نيسانُ أقسى الشهور

  نمر سعدي
 
(1)
رمَتْ في الفضاءِ المُلوَّنِ أزهارَ صفصافها
رمَتْ نارَها في دمي ومضَتْ
لا مُباليةً بالحرائقِ في نهرِ قلبي

تعانقُ أشواقَ أطيافها
(2)

رمَتْ فوقَ وجهِ حياتي
كخفقِ الصَبا شالَها
وكُلِّي طيورٌ من الماءِ تعجنُ صلصالَها
(3)
كُلَّ عامٍ بأوَّلِ نيسانَ أُولَدُ
من ضحكةٍ في الشفاهِ الرقيقةِ
كالخيمياءِ الغريبةِ…
يهمسُ بي القلبُ.. يبكي من الصدقِ
والحُبُّ ألفُ دعيٍّ دعيّْ
(4)
كُلَّ عامٍ بأوَّلِ نيسانَ أحبو
على جمرِ هاويةٍ في الفضاءِ جحيميَّةٍ
تصلبُ الوجهَ فوقَ الرمادِ
وتمتدُّ حتى أقاصي يديّْ
ونيسانُ أقسى الشهورِ.. أحبُّ الشهورِ إليّْ
(5)
ضمِّديني بجيتارةِ الغجرِ الراحلينَ إلى أمسنا
بأعشابِ جسمي وجسمكِ
بالوَجعِ المتخفِّي كنهرِ الكلامِ الإباحيِّ
في لغةِ الشاعرِ المُتمرِّسِ
بالليلِ في مخدعِ الشمسِ يقتاتُ من شمسنا
(6)
لفتاتٌ وراءَ زجاجِ العبيرْ
لفتاتُ الغريبِ على ماءِ وجهي
تلوبُ كأنثى الطيورْ
لفتاتُ الغريبِ يشيِّعنَ قافلةً من حياتي
ويملأنَ قلبيَ بالأقحوانِ الكسيرِ النضيرْ
(7)
كلُّ ما في الرسومِ التي جسَّدتكِ
ظلامٌ بريءٌ جريءٌ ونورْ
كلُّ ما في دمائي التي عشقتكِ
هباءٌ مُضاءٌ يمورْ
(8)
أنتِ بنتُ الحياةِ ابنةِ الكلبِ
هذي الشقيَّةِ… من كنتُ أعطيتها
قمراً وغزالاً وصفصافتينِ
تضمَّانِ بعضَ رمادي
وأعطَتْ حناني ذئاباً بلا رحمةٍ
في ظلامِ النوايا
وقلبي خناجرَ مسمومةً بلعابِ الأفاعي
أنتِ بنتُ الحياةِ التي كلَّما صرتُ أعشقها
ضعفَ ما كنتُ في الأمسِ
روَّتْ ذوائبها بدموعِ انكساري
وشهقةِ ناري الأخيرةِ
والدمِ في أغنياتِ البراءةِ في عُرسِ قتلي
أنتِ بنتُ الحياةِ التي كنتُ أعطيتها
خاتماً.. وردةً من ضبابِ الأنوثةِ يوماً
فناشَتْ وفائي بأقذرِ نصلِ
(9)
وجهُ نيسانَ لي..
قلبُ نيسانَ للشعراءِ وللنرجسِ الصرفِ
أشعارُهُ للرياحِ المريضةِ
أزهارُهُ للبحارِ.. وأنهارُهُ العاشقةْ
لدَمي المتدفِّقِ في كلِّ أرضٍ
وفي كلِّ شعلةِ برقٍ
وراءَ انبهارِ الدجى مارقةْ
(10)
وجهُ نيسانَ لي.. ثمَّ لي… ثمَّ لي
ولمعنى البياضِ الأخيرِ
على شهقةٍ شاهقةْ
(11)
كانَ يكفي لكيْ أتأمَّلَ هذا الربيعَ
قصائدُ مغموسةٌ برذاذِ الضلوعِ
قصائدُ مرفوعةٌ كالنساءِ الوحيداتِ
أو كالبحيراتِ… حُبَّاً نبيَّاً
على هاوياتِ الصقيعْ
 
 

 نيسان 2009

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حيدر عمر

هناك حكايات تتنازعها عدة ثقافات، مثل حكاية “شَنْگلو مَنْگلو / şekgelo mengloالتي تتنازعها الثقافتان الكوردية والفارسية، وهي مروية على لسان معزاة توصى صغارها الثلاث بألَّا يفتحوا باب الحظيرة في غيابها إلَّا بعد أن يسمعوا منها أغنية معينة تغنيها لهم. سمعها ذئب في أحد الأيام، كان يمر في الجوار. بعد ابتعادها عن صغارها، جاء الذئب،…

محلل
يقال احيانا ان هناك “رجالا لم ينصفهم التاريخ”، وكان التاريخ كائن جائر، يوزع المجد والانصاف على من يشاء ويحجبه عمن يشاء. غير ان التامل العميق في معنى التاريخ ووظيفته يبين ان هذه العبارة، على شيوعها، ليست دقيقة؛ فالتاريخ، في جوهره، لا يظلم احدا، بل يمارس عملية فرز طويلة المدى لا تخطئ في نتيجتها النهائية، حتى…

د آلان كيكاني

منذ اشتعال فتيل الجنون في سوريا يسهل عليك تمييز السوري من بين الناس أينما كنت، وأينما كان هذا السوري…

ولو كنت دقيقَ ملاحظةٍ لعرفته من على بعد مئات الأمتار.

لا لرائحة خاصة تميزه كما عند بعض الكائنات.

وليس لسحنة مميزة تخصه كما عند بعض الشعوب.

وإنما لأسباب أخرى …

مثل إطراقة الرأس.

والكآبة البادية على محياه.

وربما لاحمرار عينيه وذبولهما.

ها…

صدر حديثاً عن منشورات رامينا في لندن كتاب “سيرة النصّ المفتوح – رحلة واسيني من تلمسان إلى السوربون” للباحثة والكاتبة السورية أماني محمّد ناصر. وهو يمثل دراسة نقدية معمّقة تتناول المسار الإبداعي والفكري للروائي الجزائري واسيني الأعرج، أحد أبرز الأصوات السردية العربية المعاصرة، من جذوره الريفية الأولى في تلمسان إلى موقعه الأكاديمي في جامعة السوربون…