الترجمة: عبد الستار نورعلي
أكتبْ كلَّ شيءٍ كما كان.
(البوليس)
أمشي خلال المدينةِ في المساء، بلا هدف،
كما لو كنتُ في جولةٍ، ليس في هذا أيٌّ خطأ
لنْ أخفيَ ذلك، أحياناً أحبُّ
أنْ أتكاسلَ، أو كما قيل
بكلّ بساطةٍ أتنزه في الشوارع، بلا هدف،
ولا معارض فنية، ولا تبضع،
أسلِّمُ على أحدٍهم، أياً كان،
شخصاً لا أعرفهُ أبداً، مجرد فضول خالص
كان هذا أمس وأنا في الخارج أمشي وهكذا
ثبتُّ نظرتي في شيءٍ ما، وقفتُ عند زاوية شارعٍ
بعدها قالوا لي: لا تتحركْ لاتتحركْ،
إننا سوف نُصلّحكَ على الفور.
1999
* صباح الخير جميعاً
هنا دار الإذاعة صباح الخير جميعاً
الثامنة والربع مطبوخةٌ بقوةٍ أم بلين
لدينا ضيوفٌ هذا اليوم
قادمون من هامبورغ هنا في المدينة تتطوّر
الاتصالات الثقافية ثم يحقُّ لنا أنْ نقفَ
في انتظار الهاتف وحسابات الغاز هل قلتَ
شيئاً؟ إذن لم أسمعْ شيئا خطأ
تكفيني الصحيفة إذا لم يكنْ ذلك صعباً
إنه صعبٌ لكنْ ستحصل عليها أليس كذلك؟ لم يكنْ شيئاً يُذكر
مع ذلك انظرْ هنا إنهم يكتبون أنَّ الخنزيرَ
أنقذ الزوجةَ في البيت وانَّ السيدة الأولى
ستظهر بمظهر رجلٍ يوم الجمعة سأشربُ حتى الثمالةِ
إني أحلفُ لكنَّ وقتاً طويلاً قد بقي
إلى يوم الجمعة قرِّرْ بنفسكَ بسرعة إنهم يطبخون
للتو بقوةٍ أم بلين؟
قلْ لي بسرعة افعلْ هذا بالمقابل
تماماً بالمقابل أنا لا أعرفُ! مطبوخ بقوةٍ
لكنْ ربما مع ذلك ربما ليس بلين؟ حسناً هل أنتَ فعلتها للتو
تماماً أجلْ أنا تماماً إذا كانت لديك المفاتيح
ستقفلُ أنتَ أم أقفلُ أنا انتظرْ
دعْنا نفكرْ قليلاً هل أقفلتَ الغاز
أطفأتَ الأنوارَ أقفال نقود
سجائر في الجيب هل هذا هو كل شيء
ألم ننسَ شيئاً ربما فاتنا شيءٌ
هل نسوا شيئاً ربما نسينا نحن حقيقة شيئاً
إذا لم يكن هناك المزيد من الأمور فلماذا
كلُّ هذا
1999
* المسافرون
وهكذا نسافرُ: أنا الى تالين، وهي تتنقل بلا خجل
هنا وهناك دون أنْ تدفعَ أبداً ثمن التذكرة:
تستلقي وتتمدد بأهمال فوق أرضية الباص، خوخةٌ،
سقطتْ من أحدهم.
هكذا يا صديقي هكذا ـ على الأرجح أنتَ نفسُك
مندهشٌ على أنه كم هو سهلٌ أنْ تتغيرَ، تصبحَ
كرةً، تدور دونَ عارضةٍ مقابلةٍ،
دون ساقٍ كدعامةٍ.
منْ سيوقفك الآن؟ لا شيءَ، إذن لا أحدَ
سريع الغضب ينهضُ ويرمي الى الخارج فرحَكَ
أنا، شكلك الكروي ونواقصك،
وبذرتك الصغيرة بعيداً في الداخل، إليها ومعها.
لكي تُحدثَ ضجةً بطريقة غريبة، ليست
خوخويةً ، ولا انسانية كذلك، تفوح منك
رائحةٌ، يصدرُ منك لغطٌ وضجةٌ، أنت لا تسمحُ
للمسافرين الآخرين أن يناموا بهدوءٍ
وراحةٍ ـ سوف تندمُ
على أنك لم تتوقفْ مثل الآخرين، وأنك
قفزتَ فوق الحاجز، وانطلقتَ خارجاً في العالم
خلف صيدٍ لكلِّ ما هو جميل.
