الغموض في نصوصي حقيقة

   حوار مع الشاعر: إبراهيم اليوسف                  
  حاوره : عمر كوجري

عندما تدخل عوامل إبراهيم اليوسف .. حيث الحزن سيد القصيدة . ترى تلذذه
بحزنه00  بباقات قرنفلاته التي يوزعها على أصدقائه.
ثمة شعور يتملكك.. يا لروعة الشعراء؟ فصاحب البيت الذي ينزف مطراً شقياً،    وطاولة متواضعة ، ومحبرتين شبه فارغتين0 أيجد الوقت لتأريخ أحزانه ؟ ولما تبصره يسير في شوارع القامشلي بفوضى وجنون تقول : لاخير في هذا الرجل. ومع هذا فهو نشيط  إلى درجة الحدَّة .
إبراهيم بتواضعه. يفرش لك قلبه أغنية وقبلة ، وعلى الفور يلغي الحدود الهائلة
بينك وبينه. ويدخل في التفاصيل ـ المملة أحياناً ـ شكواه الدائم من ظروف الحياة
ومن اتحادات الكتاب. ويفزع عندما يسمع أن” أحدهم” أصبح عضواً في اتحادات الكتاب.
أسمعت يا صديقي ؟ لقد انضم إليهم ” كاتب آخر” .
أما هو… وأمثاله ف…
إنه إبراهيم بكل شماله.. بكل جنونه..
وفي الحوار التالي سألقي الأضواء المبهرة ـ و باستفزازية ـ على مجمل تجربته
الشعرية .

ـ  أحرث أرخبيلات وجهك … بأغاني تلاميذ المدرسة
الشاعر إبراهيم ـ كما رأيت ـ إنها البدايات …ذكريات المجموعة الأولى0
والآن بعد إنقضاء ما يقارب العقد من الزمن على صدورها ، هل تشعر بصلة قرابة
بينك وبينها ؟

ربما قلت ذات مرة في لقاء أجري معي : ” إنني نادم على طباعة مجموعتي
الشعرية الأولى .. “وكان لابد من التريث، لكن احتفاء النقاد بها ، جعلني أنظر
بحياد تام إلى المسألة فيما بعد ..، إذ صرت الآن أرى أنه حقاً كان ضرورياً
أن أطبع تلك المجموعة..، رغم أن الطباعة تأخرت حوالي عامين كاملين. بسبب
أوضاعي المادية الصعبة…
المجموعة الأولى ، القبلة الأولى.. أشياء لايمكن نسيانها أو التنصل منها ، بل إن
أي تصريح بصدد الندم، إنما هو هروب تفرضه أحلام أكبر…، وهي لعمري أحلام
مشروعة..، وضرورية ، لمبدع يحترم ذاته..، ولأكن صريحاً معك ، أنني كنت
في قرارتي مغتبطاً بديواني الأول ، وإن لم أدع الناس على قراءته في بيانات
حزبية أو شخصية ، مع إنني لم أنشر إعلاناً تجارياً ..، ولم أستأجر قلماً للتنطع
بالإطراء عليه ..وعلى الرغم أن ما كتب عن تجربتي يكاد يعادل كل ما كتب عن أبناء جيلي . ويكفيني أنني لم أتوسل إلى أحد لمدحي ،ولم أقطع شعرة معاوية بيني وبين من تهجموا  بطلاً علي ..انطلاقاً من علاقات شخصية أو أحقاد حزبية ضيقة ، وسواها ..
ذات يوم انتقدت مادة سيئة لكاتب متملق ، انتهازي ، وصولي فعاتبني بعضهم بالقول : كل ما قلته صحيح ..لكن النقد ..لايكتب في الصحافة !!! أنا لا أقول مثل هذا الكلام بل أدعو دائماً لحوارات … ساخنة وحقيقية ..
باختصار شديد : قصائد المبدع وكتبه كأولاده.. لايفرق بين أحدهم والآخر .. وهذا لايمنع من أن يعاني أحدهم من تشوهات ..ما ، إنني لأعترف .

