أعرفها من خلال إطلاعي الشخصي وليس عبر إعلامنا المقصر بحق محافظة الحسكة عموماً ومدينة القامشلي خاصة. فمن يسمع غناء (شيدا) يعرف جيداً بأن الأغنية الشبابية في سوريا مازالت تحمل بصيصاً من الأمل لترقى إلى تاريخها…؟! ومن يسمع معزوفات عازف
البزق “سعيد يوسف ” يعرف بأننا نمتلك أميراً آخر غير الراحل محمد عبد الكريم. ومن يقرأ نثر محمد مطرود وبنيان سلامة وقصائد طه خليل وابراهيم اليوسف وأديب محمد وعبد البركو وعبد الحميد مراد… وغيرهم، سيغير نظرته تماماً وستصبح لديه فكرة بأن الحسكة هي محافظة الأدب والفن إضافة إلى تلك الأشياء التي ذكرتها…
***
استقطب المهرجان أسماء من أغلب المحافظات السورية على مدى ثلاثة أيام، ففي اليوم الأول كان هناك: مروان خورشيد، طارق عبد الواحد، أحمد حيدر، نورة خليف، عمر ادلبي، أحمد سفنج، ومداخلة نقدية للدكتور أديب حسن محمد. أما اليوم الثاني فكانت المداخلة
النقدية للدكتور هايل الطالب، والقصائد للشعراء: محمد المطرود، تمام التلاوي، منير خلف، عارف حمزة، أديب محمد، عماد الحسن. أما اليوم الثالث فكان للشعراء: طالب هماش، أيمن معروف، عباس حيروقة، عبد البركو… حيث لم يبقَ الأخير أكثر من خمس دقائق على المنبر ولكنه أدهش المتلقي… ما قدمه المشاركون في مهرجان لمدينة منسية بشوارعها وحدائقها وحتى بسيارات الإطفاء، يبشر بأن الشعر يحمل في صفحاته المطوية حاضراً جميلاً للمشهد الثقافي السوري.
***
يؤكد أديب محمد وهو كاتب من القامشلي وأحد منظمي المهرجان، أن المهرجان كان حلماً تحول إلى حقيقة بإرادة مبدعي المدينة ويؤكد أن مهرجان القامشلي قدم حواراً أولياً مع جمهور القصيدة التسعينية وبهؤلاء تشكلت دائرة إبداعية استطاعت الخروج من النمطية وتقديم طقس مختلف. الإعلام كان غائباً عن هذه التجربة وكان على التلفزيون السوري، وبأسوأ الأحوال الاستعانة ببرنامج (رسالة الجزيرة) لإلقاء ولو قليل من الضوء عل هذه التجربة التي تؤسس لمهرجان شعري، وقد يكون مفيداًَ وفعالاً في الحياة الثقافية السورية. الشاعر محمد المطرود أحد منظمي المهرجان يرى أن ما تم في القامشلي بجهود بعض محبي الشعر وبعض الساعين لخلق ثقافة حقيقية، تعجز عنه المؤسسات الرسمية. أحمد سفنجة الشاعر اللاذقاني، الذي فاجأ الجميع بقصائده النثرية التي عنونها بأحاديث لم يروها أبو هريرة.
وهو الوحيد في المهرجان لم يهد مجموعته للحاضرين، سألته: لماذا لم تجمع قصائدك في مجموعة حتى الآن؟ فقال: الحقيقة أني اعتزلت الشعر منذ ستة عشر عاماً بعد أن رأيت ما آلت إليه حالة المشهد الثقافي السوري ولكني عدت والتحقت بالقافلة، لعل الكلمة
الحلوة تحل مكان ما نراه على طاولات المؤسسات الثقافية في بلدنا.. ويتابع سفنجة حديثه عن المهرجان: (الليالي التي قضيناها في القامشلي تعيد الأمل إلى النفوس بناسها الطيبين وشعرائها الذين يعرشون على جدرانها كياسمين دمشق ويسيلون شعراً وجداول عشق على تخوم دجلة والخابور والذين يبحثون عن فضاءات الأصدقاء والناس المتعبين والمثقلين بالحب والغيرة على القصيدة والوطن…) ويقول د. حمزة رستناوي:
(لقد عشنا على هامش المهرجان جذوة الشعر، نتعارف ونتناقش ونختلف، نكتشف الآخر ويكتشفنا، إنه مناسبة لكسر الحواجز وهدم ما تبقى من التصنيم والنمذجة… لننفض الغبار عن الروح ونوجه بوصلة الشعر باتجاه القلب…) أما الناقد د. هايل الطالب من مدينة حمص فيرى أن فكرة مهرجان شعري للاحتفاء بتجارب شعرية هي فكرة مهمة، لأنها تسلط الضوء على تجربة ما تزال تناضل لإثبات حقها في الوجود أمام متاريس وعوائق تحاول إيقافها أو التعتيم عليها… نحن بحاجة لمثل هذه التظاهرات لتعزيز مقولة أن الشعر ما زال هو الشيء الأجمل والأروع للتخفيف من وطأة هذه الحياة..؟!!.
الشاعر تمام التلاوي من حمص يرى أن أكثر الأسباب التي تشجعه على المشاركة في المهرجانات الشعرية هي تلك المشاعر التي يعيشها الشاعر أثناء إلقاء قصائده بشكل مباشر أمام الجمهور، والذي يعطي للقصائد وهج يختلف عن ذلك الحاصل نتيجة القراءة من
الكتاب. الأديب طالب هماش بيّن تحفظه على تسمية شعراء التسعينات، حيث يرى أن مهرجان جيل التسعينات بالقامشلي مع صعوبة تحديد المصطلح، والذي اتفقنا مجازاً على دلالاته، يقدم أصواتاً شعرية تحاول أن تجد لها خصوصية مختلفة عن الأجيال السابقة.
فيما يرى عباس حيروقة من مصياف أن ميزة المهرجان تحقيقه التواصل المباشر بين شعراء الجيل الواحد إذ يجمعهم منبر واحد من عدة محافظات سورية.
المحرر: هل فكر السادة، الذين نظموا هكذا مهرجان في القامشلي، بشعراء القامشلي الذين يكتبون بالكردية، والسريانية، مثلاً!؟، أم أن غرَّاء البعث اللاصق، هو خاص فقط لمن يكتب بالعربية!؟. والغرَّاء في تعريفه، لايشبه الكبة الجزراوية التي أكلها الشعراء الضيوف؛ بل يشبه هذه المراكز ـ البؤس الثقافي.