الشاعرة نارين عباس.. الكتابة عن رجل مصنوع من المومياء

  إبراهيم حسو

تغلق نارين عباس نصوصها ضمن قوالب أسمنتية يصعب الوصول إليها, فهي لا تدع موضعاً مضيئا يمكن اكتشافه في كلماتها التي تجئ راكضة لاهثة تبحث عن معنى أخر غير المعنى الذي تلبسه, تبحث في نصوصها عن صوت الرجل فلا تجد سوى صدى مباغت يزعق هنا و هناك بين جمل متعرجة و مفردات تحمل عبئ اللغة البسيطة المخادعة , في نصوص نارين ثمة منجم ما للأنا الأنثوي التي تمجد الفاجعة و العاطفة , التصايح المجاني لهيكل رجل وهمي يظهر صوته خفيضاً و يختفي ذليلاً , منجم للأفكار الهدارة و المواضيع التي تنشط ذاكرة امرأة وصلت متأخرة إلى مرادها العاطفي , تستنجد بالصمت لتلافي عقم روحها , و البوح لملاقاة طيف رجلٍ لا يأبه بقلبها , نصوص نارين واضحة إلى درجة اليأس , خانقةً بصور لا تعرف كيف تبدأ بها و كيف تنتهي , كأنها في جدالٍ مع ذاكرتها الفاضحة التي تشبه صندوق سينما متنقلة لا تهدأ في أي مكان:
أخاف إن تبتعد كعادتك ..
فأصبح كسفينة في بحر وهمي
ارتطم في قاع وهمية من ضوضاءْ
أفتح أصدافا
أفتح قبري الوهمي و أنام .
 كأنّ الشاعرة نارين مختفية أحياناً بين قرائها , لتحسس وقع الكلمات عليهم , فمعهم  تسمع طنين اللغة و جعجعتها وهي تطحن في آذانهم , تدربهم كي يصبروا على رجفان المفردات , و خفوت الجملة هنا و صعود الجملة هناك , جالسة في قصيدتها تقودها بحذر إلى بر الاطمئنان , لتتفرج بالأخير إلى ثمار تلك اللغة و حبها  و قد أغنت صخباً و حياتاً على المشهد الحياتي كله:
أخاف إن تبتعد كعادتك ..
فأصبح كريشة ضائعة في الشعر
أسقط على هواء  من المومياءْ
فأصبح ككليوباترا المجنونة .
الشاعرة نارين شابة وهي في مقتبل الشعر , تكتب لكي ترتاح من ألمٍ يدّب في كاهلها , كأنها هي فرحة و مغتبطة بهذا الألم مثلما تتعذب به في محاورة ماراثونية مع شؤونها (الداخلية) التي لا تهدأ فيها , ليكون الشعر بديلاً أو مرثية لخسائر ذلك (الرجل) البعيد المصنوع من مومياء الساطع الذي لا وجود له أبدا.

  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماهين شيخاني

ولد الكاتب والصحفي والمناضل الكوردي موسى عنتر، المعروف بلقب “آبي موسى” (Apê Musa)، عام 1918 في قرية “ستليلي” الواقعة قرب الحدود السورية، والتابعة لمدينة نصيبين في شمال كوردستان. ترعرع يتيماً بعد أن فقد والده في صغره، فحمل في قلبه وجع الفقد مبكراً، تماماً كما حمل لاحقاً وجع أمّته.

بدأ دراسته في مدارس ماردين، ثم انتقل…

أسدل يوم أمس عن مسيرتي في مجلة “شرمولا” الأدبية الثقافية كمدير ورئيس للتحرير منذ تأسيسها في أيلول 2018، لتبدأ مسيرة جديدة وسط تغييرات وأحداث كبرى في كُردستان وسوريا وعموم منطقة الشرق الأوسط.

إن التغييرات الجارية تستدعي فتح آفاق جديدة في خوض غمار العمل الفكري والأدبي والإعلامي، وهي مهمة استثنائية وشاقة بكل الأحوال.

 

دلشاد مراد

قامشلو- سوريا

19 أيلول 2025م

الشيخ نابو

في زمن تتكاثر فيه المؤتمرات وترفع فيه الشعارات البراقة، بات لزاما علينا أن ندقق في النوايا قبل أن نصفق للنتائج.

ما جرى في مؤتمر هانوفر لا يمكن اعتباره حدثاً عابراً أو مجرد تجمع للنقاش، بل هو محاولة منظمة لإعادة صياغة الهوية الإيزيدية وفق أجندات حزبية وسياسية، تُخفي تحت عباءة “الحوار” مشاريع تحريف وتفكيك.

نحن لا نرفض…

نجاح هيفو

تاريخ المرأة الكوردية زاخر بالمآثر والمواقف المشرفة. فمنذ القدم، لم تكن المرأة الكوردية مجرّد تابع، بل كانت شريكة في بناء المجتمع، وحارسة للقيم، ومضرب مثل في الشجاعة والكرم. عُرفت بقدرتها على استقبال الضيوف بوجه مبتسم ويد كريمة، وبحضورها الفعّال في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية. لقد جسّدت المرأة الكوردية معنى الحرية، فلم تتوانَ يومًا عن…