وهكذا تماماً ستتعفنُ حتى الموتِ في مكانٍ ما على الطريق، تخيّلْ،
وكنتَ مناسباً جيداً أنْ تتحوّلَ الى خليط من الفاكهة المعلبة، لكنْ لا، كنتَ ستصبحُ
مشغولاً بالتفكير في السفر ـ هل هم حقاً يقصدون هذا ، الفاكهة الصخرية.
1999
* أنا أبني متراساً
أنا أبني متراساً
حولي
أهيءُ السريرَ والخزانةَ
أُرتبُ الثلاجةَ في النهاية
إنهم يبعثون الى هنا مفاوضاً
بائعَ بيزا
لا معنىلمعارضتك، يقول هو
لامعنى لمعارضتك، أتفقُ مع ذلك
إنه يعطيني بيزا مع سرطان فوقها
ويمضي وكأنه منتصرٌ
بعدها يأتي ساعٍ للبريد: لديكم
رسالةٌ مسجلةٌ، وقِّعْ هنا
أوقِّعُ على الاستلام، نبتسمُ كلانا
لا معنى لمعارضتك، تقولُ الرسالةُ
أنا لا أتشاجرُ، أتفق معها بأدبٍ:
لا يوجدُ أملٌ ولو ضعيف
بعدها يأتي عضو جمعية دينية ـ هل تعرف
الشريعةَ الإلهيةَ، يسألُ العضو
أنا أعرفُ، لامعنى لمعارضتك،
أقولُ، يختفي عضو الجمعية متمتماً هابطاً السُلّم
أنا أبني المتراسَ أغلقُ بإحكام الفتحات
بصُحُفٍ قديمة ولُبان
يرنُّ جرسُ الباب، ومرةً ثانيةً:
يقفُ عند الباب بائعُ البيزا
عضو الجمعية الدينية وساعي البريد
الآن ماذا هناك بعدُ، أتساءلُ
أنتم على صواب، يقولون، لا معنى
لمعارضتك، ولا يوجد أيُّ أملٍ ولو واحد ضعيف
لذلك يجبُ علينا أن نقفَ متقاربين
على نفس الجانب من المتاريس
1999
* ليس شعراً
والآن سأدوِّنُ ما
رأيتُ في كنيسة كريستيانستاد
هناك تقفُ شجرةٌ منتصبة
عليها قطع صغيرة من الورق، مكتوبٌ فيها
صلواتٌ مختلفة وعبارات شكرٍ
موجهةٍ إلى الله سبحانه وتعالى ـ عددٌ منها
برسوم تخطيطية، مع ملصقات
من الفن المسيحي، ملتصقة ببعضها على الكومبيوتر
وبعيداً في الأسفل كتابة، خربشة
من يد طفل:
“اختي الصغيرة
ماتتْ.
باتريك”
2004
* الشعراءُ مثلُ الهنود الحمر
لماذا يشربُ الشعراءُ فودكا؟
(تادوش روزَفج)*
موتاهم هم الأفضل
الشعراءُ أيضاً
انسانيون جداً ونعم،
إنه انسانيٌّ جداً أنْ تكونَ
شاعراً أو هندياً أحمرَ أو ميتاً
الشعراءُ هم كلٌّ مِنْ
الكفّ وفردٍ في عصابة
الزعماءُ الروحانيون الذين أحصيناهم
هم فئرانُ الطاعون الراقصةُ
لكي يُحدثوا أثراً يطبخون
من بيض الغنم المقلي انفلونزا
حينَ تلتقي بشاعرٍ
لا تتحدثْ معهُ شيئاً
عن العرائس وكرة القدم
لأنَّ الشعراءَ عنيدون ويعتقدون
أنهم مثلما يراهم الآخرون
أنهم الأرجح منهم
1999
* تادوش روزفج Tadeusz Rozewicz : أكبر شعراء بولندا بعد الحرب العالمية الثانية. ولد 1921. اضافة الى الشعر هو روائي ومؤلف مسرحي. ويُعدّ منْ أهم شعراء العالم وفي مقدمتهم. تُرجمت أعماله الى لغات كثيرة وخاصة الأوروبية. وقد نال عدداً من جوائز الدولة البولندية وخارج بولندا.
