لقمان محمود
يخطو الإبداع النسوي الكردي في سوريا، خطوات حثيثة نحو تأسيس خطاب يصب في الإنساني والحياتي، بكل إمتداداتهما العاطفية والقومية والاجتماعية والسياسية والتاريخية، ضمن إطار مشروع متواصل لإعمار الأمل في الإنسان الكردي المعاصر.
يخطو الإبداع النسوي الكردي في سوريا، خطوات حثيثة نحو تأسيس خطاب يصب في الإنساني والحياتي، بكل إمتداداتهما العاطفية والقومية والاجتماعية والسياسية والتاريخية، ضمن إطار مشروع متواصل لإعمار الأمل في الإنسان الكردي المعاصر.
ومن هنا سعت رابطة كاوا للثقافة الكردية في أربيل، إلى إصدار الجزء الثاني من كتاب ” صفحات من الإبداع النسوي الكردي في غرب كردستان ” كمحاولة لهذا التواصل والحوار والتفاعل مع الثقافات الأخرى.
يضم الكتاب مختارات إبداعية لسبعة عشر كاتبة، غالبيتهن شاعرات، بإستثناء مها حسن (روائية)، لافا خالد (صحفية) وثناء الكردي (باحثة).
فبالنسبة للشعر، سأتطرق أولاً إلى الشاعرة كجا كرد (1944) بإعتبارها أول امرأة كردية سورية كتبت الشعر باللغة الكردية. وبإعتبارها – أيضاً – أول امرأة تلتحق بالمعاهد الكردية في السليمانية في الأعوام (1972 – 1974).
حيث تختلف الشاعرة – كجا كرد – عن باقي الشاعرات بإنحيازها إلى القصيدة الكلاسيكية المستندة إلى التراث الشعري الكردي العريق: (الجزري، أحمدي خاني وجكر خوين).
وتتبدى انجازها في حصافة الأسلوب وقوة التعبير، ووحدة القصيدة، وسلامة اللغة، كما في هذا المقطع:
ترجلتُ فوق الهضاب العاشقة
كانت الروح ومشاعرها تتعانق
وسريعأً انبعث ربيع القلب في المصايف
صرنا أنا والسعادة في
تلك اللحظات صديقين
حيث في أغمارها كنتُ أتوه
في غيبوبة سعادة لا نهائية.
كانت الروح ومشاعرها تتعانق
وسريعأً انبعث ربيع القلب في المصايف
صرنا أنا والسعادة في
تلك اللحظات صديقين
حيث في أغمارها كنتُ أتوه
في غيبوبة سعادة لا نهائية.
فالمتابع للمشهد الشعري النسوي في كردستان سوريا، سيلاحظ أن التجربة الشعرية متسلحة بحيوية الموضوعات الطافحة بالحركة، والتي لا تنفصل عن الحياة اليومية في حالاتها الإنسانية الواقعية، مثل موضوع الحب والحزن الذين يؤرقان الشعر منذ بدء الخليقة، كما عند الشاعرة دلشا يوسف:
شمالُ قلبي هو
في عينيه أروِّبُ عسل مُرار الحب.
شمعتي هو
في كل ليلة
حين تكون أماسي الوحدة ملتقاي.
ذات يوم، في غُرّة الخريف
وقد نديت الأرض بالرهمة
أضعته دون وداع،
هناك… في شمال القلب!
شمالُ قلبي هو
في عينيه أروِّبُ عسل مُرار الحب.
شمعتي هو
في كل ليلة
حين تكون أماسي الوحدة ملتقاي.
ذات يوم، في غُرّة الخريف
وقد نديت الأرض بالرهمة
أضعته دون وداع،
هناك… في شمال القلب!
الملفت عند هؤلاء المبدعات هو هذا البحث عن آفاق جديدة في الحياة وفي الكتابة، في فترة زمنية من عمر اللا استقرار في المجتمع الكردي السوري، والتي شكلت عبئاً باهظاً قيّدت الحياة بإرهاق سياسي واجتماعي وثقافي وجمالي، جعلت معظم الكاتبات تتوزعن على المنافي: (دلشا يوسف) في السليمانية، (جانا سيدا) في تركيا، (آخين ولات) في السويد، (مها بكر) في ألمانيا، (مها حسن) في فرنسا، و (كجا كرد) في ألمانيا.
ونلاحظ أنّ هؤلاء الشاعرات تتفردن في التمايز والافتراق والاضافة، في محاولة لنقل النص الشعري إلى آفاق جديدة، كما عند الشاعرة جانا سيدا:
ونلاحظ أنّ هؤلاء الشاعرات تتفردن في التمايز والافتراق والاضافة، في محاولة لنقل النص الشعري إلى آفاق جديدة، كما عند الشاعرة جانا سيدا:
كل مساء
تتقد النجوم في
أحضان السماء
كل ربيع
تتبرعم الورود
في قلب الأنداء
فقط يداي
تموتان بين يديك
في كل لقاء.
