تعقيب على الدراسة النقدية التي أجراها الدكتور خليل الموسى، حول الشاعر السوري الشهير نزار قباني، في مجلة الموقف الأدبي السورية العدد 427 تشرين الثاني 2006م بعنوان (تجليات الفضاء المفتوح في شعر نزار قباني).
نقد النقد:
خالص مسور: أقول منذ البداية أن هذا العنوان الفضائي مخادع من أساسه، لأن الدكتورلايدرس كما سيبدو لنا الفضاء المفتوح في شعر نزار قباني وتجلياته وهو موضوع عام وشامل كما هو معلوم، بل سنرى بعد قراءة الموضوع أنه يتناول بالأحرى فضاء المرأة في شعر نزار قباني، لأنه لايأتي إلى ذكر أي فضاء أو جوانب فنية أو جمالية (إستيطيقية) انفتح فيها شعر نزار وبها تمايز عن غيره من الشعراء
نقد النقد:
خالص مسور: أقول منذ البداية أن هذا العنوان الفضائي مخادع من أساسه، لأن الدكتورلايدرس كما سيبدو لنا الفضاء المفتوح في شعر نزار قباني وتجلياته وهو موضوع عام وشامل كما هو معلوم، بل سنرى بعد قراءة الموضوع أنه يتناول بالأحرى فضاء المرأة في شعر نزار قباني، لأنه لايأتي إلى ذكر أي فضاء أو جوانب فنية أو جمالية (إستيطيقية) انفتح فيها شعر نزار وبها تمايز عن غيره من الشعراء
بل الدكتور أمضى دراسته كلها في موضوع واحد ووحيد وهو موقف نزار من المرأة، والأصح أن تسمى الدراسة بـ(المرأة في شعر نزار قباني) ولاشيء آخر. ولهذا إما أن يكون الدكتور لم يتأمل في مغزى عنوانه جيداً، أو أنه أراد بذلك أن يخدعنا بهذا العنوان الفضائي المفتوح، ولأنه وبما أن موقف نزار من المرأة بات معروفاً لمعظم القرلاء لذا فقد تهرب من ابتذالية عنوان موضوعه الحقيقي أو (موقف نزارمن المرأة) وإيقاعه الرتيب وملله في ذهن القاريء الجاد والمتابع، والتجأ إلى التورية والإيحاء ليوفر لقارئه عنصرالتشويق وإعانته في قراءة موضوعه.
وسأقوم في هذا هذه الدراسة التعقيبية النقدية باتباع منهج النقد الإجتماعي، لأبين الجانب الإجتماعي أو الموقف من المرأة في شعرالشاعرالشهيرنزارقباني كما هو الموضوع الذي تناوله الدكتور خليل. أما الجوانب الجمالية والفنية فالرجل أي نزارمتمكن من هذا رغم وجود بعض الثغرات الفنية في شعره بشكل عام وهو ما لايدخل ضمن دراستنا هذه. وهنا أقول: أن النقد ليس غموضاً ولا محاولة لإرباك القاريء أو التحايل عليه، أوهوتجل عفوي يظهرمن خلال السياق العام للدراسة النقدية لينجم عنه إعطاء القاريء معلومات غير دقيقة قد تشوه صورة الشاعرلديه، أونقد يساهم في سيطرة عظمة الذات الشاعرة على القاريء لتصبح الذات بمنجاة عن النقد وتصبح أشعاره منزلة لااجتهاد فيها ولانقد ولا من يحزنون، وتلك أكبر خطأ وخطيئة تواجه النقد اليوم، فليس أحد فوق هذه البسيطة محصن ضد النقد أو أن هناك من لايخطيء في عمله وتعامله وجل من لا يخطيء و(كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) أما بعد فنقول:
