آلان كيكاني
عاد من المدرسة وولج باب غرفته مسرعا دون إلقاء التحية على والديه , اللذان كانا في انتظاره منذ أكثر من ساعة ليتناولا وجبة الغداء معه , ألقى حقيبته على السرير بصورة عصبية وجلس على طاولة الكومبيوتر متجاهلا نداءات والدته , دخل الشبكة العنكبوتية , فتح المسنجر ثم أغلقه ضاربا بكفه سطح الطاولة متمتما بألفاظ نابية .
– دعه وشأنه , يا أبا سمير , لكل مرحلة من العمر حقها , كم كنتَ تقف أمام باب مدرسة البنات تنتظرني وعيناك حمراوان من السهر والأرق , حين كنا في المرحلة الثانوية ؟ قالت الأم عندما رفع الأب عقيرته مناديا سميراً .
ثم أردفت مبتسمة :
– لعله عاشق أبا سمير ! فرخ البط عوام , أم أنك نسيت مشاحناتك مع حماي وحماتي بسببي وتهديدك بالانتحار إن لم تحظ بي ؟؟
– لعله عاشق أبا سمير ! فرخ البط عوام , أم أنك نسيت مشاحناتك مع حماي وحماتي بسببي وتهديدك بالانتحار إن لم تحظ بي ؟؟
أقفل سمير باب غرفته على نفسه واستلقى على سريره متوسدا حقيبته دون أن يخلع نعليه وراح في غطيط . لم يداعب الكرى جفنيه الليلة الماضية , بل قضاه جالسا قبالة شاشة الكومبيوتر وعيناه المحتقنتان في محجريهما لا تبارحان نافذة المسنجر تنتظران دخول هالة على الخط , لكن دون جدوى .
استفاق مع آذان المغرب وانقض على جهاز الكومبيوتر , كاد يطير فرحا عندما وجد إيقونة هالة خضراء , نقر عليها نقرتين متتاليتين بمؤشر فأرته وبدأ يحادثها بالرسائل القصيرة :
سمير : مرحبا هلولتي .
هالة : أهلا سمورتي .
سمير : والله لم أنم الليلة الماضية يا حبيبتي لماذا فعلتِ بي هكذا ؟
هالة : أوه حبيبي , كم مرة نبهتك ألا تغضب عند خروجي الفجائي عن الخط , أقول لك للمرة الألف , حبيبي نحن عائلة محافظة , والكومبيوتر في غرفة الضيوف . وأنا كما قلت لك أستغل أية فرصة سانحة للحديث معك . أرجوك ألا تغضب حبيبي , واهتم بدروسك .
سمير : أتعرفين ؟ .. أنني مذ تعرفت عليك وأنا أعلق صورة بيل غيتس على الحائط بجانب سريري شكرا وامتنانا له , فلولاه لما تعرفت عليك .
هالة : وأنا أيضا أحتفظ بصورة له على دفتري المدرسي … الله علينا يا سمير ! كم نحن متطابقان في التفكير , طنجرة وغطائها كما يقولون .
سمير : متى سنلتقي يا هالة ؟ , سنة مرت على حبنا دون أن أراك أو اسمع صوتك .
هالة : السبت القادم سيكون والدي وأخي في سفر , سنلتقي إنشاء الله .
سمير : بجد ؟! أوه أكاد أطير فرحا , أين ومتى ؟
هالة : الساعة الثانية ظهرا مقابل بوابة الحديقة العامة .
سمير : أكاد لا أصدق , سأجلب لك هدية , قولي لي ماذا تحبين أن تكون هديتك ؟
هالة : أوه سمورتي , رؤية عينيك هي هديتي الكبرى , لا يحتاج الأمر إلى صرف مادي .
سمير : أنا مصمم يا هلولتي , ولكن أحبها تكون على ذوقك , قولي , حبيبتي , ماذا أجلب لك ؟
هالة : أنت تحرجني , حبيبي أبا سمرا , إذا كان لا بد , فعطر لميس وبنطال جينز موديل نورة , على أن تتعطر أنت بعطر يحيى وترتدي موديل مهند . هناك محل فخم تتواجد فيه كل هذه البضاعة بسعر مناسب بالقرب من المكان الذي سنلتقي فيه اسمه ” دنيا يحيى ولميس ” .
