سينما عامودا حريقُ روحٍ رافقَ حريقَ الجسد

نارين عمر

بينما كنّا نقفُ بإجلالٍ أمامَ تلك القبورِ الرّاقدةِ في مقبرةِ (عامودا بافي محمد) التي ما زالتْ تحتضنُ برفقٍ تلك الأشلاءُ التي فرّتْ من لهبِ الحريقِ الذي التهمَ سينما عامودا, أحسسْتُ أنّ الأرواحَ التي فرّتْ من الأجسادِ في ذلك اليومِ وتركتها تئنّ وتنوحُ أحسستُ أنّها ما زالتْ ترفرفُ فوق تلك الأجسادِ تطلبُ إليها السّماحَ والغفرانَ, والعودة مجدّداً إلى خلاياها وشرايينها, فتردّ الأجسادُ:
عفونا وغفرنا لكِ هفواتكِ ولكن لن ندعكِ تنفثين نبضاتِ حويتك فينا من جديدٍ
لأنّنا نكتفي بأن ترفرفي بهدوءٍ وحرصٍ فوقنا, وتردّي عنّا كلّ لهبٍ قد تؤجّجه نارٌ أخرى قد تحاولُ افتراسنا مرّة أخرى, ولا تنسي أن تحومي فوقَ أجسادِ أهلنا وأحبتنا الذين احترقتْ أرواحهم في أتون فراقنا, فهم مثلنا ما زالوا مثلنا يعيشون على هيئةِ أجسادٍ بدون روح بعدَ أن تقمّصتْ أرواحهم أرواحنا, حومي فوقهم واحذريهم من كلّ نارٍ قد تغدرُ بهم من جديدٍ فتكون أكثر فتكاً وعنفاً ولهباً من الأولى, ولم تنسَ أن تقولَ لها:
إذا شعرتِ بأيّ خطرٍ قد يداهمنا ويداهمهم اهمسي أوّلاً وقبل الجميع في نبض (محمد سعيد آغا دقوري), لأنّنا لن نخشى مكروهاً مادامَ محمد آغا يقودنا ويسيّرنا إلى حيثُ الخلاصُ والملاذ, فمازالتْ أرواحُ الكثير من أحيائنا تنبضُ في روح سعيد, وتنهلُ منها روحَ الخلق والعطاء, وتنسجُ له ألحانَ حبّ ووداد, وأنغامَ شكرٍ وامتنان.
في طريقِ عودتنا وبينا أتأمّلُ في بيوتِ عامودا وحاراتها وأزقتها, تساءلتُ بيني وبين نفسي:
لو لم يحدث ما حدث,ولو لم تأكل تلك النّار بنهمٍ وشرهٍ ذلك العدد الكبير من زهور عامودا اليانعة, كيف كنّا سنرى هذه المدينة الهادئة اليوم؟! كم بيتاً كان سيتلألأ بالحبّ والدّفء والشّغبِ والصّراخ الذي ينطلق من مداعباتِ أطفالها وصبيانها؟! كم كاتباً وأديباً وشاعراً وعالم دين ولغويّاً كان سينقشُ اسمه بحروفٍ من نور في ديوان الثقافةِ والأدبِ الكرديين؟! كم معلّماً ومدرّساً وطبيباً وعاملاً وحرفياً ومحامياً ومهندساً وفلاحاً كانوا سيساهمون في تغيير معالم هذه المدينة التي ما زالتْ ثكلى تئنّ؟؟!!
أجل, إنّها لغة الأرقامِ التي تتلاعبُ بنا وترسمُ خريطة العالم كيفما تشاءُ وترغبُ وبإيحاءٍ من القدر والدّهر.
شعرْتُ ونحن نتجوّلُ في عامودا (مدينة العلم والأدبِ والّلغةِ) بماهيةِ الحزن الذي ما يزالُ يلقي بظلاله عليها وعلى كلّ فردٍ فيها على الرّغم من مظاهر الفرح والسّرور التي يبدونها بين الحين والآخر!! لامستْ نبضاتُ قلبي الخفقان المتلاطمَ الذي يترنّحُ في قلوبِ أمهاتِ عامودا, والآهاتِ التي مازالتْ تمارسُ عملها في قلوبِ النّساء الّلواتي كنّا فتياتِ الأمس على أحبتهنّ, وتساءلتُ:
أما للحزنِ من نهايةٍ؟!
أما للسّوادِ من رحيلٍ ليحلّ محلّه نبضُ البياض؟؟!!