إن السيد الدكتور خليل الموسى في دراسته المطولة الموسومة بـ/تجليات النص المفتوح في شعر نزار قباني/ نراه يقصردراسته في في فضائه الرحب على انفتاحه على المرأة في شعر نزاروليس على شعر نزار نفسه كما هو يعنيه عنوان الدراسة، وكأن نزاراً هو الأول بين شعراء العربية ممن ابتكر فضاءه المفتوح على اللمرأة وهجر المغلق منه، هذا المغلق الذي الذي عنته الدراسة بأنه كان يسبح بين غيومه الشعراء السوريون والعرب قبل مزارويدورون في حلقة مفرغة من القديم والمتهالك، وقد يكون الدارس محقاً في هذا. أما ما قاله عن الفضاء المفتوح على المرأة لدى نزار فأراه غير محق في هذا أبداً، وبالعكس أرى أن الشاعر نزار قد ساهم في تضييق وأغلاق الفضاء الرحيب على المرأة ولم يفتح لها سوى سجناً آخر اقتحمها فيه ألا ووهوغرفة نومها واستباح سريرها وحلمات أثدائها ونهودها، وفك أزرار صدرها وجسدها الغض ليمارس عليها فحولته الطاغية، وليحطم إرادة العفة والطهارة لديها بكل ما أوتي من فحولة جنسية لشاعر شاب دمشقي مرفه لايعرف سوى اللهو ومغازلة النساء مهنة له، اللهم إلا حينما شاخ وعجز فتوجه نحو بعض القضايا الوطنية، وكان مثله في ذلك مثل أمرؤ القيس وعمربن أبي ربيعة وسواهما من شعراء الغزل رغم أنه ينفرمن تشبيهه بالأخير. يقول نزارعن ممارسة فحولته على المرأة مغلقاً عليها باب شهوته مخاطباً إياها وممعناً في إذلالها وحطم عزتها المنيعة بدراهمه وليس بحبه الإنساني فيقول:
بدراهمي
لا بالحديث الناعم
حطمت عزتك المنيعة كلها بدراهمي
ومن جانب آخر نرى أن نزاراً فتح للمرأة فضاء الدعارة، ونصحها بالتمرد على المجتمع الذكوري وإنما من أجل الجنس فقط، لاحظوا دعوته الصريحة إلى الدعارة وفلتنتة المرأة إجتماعياً وجنسياً إلى الحد الذي يحد من قدرها وكرامتها هذه الكرامة التي كانت تعني لنزارممارسة الجنس بالدرجة الاولى ولتأت الحريات الأخرى بعده، ورغم إننا نؤديد المرأة لتتحرر من ربقة الرجل ولكن ليس دون مقاييس وخطوط حمرعلى أن يكون للرجل مقاييس مثلها أيضاَ، أي على الرجل أيضاً أن يلتزم بما تلتزم به المرأة من الأخلاقيات الإجتماعية فالحرية بدون شروط هي الفوضى بعينها وقد قيل: تنتهي حريتك حينما تبدأ حرية الآخرين. وهذا قول فيه الكثيرمن الجاذبية والصحة، ولكن تجاوز نزار كل المقاييس والخطوط الحمر داعياً إلى الإباحية والفوضى الجنسية وكأنه واحد من أنصار مزدك أو ماني في العهد العباسي طبق الأصل، فلنسمعه يقول كما أورد عنه الدكتورموسى في دراسته الآنفة الذكرعن الشاعر الذي تجاوز كل الأعراف والتقاليد والأخلاق الإجتماعية الحسنة منها وغيرالحسنة بشكل مفرط فقال يخاطب المرأة:
لاتفزعي..فاللثم للشعراء غير محرم
فكي أسيري صدرك الطفلين..لا..لا