سمير : تستحقين أكثر من ذلك حبيبتي .
هالة : أهلا سمورتي .
سمير : والله لم أنم الليلة الماضية يا حبيبتي لماذا فعلتِ بي هكذا ؟
هالة : أوه حبيبي , كم مرة نبهتك ألا تغضب عند خروجي الفجائي عن الخط , أقول لك للمرة الألف , حبيبي نحن عائلة محافظة , والكومبيوتر في غرفة الضيوف . وأنا كما قلت لك أستغل أية فرصة سانحة للحديث معك . أرجوك ألا تغضب حبيبي , واهتم بدروسك .
سمير : أتعرفين ؟ .. أنني مذ تعرفت عليك وأنا أعلق صورة بيل غيتس على الحائط بجانب سريري شكرا وامتنانا له , فلولاه لما تعرفت عليك .
هالة : وأنا أيضا أحتفظ بصورة له على دفتري المدرسي … الله علينا يا سمير ! كم نحن متطابقان في التفكير , طنجرة وغطائها كما يقولون .
سمير : متى سنلتقي يا هالة ؟ , سنة مرت على حبنا دون أن أراك أو اسمع صوتك .
هالة : السبت القادم سيكون والدي وأخي في سفر , سنلتقي إنشاء الله .
سمير : بجد ؟! أوه أكاد أطير فرحا , أين ومتى ؟
هالة : الساعة الثانية ظهرا مقابل بوابة الحديقة العامة .
سمير : أكاد لا أصدق , سأجلب لك هدية , قولي لي ماذا تحبين أن تكون هديتك ؟
هالة : أوه سمورتي , رؤية عينيك هي هديتي الكبرى , لا يحتاج الأمر إلى صرف مادي .
سمير : أنا مصمم يا هلولتي , ولكن أحبها تكون على ذوقك , قولي , حبيبتي , ماذا أجلب لك ؟
هالة : أنت تحرجني , حبيبي أبا سمرا , إذا كان لا بد , فعطر لميس وبنطال جينز موديل نورة , على أن تتعطر أنت بعطر يحيى وترتدي موديل مهند . هناك محل فخم تتواجد فيه كل هذه البضاعة بسعر مناسب بالقرب من المكان الذي سنلتقي فيه اسمه ” دنيا يحيى ولميس ” .
سمير : تستحقين أكثر من ذلك حبيبتي .
صباح يوم السبت استغل سمير انهماك أمه في المطبخ في يوم عطلتها وفتح حقيبتها وأخرج منها راتبها الشهري الذي قبضته منذ يومين , دس الآلاف العشرة في جيبه وتسلل إلى الخارج مثل لص محترف , قصد أمهر مزيني المدينة طالبا منه أحدث قصة وأجمل تسريحة , اشترى علبة تبغ أمريكية فاخرة وألقى الوطنية في المزبلة , وعند الساعة الحادية عشر دخل محل ” دنيا يحيى ولميس ” . كان يديره شابان في العشرينات من العمر , ما إن دخل سمير حتى تبادل الشابان نظرات وابتسامات تنم عن السخرية .
أنفق ثلاثة أرباع الراتب بشراء ما طلبته هالة واحتفظ بالربع الرابع تحسبا لقبولها دعوته إلى أحد المقاهي أو المطاعم الفخمة , خرج من المحل بزيه الجديد يرش على رأسه عطر يحيى , وقف قبالة بوابة الحديقة ينظر إلى ساعته حينا ويمص عقب سيكارته بنهم أحيانا, ثم بدأ يسير رائحا غاديا مثل المكوك وهو ينظر إلى اليمين ثم إلى اليسار , تسرعت نبضات قلبه عندما اقتربت الساعة من الثانية , وأخذ يرتبك ويحملق في وجه كل فتاة قادمة , لكن لا أحد منها تشبه صورة هالة الوحيدة الملصوقة على سريره والتي أرسلتها له بالبريد الإلكتروني .
تحدث مع إحدى العابرات فلم ترد عليه , وكان الشابان , صاحبا محل دنيا يحيى ولميس , يرقبانه من بلور واجهة محلهما وهما يقهقهان , بلغت الساعة الثانية ولم تأت هالة , الثانية وخمس دقائق ولم تأت …. الثالثة …. الرابعة ….
