقة الشهداء في المدينة، ويشعلون الشموع أمام المحلات وفوق سقوف المنازل ليلة الفاجعة السينمائية. وللحديث عن الحادثة وتداعياتها، التقت “بلدنا” عدداً من الذين كتبوا عنها، ومازالوا حاضرين..
يذهب الباحث عبد اللطيف الحسيني، في بحثه عن تاريخ المدينة وقصة الحريق.. وهكذا لم يبق في المدينة أحد دون أن يكون له إسهامه في مدِّ يد العون والمساعدة.
وكان للطلبة إسهاماتهم، والتي فاقت كلَّ التوقعات، حيث ضحُّوا بأرواحهم في سبيل الثورة الجزائرية، فقد طُلب من الطلاب في ذلك اليوم جلب مبلغ خمسة وعشرين قرشاً، ثمناً لبطاقة الدخول إلى سينما شهرزاد, السينما الوحيدة في البلدة, ليذهب الريع المادي كمساهمة من طلبة المدارس في الحملة الوطنية التي تكفَّل بها أهل عامودا..
وعن السينما كبناء، يقول أحد معمِّري المدينة، إنه سمِّي مجازاً “سينما”، فهو بحق يشبه الإسطبل، فيه القليل من الكراسي، ومحرك كهربائي، وشاشة، والجدران من اللّبْن الخالص، والسقف من القش والأخشاب، والكراسي خشبية قديمة، والجدران ملبسة من الداخل بالقماش، ومطلية بالدهان
وشكلها مستطيل، وطولها 18متراً، وعرضها 6 أمتار، وارتفاعها 4 أمتار، وبابها ذو ردفة واحدة فقط ، حيث ارتفاعه متران، وعرضه متر واحد ! ولا يفصل بين موضع المحرك الكهربائي والسقف المكون من القش والخشب المهيأ للاشتعال لمجرد أول شرارة إلا القليل. والذي لا يتسع لأكثر من 170شخصاً.
في الطريق إلى العرض السينمائي فيلم يحمل عنوان “جريمة نصف الليل” ردد الصغار الهتافات والأناشيد المدرسية والوطنية الحماسية وعند السادسة والنصف تماماً عصراً قرابة خمسمئة شخص يدخلون السينما, يضيق بالحضور ليشب الحريق في دار السينما بتماس كهربائي
تراكض الصغار إلى الخارج بعد عرض الفيلم بلحظات نتيجة الدخان واللهب صوب باب النجاة اليتيم ، لينجوا من قبضة الموت، دفع الأطفال إلى التزاحم أمام الباب، ليصيروا كتلة لحمية واحدة؛ تحول دون خروج الجميع أصلاً، وهذا ما دفع ببعضهم للقفز إلى النافذة القريبة
كما لكل فيلم سينمائي بطل أسطوري، فقد مارس الشاب محمّد بن سعيد آغا الدقوري دور المنقذ الحقيقي داخلاً أتون الجحيم وليبدأوا بانتشالهم من الموت اثنين اثنين بحسب الرواة يحملهما في كل مرة تحت إبطيه  حتى بلغ عدد الأطفال الذين أنقذهم اثني عشر طفلاً، وما أن عاد مرة أخرى لينقذ من تبقى، حتى التهمته النيران, فانهارت الدار عليه وعلى من تبقى من الأطفال. والنتيجة وفاة (280 شخصاً) إثر الحريق وبحسب ما رواه شهود عيان حينذاك ، إن حوالي أكثر من مئة ناج أنقذوا وأسعفوا إلى مستشفى القامشلي.
منذ ذلك الوقت، تمّ تحويل دار السينما وما يحيط بها من أراض كي تصبح حديقة عامة (حديقة الشهداء) ومزاراً للناس. 
وذكرى حريق السينما ما زال حاضراً في الحياة اليومية للمدينة والنصب التذكاري وحديقة الشهداء وضعا في مكان دار السينما والتمثال عبارة عن ثلاثة شبان هم الشهداء أو تلاميذ المدرسة أنفسهم، بين ألسنة النار، ظهورهم مستندة إلى بعضها، وثمة واحد منهم يرفع العلم الجزائري وهو منتصب القامة، الذي أبدعه الفنان محمود جلال.

mehmudabdo@gmail.com

صحيفة بلدنا  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عصمت شاهين الدوسكي

 

ربما هناك ما یرھب الشاعر عندما یكون شعره تحت مجھر الناقد وھذا لیس بالأمر الحقیقي ، فالشاعر یكتب القصیدة وينتهي منھا لیتحول إلى تجربة جدیدة ،حتى لو تصدى لھ ناقد وبرز لھ الایجابیات وأشار إلى السلبیات إن وجدت ، فلیس هناك غرابة ، فالتحلیل والتأویل یصب في أساس الواقع الشعري ،وكلما كتب الشاعر…

فيان دلي

 

أرحْتُ رأسي عندَ عُنقِ السماءْ،

أصغيْتُ لأنفاسِ المساءْ،

بحثْتُ فيها عن عُودٍ ثقاب،

عن فتيلٍ يُشعلُ جمرةَ فؤادي،

ناري الحبيسةَ خلفَ جدرانِ الجليد.

 

* * *

 

فوجدْتُه،

وجدْتُه يوقظُ ركودَ النظرةِ،

ويفكّكُ حيرةَ الفكرةِ.

وجدْتُه في سحابةٍ ملتهبةٍ،

متوهّجةٍ بغضبٍ قديم،

أحيَتْ غمامةَ فكري،

تلك التي أثقلَتْ كاهلَ الباطنِ،

وأغرقَتْ سماءَ مسائي

بعبءِ المعنى.

 

* * *

 

مساءٌ وسماء:

شراعٌ يترنّحُ،

بينَ ميمٍ وسين.

ميمُ المرسى، عشبٌ للتأمّلِ وبابٌ للخيال

سينُ السموّ، بذرةٌ للوحي…

ربحـان رمضان

بسعادة لاتوصف استلمت هدية رائعة أرسلها إلي الكاتب سمكو عمر العلي من كردستان العراق مع صديقي الدكتور صبري آميدي أسماه ” حلم الأمل ” .

قراته فتداخلت في نفسي ذكريات الاعتقال في غياهب معتقلات النظام البائد الذي كان يحكمه المقبور حافظ أسد .. نظام القمع والارهاب والعنصرية البغيضة حيث أنه كتب عن مجريات اعتقاله في…

ادريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…