تظلمي
نهداك ما خلقا للثم الثوب..لكن للفم
مجنونة من تحجب النهدين أو هي تحتمي
مجنونة من مر عهد شبابها لم تلثم
لاحظوا دفاع نزار المستميت وتحريضه للمرأة لكي تمارس الدعارة والفلتنة الجنسية واستباحه لعرش المرأة الجنسية واعتبارها سبية وغنيمة للرجل وخاصة للشعراء من أمثاله! فلا شيء عليه محرم وكل كل شيء له مباح ومستساغ! فطالبها أن تفك نهديها الأسيرين تحت الأثواب المخملية وأن تقدم نفسها للثم والشم والمداعبة ولاشيء آخر للمرأة عنده، وأعتقد في هذا استهتار واضح بالمرأة وتحطيم لرسالتها وما خلقت لأجلها، ولهذا كان اعتقادي أن الشاعر ضيق الحصارعلى المرأة هنا وأغلق عليها فضاءها الضيق أصلاً، فجرها من شعرها من مجتمع ذكوري عام إلى أسرة الفحولة من الرحال في الغرف الضيقة والأسرة الجنسية، وقصر دورها على الشم واللثم ولاشيء آخر. فهو هنا حول نزار الجنس إلى غاية لاوسيلة للولادة وإكثار النسل وإعمار الأرض، وكما هو معلوم فالجنس هو وسيلة للإنجاب وليس غاية بحد ذاته كما يقول العلماء، والمرأة لها رسالة سامية يؤديها إلى جانب الرجل ولاتنحصر رسالتها في الإستجابة لعربدة الفحول ونزواتهم الجنسية الضيقة، فهي مناضلة وأم ومربية وعالمة ومثقفة، ودورها الأساسي هو في بناء الحياة جنباً إلى جنب مع الرجل وفي تكوين أسرتها وتربية أولادها على الأخلاق الفاضلة والعمل والعلم وبناء الأوطان ورد الظلم والظالمين وليس فقط لأن تفك أسيريها للرجال بنعومة وتدلل وتترك باقي أمور الحياة لهم فقط.
كما ونلاحظ مدى استهتار نزار بالمراة في قصيدته (امراة من زجاج) والذي يقول فيها:
هذا الذي يسعى إليك الآن
لا أرضاه عبدي..
فليمضغ النهد الذي
خلفته أنقاض نهد..
يكفيه ذلاً..أنه
قد جاء ماء البئر بعدي
وبالتدقيق بالعنوان نرى أن نزاراً اعتبرت المرأة زجاجاً وكل رائح وغاد يرميه بالحجارة، وحسب المثل العامي القائل: (من كان بيته من زجاج فلا يرمي بيوت الناس بالحجارة). حيث أن المرأة زجاج البيوت وزجاج البيوت لاحصانة له وهو مباح لكل قاذف حجر. وهكذا اعتبر نزارالمرأة زجاجاً يتقاذفه الرجال. هذا على صعيد العنوان . أما على صعيد الأبيات فالمرأة لديه بئريشرب منها كل العطاش ثم يلقي بها الحجارة ويسير، وهي البئر الذي شرب نزار من مائها ثم قذف بها حجراً، أي أن المرأة هنا كأي سلعة من مخلفات الرجل البالية لأنه أذل الذي جاء بشرب بعده من فضالة ماء بئره وهي المراة هنا، والفضالة تكون وسخة على الدوام وإلا لماذا ذل الذي جاء يشرب بعده من هذا البئروهي المرأة كما قلنا، وهنا يكون نزار أسداً في غابة فيها أسود تتغذى على لحوم الفرائس الطرية، وضباع تنهش الفضلات والجيف التي تتركها الأسود والسباع والفريسة دوماً هي المرأة ذاتها بين ضواري اللحوم البضة..!.