فتح الشابان المسنجر وكتبا إلى سمير :
هالة : عذرا سمورتي , لقد زلت قدمي أثناء نزول الدرج , وأنا قادمة إليك , فسقطتُ , أسعفوني إلى المستشفى , ولكن لا تقلق فأنا الآن بخير وكل ما خسرته هو اللقاء بك . اتصل بي على الرقم : ………..
تحدث مع إحدى العابرات فلم ترد عليه , وكان الشابان , صاحبا محل دنيا يحيى ولميس , يرقبانه من بلور واجهة محلهما وهما يقهقهان , بلغت الساعة الثانية ولم تأت هالة , الثانية وخمس دقائق ولم تأت …. الثالثة …. الرابعة ….
فتح الشابان المسنجر وكتبا إلى سمير :
هالة : عذرا سمورتي , لقد زلت قدمي أثناء نزول الدرج , وأنا قادمة إليك , فسقطتُ , أسعفوني إلى المستشفى , ولكن لا تقلق فأنا الآن بخير وكل ما خسرته هو اللقاء بك . اتصل بي على الرقم : ………..
بلغت شمس الصيف الأصيل عندما عاد سمير إلى بيته منهكا يجر أقدامه , مقطب الجبين , يقطر الغضب من وجهه . ألقى أكياس الهدايا على سريره وفتح الانترنت , قرأ رسالة هالة ثم أسرع إلى الهاتف , طلب الرقم المذكور في الرسالة , وهو يتنحنح ليصفي صوته كيلا يزعج أذني هالة بصوته , صوت مراهق ذكر , رد رجل على طلبه , ارتبك وقال :
– أليس هذا بيت هالة ؟
أغلق الرجل السماعة دون أن يرد بكلمة .
” لعلي أخطأت في الرقم ” قال سمير في نفسه .
طلب الرقم مرة أخرى فسمع نفس الصوت يقول بصوت مرتفع :
– من أنت يا حيوان …….؟
أغلق سمير سماعة الهاتف ويداه ترتعدان وقلبه يخفق . تمدد على سريره وبات يلهث .
– أليس هذا بيت هالة ؟
أغلق الرجل السماعة دون أن يرد بكلمة .
” لعلي أخطأت في الرقم ” قال سمير في نفسه .
طلب الرقم مرة أخرى فسمع نفس الصوت يقول بصوت مرتفع :
– من أنت يا حيوان …….؟
أغلق سمير سماعة الهاتف ويداه ترتعدان وقلبه يخفق . تمدد على سريره وبات يلهث .
نصف ساعة ويرن جرس الباب , يفتح سمير ويتناول رجلان رياضيان يحشر كل منهما مسدسا بين الحزام والبنطال ذراعيه ويقتادانه خارج البيت وأمه تولول وتنتحب وتلحق بهم لكن دون فائدة , اتصلت أم سمير بأبيه الذي كان في زيارة إلى والديه فقفل مسرعا , استأجرا سيارة تكسي ودارا فروع الشرطة : المرور والنجدة والجنائية والأخلاقية فلم يعثرا عليه , ثم جالا على فروع الأمن : السياسي والدولة والجوي وأخيرا العسكري وقد أخبرهم حراس الفرع العسكري أن شابا صغيرا محتجز لديهم منذ ساعات دون معرفة الأسباب , اقتادهم أحد الحراس إلى زاوية في مبنى الفرع وطلب منهم الانتظار ريثما يسأل المعلم أبا طرماح رئيس الفرع ويأتيهم بالجواب , نواح أم سمير ملأ أرجاء المبنى وهي تستغيث قائلة :
– أرجوكم , أروني المعلم أبا طرماح لأقبل يديه وقدميه كي يكون رؤوفا بابني الوحيد .
بعد دقائق ظهر رجل وقدم نفسه بأبي جعير , صانع القهوة لدى المعلم أبي طرماح وقال :
– جرمه كبير يا أبا سمير !
– أرجوك يا أخي , ما هي التهمة ؟ سأله أبو سمير بصوت نصفه بكاء .