ـ ليلى زنبقة في فم الزوبعة ، عيناها من هديل وعذوبة
لهذا الاسم وقع احتفالي في باكورتك الأولى وكذلك في مجموعتك الشعرية الثانية
ترى :ماالدلالة الفنية ، أو النفسية لذلك الاسم ؟؟

أنا لن اختلق علاقة حب وهمية كاذبة أو أسطورية مع امرأة من لحم وعظم اسمها
“ليلى” طوال حياتي لم أعشق امرأة تحمل هذا الاسم ،بل أن ليلى التي هيمنت على كتاباتي وكتابات أبناء جيلي : محمد عفيف – يونس الحكيم – عبد المقصد الحسيني – زردشت محمد . ومن ثم الذين جاؤوا بعدي ،وربما يتوهم بعضهم بأنهم جايلوني ، إن ليلى تلك كانت رمز المرأة المناضلة المدافعة عن وطنها ، الثورية التي ظلت نظراتها تهزم الجلاد وهو يمزق بنصله جسدها إرباً.. إرباً . وهكذا انداح هذا الاسم يتباهى مع الحلم ،والخريطة ، والراية والقبلة.  أذكر ذات مرة قالت لي فتاة كنت أحبها : أتمنى لو تطلق علي في كتاباتك اسماً غير اسمي خشية أن يفتضح أمرنا فلم أتردد بالقول : سأطلق عليك اسم ليلى ،لكن لهفتي وأنا ألفظ هذا الاسم أغاظ تلك الأنثى لأخسرها غير نادم ،وإلى الأبد ..

ـ أنت مولع برهبة المكان . بقدسيته المفجعة ، والمدينة عشيقتك المدللة ..عامودا – قامشلي – ميديا – أَتقاسمك المدينة رغيفها ..

– بداءة – أنا ابن قرية ، فتحت عيني على التناقضات الأولى .. حيث كنت أقول ما يشبه قول زوربا إن ما يجري سيدي الرئيس هو غير عادل ، في القرية كان الحب الطفو لي الأول… والمهيض .. في القرية كانت القصيدة الأولى التي نالت تشجيع الجميع ، ثم اضطررنا للهجرة إلى المدينة ،بسبب العلاقات الإقطاعية المهيمنة ، ولهذا فالمدينة عندي كانت منفى ، أذكر عندما درست الإعدادية ، كنت مضطراً لاستئجار غرفة ..وحيداً ، أعاني الشوق والخوف.. والوحشة حيث صورة القرية لا تبرحني..صورة بئر الماء وأوقات العصر، والحلابات ، ثغاء الخراف ، ومنظر أسراب القطا التي أنصب لها شراكاً أبدياً، فأصطاد أحلاماً شاسعة ومتاعب أزلية .
انتقالي إلى المدينة أكد لي إن علاقات الريف أكثر طهراً وعفة أمام عهر المدينة وتناقضاتها الفاحشة ، لذلك صرت أحمل صورة تل أفندي ودروبها الترابية ومنزلنا الطيني المتهدم الذي لا يجرؤ أحد حتى الآن إلقاء القمامة فيه أسوة بالبيوت المتهدمة الأخرى ..إنني أحمل هاتيك الصور أينما حللت .. علاقتي بالمكان علاقة رهبة ووجل .
حيث لا أستطيع التفكير بالهجرة مفضلاً أي سجن مفتوح ومغلق دون أن يكون في جيبي ثمن لفافاتي وطوابع البريد وأجرة باص النقل الداخلي ،وخبز الأطفال .. مفضلاً هذا الواقع المزري على العيش برفاهية في عواصم المخمل .
إن الشارع الذي تسكنه الأنثى الأولى التي أحببتها في المدينة لا يزال يستجر خطاي وأشعر براحة كبيرة وأنا أقرض اهتمامه بخطاي المرتبكة دائماً ، رغم أن هذه الأنثى تنقلت بين أحضان كثيرة واستمتعت بخيانات فظيعة ، ضاربة عرض الحائط بالقبلات والرسائل والوعود الجميلة لبناء عش الأحلام ..
المكان يظهر في نصوصى مثلما يظهرفى روحي علامة فارقة. فصحيح أنني أوثر أمكنتي الخاصة : قامشلي – عامودا- ولكني أقدس أمكنة أخرى خيالية أو حقيقية ، قرأت عنها أو رحلت إليها في إسراءات ممتعة .  ولهذا فإنني أقدس : موسكو- ماكوندو- فارنا- كركوك- أربيل – حلبجة- حمص- دمشق- حماه
إن الأمكنة تناوبني ، تعيشني ، وأعيشها .. وربما أن هذا أحد عوامل القلق العالي الذي ينهكني حقاً .