يكفيه ذلاً.. أنه
قد جاء ماء البئر بعدي
وهنا أكرر القول بأن لافضاء مفتوح في شعر نزار للمرأة سوى أنه سجنها في غرفة ضيقة فيها فراش وثير، وسريروجنس، ولثم وشم، ولم يزيد نزار في قيمة المرأة هنا عن عمر بن أبي ربيعة ولا فلساً واحداً، أي أن نزاراً أغلق الفضاء على المرأة ولم يفتحه أمامها كما ذهب الدكتور موسى إلى ذلك، بل أسرها في غرفة العمليات الجنسية ليتعاورها فحول الشعراء والرجال من أمثاله. صحيح أن نزاراً دافع عن تحرر المرأة بضراوة بالغة ولكنه كان دفاعاً له ظاهر وباطن، ظاهره فعلاً هو تحرر المرأة من إسار الرجل الشرقي وسجنه ولكن باطنه هو التحرر الجنسي لاغير. ولهذا أقول: على المرأة ألا تصدق نزاراً في كل ما يقوله عنها وأن تجعل نفسها رخيصة كعجوز شمطاء تتسول على أبواب الفحول ليفكوا قمصانها وأزرارها – حسب تعابيرالقباني- وليلثموا فقط ثغرها الوضاح ويحولوا جسدها إلى دمية تتقاذف على موائد المجون والفحول المنتشين بسكرة اللهو والجنس. فلو كانت نساء العالم كما يريدهن نزار لانتفت تحرر البلدان من ربقة الإستعمار ولما ناضلت المرأة إلى جانب الرجل ولاكتفت بفضاء نزار المغلق وعلى أسرته الماجنة لاهم لها سوى أن تفكك أزرارها وأن تلثيم خدودها ونهودها وشفاهها، وبهذا أعهتقد أن نزار لايحرر المرأة كما نفهمه من التحرير بل يحولها إلى أمة وجارية من جواري الجنس في القرون الوسطى والعهدين العباسي والأموي لاغير.
ففي قصيدته (حكاية مباح) تتهم فيها بطلة شعر نزارأمها صراحة مثلها بالشهوانية والفجور فتقول:
كنت أعدو في غابة اللوز..لما
قال عني أماه، إني حلوة
وعلى سالفي..غفا زر ورد
وقميصي تفلتت منه عروة
قال ما قال.. فالقميص جحيم
فوق صدري، والثوب يقطر نشوة
……………..
يغصب القبلة اغتصاباً
وجميل أن يؤخذ الثغر عنوة
………..
أنت لن تنكري احتراقي
كلنا في مجامر النار نسوة
هكذا تتهم الفتاة أمها بأنها عليها ألا تنكر الحقيقة فهي مثلها تحترق بنيران الشهوة، ولكن قد لايكون لظاهر هذا الكلام شيء غريب أوغير منطقي، ولكن المشكلة هنا تكمن فيما يستبطنه من كلامه والإيحاءات الدلالية للأبيات الشعرية التي تدعو إلى الإباحية والتصعلك النسوي على قارعات طرق الجنس ودروبه! ولهذا – وكما قلنا سابقاً- أن نزاريدافع بأشعاره عن تحررالمرأة ولكنه – وكما قلنا- دفاع في غالبيته عن الإباحية والمجون والتوجه الجنسي للنساء عموماً، دفاع نراه يناقض فيه نفسه تماماً فهو مرة يطلب منها أن تتعرى وتفك أسرنهديها الطفلين للغادي والرائح، وأخرى يطالبها أن تتمرد وتثورعلى سريرالجنس وغلبة الرجال حينما يقول:
ثوري! أحبك أن تثوري..