* مَنْ هو ملكُنا
أنتَ ترى، ليسَ لدينا ملك
إننا ننتخبُ برلماناً
اننا نضعُ هكذا بطاقةً في هكذا فتحةٍ
نعم، يحقُّ لكَ أنتَ أيضاً أنْ تفعلَ مثلَ هذا عندما تكبر
وبدلاً من ملكٍ لدينا رئيسٌ
وبدلاً منْ ملكةٍ ـ رئيس وزراء
وبدلاً منْ سيدات البلاط لدينا حكومة
وبدلاً من كلاب صيد ملكية ـ بوليس
حسناً، طيبْ، لا تبكِ، سأكشف
لك سراً: في الحقيقة ألفيس هو
ملكنا، لكن لا تنطقْ بكلمةٍ عن هذا لأيٍّ كان.
2004
* ماذا على الانسان أن يعرف عن الحياة
لا تجلسْ وتتأرجحْ فوق الكرسي،
اسمعْ بدلاً مِنْ ذلك عن العملاق.
كانت للعملاق هذا عينٌ واحدةٌ.
نأملُ أنْ يكون هذا فحسب.
جيد.
اسمعْ الآن عن الدجاجةِ الصغيرةِ.
للدجاجةِ عينان.
لا نأملُ بعد الآن، أنْ تكونَ كما هي.
ثمّ أستطيعُ ذلك عن الذراع السوداء
والحوت الأبيض. آي! إنه أبيض
لدرجةِ أنه تقريباً غير موجود.
دعْنا كذلك لا نصفّقُ،
دعْنا نصفّقُ لبعضنا البعض.
كلُّ هذا السيرك. دعْنا
ننخدعْ، نحن بحاجةٍ
لأنْ نؤمنَ، لكنْ بالتأكيد ليس بهذا.
لماذا تجلسُ هنا
القُرفصاء، خذْ كذلكَ
قطعةَ نقودٍ وامضِ في طريقك،
إنها تكفي على الأقل لكأسٍ من الشراب.
2004
* عن المودة
إذا كنا حقاً ودودين
لما تحدثنا هكذا كثيراً عن المودة
في هذه الحالة كنا قد تحدثنا قليلاً
أو كنا صامتين تماماً
لو كنا حقيقة ودودين
لقلنا ” أنا آسفٌ على اللامودة”
أو “تحيات غير ودية”،
“لكم اللامودة ـ
غرايوسكاس“
في هذه الحالة كنا سنتحدث كثيراً قليلاً
باقتضاب
لم نكنْ سننشغل بالسؤال: كيف تحيا الحياةُ، كيف الحال
كنا سنسأل مباشرةً عن الأمر: ماذا لو كنا سنموت؟
كنا سنجيبُ منْ أعماق القلب: شكراً، جيد.
2004
* محدِّقاً في الليل خلال نافذة الباص
رأيتُ شيئاً أبيضّ يلمعُ في الطريق
ولو كنتُ شهيراً وثرياً
حينها كنتُ سأضع نظّارةً بإطارٍ منْ ذهب
ومعطفاً مطرياً أبيضَ طويلاً حتى الكعبين
(تماماً مثلَ Enzensberger)*
لو كنتُ شهيراً وثرياً
حينها كنتُ سأمتطي سيارةً وأمضي في طريقي
أينما أردتُ وبسرعة، ربما 160 كم/الساعة
وكنتُ سأُرخي كلَّ زجاجاتِ السيارةِ والريحُ
كانتْ ستصفرُ، وكنتُ سأرتشفُ ويسكي بلاك ليفل
مباشرةً منْ فم القنينةِ، مادّاً مرفقي
كنتُ سأسوقُ إلى أيّ مكانٍ أشاء، أقفُ
أينما كانَ، وأدخنُ عدداً
من السجائر على الطريق
والطريقُ ستدورُ
الطريقُ ستدورُ تحتي
هامسةً بصمت
حينها كنتُ سأطلقُ شتيمةً من فمي
وأغّيرُ اتجاهَ المقودِ لأصطدمَ
بشجرةٍ
أوه، لماذا لا يحبني أحدٌ!
أوه، لماذا لا يحبني أحدٌ!
أوه، لماذا لا يحبني أحدٌ!
2004
* هانس ماغنوس أنزنسبرغر Hans Magnus Enzensberger: مؤلف وشاعر وناقد ومترجم ألماني غربي ولد عام 1929 ماركسي مستقل. درس الأدب والفلسفة في ألمانيا وفرنسا، حيث حصل على درجة الدكتوراه عام 1955 . وقد ترجمتْ أعماله الى أكثر من أربعين لغة.
* القصائد ترجمناها عن السويدية، والمقدمة والهوامش أوجزناها عن الانجليزية. (عبد الستار نورعلي)