ـ يا إبراهيم بن عبد الوهاب ، اصحَ ، هذا وقت الصحو ، هل أنت نرجسي ؟؟ وأنا رأيتك عكس ذلك في لقاءاتنا الكثيرة ، أرجو الإجابة على سؤالي بشيء من الصحو والصراحة .

كثيراً حاولت أن أتظاهر ولو بجزء من النرجسية ، وأن أتمثلها سلوكياً ، إزاء حالتي وسلوكي اليومي والاعتيادي ، إذ حتى الآن أشعر برهبة عندما يطلق علي أحدهم صفة “شاعر” أوحينما يطري آخر على قصيدة لي نالت استحساناً وإعجاباً .
إن محاولاتي للتفكير بالتنرجس هي بالتأكيد ناجمة عن ردة فعل تجاه الشائع في الشارع اليومي ، إذ أنه بات الآن أمام كثرة وسائل الاتصال المسموعة والمقروءة والمرئية ضرورياً بأن يقدم صاحب الموهبة نفسه وإن بعضلات مزيفة أحياناً ، فالشاعر يهمه أو يقال عن قصيدته أنها قد منعت ، وأن هناك من يكتم صوته . . وعلى غرار ما يجري روتينياً مع المبدع الحقيقي ، بل إن كثيرين يوزعون مئات نسخ الفوتوكوبي من نصوص لهم بلا طعم ولا رائحة على مريدين مصفقين بببغاوية وبلادة
إن كثيرين صاروا يمدحون أنفسهم مختلقين مواقف وبطولات سوبرمانية وأسطورية في الوقت الذي لا يتحدث عنهم أحد لأن لاشيء مهماً لديهم ، بل إن بعضهم من صار ينسب إلى نفسه بطولات سمعها عن غيره ،ولا يتورع عن التحدث عنها حتى في حضرة أبطالها الحقيقيين وذلك لكثرة تكراره لها لدرجة تصديقه الشخصي لأكاذيبه . صحيح أنني اذكر اسمي في بعض قصائدي ،لكن التوظيف يختلف بشكل مستمر ،فأنا في هذا المقطع الذي ذكرته بالتحديد : أحاكي تلقين الموتى عادة – رغم أنني ذكرت اسم الأب لا الأم كما هو معتاد في طقوسنا الدينية ، هنا كنت أعنف نفسي حينما وجدتني بعد فترة طفولة ضائعة لا أتورع عن ذكرها كما يفعل بعضهم لأنني كدت أصبح خارج سربي ، كذلك أنني وظفت اسمي “إبراهيم” مرات أخرى إطلاقا من مفاهيم أسطورية ودينية أو تاريخية مختلفة .

ـ في قصيدتك “حلبجة ترحب بكم” أرهقت كلمة الأصابع ،فقد ذكرتها ستاً وعشرين مرة !! ترى أللكلمة واحات أخرى لم نكتشفها ..أم .. ماذا؟؟!!

تمكنت – بُعَيْد– وقوع مجزرة “حلبجة” وفي وقت مبكر جداً من مشاهدة فيلم وثائقي عن هذه الفاجعة الإنسانية الكبرى ، وإن مالفت نظري هو الوضعيات التي كانت تتخذها أصابع الضحايا . إذ ثمة سبابة” وهي إصبع” متخذة وضعية التشهد بأن لا إله إلا الله محمداً” العربي” رسول الله .
وثمة إصبع تشير إلى جبال كردستان العالية تقول: إن هذه الجبال العملاقة ستبقى رغم أنف الطغاة … وكأنها تهم بفقء عين الجلاد عينه ،وثمة إصبع أنثى تشير إلى جهة ما حيث يكون عاشقها الذي سينتقم ..وثمة إصبع تشير إلى الدروب الحقيقية ، وترسم الخريطة الجميلة ..
والغريب بل المفارقة أن إصبعاً لطيار كانت قد ضغطت على الزر فكان كل هذا الألم الكردي . إنني أؤكد حالة إنسانية عبر رصد هذه المفارقات ، وهي إن الأصابع إنما تشكل كفاً إنسانية واحدة ..هذه الكف بأصابعها قد خلقت للمصافحات … والتحيات ..ومداعبة ضفائر الإناث الجميلات ..وبناء الحضارات ،وصنع الرغيف وكتابة قصائد الحب …. ولأكن أكثر جرأة :  إنني لم أتجرأ آنذاك حين متابعة فيلم الإدانة الوثائقي على النظر في عيون كل هؤلاء … وإن عدم النظر في تلك الأعين فوَّتَ عليَّ قرارات كثيرة .. ناهيك عن هزيمتي التي أعترف بها .. كثيرون أخذوا عليَّ تكرار المفردة وأعتقد أنني سأكون غير محق للمعادلة الفنية الموازية للحالة أو المتفجرة عنها ،فيما لو لم أتمكن من تلوين المفردة ،وجعلها تطلع برؤيتي ..