– معاكسة المعلم أبي طرماح بالتلفون أثناء فترة قيلولته جريمة لا تغتفر يا أبا سمير !! قالها أبو جعير بصوت هادئ وهو يهز رأسه يمينا وشمالا .
– ما الحل إذاً يا سيدي أبا جعير , قل لي أقبل يديك ؟
– انتظرني قليلا .
– أرجوكم , أروني المعلم أبا طرماح لأقبل يديه وقدميه كي يكون رؤوفا بابني الوحيد .
بعد دقائق ظهر رجل وقدم نفسه بأبي جعير , صانع القهوة لدى المعلم أبي طرماح وقال :
– جرمه كبير يا أبا سمير !
– أرجوك يا أخي , ما هي التهمة ؟ سأله أبو سمير بصوت نصفه بكاء .
– معاكسة المعلم أبي طرماح بالتلفون أثناء فترة قيلولته جريمة لا تغتفر يا أبا سمير !! قالها أبو جعير بصوت هادئ وهو يهز رأسه يمينا وشمالا .
– ما الحل إذاً يا سيدي أبا جعير , قل لي أقبل يديك ؟
– انتظرني قليلا .
غاب أبو جعير لدقائق كان يُسمعُ خلالها أصواتُ السياط ونحيب شاب يصرخ عاليا بعد دوي كل سوط , التهب قلبا الوالدين شعرت أم سمير بدوار وغشاوة سوداء أمام عينيها فتمددت على البلاط العاري وراحت في غيبوبة ولم يحتمل أبو سمير فجلس هو الآخر على البلاط , سرعان ما فتحت الأم عينيها واستعادت وعيها عندما عاد أبو جعير وتبرع برش قليل من الماء على وجهها .
– جرمه كبير يا أبا سمير ولكن الأمور ستهون إذا حركت يدك قليلا . كرر أبو جعير كلامه .
– هاك , ليس لدي غير راتبي , والله ليس لدي سوى العشرة آلاف , أرجوك يا أبا جعير ارحمنا , ألا تنظر إلى حالنا ؟
– هي لا تكفي ولكن سأحاول . رد أبو جعير على توسلات أبي سمير
بعد دقائق اقترب صوت البكاء شيئاً فشيئا حتى ظهر سمير في نهاية الكريدور وهو يتأبط نعليه ويمشي مترنحا وكأنه طفل رضيع يخطو خطواته الأولى .
شممه وقبله والداه وحمدا الله على إطلاق سراحه , وعبثا حاولا تلبيسه نعليه .
– جرمه كبير يا أبا سمير ولكن الأمور ستهون إذا حركت يدك قليلا . كرر أبو جعير كلامه .
– هاك , ليس لدي غير راتبي , والله ليس لدي سوى العشرة آلاف , أرجوك يا أبا جعير ارحمنا , ألا تنظر إلى حالنا ؟
– هي لا تكفي ولكن سأحاول . رد أبو جعير على توسلات أبي سمير
بعد دقائق اقترب صوت البكاء شيئاً فشيئا حتى ظهر سمير في نهاية الكريدور وهو يتأبط نعليه ويمشي مترنحا وكأنه طفل رضيع يخطو خطواته الأولى .
شممه وقبله والداه وحمدا الله على إطلاق سراحه , وعبثا حاولا تلبيسه نعليه .
في طريقهم إلى البيت أخبرهم سمير بتفاصيل المشكلة , حتى اختلاسه لراتب أمه وشرائه الهدايا وإعطائه ربع الراتب المتبقي للجلاد كي يخفف عنه وطأة الجَلد , وقف التاكسي أمام البيت ونزل الثلاثة , استدان أبو سمير أجرة التاكسي من السمان المجاور لبيتهم , ثم حمل سميراً على ظهره يعتلي الأدراج حتى أوصله سريرَه , ما إن وقعت عينا سمير على صورة بيل غيتس حتى تناولها ومزقها وهو يقول :
– تبا لك أيها النسناس اللعين , أنت سبب بلائي .
فأضاف أبوه :
– تبا لك أيها النسناس اللعين , أنت سبب بلائي .
فأضاف أبوه :
– خيراً فعلت يا بني , حيطان هذه المملكة لا تحتمل صورة بيل , مزقها جيدا وعلق بدلا منها صورتي أبي طرماح وأبي جعير .