نزيه أبو عفش أخلص للشعر كإخلاصه للنبيذ

بقلم: فتح الله حسيني

الشاعر السوري، نزيه أبو عفش، من أهم الشعراء السوريين المقيمين حالياً في سوريا، ولم يخرجوا منها، إلا نادراً، لحضور مهرجانات تؤرخ للشعر، للشعر وحده، حيث الشعر حصانة أبو عفش، التاريخية، والى الراهن، وظل أبو عفش كما القليلين من الشعراء والمبدعين، الذين واكبوا روح القصيدة، لكي لاتتفتت تلك الروح، ولكي لا تتمزق أوردة الكلمات على مقاصل اللامبالين بالشعر، هو إذا أحد أهم المواكبين لثقافة عصر، كان حاضناً للشعر، وظل أبو عفش مخلصاً للشعر، كما إخلاصه للنبيذ.
عندما يحّن الشاعر نزيه أبو عفش، الى الروح المقدسة، والى جلساء، ربما ماعادوا حضوراً، أنما ينشد للروح، كما يقول في كتابه، إنجيل الأعمى، الصادر عن دار الآداب البيروتية:
لا تشهق/ يا روح أبيك العالي/ يا روح أبيكَ النائم/ يا درَّة روحِ أبيك/ لا، يا ذا الجالس يتبسم في أيقونته/ لا تشهق/ هو ذا بيت أبيكَ الأزرق/ لا يلبثُ أن يغرق..
يلاعب أبو عفش القصيدة، كما يلاعب روحاً تائهة، وقد عثر عليها مجهول في عتمات غابة، أو في ردهات قصر فاره، يغضب، يضحك، يبكي، يخاطب القديسين كما يخاطب منشدي الأعراس، ويشبه، ولا يشبه، وتظل للكلمة معناها الحر الحار، غير المقسم، في اللفظ وفي المبني، ويظل هو هو لا شئ سوى نفسه الحائرة في التأمل وفي سبر أغوار التأمل الانساني:
يا أبتِ/ لست ابنكَ، لستُ حفيدكَ، لستُ وريث خطاياكَ، ولا منشدَ أعراسِك، لست أخاكَ ولا عبدك، لا القديس ولا الخاطي، لست يهوذا النادم يتمرغ تحت صليب يسوع كي يطلبَ غفرانَ يسوع..
ولست يسوع لكي أمنحَه مغفرتي./ لستُ سوى نفسي…/
ولد الشاعر نزيه ابو عفش في مرمريتا بمدينة حمص السورية العام 1946 ، وصدرت له، على مر كتابته للشعر الجميل، حصراً، العشرات من المجاميع الشعرية التي لاقت رواجاً وصدى واسعاً وفي نفس الوقت سجالاً أدبياً بين مختلف الأوساط الثقافية سواء داخل سوريا أو خارجها، من حيث الألق الذي يضفى على قصيدته التي يحبكها كما يحبك ضفائر للفتيات الجيملات، ومن أهم مجاميعه: الوجه الذي لايغيب في العام 1967 ، عن الخوف التماثيل،  الله قريبا من قلبي،  أيها الزمن الضيق أيتها الأرض الواسعة، الله يبكب، ما بين هلاكين.
أوان رحيل الشاعر الفلسطيني الكبير، محمود درويش، المفاجئ، عن دنيا النبيذ والشعر والألفة ووسعها، وعن الخديعة ومكائدها، وفلسطين ومآسيها، والمسارح وجماهيرها، وجماهيره هو، جماهير قصائده التي ظلت تدق أجراس الخطر، وأجراس المحبة، وفي الذكرى الأربعين لصديقه الراحل درويش، قال نزيه أبو عفش “لن أسمح لنفسي قول كلمة رثاء واحدة، حيث افتتح الشاعر أمسيته الشعرية، التي جاءت ضمن المهرجان الثقافي الفلسطيني الرابع في العاصمة السورية دمشق،، ليضيف بلا توقف “أن ذلك سيلزمني استخدام كلمة كان”، هم الشعراء، يحزنون بملئ دمهم ودمعهم على ما فات، و”كان”  بحروفها الثلاثة، مفردة تدل على ما مات وما فات….
أبو عفش، الذي لاتشرق الشمس من أجل تجفيف غسيل أمه، كما يقول، وتظل لعبة الخسارة ماثلة أمام ناظريه، حينما يضع الشخص المغامر إصبعه، بشكل ارادي، على الرقم السابع والثلاثين في لعبة الروليت، هو نفسه، الشاعر، الذي يشتكي لليل الذي يحبه، بشكل أعمى، أعمى مفرط، ليظل انجيله أعمى، ويؤلمه، تماماً أن الليل وحيد وحزين، وأن الباب المغلق بوابة قبر وفكرة موت:
يؤلمه أن لا أحدٌ في الليل
يؤلمه أن الليلَ وحيد وحزين، يؤلمهُ أنّ الليل، يتألمُ في وحدته..
ألباب المغلق يعني/ أن حياةَ الإنسان انقَفَلت بالكاملِ/ الباب المغلق بوّابة قبر/
ألبابُ المغلقُ يعني: وحدكَ، في مجلسِ وحدِكْ/  ألبابُ المغلق فكرة موت.
يظل اسم الشاعر السوري نزيه أبو عفش يزخرف خارطة الشعر العربي المعاصر، بإرادة أو لا إرادة، وهو الذي غنى للشعر، وهتف باسمه، ودافع عنه/ مراراً وتكراراً في أصعب وأحلك مراحله وظروفه العصية على الفهم، على الرغم من أن الشعر لم يك يوماً خبزاً للجياع، ولا دواءً للمرضى، ولا مأوى للمشردين، ولكنه أفرط في أن أوصل بعض عشاقه، عشاق الشعر، الى حد الإعياء.
أبو عفش، الشاعر، الى جانب الشعراء سليم بركات، ادونيس، ممدوح عدوان، تشكل أهم أسماء سورية غردت خارج حدود سوريا كما صفقت لها أياد ودور نشر عربية وعالمية خارج جغرافيتها.

صحيفة (الإتحاد) بغداد

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…