كنت حاضرا في تشييع جنازة الراحل محمد شيخو

عبدالقادر بدرالدين

عشرون عاما مضى, وظل أكثر حضورا وشوقا الى السمع والبصر معا, سنة تلو سنة يتجدد اشتياقه ويكبر, وكأن قدر هذا الانسان أن يحيا ويولد من جديد بعد مماته, أمر غريب ونموذج فريد تكمنان في روح هذه الشخصية الرائعة, لقد كان في دنياه حيا منسيا, ولم يكن له ظل في النهار ولاشبح في الليل, كان حظوظه معدومة في العطف والتقدير والحب من الآخرين, ولكن شموخه البازي وعنفوانه الابي وعناده الذكي, استطاع ان يؤسس لنفسه معلما خالدا رغم كل الممانعات من حوله,واستمر صوته الشجي, الحنون والرخيم يعانق كل القلوب, ليست العاشقة فحسب بل متجاوزا اللأفئدة الوطنية والقومية.
فنان جدير وقدير, عزف الكمان وكذالك آلة البزق الذي لم يفارق انامله ابدا, واحبه, اعشقه, واستطاع ان يروض هذه الآلة الجميلة (البزق) اليوناني الاصل ويحوله الى محاكاة آلام امته, ويبدو الامتان الكوردية واليونانية لهما روابط اخرى مشتركة ما عدا آلة البزق ايضا.
يوم تشييعه الى مقبرة الهلالية حيث مثواه الاخير, يحضرني مشاهدات في غاية الحزن من آهالي مدينته المسالمة وقراها الابرياء, وكأن رحيله دوت صاعقة مفاجئة للجميع, وفي لحظة ما افاق الجمع الغفير حيث ادرك مدى خسارة وفقدان هذا الفنان الشامخ.
لافتة عريضة وطويلة, كتب عليها بالخط العريض – الشعب الكوردي يعزي ابنه البار الفنان محمد شيخو -لأول مرة في تاريخ الكورد في غرب كوردستان ترفع مثل هذه الشعارات وبهذه العبارة الآنفة الذكر, وبدأنا ندور بها في مقدمة الجنازة قاطعا شوارع القامشلي وعلى مرأى من الجميع.
موت الفنان محمد شيخو أحيت امران مهمان, الاول- فنه وصوته واصالته, والامر الثاني- ازاحة الغطاء عن معلمه ومؤسسته المنسية.
انه فنان بارع, لم يغن ابدا لمرحلة او لتيار, ولم يلحن لاجل أيام او ساعات, بل غنى وانشد لكوردستان, للياسمين, البنفسج وللوردة الحمراء, وشرب من مناهل الكبار, امثال سيداي نامي, جكرخوين وبي بهار..وغيرهم.
لم يهدأ له بال, وكأنه على علم ودراية, بمعدودية سنينه العجاف, وراح يعمل ويبحث على عجل في بلوغ غايته النبيلة, واشباع طموحاته العزيزة, فكم كان سعيدا بلقائه مع قائد الامة الكوردية مصطفى البارزاني, والبيشمركة الابطال, وهم في اوج المعارك مع الدكتاتوريات المنطقة.
في هذه المناسبة الاليمة, اود أن اتوجه الى كل المعنيين في هذا الشأن, الفني, الثقافي والسياسي, كي يبادروا الى تخصيص ساعات او تحديد ايام خاصة, للوقوف وبشكل جدي في دراسة مسيرة هذا الفنان المميز, من كافة جوانبه الانسانية, الفنية والقومية, واقامة امسيات ومناقشات مستفيضة حول هذه التجربة الغنية وان لايمر ذكراه بهذا الشكل الروتيني كما تعودناه.
وايضا اتوجه بالامتنان والتقدير والاعجاب بالفنان المحبوب بهاء شيخو الوفي والمخلص لهذه المدرسة – الشيخونية- ان صح التعبير, ودوامه واصراره دون كلل او ملل, واكن اعجابي وتقديري له مرة اخرى في وقوفه الجبار بجانب كافة العائلة وضمهم الى صدره الحنون, وهذه منتهى التضحية والاخلاص وبمثابة وسام شرف عظيم له.

Mustafa52@live.se

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…