ـ قلبك فضاء لا حدود له ولأنثاه .. أتسمي القصيدة شعراً جميلاً أو هذراً للغة فيما لو غابت الأنثى ؟؟!!

الشعر دون المرآة هراء عجاف ، الأنثى تُجمِّلُ قصائدنا مثلما هي تجمل أرواحنا ، وتصقلها باستمرار،وإنني لأعد أجمل قصائدي هي تلك التي كان حضور الأنثى فيها بارزاً … أخاذاً .
كثيراً ما يتبادر إلى ذهني بأن لا أهمية للحياة وحضارات العالم برمتها لو كانت الأنثى غائبة ، وأنا شخصيا لن أقرأ حرفاً ، ولن أكتب أيضاً ما لم يعلمني ذلك على حب الأنثى والوطن ..بل لا أنام ،ولا أستيقظ ،ولا أتنفس ،ولا أسوي شعري، ولا أرتدي قميصاً جديداً، ولا أذهب للعمل إلا من أجل سماع صوت أنثى في مكالمة هاتفية .. أو اللقاء بها حيث أخلد لصمت فظيع في حضرتها أنسى فيه اللغة والعالم…
حينما كنت طفلاً. كانت أمي تقول لي بأن فتاة جميلة كانت ضيفة عندنا قد صرخت فزعاً ذات ليلة وبأعلى صوتها ، بينما هي نائمة لتكتشف في النهاية مع أمي وأنا طفل رضيع أحبو بأني قد فتحت أزرار قميصها لأمد يدي إلى نهدها. وبعد أن كبرت صرت أقتر هذه الحادثة على خلاف تفسيرات والدتي مؤكداً إنني منذ ذلك الحين لم أخطىء بين ثدي الأم ونهد الأنثى ، ولأؤكد لك إنني من أجل الأنثى الجميلة قد أنسى كتابة الشعر وكتابة رسائل حب متميزة،نشرت بعضا منها في إحدى جرائدنا المحلية،لكن ورغم إنني أحببت كثيراً إلا أن أكثر من واحدة قد خانتني في نهاية المطاف وهي حكايات يعرفها كثيرون من حولي…
بيد أن هؤلاء الخؤونات أحكم عليهن بقسوة بالغة ،إذ أتناساهن للأبد ،وإن كانت بين هؤلاء واحدة تحاول أن تتظاهر بعد بارتكاب حماقات كثيرة لتتسبب لي مزيداً من التهور والتعلق بها.

ـ لقد قرأت قصائدك الغزيرة ـ يا صديقي ـ باسهاب وتأنٍ . وأسمح لي أن أتهمك بالفزلكة اللغوية والطسمية. وبمعنى آخر أنك تميل إلى الرمز والضبابية في أشعارك ، هل تكتب للنخبة ؟؟

الغموض في نصوصي حقيقة ، غير أن بعض قرائي  المغرضين يرون خلاف ذلك بأنني أكتب قصائد مؤدلجة .. مادمت ابن حزب جماهيري إنساني .. أنا يا صديقي لا أعتبر النص الواضح شعراً ،بل أنني تخليت عن ديواني الثاني ذات مرة ،لأنني بدوت محققاً لرغبة القارئ العادي انطلاقاً من طيبة شخصية ،وليس من قرار حزبي كما قد يتوهم بعض المضللين ..
المتعة المتوخاة من الفن أتذوقها حين كتابة أو قراءة نص غامض ،لا يمنح أعنته بمجانية ممجوجة ،وإنني سلفاً أرفض النص المستغلق الرخيص أيضاً الذي يكتبه الكثيرون جداً … مقلدين إيانا بأدوات هزيلة غير مكتملة وغير ناضجة .. وإنني سلفاً أعتبر أن قوة البيان عندي تعود إلى فضل والدي الذي أقرأني القرآن الكريم قبل دخولي المدرسة …( أي قبل السادسة من عمري )..
أنا يا صديقي .. لا أكتب طلاسم أو أحجيات كما يفعل البعض من يقلدني ، ويستخدم مفردات لي لا يزال حتى الآن يجهل معانيها .. والطريف أن أخطاء مطبعية في كلمة لي تنشر ضمن قصيدة دفعت ذات مرة أحدهم لوضعها في قصيدة له ..

