يوم في المحكمة

  نارين

حينما تدق الساعة
الثانية عشرة ظهرا
اشهق من أعماقي
واحضر اخر اوراقي
لاستقبل وداعي
حينما تدق الساعة
الناس يجلسون بكثرة
كقطيع من المواشي
تغلق النوافذ
ويهدأ الجميع
ويدق قلبي كسرعة البرق
    ***

حينما تدق الساعة
أقف وحيدة بين مفرداتي
أتهيأ لاعترفاتي
وسط اضواء الغرباء
كشمعة لاتود الفراق
***
حينما تدق الساعة
تهدأ أجراس الكنائس
والمؤمن عن الصلاة
والطفل عن الصراخ
وتهدأ شفتاي عن البكاء
***
حينما تدق الساعة
تذوب كل الألوان في مياه البحار
وتذوب الشمس في سواد شعري
ويتكسر قوس القزح أمامي
وتتجمع كل النجوم في بؤبؤة عيني
ويتهيأ التاريخ ليسجل يوما
لامرأة خرساء…

***
حينما تدق الساعة
يضرب القاضي على طاولته
فتتجمع آلاف الحمامات
فوق كنائس مريم العذراء
وتتجمع آلاف الأسماك
في شباك الصيادين
وتموت آلاف العصافير
ببندقية رجل لا يعترف بالسلام
***
حينما تدق الساعة
اعترف بكلماتي
انثرها من حولي كالبذار
فتنمو آلاف الأزهار
وسنابل تصرخ للسماء
وأطفال يولدون في المساء

***
حينما تدق الساعة
اعترف بحبي له
وشوقي له
وبانتصاري عليهم
بخيبة أملهم بي
اعترف بحبيبي
فيتمزق ألف رجل من حولي
وتصوب البنادق نحوي
وتطير الحمامات إلى الأعالي
ويسدل الستار
ويقترب الغراب مني
تتهيأ آلاف العذارى
لتجهشن من ورائي
وتدق أجراس الكنائس
ويفرش الطريق بالبنفسج
***
حينما تدق الساعة
يشهد ألف رجل ضدي
بأنني خائنة كمريم العذراء
وتدق الطبول من حولي
وتنهار البنايات من حولي
وتذوب الثلوج في الأعالي
وتذرف الدموع من حولي
وتتساقط أوراق الأشجار أمامي
وأتهيأ للرحيل…
***
حينما تدق الساعة
الثانية عشرة ليلا
أتهيأ كالمسيح لأصلب
اشهق من أعماقي
اصعد إلى السماء
في هذا المساء.
***
حينما تدق الساعة
يلبون آخر طلباتي
مصحف اخضر
وكلمات ازرعها من حولي
كأنامل الكتاب العظماء
قلم .. وورقة بيضاء
اكتب إلى حبيبي
اكبر كلماتي
بكل كبرياء
أحبك احبك
هذا يكفي
 إلى اللقاء

Berlin 19.01.01

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماهين شيخاني

كان مخيم ( برده ره ش ) يرقد بين جبلين صامتين كحارسين منسيّين: أحدهما من الشمال الشرقي، يختزن صدى الرياح الباردة، والآخر من الغرب، رمليّ جاف، كأنّه جدار يفصلنا عن الموصل، عن وطنٍ تركناه يتكسّر خلفنا… قطعةً تلو أخرى.

يقع المخيم على بُعد سبعين كيلومتراً من دهوك، وثلاثين من الموصل، غير أن المسافة الفعلية بيننا…

إدريس سالم

 

ليستِ اللغة مجرّد أداة للتواصل، اللغة عنصر أنطولوجي، ينهض بوظيفة تأسيسية في بناء الهُوية. فالهُوية، باعتبارها نسيجاً متعدّد الخيوط، لا تكتمل إلا بخيط اللغة، الذي يمنحها وحدتها الداخلية، إذ تمكّن الذات من الظهور في العالم، وتمنح الجماعة أفقاً للتاريخ والذاكرة. بهذا المعنى، تكون اللغة شرط لإمكان وجود الهُوية، فهي المسكن الذي تسكن فيه الذات…

مازن عرفة

منذ بدايات القرن الحادي والعشرين، يتسارع الزمن في حياتنا بطريقة مذهلة لا نستطيع التقاطها، ومثله تغير أنماط الحياة الاجتماعية والإنسانية، والاكتشافات المتلاحقة في العلوم والتقنيات، فيما تغدو حيواتنا أكثر فأكثر لحظات عابرة في مسيرة «الوجود»، لا ندرك فيها لا البدايات ولا النهايات، بل والوجود نفسه يبدو كل يوم أكثر إلغازاً وإبهاماً، على الرغم من…

أصدرت منشورات رامينا في لندن كتاب “كنتُ صغيرة… عندما كبرت” للكاتبة السورية الأوكرانية كاترين يحيى، وهو عمل سيريّ يتجاوز حدود الاعتراف الشخصي ليغدو شهادة إنسانية على تقاطعات الطفولة والمنفى والهوية والحروب.

تكتب المؤلفة بصدقٍ شفيف عن حياتها وهي تتنقّل بين سوريا وأوكرانيا ومصر والإمارات، مستحضرةً محطات وتجارب شكلت ملامحها النفسية والوجودية، وموثقةً لرحلة جيل عاش القلق…