ثوري على شرق السبايا.. والتكايا
والبخور
ثوري على التاريخ، وانتصري على الوهم
الكبير
لاترهبي أحداً.. فإن الشمس مقبرة النسور
ثوري على شرق يراك وليمة فوق السرير
فهذه دعوته للمرأة أن تثورعلى رجال الشرق وألا تصبح وليمة سائغة على أسرتهم، بعد أن كان يدهوها إلى فك أزرارها ونهودها، ولكن قد نفهم هنا أن يدعوها إلى رفض إغتصابها على أسرة الأغنياء ورغماً عنها أي رفض زواجهها القسري ممن لاتحب، ولكن ماالفرق بين أن تغتصب على سريرالأغنياء أو أن تهدر كرامتها في أحضان وعلى أسرة فحول الغرباء عنها والشعراء من الرجال الذين أباح لهم القباني كل شيء، وبهذا يناقض نزارنفسه حينما يأتي ليس هنا فقط بل في موضع آخرليدافع عن قيم المجتمع الذكوري الأخلاقية، فيستهتر بالمرأة الخائنة التي تخون زوجها وتترك طفلها للبكاء وتستسلم لغرائزها في حضن رجل غريب لتفرط في أخلاقية مجتمعها فيقول:
والرضيع الزحاف في الأرض
كل أمر من حوله لايعنيه
أمه في ذراع هذا المسجى
إن بكى الدهر سوف لاتأتيه
أبوه هذا ويا رب مولو
د أبوه الضجيع غير أبيه
وسأقوم في هذا هذه الدراسة التعقيبية النقدية باتباع منهج النقد الإجتماعي، لأبين الجانب الإجتماعي أو الموقف من المرأة في شعرالشاعرالشهيرنزارقباني كما هو الموضوع الذي تناوله الدكتور خليل. أما الجوانب الجمالية والفنية فالرجل أي نزارمتمكن من هذا رغم وجود بعض الثغرات الفنية في شعره بشكل عام وهو ما لايدخل ضمن دراستنا هذه. وهنا أقول: أن النقد ليس غموضاً ولا محاولة لإرباك القاريء أو التحايل عليه، أوهوتجل عفوي يظهرمن خلال السياق العام للدراسة النقدية لينجم عنه إعطاء القاريء معلومات غير دقيقة قد تشوه صورة الشاعرلديه، أونقد يساهم في سيطرة عظمة الذات الشاعرة على القاريء لتصبح الذات بمنجاة عن النقد وتصبح أشعاره منزلة لااجتهاد فيها ولانقد ولا من يحزنون، وتلك أكبر خطأ وخطيئة تواجه النقد اليوم، فليس أحد فوق هذه البسيطة محصن ضد النقد أو أن هناك من لايخطيء في عمله وتعامله وجل من لا يخطيء و(كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) أما بعد فنقول:
إن السيد الدكتور خليل الموسى في دراسته المطولة الموسومة بـ/تجليات النص المفتوح في شعر نزار قباني/ نراه يقصردراسته في في فضائه الرحب على انفتاحه على المرأة في شعر نزاروليس على شعر نزار نفسه كما هو يعنيه عنوان الدراسة، وكأن نزاراً هو الأول بين شعراء العربية ممن ابتكر فضاءه المفتوح على اللمرأة وهجر المغلق منه، هذا المغلق الذي الذي عنته الدراسة بأنه كان يسبح بين غيومه الشعراء السوريون والعرب قبل مزارويدورون في حلقة مفرغة من القديم والمتهالك، وقد يكون الدارس محقاً في هذا. أما ما قاله عن الفضاء المفتوح على المرأة لدى نزار فأراه غير محق في هذا أبداً، وبالعكس أرى أن الشاعر نزار قد ساهم في تضييق وأغلاق الفضاء الرحيب على المرأة ولم يفتح لها سوى سجناً آخر اقتحمها فيه ألا ووهوغرفة نومها واستباح سريرها وحلمات أثدائها ونهودها، وفك أزرار صدرها وجسدها الغض ليمارس عليها فحولته الطاغية، وليحطم إرادة العفة والطهارة لديها بكل ما أوتي من فحولة جنسية لشاعر شاب دمشقي مرفه لايعرف سوى اللهو ومغازلة النساء مهنة له، اللهم إلا حينما شاخ وعجز فتوجه نحو بعض القضايا الوطنية، وكان مثله في ذلك مثل أمرؤ القيس وعمربن أبي ربيعة وسواهما من شعراء الغزل رغم أنه ينفرمن تشبيهه بالأخير. يقول نزارعن ممارسة فحولته على المرأة مغلقاً عليها باب شهوته مخاطباً إياها وممعناً في إذلالها وحطم عزتها المنيعة بدراهمه وليس بحبه الإنساني فيقول:
