مملكة الجسد (جديد الشاعر صالح بوزان)

  صدر حديثاً للشاعر صالح بوزان ديوانه الشعري الثاني بعنوان مملكة الجسد عن دار نون4 للنشر.وكان قد صدر له من قبل مجموعة شعرية باسم في الوجد عن دار الطليعة عام 1996.
 وهذه قصيدة من الديوان الجديد.
 
إنه الجسد..!

يبدأ النشور المؤزر
ينهض من مخالب المعتاد
حيث يتناثر القيد الباسل منطفئاً في خزيه

إنه نشور الجسد الملتهب بغواياته
يبدأ من الإرث الكيدي
مغموساً بإنكسارات الضوء  المرتجف على شطآنه.
يبدأ النشور..
فيتلوى الجسد الغارق في هلوسة المطاردة
يرسم للهواء الخجول مداه المؤرق
يضع حدوداً للظل الداعر.
أنت لا تدري
وهو لا يدري
أجسد تنفخ الروح فيه ثرثرتها العبثية،
أم أن روح القدس تبحث عن ذاكرتها المفقودة في طحلب الشرق؟.
يبدأ النشور…
جسد يعزف لحن غربته الأولى
يقفز من ندمه العاقر إلى حقول الخصب الواعد في جينيات الصُدف
يصعد إلى مقامه
ليؤذن للحركة مهرجانها
وليبدأ المجهول نكاحه السري مع الجهات المفتوحة على الشغب
ويهرب السكون الآبد إلى حطامه.
عندئذ..
عندئذ يسير الجسد المكلوم بخيباته إلى ممارسة التصوف رقصاً
لا..
 إنه ليس الرقص، بل عبادة الوجود لوجوده
اعتراف الكينون بأنوثته المراقة.
إنه الجسد..
يخلق للنور التائه غاباته.
من يعلم..؟
أهذا الجسد يرقص أم يتمرد على هفواته؟
إنه يعطي للموسيقا مذاق الخبز الساخن
يمسك بشعر الخيال المشرد
ليعيده إلى اختناقات هتك المعابر
أما نحن…
فكنا نهز جدران الوجوم الذابل في برده
نندب الضياع المخصب قبل توبته
من قال أن هذا الجسد مطعون بأزليته
إنه هو..
هو الوحيد..
هو الأوحد في منافسات الرغبات الدبقة
إنه هو..
الساكن والمتحرك خارج لغاته
إنه البدء الأول
والبدء الآخر
إنه قلق سديمي يشق الفراغ النيّء ليصل إلى محظوظه.
ويقول…
ويقول الجسد المهراق في انكسار الحسرات
ما أكذب الرجال..
حين يتبارون برغباتهم الوقادة في متون اللغة البائسة
ما أكذب صلواتهم..
عندما يتمايل الجسد المندس في حركاته بين القطب الأخرس والقطب الأبكم
وتتعثر الأضواء في مشيتها إليه
لتتحطم مثل البلورالمهلوَس في انشطاراته.
هكذا يبدأ النشور، قال الجسد..
وهكذا يفهم ذاته
حين يلبي شهوات الريح العازفة على أوتار الخلق
حين يصبح همسة في أذن الله المتهم بالخيال الشبق
إنه الحسد..
ولا أحد غيره
مقدس في هدوؤه المسروق من بيادر الأزل
مقدس كلما سقط لهاث المتسولين خلف أسواره
جثثاً منتفخة بالندم.
إنه الجسد..
مقدس بدون تنزيل
يمارس استيقاظه على لحنه الذي يسري كساقية في داخله
وداخل غيره
إنه الجسد
ينكل بالصمت المخنث
وتقوم قيامته
كلما ينزف حركاتَه، لتولَد البساتين المعلقة
لتولد آلهة ماجنة وهي ترضع غيهبها
وتستيقظ الآمال المختبئة في هزائمها الأولى.
إنه الجسد..
يتلمس أواخر الليل عثوره البتول
مستذكراً غنائمه المدثرة في الصحف الأولى
إنه الجسد..
يعطي للكاسات الفارغة مزاجها المتقلب
إنه الجسد..
يتقن ما لا يتقنه أحد في هذا الكون الهارب من بدئه.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أعلنت منشورات رامينا في لندن، وبدعم كريم من أسرة الكاتب واللغوي الكردي الراحل بلال حسن (چولبر)، عن إطلاق جائزة چولبر في علوم اللغة الكردية، وهي جائزة سنوية تهدف إلى تكريم الباحثين والكتّاب المقيمين في سوريا ممن يسهمون في صون اللغة الكردية وتطويرها عبر البحوث اللغوية والمعاجم والدراسات التراثية.

وستُمنح الجائزة في20 سبتمبر من كل عام، في…

في زمنٍ تتكسر فيه الأصوات على صخور الغياب، وتضيع فيه الكلمات بين ضجيج المدن وأنين الأرواح، يطل علينا صوتٌ شعريّ استثنائي، كنسمةٍ تهبط من علياء الروح لتفتح لنا أبواب السماء. إنه ديوان “أَنْثَى عَلَى أَجْنِحَةِ الرِّيحِ” للشاعرة أفين بوزان، حيث تتجلى الأنوثة ككائنٍ أسطوري يطير فوق جغرافيا الألم والحنين، حاملاً رسائل الضوء، ونافخاً في رماد…

ماهين شيخاني

كان مخيم ( برده ره ش ) يرقد بين جبلين صامتين كحارسين منسيّين: أحدهما من الشمال الشرقي، يختزن صدى الرياح الباردة، والآخر من الغرب، رمليّ جاف، كأنّه جدار يفصلنا عن الموصل، عن وطنٍ تركناه يتكسّر خلفنا… قطعةً تلو أخرى.

يقع المخيم على بُعد سبعين كيلومتراً من دهوك، وثلاثين من الموصل، غير أن المسافة الفعلية بيننا…

إدريس سالم

 

ليستِ اللغة مجرّد أداة للتواصل، اللغة عنصر أنطولوجي، ينهض بوظيفة تأسيسية في بناء الهُوية. فالهُوية، باعتبارها نسيجاً متعدّد الخيوط، لا تكتمل إلا بخيط اللغة، الذي يمنحها وحدتها الداخلية، إذ تمكّن الذات من الظهور في العالم، وتمنح الجماعة أفقاً للتاريخ والذاكرة. بهذا المعنى، تكون اللغة شرط لإمكان وجود الهُوية، فهي المسكن الذي تسكن فيه الذات…