ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج

ابراهيم بركات – بيروت –
amude42@hotmail.com

أن ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج ، من أخطر الظواهر التي تهدد بنية المجتمع و تركيبته الأجتماعية، مما يؤدي ألى أختلال التوازن في هذه البنية وهرميتها
اللاحقة. وهذه الظاهرة مثلها مثل كل المعضلات التي تثقل كاهل مجتمعنا، { البطالة، الهجرة، عزوف الشباب عن ممارسة العمل السياسي،.. وغيرها….}، ناهيك عن الظواهر المستجدة و الدخيلة على مجتمعنا كـ (الأتجار والتعاطي بالمخدرات، الدعارة العلنية والمستترة و….و…)، وكذلك تفشي ظاهرة السرقة والنصب والأحتيال، مما أدى كل تلك الظواهر، إلى حالة من اللامبالاة لدى شريحة واسعة من الشباب.
و تتداخل في هذه الظاهرة- العزوف عن الزواج- ما هو ذاتي بالعوامل الخارجية، تتعلق بالمجتمع ككل وشريحة الشباب على وجه الخصوص، وتأرجح هذا المجتمع بين الموروثات بالية وما هو مستورد. لكن تتميز هذه الظاهرة عن سواها، هو أنها تمسّ الشاب في عمقه الأنساني بكل أبعاده وماهيته الوجودية ككل، وككائن حي يفرض عليه منطق الحياة توفير مستلزمات ومقومات الأستمرارية والديمومة، وتأسيس أسرة من خلال مؤسسة الزواج من أهم مداميك أستمرارية الأنسان كمخلوق ميّزه الله عن بقية الكائنات الحية. لكن يبدو أن قداسة رابط الزواج لم ينفعه في تجنبه من الأنزلاق نحو الهاوية، وقد بات معروفاً أنه كلما تقدمت البشرية حضارياً، تتراجع القيم والمبادىء الأنسانية. لذا نجد أن الزواج فقد كثير من قداسته كقيمة أنسانية، و كضرورة للأستمرارية النسل البشري، خاصة في شرقنا المثخن بالآفات الأجتماعية، مما يؤثر على جميع مناحٍ الحياة الأجتماعية فيه، وخاصةً ما يتعلق في أرتفاع تكاليفه بشكل جنوني، بالترافق مع تطوّر الآلة و تراجع الحاجة إلى الجهد البشري وبالتالي التخمة في الجيش العاطلين عن العمل ما أدى إلى تفشي الأمراض الأجتماعية في بنية المجتمع الشرقي ككل، ناهيك عن العقلية المتخلفة وغياب الوعي و التمسك بالعادات و التقاليد الموروثة و البالية المستمدة من العقلية العائلية والعشائرية و القبلية، و مسألة المهر وأرتفاع قيمته مرتبط بكل ما سبق. و رغم تفشي ظاهرة العزوف عن الزواج خاصة بين الطبقات الفقيرة والمعدومة، لم تتجرأ بعد إية جهة أو هيئة التصدي لهذه الظاهرة وإيجاد الحلول المناسبة لها، وذلك درءاً لإية عواقب وخيمة على تركيبة المجتمع و بنيته، مع الملاحظة أن ظاهرة العنوسة بين الفتيات باتت مقلقة بالمقارنة مع الشباب الذين وجدوا في الهجرة هروباً من هذا الواقع المزري. و ظاهرة العزوف عن الزواج، لا تنسحب على حي أو مدينة أوفئة دون أخرى، بل أنها باتت تهدد كثير من المجتمعات الشرقية، وهذا ما يتحتم على الهيئات المجتمع المدني والمنظمات النسائية و الشبابية و حتى الأحزاب و القوى السياسية التصدي لهذه الظاهرة من خلال إيجاد حلول ناجعة و جذرية، و القضاء على مسببات و العوامل التي تساهم في تفاقمها، إضافة إلى ضرورة نشر الوعي بين المجتمع و تبيان مخاطر هذه الظاهرة، و الكف عن التنافس و التباهي في التعاطي مع مسألة المهر، وضرورة أخراج مسألة الزواج خارج ميزان العشائرية والقبلية. وهذا لا يعفي مسؤولية الدولة إيضاً، وضرورة خلق فرص العمل لشباب، وفتح آفاق جديدة أمامهم، ما يمكنّهم من تحقيق أحلامهم و طموحاتهم، ولا شك أن الأرتباط و الزواج أهم حلم يدغدغ مخيلة إي شاب وشابة. ومن أخطر نتائج و تداعيات هذه الظاهرة أنتشار ظواهر دخيلة وغريبة تتخطى السلوكيات والأخلاقيات الدينية والأجتماعية في مجتمعاتنا الشرقية، وهذه الظواهر رغم محدودية أنتشارها لكنها مقلقة وتهدد المجتمع في قيّمه الأخلاقية. فظاهرة { المساكنة } إي ( إقامة وتعايش شاب وفتاة في بيت واحد دون عقد زواج رسمي وشرعي) هذه الظاهرة أنتشرت في لبنان منذ عدة سنوات ولو أن معالمها مازالت غير واضحة، وربما وصلت بواكيرها إلى عاصمة الأمويين. كذلك أنتشار { الزواج العرفي } وهو زواج سرّي بلبوّس شرعي، وقد يكون اللجوء إليه نتيجة الفقر والعدم، وهناك من يلجأ إليه ترفاً، كما في الخليج ومصر، و بعيداً عن مبررات هذا الأسلوب والأجتهادات الفقهية بشأنه، إلا إنه في جميع أوجهه غير مألوف ويعتبر هروباً من الزواج الأعتيادي بأعرافه الأجتماعية المعروفة. مما لا شك فيه أن عدم قدرة الشاب على تحمّل تكاليف الزواج وأعباءه اللاحقة، يؤدي إيضاً إلى تفاقم{ الكبت الجنسي} الذي بدأت بوادره تظهر شيئاً فشيئاً في أوساط مجتمعاتنا خاصة بعد دخول (الستالايت و الأنترنيت) في أغلب بيوتنا. وهذا الكبت تعاني منه الجنسين معاً، مما ينتج عن ذلك اللجوء إلى أشباع الغرائز والرغبات بإية وسيلة كانت خارج إطارها الشرعي، ومنها طريقة {المصاحبة} وهي علاقة بين شاب وفتاة مبنية على التواصل الجنسي، وهذا إيضاً يؤدي إلى العديد من المشاكل الأجتماعية. ومن جملة الحلول التي لجأت إليها بعض الجهات في عدة دول، هي إقامة حفلات الزواج الجماعية. فحزب الله في لبنان أقام حفلة زواج جماعية لـ 500 شاب وشابة من أنصاره، وذلك بدعم ومساعدة كثير من المؤسسات و الشركات الخاصة ، ساهموا حتى في شراء وتأثيث المنازل للمتزوجين. في حين أقدمت سوريا على خطوة أخرى، وهي منح قروض الزواج، غير أن هذا الأجراء أستغلت تجارياً من قبل الكثيرين، فـ(صك الزواج) بات يباع كإي سلعة تجارية، إلى أن توقفت القروض. خلاصة القول: ظاهرة العزوف عن الزواج تهديد خطير للمجتمع وتفكيك بنيته و تركيبته الأجتماعية، و على المعنيين و المهتمين بالشأن العام المسارعة لإيجاد حلول ناجعة وجذرية، صوناً لسلامة المجتمع وبنيته، وحفاظاً على أخلاقياته وسلوكياته اللتان نتباهى بهما أمام الغرب…..!!!!!!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…