في الجزيرة ثمة ما يشبه الفوضى في مجال الأدب . فشبابنا صاروا والحمد لله يمتشقون أقلامهم في كل حين ،ويسوِّدون الصفحات .. وصار كل من يكتب قصيدة أو قصة قصيرة ..يسير كالطاووس بلحية مهملة ومظهر مفتعل .. وأرجو ألا يفهم من كلامي أنني ألغي دور المبدعين الحقيقيين …ماذا تقول ؟؟!!

قبل كل شيء لابد أن أعترف أن هؤلاء الذين تتحدث عنهم ، هم إجمالاً ضحاياي شخصياً، فأنا قدمت هؤلاء جميعاً ،واهتممت بهم في الملتقى الأدبي الذي تابعته لوقت طويل .. وإنني كنت أشجع هؤلاء ،أكيل الثناء على كتاباتهم دون أن أعلم بأني أنفخ في قربة مثقوبة أكثر الأحيان ، وأغلبهم الآن كتاب قصة وشعر !!! لهم كتبهم المطبوعة أو تحت الطبع !! يشطبون على أسماء شيركو بيه كه س – محمود درويش- أدونيس – سليم بركات  دون أن يقرأوا حرفاً لهم . إن ظهور اسمي واسم يونس الحكيم ومحمد عفيف الحسيني – جميل داري- عبد المقصد الحسيني – محمد باقي محمد .. استجر هؤلاء .. ودفعهم لمحاكاة نصوصنا لدرجة أن إلقاء أحدنا لقصيدة ذات صبغة أممية كان يدفع هؤلاء التلاميذ لكتابتها في الصباح التالي بعشرات النسخ للفت انتباه امرأة ..وهنا لابد من أن استثني بعض الأسماء الجديدة التي تكتب بصمت وبوحي من إبداعها كــ :أحمد حيدر- وليد حزني – إبراهيم حسو ممن أتوسم لهم مستقبلاً إبداعياً أكيداً ، لأنهم يكتبون بعيداً عن  الجعجعة متحاشين حمل السيوف الخشبية …وإن رهاني هذه المرة لن يكون خاسراً بكل تأكيد

في الوسط الثقافي تتهم بالشاعر المؤدلج ..والباكي على البروليتاريا .. برأيك ألاتساهم الإيديولوجيا في خنق الإبداع وتسخيره للمؤسسة؟؟!!