بدراهمي
لا بالحديث الناعم
حطمت عزتك المنيعة كلها بدراهمي
ومن جانب آخر نرى أن نزاراً فتح للمرأة فضاء الدعارة، ونصحها بالتمرد على المجتمع الذكوري وإنما من أجل الجنس فقط، لاحظوا دعوته الصريحة إلى الدعارة وفلتنتة المرأة إجتماعياً وجنسياً إلى الحد الذي يحد من قدرها وكرامتها هذه الكرامة التي كانت تعني لنزارممارسة الجنس بالدرجة الاولى ولتأت الحريات الأخرى بعده، ورغم إننا نؤديد المرأة لتتحرر من ربقة الرجل ولكن ليس دون مقاييس وخطوط حمرعلى أن يكون للرجل مقاييس مثلها أيضاَ، أي على الرجل أيضاً أن يلتزم بما تلتزم به المرأة من الأخلاقيات الإجتماعية فالحرية بدون شروط هي الفوضى بعينها وقد قيل: تنتهي حريتك حينما تبدأ حرية الآخرين. وهذا قول فيه الكثيرمن الجاذبية والصحة، ولكن تجاوز نزار كل المقاييس والخطوط الحمر داعياً إلى الإباحية والفوضى الجنسية وكأنه واحد من أنصار مزدك أو ماني في العهد العباسي طبق الأصل، فلنسمعه يقول كما أورد عنه الدكتورموسى في دراسته الآنفة الذكرعن الشاعر الذي تجاوز كل الأعراف والتقاليد والأخلاق الإجتماعية الحسنة منها وغيرالحسنة بشكل مفرط فقال يخاطب المرأة:
لاتفزعي..فاللثم للشعراء غير محرم
فكي أسيري صدرك الطفلين..لا..لا
تظلمي
نهداك ما خلقا للثم الثوب..لكن للفم
مجنونة من تحجب النهدين أو هي تحتمي
مجنونة من مر عهد شبابها لم تلثم
لاحظوا دفاع نزار المستميت وتحريضه للمرأة لكي تمارس الدعارة والفلتنة الجنسية واستباحه لعرش المرأة الجنسية واعتبارها سبية وغنيمة للرجل وخاصة للشعراء من أمثاله! فلا شيء عليه محرم وكل كل شيء له مباح ومستساغ! فطالبها أن تفك نهديها الأسيرين تحت الأثواب المخملية وأن تقدم نفسها للثم والشم والمداعبة ولاشيء آخر للمرأة عنده، وأعتقد في هذا استهتار واضح بالمرأة وتحطيم لرسالتها وما خلقت لأجلها، ولهذا كان اعتقادي أن الشاعر ضيق الحصارعلى المرأة هنا وأغلق عليها فضاءها الضيق أصلاً، فجرها من شعرها من مجتمع ذكوري عام إلى أسرة الفحولة من الرحال في الغرف الضيقة والأسرة الجنسية، وقصر دورها على الشم واللثم ولاشيء آخر. فهو هنا حول نزار الجنس إلى غاية لاوسيلة للولادة وإكثار النسل وإعمار الأرض، وكما هو معلوم فالجنس هو وسيلة للإنجاب وليس غاية بحد ذاته كما يقول العلماء، والمرأة لها رسالة سامية يؤديها إلى جانب الرجل ولاتنحصر رسالتها في الإستجابة لعربدة الفحول ونزواتهم الجنسية الضيقة، فهي مناضلة وأم ومربية وعالمة ومثقفة، ودورها الأساسي هو في بناء الحياة جنباً إلى جنب مع الرجل وفي تكوين أسرتها وتربية أولادها على الأخلاق الفاضلة والعمل والعلم وبناء الأوطان ورد الظلم والظالمين وليس فقط لأن تفك أسيريها للرجال بنعومة وتدلل وتترك باقي أمور الحياة لهم فقط.
كما ونلاحظ مدى استهتار نزار بالمراة في قصيدته (امراة من زجاج) والذي يقول فيها:
هذا الذي يسعى إليك الآن
لا أرضاه عبدي..
فليمضغ النهد الذي
خلفته أنقاض نهد..