ولكن كيفَ؟ ومتى, وأينَ؟ و…؟ و…؟؟؟!!!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

 

محمد إدريس *

 

في ذلك المشهد الإماراتي الباذخ، حيث تلتقي الأصالة بالحداثة، يبرز اسم إبراهيم جمعة كأنه موجة قادمة من عمق البحر، أو وترٌ قديم ما زال يلمع في ذاكرة الأغنية الخليجية. ليس مجرد ملحن أو باحث في التراث، بل حالة فنية تفيض حضورًا، وتمنح الفن المحلي روحه المتجددة؛ جذورٌ تمتد في التراب، وأغصانٌ…

 

شيرين الحسن

كانت الأيام تتسرب كحبات الرمل من بين أصابع الزمن، ولكن لحظة الغروب كانت بالنسبة لهما نقطة ثبات، مرسى ترسو فيه كل الأفكار المتعبة. لم يكن لقاؤهما مجرد موعد عادي، بل كان طقسًا مقدسًا يُقام كل مساء على شرفة مقهى صغير يطل على الأفق.

في كل مرة، كانا يجدان مقعديهما المعتادين، مقعدين يحملان آثار…

 

 

صبحي دقوري

 

حكاية

 

كان “دارا” يمشي في شوارع المدينة الأوروبية كما يمشي غريبٌ يعرف أنه ليس غريباً تماماً. العالم لا يخيفه، لكنه لا يعترف به أيضاً. كان يشعر أنه ككلمة كورديّة ضائعة في كتاب لا يعرف لغتها. ومع ذلك، كان يمشي بثقة، كما لو أن خطواته تحمل وطأة أسلافه الذين عبروا الجبال بلا خرائط.

 

في تلك الليلة، حين…

عِصْمَت شَاهِين الدُّوسْكِي

 

دُرَّةُ البَحْرِ وَالنُّورِ وَالقَمَر

دُرَّةٌ فِيكِ الشَّوْقُ اعْتَمَر

كَيفَ أُدَارِي نَظَرَاتِي

وَأَنْتِ كُلُّ الجِهَاتِ وَالنَّظَر

***

أَنْتَظِرُ أَنْ تَكْتُبِي وَتَكْتُبِي

أَشْعُرُ بَيْنَنَا نَبْضَ قَلْب

بِحَارٌ وَمَسَافَاتٌ وَأَقْدَارٌ

وَحُلْمٌ بَيْنَ أَطْيَافِهِ صَخَب

***

دَعِينِي أَتَغَزَّلْ وَأَتَغَزَّل

فِي عَيْنَيْكِ سِحْرُ الأَمَل

مَهْمَا كَانَ النَّوَى بَعِيدًا

أُحِسُّ أَنَّكِ مَلِكَةٌ لَا تَتَرَجَّل

***

دُرَرٌ فِي بَحْرِي كَثِيرَةٌ

لَكِنَّكِ أَجْمَلُ الدُّرَرِ الغَزِيرَةِ

أَقِفُ أَمَامَ الشَّاطِئِ

لَعَلَّ مَقَامَكِ يَتَجَلَّى كَأَمِيرَةٍ

***

أَنْتِ مَلِكَةُ البَحْرِ وَالجَمَالِ

لَا يَصْعُبُ الهَوَى وَالدلالُ

لَوْ خَيَّرُوكِ…