داريوس داري وحكاية الأدب الساخر

سيروان قجو – واشنطن

عندما تريد أن تقرأ لكاتبٍ ما، فهذا شيء سهل وعندما تريد أن تفهمه، فهذا أصعب بقليل! لكن إن أردت أن تكتب عنه، فهذا هو الأصعب على الإطلاق… خصوصاً إذا كان هذا الكاتب من نوع آخر، ومن طينة غريبة. وكذلك نوعية الكتابات التي ينتقيها و الأسلوب الخاص به.
وكوني من محبي “النكتة” و تستلهمني المواقف الطريفة، فأنا في متابعة مستمرة للذين يكتبون بالطرق الساخرة وربما كان الموقع الالكتروني الكوردي “لوتك خانه”
من أكثر المواقع التي تشدّ انتباهي وتثير الرغبة عندي..(طبعاً ليست كل الرغبات)، نظراً لما  يتضمنه هذا الموقع من مواد ساخرة ومفيدة في الوقت نفسه… وهو بالنسبة للبعض، ساحة للتراشق بالعبارات النابية وإلى ما هنالك من العبارات التي من الصعب على غير الكوردي فهمها..!!
أما بالنسبة للذين يكتبون باللغة العربية عن الوجع الكوردي بهذا الاسلوب، فهم قلائل جداً..!! و لعل أكثرهم براعة و حنكة في هذا المنحى هو “داريوس داري” الذي يعجبني بكتاباته حتى الثمالة، و يجعلني في كثير من الأحيان أن أعود متخيلاً إلي مدينتي الرائعة المجنونة “عامودة” و أتذكر الأيام الكارثية التي قضيتها في تلك البقعة التائهة الغريبة من المعمورة.!! و أحياناً أخرى يجعلني أبكي بكاءً مُضحكاً، فالحديث عن “أوسي شارو” مثلاً يجعلني أتذكر كل التفاصيل الحياتية التي نالت منّا جميعاً. 
ما شدني في كتابات داريوس داري، بـأنه يعرف كيف يمسك بالحياة من خيطها الساخر، واستطاع أن يوظّف مخزونه الثقافي الهائل و إمكانياته الأدبية الرائعة بطريقة تشد انتباه القارئ رغماً عنه. فالاسلوب الذي يتبعه، جديد و غريب على القراء و المتتبعيين للآلام الكوردية التي باتت في هذه الأيام عرضةً للكثير الكثير من الذين يتسلقون جدران الكتابة (بلا إذن ولا دستور)..!!
في كل مقالٍ من مقالات داريوس داري، ترى المشكلة مطروحة بشكلٍ مباشر و بكل عفوية، حيث تلاحظ أنّ الوضوح في التعبير و السلاسة اللغوية هي من أهم مزايا كتاباته، ولعل المشاكل الاجتماعية، الإقتصادية وحتى السياسية التي يواجها مجتمعه الكوردي، ومدينته عامودة على وجه الخصوص، تشكل محوراً أساسياً في كافة كتاباته. أي أنّ هدفه من الكتابة واضح وصريح، وليس كما يقال “الكتابة لأجل الكتابة”.
الشيء الرائع الذي يتمتع به داريوس، هو قدرته اللامتناهية و حنكته المعهودة في إختراع التعابير والمصطلحات الجديدة، وكأنه وصل إلى أعلى مراحل النضج الفكري و بات الوضع ملاءماً للإبداع الفكري الجاد حتى لو كانت الطريقة التي يكتب بها فكاهية ساخرة !!!!
ولو عدنا إلى البئية التي يعيش فيها كاتبنا داريوس داري، لرأينا تناقضاً صارخاً في المعطيات الموجودة هناك… فمدينة عامودة، تعتبر من أكثر المدن الكوردية في سوريا التي تتمتع بكمٍّ هائل من التناقضات الاجتماعية، ولعليّ أشبهها بمدينة بيروت في كثير من الأحيان..!!! حيث التصوف إلى جانب الإلحاد..و الصدق و المحبة إلى جانب النفاق و الكراهية… الجنون إلى جانب الابداع ….هي بالمختصر، مدينة التناقضات. وهي في اعتقادي، العامل الأساسي التي جعلت داريوس داري كما نراه الآن.
 كما يُعتبر عنصر المفاجأة، عنصراً أساسياً من العناصر التي يستخدمها داريوس في تكتيكاته الكتابية، خصوصاً في النهاية التي تكون عنده عادةً، كقذيفة تهز القارئ مهما كان. لإستخدامه جمل وكلمات غير متوقعة و قد لا تمت بالموضوع الأساسي بأية صلة..!
ولابد القول أنّ لكاتبنا، خبرة وباع طويلان في مجال الكتابة المسرحية، وله حالياً مجموعة نصوص مسرحية، جاهزة للطبع و النشر، لكن لا أعلم إن كانت هي أيضاً تنضوي في خانة اسلوبه الساخر أم لا !؟
جدير بالذكر، أن داريوس داري يُعتبر من مؤسسي جمعية ” الحَمير ” في مدينة عامودة، وهي تتألف من مجموعة كبيرة من مثقفي عامودة وكتّابها !! وللأسف لم يتسنى لي، إلى هذه اللحظة، شرف العضوية في هذه الجمعية، رغم أنّي تقدمت بالعديد من طلبات الانتساب إلاّ أنها جوبهت بالرفض في كل مرّة..!!؟ لكنني سأستمر في محاولاتي، وقد يكون هذا المقال بمثابة ” وثيقة ” إضافية أقدمها لرئاسة الجمعية في المحاولة القادمة..!

sirwankajjo@gmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…