يكفيه ذلاً..أنه
قد جاء ماء البئر بعدي
وبالتدقيق بالعنوان نرى أن نزاراً اعتبرت المرأة زجاجاً وكل رائح وغاد يرميه بالحجارة، وحسب المثل العامي القائل: (من كان بيته من زجاج فلا يرمي بيوت الناس بالحجارة). حيث أن المرأة زجاج البيوت وزجاج البيوت لاحصانة له وهو مباح لكل قاذف حجر. وهكذا اعتبر نزارالمرأة زجاجاً يتقاذفه الرجال. هذا على صعيد العنوان . أما على صعيد الأبيات فالمرأة لديه بئريشرب منها كل العطاش ثم يلقي بها الحجارة ويسير، وهي البئر الذي شرب نزار من مائها ثم قذف بها حجراً، أي أن المرأة هنا كأي سلعة من مخلفات الرجل البالية لأنه أذل الذي جاء بشرب بعده من فضالة ماء بئره وهي المراة هنا، والفضالة تكون وسخة على الدوام وإلا لماذا ذل الذي جاء يشرب بعده من هذا البئروهي المرأة كما قلنا، وهنا يكون نزار أسداً في غابة فيها أسود تتغذى على لحوم الفرائس الطرية، وضباع تنهش الفضلات والجيف التي تتركها الأسود والسباع والفريسة دوماً هي المرأة ذاتها بين ضواري اللحوم البضة..!.
يكفيه ذلاً.. أنه
قد جاء ماء البئر بعدي
وهنا أكرر القول بأن لافضاء مفتوح في شعر نزار للمرأة سوى أنه سجنها في غرفة ضيقة فيها فراش وثير، وسريروجنس، ولثم وشم، ولم يزيد نزار في قيمة المرأة هنا عن عمر بن أبي ربيعة ولا فلساً واحداً، أي أن نزاراً أغلق الفضاء على المرأة ولم يفتحه أمامها كما ذهب الدكتور موسى إلى ذلك، بل أسرها في غرفة العمليات الجنسية ليتعاورها فحول الشعراء والرجال من أمثاله. صحيح أن نزاراً دافع عن تحرر المرأة بضراوة بالغة ولكنه كان دفاعاً له ظاهر وباطن، ظاهره فعلاً هو تحرر المرأة من إسار الرجل الشرقي وسجنه ولكن باطنه هو التحرر الجنسي لاغير. ولهذا أقول: على المرأة ألا تصدق نزاراً في كل ما يقوله عنها وأن تجعل نفسها رخيصة كعجوز شمطاء تتسول على أبواب الفحول ليفكوا قمصانها وأزرارها – حسب تعابيرالقباني- وليلثموا فقط ثغرها الوضاح ويحولوا جسدها إلى دمية تتقاذف على موائد المجون والفحول المنتشين بسكرة اللهو والجنس. فلو كانت نساء العالم كما يريدهن نزار لانتفت تحرر البلدان من ربقة الإستعمار ولما ناضلت المرأة إلى جانب الرجل ولاكتفت بفضاء نزار المغلق وعلى أسرته الماجنة لاهم لها سوى أن تفكك أزرارها وأن تلثيم خدودها ونهودها وشفاهها، وبهذا أعهتقد أن نزار لايحرر المرأة كما نفهمه من التحرير بل يحولها إلى أمة وجارية من جواري الجنس في القرون الوسطى والعهدين العباسي والأموي لاغير.
ففي قصيدته (حكاية مباح) تتهم فيها بطلة شعر نزارأمها صراحة مثلها بالشهوانية والفجور فتقول:
كنت أعدو في غابة اللوز..لما
قال عني أماه، إني حلوة
وعلى سالفي..غفا زر ورد
وقميصي تفلتت منه عروة
قال ما قال.. فالقميص جحيم
فوق صدري، والثوب يقطر نشوة
……………..
يغصب القبلة اغتصاباً
وجميل أن يؤخذ الثغر عنوة
………..
