سحر الأمير

آلان كيكاني

فسا الأمير بين جلسائه, من وزراء وأعوان وحواشي, تنشق الجميع رائحة الفساء ثم اختلفوا بشأن نوع الطيب الذي يفوح من الأمير , وانقسموا إلى طائفتين , طائفة قالت أنه العنبر المستخرج من الحيتان , وأخرى قالت أنه المسك المشتق من الغزلان , وما لبث أن تحول الخلاف إلى صراع ذي شان .

بعد شهور, في إحدى الأماسي, أثقل الأمير في عشائه, والتهم لحما وشحما بنهم حتى تطبلت بطنه وقرقرت, عصر نفسه بين الحضور وأطلق ريحا وفيرة من إسته ذات رنين متماوج الإيقاع, فاختلف القوم ثانية على مقام الموسيقى التي تترنم في قصر الأمير.
وفي الليل, بعد انصراف الضيوف, ابتسمت الأميرة, التي كانت مع الجلساء, عندما استخلت بزوجها الأمير وساءلت: ما لي أرى الرعية في هذه الأيام يخلطون بين الأزهار والأبعار ؟
فضحك الأمير وقال منتشيا : إنها سحر زوجك الأمير, أيتها الأميرة العزيزة, ما قيمة أمير لا يستطيع التحكم بآذان وعيون وأنوف الناس وبرمجتها على هواه  ؟؟!!

أهازيج النصر

عاد من المعركة , منهكا , فاتر العزيمة, خائر القوى, يجر أقدامه تعبا, فالتم حوله حشد كبير من أبناء القبيلة , شيبا وشبابا , إناثا وذكورا , يطلبون منه الحديث عن المعركة.
استفرد بفصحاء القوم قليلا ثم عاد يخطب فيهم وقال :
كنا سبعمائة وكانوا سبعة .
انقضضنا عليهم كالأسود ودككناهم دكا ذات اليمين وذات الشمال , وبعد سويعات من معركة طاحنة ضروس يشيب لها الولدان , انفصلنا عن بعضنا لنيل قسط  من الراحة , وكان قد  بقي منا سبعون  وبقي منهم سبعة.
هاجمناهم تارة أخرى في كر وفر , راكبين وراجلين , حتى نال الجوع منا , فافترقنا ثانية  لنقتات زادنا , وكان قد بقي منا سبعة , وبقي منهم سبعة أيضا.
وفي الشوط  الثالث  وبعد قتال شرس عنيف بقيت الوحيد من رجالنا الأشاوس , وبقي منهم سبعة .
 انشغل قائدهم بالحديث مع أحد أعوانه, تناولت حذائي من قدمي خلسة ورميته به , فكاد الحذاء أن يمس شعر رأسه.
ما إن سمع الحضور حديث المقاتل حتى انطلقت زغاريد النسوة وعقدت حلقات الدبك وأشعلت النيران , وألقيت الكلمات , وترنم الشعراء والمغنون بأناشيد العزة , وابتهل رجال الدين إلى الله,  ابتهاجا بالنصر المؤزر .
وفي اليوم التالي اجتمع مثقفو وفنانو القوم ليخططوا لإقامة نصب لنعل المقاتل وسط خيام القبيلة ليكون نبراسا يضيء للأجيال دروب العزة والمجد .

المستقيم

  أمام جمع من الناس مشيت على خط  مستقيم فاستهزأ مني الحشد وقالوا :
أنظروا إليه , إنه يسير متعرجا ويترنح كالسكران.
حينها أدركت أن المستقيم عند هذه الأمة لا يعني أقرب مسافة بين نقطتين .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…