يوسف برازي يسلِّمُ أصابعَه لجمر الأسى.. ويرحل

عمر كوجري

     دهمت قلوبنا نوازع الأسى، وهي تستقبل كليمةَ النبأ المؤلم وهو رحيل الشخصية الأدبية والسياسية الكردية المرموقة الشاعر الكبير يوسف برازي.

    وبعيداً عن جسارا ت الفقد الكبيرة، وتدبيج كلام النواح على وداع الرائعين من خيرة أبناء هذه الأمة العظيمة التي مافتئت منذ بكر تاريخها الناصع تعطي الإنسانية من غير حساب.. بعيداً عن جمل التعازي المنمقات، وهي تحاول يائسة التقاط ما تداعى من جرة الحزن التي يحملها الكرد على أكتاف كردياتهم منذ أوراق التاريخ الأولى في أيامه السحيقة فإن فقد الشاعر «بيبهار» خسارة جسيمة لعموم شعبنا الكردي في كل مكان، وكل شتات الأرض التي تتوزع فيها حنطة الكردي طالبة هواء نقياً.. ومكاناً يسع لكل الأحبة في هذا الحيز الهلامي والبالغ الصغر «الكر ةالأرضية»
    خسارة رجل المبدأ والقيم والكرامة والبذل من طراز مثل يوسف برازي لا تعوض بالسهولة واليسر الذي ننشده، أو نقنع أنفسنا أنه ترك إرثاً وأثراً سيرى من يتلقف حروفه غداً أو بعد غد، فالشاعر برازي كان صوت الكرد الذي لا يهاب في الحق لومة لائم، واستطاع أن يفوز بمحبة كل من قرأ نصوصه الشعرية عبر دواوينه الشعرية التي لا مست الألم الكردي أفضل ما يكون الألم، صحيح أن جمر هذه المحبة وهذا الإخلاص في العادة وكالعادة يغوص في حيوات الأصابع ليعمل فيها الحرق والتدمير، لكن العشاق هم وحدهم لا تعرف عيونهم النوم، وهم يتنصتون ببحر حبهم.. وربما جنونهم يعدون أنفاس الحبيبة النائمة في عسل الكلام.

  وفي مجمل قصائده حتى الغزلية كان يمور كبحر هائج مائج بكلام يحلم به جميلاً، ويجتهد ليحافظ على رونقه وإشراقته، كلام يتسم  بمحبة فائضة مائسة  تجاه الكرد، فقد عكس في نصوصه الشعرية آلام شعبه وتطلعه نحو شمس رائقة كبيرة.. في كل نبضة من روح حروفه.. كان وطنه يكبر بين هدبه، ويرعاه، وبكل ما كتبه « بيبهار» كان ينقي عين وطنه من قذى التاريخ وظلمه وهو يضرب بيد من زنبق أمة الكرد التي كان للتاريخ معها حكايا وقصص جميلات حيناً، وقصص تدمي الفؤاد في مرات كثيرة.
إن رحيل بيبهار لهو ضربة موجعة لبنيان الشعر الكلاسيكي الكردي المعاصر بعد أن ودَّع خُلَّصَ أبنائه الخالدين من قبل.. وعلى سبيل التمثيل جكرخوين وتيريز وسيداي كلش.
  إننا تلامذة ومريدو شاعرنا في هذه اللحظة نبكي على شعرنا الكردي، ونعزي أنفسنا، ونعزي الشعر الكردي الذي تألم برحيل أعزِّ أبنائه.

يا إلهي!! الكرديات لا يتعبن- على ما يبدو- من حمل الجرار التي غالباً ما تكون فائضة بالدموع. لكأنهن خلقن ليعاقرن هذا الألم اللذيذ.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماهين شيخاني

ولد الكاتب والصحفي والمناضل الكوردي موسى عنتر، المعروف بلقب “آبي موسى” (Apê Musa)، عام 1918 في قرية “ستليلي” الواقعة قرب الحدود السورية، والتابعة لمدينة نصيبين في شمال كوردستان. ترعرع يتيماً بعد أن فقد والده في صغره، فحمل في قلبه وجع الفقد مبكراً، تماماً كما حمل لاحقاً وجع أمّته.

بدأ دراسته في مدارس ماردين، ثم انتقل…

أسدل يوم أمس عن مسيرتي في مجلة “شرمولا” الأدبية الثقافية كمدير ورئيس للتحرير منذ تأسيسها في أيلول 2018، لتبدأ مسيرة جديدة وسط تغييرات وأحداث كبرى في كُردستان وسوريا وعموم منطقة الشرق الأوسط.

إن التغييرات الجارية تستدعي فتح آفاق جديدة في خوض غمار العمل الفكري والأدبي والإعلامي، وهي مهمة استثنائية وشاقة بكل الأحوال.

 

دلشاد مراد

قامشلو- سوريا

19 أيلول 2025م

الشيخ نابو

في زمن تتكاثر فيه المؤتمرات وترفع فيه الشعارات البراقة، بات لزاما علينا أن ندقق في النوايا قبل أن نصفق للنتائج.

ما جرى في مؤتمر هانوفر لا يمكن اعتباره حدثاً عابراً أو مجرد تجمع للنقاش، بل هو محاولة منظمة لإعادة صياغة الهوية الإيزيدية وفق أجندات حزبية وسياسية، تُخفي تحت عباءة “الحوار” مشاريع تحريف وتفكيك.

نحن لا نرفض…

نجاح هيفو

تاريخ المرأة الكوردية زاخر بالمآثر والمواقف المشرفة. فمنذ القدم، لم تكن المرأة الكوردية مجرّد تابع، بل كانت شريكة في بناء المجتمع، وحارسة للقيم، ومضرب مثل في الشجاعة والكرم. عُرفت بقدرتها على استقبال الضيوف بوجه مبتسم ويد كريمة، وبحضورها الفعّال في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية. لقد جسّدت المرأة الكوردية معنى الحرية، فلم تتوانَ يومًا عن…