أنت لن تنكري احتراقي
كلنا في مجامر النار نسوة
هكذا تتهم الفتاة أمها بأنها عليها ألا تنكر الحقيقة فهي مثلها تحترق بنيران الشهوة، ولكن قد لايكون لظاهر هذا الكلام شيء غريب أوغير منطقي، ولكن المشكلة هنا تكمن فيما يستبطنه من كلامه والإيحاءات الدلالية للأبيات الشعرية التي تدعو إلى الإباحية والتصعلك النسوي على قارعات طرق الجنس ودروبه! ولهذا – وكما قلنا سابقاً- أن نزاريدافع بأشعاره عن تحررالمرأة ولكنه – وكما قلنا- دفاع في غالبيته عن الإباحية والمجون والتوجه الجنسي للنساء عموماً، دفاع نراه يناقض فيه نفسه تماماً فهو مرة يطلب منها أن تتعرى وتفك أسرنهديها الطفلين للغادي والرائح، وأخرى يطالبها أن تتمرد وتثورعلى سريرالجنس وغلبة الرجال حينما يقول:
ثوري! أحبك أن تثوري..
ثوري على شرق السبايا.. والتكايا
والبخور
ثوري على التاريخ، وانتصري على الوهم
الكبير
لاترهبي أحداً.. فإن الشمس مقبرة النسور
ثوري على شرق يراك وليمة فوق السرير
فهذه دعوته للمرأة أن تثورعلى رجال الشرق وألا تصبح وليمة سائغة على أسرتهم، بعد أن كان يدهوها إلى فك أزرارها ونهودها، ولكن قد نفهم هنا أن يدعوها إلى رفض إغتصابها على أسرة الأغنياء ورغماً عنها أي رفض زواجهها القسري ممن لاتحب، ولكن ماالفرق بين أن تغتصب على سريرالأغنياء أو أن تهدر كرامتها في أحضان وعلى أسرة فحول الغرباء عنها والشعراء من الرجال الذين أباح لهم القباني كل شيء، وبهذا يناقض نزارنفسه حينما يأتي ليس هنا فقط بل في موضع آخرليدافع عن قيم المجتمع الذكوري الأخلاقية، فيستهتر بالمرأة الخائنة التي تخون زوجها وتترك طفلها للبكاء وتستسلم لغرائزها في حضن رجل غريب لتفرط في أخلاقية مجتمعها فيقول:
والرضيع الزحاف في الأرض
كل أمر من حوله لايعنيه
أمه في ذراع هذا المسجى
إن بكى الدهر سوف لاتأتيه
أبوه هذا ويا رب مولو
د أبوه الضجيع غير أبيه
نعم، قد نقول أن هذا كان عندما كان نزارلايزال في بداياته الشعرية وقد تأثر بالشعراء القدامى كإلياس أبو شبكة وغيره، ولكنه بدأ يتحررمن تأثيرهم ليطالب بتحرير المرأة فهذا صحيح، ولكنه نقول مرة أخرى أنه طالب بتحريرالمرأة لكي يستأثر بها الرجال وأمثاله من الشعراء اللهو والمجون، ونسي نزار أن وراء كل عظيم امرأة! وأنه حول بدعواته هذا الجنس من وسيلة إلى غاية، وكان عليه ألا يستهتر بالمرأة إلى هذا الحد، وألا يغلق عليها فضاءها الرحب وأن يعلم أن المرأة مثقفة، ومربية، ومناضلة، في ساحات النضال ودروب الحرية، ولم تخلق لعبث الفحول ولهوهم بل لها هذه الرسالة الإنسانية السامية ورسالتها لاتنحصر في اللثم والشم كما يقول الشاعرالكبيرنزار قباني. وهنا أتوصل إلى عكس ماتوصل إليه الدكتور خليل الموسى حول تجليات فضاء المراة المفتوح لدى الشاعر نزار قباني، بل أقول إنه الفضاء المغلق الجديد الذي أغلقه الشاعرعلى المرأة ولم يفتحه إلا على مجتمع الفحول، إنه فضاء الغرف المغلقة والنهود، والأسرة، والجنس، وقميص امرأة تتفلت منها عروة.