تتقد النجوم في
أحضان السماء
كل ربيع
تتبرعم الورود
في قلب الأنداء
فقط يداي
تموتان بين يديك
في كل لقاء.
تجليات هذه النزعة الإنسانية التي تعتني كثيراً بمفردات الواقع اليومي، أصبحت محوراً جمالياً وأسلوباً تقوم عليه التجربة الشعرية النسوية السورية، بوصفها استعادة غنائية على ما تنطوي عليه الذات الشاعرة من شأن خاص، لاستثمار العاطفة بالعودة إلى الينابيع الأولى للحب، أو للحزن، كمحمولات انسانية لا بدّ من اللجوء إليها بحثاً عن أمان شعري.
ومن ممثلي هذه القصيدة – أيضاً – الشاعرة مها بكر التي تقول:
ومن ممثلي هذه القصيدة – أيضاً – الشاعرة مها بكر التي تقول:
جئتُ و لم أجدكَ في البيت
تركتُ لك أصابعي على مقبض الباب
حين لم أعثر في تلك البرهة
على ورقة يتسع عليها
توثيق دمعة
تهرُّ من زفرة إشتياق.
تركتُ لك أصابعي على مقبض الباب
حين لم أعثر في تلك البرهة
على ورقة يتسع عليها
توثيق دمعة
تهرُّ من زفرة إشتياق.
كما لا تختلف الشاعرة آخين ولات عن هذا السرب الرائع، الذي أكّد مصداقية هذه القصيدة، والتي في أغلب نماذجها نسفٌ للمواصفات المعتادة وللموضوعات الكبرى، رغبة منها في الافصاح عن مكنونات الذات المعذبة بلغة لا تفيض على حاجتها الشعرية المقصودة:
كما أحبك، تعالَ
حلم ليالٍ..وسراباً
تعالَ، رسائلي التي كتبت في السر
أقرأها
وأقرأ كل كلماتي المجهضة.
كما تحب تعال
قلْ لي أين كنتَ يوم مقتلي
وماذا كنت تفعله؟
حلم ليالٍ..وسراباً
تعالَ، رسائلي التي كتبت في السر
أقرأها
وأقرأ كل كلماتي المجهضة.
كما تحب تعال
قلْ لي أين كنتَ يوم مقتلي
وماذا كنت تفعله؟
من هذا المنطلق تكتب أيضاً الشاعرة نالين داوود بجميع عناصر الخطاب الشعري المتفاعل مع مكنونات النفس، ونتاج الحواس مع الواقع الداخلي والخارجي، بشوقٍ مؤمن بذاته، وطامح إلى تحقيق مبتغاه في الواقع الوجودي الملموس، خصوصاً في قصيدتها “كاد يقتلني”، التي تقوم على الشفافية الآسرة والانسيابية، تقول القصيدة:
كل جزء من ظلي الحزين
المتكوم الأنين
ينهار شوقاً إليك.
*
أشتاقك موتاً
وأنا لا أجراس، ولا نواقيس
ولا مآذن تُغني الفقر في عمري
تسد الجوع في قلبي
تعال نغتال القدر
فالشوق كاد يقتلني.. كاد يقتلني!
المتكوم الأنين
ينهار شوقاً إليك.
*
أشتاقك موتاً
وأنا لا أجراس، ولا نواقيس
ولا مآذن تُغني الفقر في عمري
تسد الجوع في قلبي
تعال نغتال القدر
فالشوق كاد يقتلني.. كاد يقتلني!
وبما أن هذا الشعر هو فن الاحساس الجميل، والصورة الناطقة والمعبرة عن أعماق النفس، فأنه يخرج عن الحدود الدلالية التي رسمتها لها المعاجم. لذلك جاء مشغولاً ببناء شعري مؤثث بمواقف جديدة من الحياة، بإعتباره – الشعر – هو المتبقي الأكثر مقاومةً لحالة الموت.
وكي أفي هذا الكتاب حقه، أقول: هناك شاعرات أُخريات لهنّ حضورهن القوي والفعال في المشهد الشعري الكردستاني، وهم يتواجدون أيضاً – وبقوة – في ” صفحات من الإبداع النسوي – غرب كردستان ” مثل: شهناز شيخي، آسيا خليل، روفند تمو، آناهيتا حمو، فدوى كيلاني، هيفي، مزكين حسكو، وديا جوان.
وكي أفي هذا الكتاب حقه، أقول: هناك شاعرات أُخريات لهنّ حضورهن القوي والفعال في المشهد الشعري الكردستاني، وهم يتواجدون أيضاً – وبقوة – في ” صفحات من الإبداع النسوي – غرب كردستان ” مثل: شهناز شيخي، آسيا خليل، روفند تمو، آناهيتا حمو، فدوى كيلاني، هيفي، مزكين حسكو، وديا جوان.