هذا سؤال هام جداً ..أولاً أنا ضد القول بأن لا وظيفة للفن .. فالفن الذي لا يخدم الإنسان ولا يستجلب له متعة حقيقية هو بائس … بل وخيانة كبرى
ثانياً : إني لأكتب للإنسان ،وإذا كان حب الإنسان إيديولوجيا منافية لرؤى أصحاب تلك الاتهامات .. فإنني أعلن إيديولوجياي ، ولكن من عجب أن التهمة تأتيني من أناس ركبوا الموجة طويلاً ، ولم يتركوا” مناسبة” إيديولوجيا تسدر تصفيقاً ….إلا وانتهزوها . فثمة من كتب عن “أفرورا” قصيدة عصماء ..ذات يوم .. بعد أن كتب عن مناسبات وأحزاب وقادة متضادين … ثم ينسى ذلك !!
وما هو أعجب أن نصوص تلك الاتهامات واضحة متملقة للسائد ..بل وسطحية وأنني بالمقابل أكتب نصوصاً لم أترجم فيها شعاراً حزبياً .. ولم أنشد في حفل ختان ابن أحد …إن توجهات الكتاب في عالمنا وبشكل عام كان ماركسياً . وها الآن قد انقلبت الأمور بعد سقوط الثور ..حيث كثرت السكاكين .. وأنني أعتبر هؤلاء الذين لا يحترمون ماضيهم ولا يتذكرونه..لا يحترمون ذواتهم… بل وأنني لأغفر لأي كان أن يخطأ في اختيار الطريق بسبب من هامشية المؤسسات عندنا ،أما أن يكون يختار المبادىء وتبديلها ..أشبه بتبديل الأحذية …فلعمري إننا أمام حالة مرضية تستدر الشفقة والرعاية والرأفة ..لا الإجلال .
أنا أحترم هؤلاء الذين كانوا ذات يوم على خلاف معنا في الرؤيا،ولكنني على العكس استقبح هؤلاء الحرباوات الذين يتهجمون على البروليتاريا كانوا في أول الطابور الهاتفين والممجدين لها … حينما كانت موسكو بقرة حلوباً وحينما كان يشار للكاتب الماركسي بالبنان ،بل أن هؤلاء الذين كذبوا مرتين أو أكثر خريجو مدرستنا ، وهم تلامذتنا العاقون أنا لا أغفر لأحدهم صنعه إعلام البروليتاريين ، وضخمت من نبرات صوته وقلت مكبرات أصواتهم لاسيما حين يتم التغيير بين ليلة وضحاها .. إن انهيارالإتحادالسوفييتي لايعني انهيار الفكر الاشتراكي ،وهو باق بكل تأكيد . وإن المستقبل هو بلا شك للعدالة الاجتماعية ،وكثيراً ما أقول في نفسي : إن هؤلاء الأقزام سيقدمون طلبات انتسابهم مرة أخرى فيما لو انتصرت الاشتراكية… ولكنني احتار حين أفكر بتسويغاتهم للردات الجماعية . إن هذا الكلام لا يمنعني من القول أن التطبيق العملي للاشتراكية وبسبب من قادته كان جريمة فظيعة .. وإنني ككردي قد انتكست منذ فعلة ستالين السوداء بحق الأكراد الذين طالتهم يداه الآثمتان ..إن صح هذا الخبر كذلك انتكست بديمقراطية يلتسين كشيوعيين أخطأنا ،وأصبنا في آن ، ولم ننجُ من تأثيرات السلبية العامة ، لكن للشيوعيين فضلهم البارز في هذا المجال .. وهذا ما أرجو ألا ينساه أبناء قومي ..لأن في قوة الاشتراكية قوة لنا ..كأكراد ..وأعتذر عن هذا الاستطراد ..

سؤال أخير:
مجموعتك الثانية حملت عنوان” هكذا تصل القصيدة”
قل لي وبصراحة : هل وصلت قصيدتك ؟؟؟!!

على خلاف ما قاله صديقي الناقد المبدع دريد يحيى الخواجة. في أن القصيدة ما هكذا تصل ، رغم إعجابه بتجربتي العامة…، إلا أنني أؤكد أن القصيدة وصلت… وأن العلة كانت تكمن بأكثر في الطباعة السيئة للمجموعة.. ناهيك عن أنني لم أشرف على الطباعة بسبب التحاقي بخدمة العلم…
ربما كانت المجموعة.. خطوة إلى الوراء كما قال أحدهم..، بيد أن القصيدة وصلت إلى قرائها ..، وأثارت أسئلة كثيرة جداً بين مادح وقادح.. مُطرٍ ومُثبط
شخصياً وصلتني القصيدة : علمت أنه لابد من تطوير أدواتي والتواصل مع جمهرة قرائي حيث أنني الوحيد الذي لا يخلو من قصائد عالية جداً ترجمت إلى عدد من اللغات…..         

 بطاقة الشاعر :
ـ إجازة في اللغة العربية وآدابها
ـ عضو اتحاد الصحفيين السوريين
ـ صدرت له ثلاث مجموعات شعرية للعشق، للقبرات والمسافة.
وهكذا تصل القصيدة.. عويل رسول الممالك.
ـ يكتب في الصحف المحلية والعربية

    أجراس : فصلية – مستقلة- تهتم بشؤون الأدب والفكر والثقافة
            العدد الأول – ربيع 1994
يتم بالاتفاق مع الزميل عارف جابو مشرف القسم الثقافي في عفرين نيت إعادة نشر حوارات أجريتها في أوقات سابقة مع عدد من الكتاب والنا شطين في الحقل الثقافي الكردي ، كانت قد نشرت في “أجراس” على نطاق ضيق نتيجة الظروف الصعبة التي تحيط بنشر المادة الكردية، وبالاتفاق مع السادة المبدعين أنفسهم مادامت تمثل آراء هؤلاء الزملاء آنئذ رغم مرور فترة طويلة على بعضها ، أو ربما كتبت بانفعالية ، وتوتر كما حدثني الصديق إبراهيم اليوسف عن هذا الحوار

emerkoceri@yahoo.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…