نوروز.. بين الرمز والدلالة

پير روسته م
Pir1963@gmail.com

يعتبر عيد نوروز من الأعياد التي تضرب بجذورها في عمق التاريخ والأسطورة ولشعوب وأمم عدة مثل الكورد والفرس والأفغان والطاجيك وكذلك في تركيا وأذربيجان وباكستان وغيرها العديد من الدول والأقاليم؛ حيث يعد في بعضٍ من تلك الدول عيداً وطنياً رسمياً، ففي إيران “تستمرالإحتفالات بعيد النوروز لمدة ثلاثة عشر يوماً متتالية” (من ويكيبيديا – الموسوعة الحرة). أما في إقليم كوردستان يحتفل به (أي بعيد نوروز) أربعة أيام كعيد قومي للأمة الكوردية، حيث تعطل كافة الدوائر والمؤسسات الحكومية ويخرج مواطني الإقليم في إحتفالات كرنفالية إلى الطبيعة، بعد أن يكونوا قد أوقدوا نيران العيد في ليلة الحادي والعشرون من آذار وبحضور شخصيات سياسية وحكومية رسمية محتفين بقدوم اليوم المقدس أو الجديد. فما هي المعاني والدلالات التي تعبر عنها الرموز النوروزية ليكتسب هذا العيد كل هذا الزخم المعنوي والروحي لدى الكورد دون غيرهم من الشعوب
وذلك على الرغم من إحتفاء العديد من الأمم بقدومه والذي يمكن إعتباره (اي نوروز) عيداً عالمياً/ إنسانياً جمعاء وإن أختلفت تسمياتها بإختلاف الثقافات؛ حيث يحتفل في مصر بها على أنها (عيد شم النسيم) وعند اليهود هو (عيد الفصح) كما أنه أيضاً يصادف يوم رأس السنة مثل التقويم الكوردي وفي جنوب العراق يحتفل بهذا اليوم على أنه (عيد الدخول).

ولكن وقبل أن نلقي بعض الضوء على دلالات الرمز/ الرموز سوف نقف عند نوروز بشقيه التاريخي والأسطوري؛ حيث أن “الحكاية، في تلخيصها المتفق عليه إجمالاً، أو ذاك الذي يتمتّع بالإجماع الأعرض، تقول إنّ الشعب الكردي ابتُلي ـ في مناطق استيطانه الأبكر على الشريط المحاذي لجبال زاغروس وطوروس، قبل أكثر من 2600 سنة ـ بملك غاصب للعرش، يدعى زهاك (أو زوهاق، ضحاك، دهاغ، أزدهاق… في تسميات أخرى)، كان شريراً متوحشاً متعطشاً للدماء، يحمل على كتفيه ثعبانين لا يتغذيان إلا على المخّ البشري. ولهذا كان يأمر وزيره بقتل اثنين من الشبان الكرد كلّ يوم، غذاء للثعبانين، الأمر الذي لم يطق الوزير نفسه القيام به، فكان يذبح شاباً ويطلق الآخر طالباً منه الفرار إلى الجبال، ويستعيض عنه بمخّ شاة. ولقد استمرت المأساة على هذا المنوال اليومي، حتى ثار الحدّاد كاوه (البطل الكردي الرائد، الذي تقول الأسطورة إنه عاش 2500 سنة تحت بطش زهاك)، وقاد الشبّان الأكراد الذين هبطوا من الجبال، فاقتحم قصر زهاك، وحطّم راسه بمطرقته، وسلّم الحكم إلى الملك الجديد أفريدون”. الحكاية.. هكذا يوردها الكاتب صبحي حديدي في مقاله (وردة النوروز الدامية) كما أنه يتطرق بشيء من التفصيل لقضية النوروز في الشعر العربي.

أما تاريخياً وكما يوردها السيد حسين عيسو في مقاله (يوم نوروز في الأسطورة والتاريخ) حيث يكتب: “فأرى أن الخصوصية الكردية هو الانتفاضة التي بدأت يوم 21 آذار 673ق.م ضد ظلم المحتل الآشوري لما يقارب الثلاثة قرون وأثناء احتفالاتهم بنوروز يوم الخلاص انتفضوا ضد الظلم واستطاعوا خلال فترة قصيرة من طرد المحتل من أرضهم  كما ينقل لنا المستشرق السوفييتي وخبير المخطوطات الأثرية المسمارية ا.م.دياكونوف وكذلك عن مؤرخي ذلك العصر من الاغريق أمثال كتسياس كنيدوس و”هيرودوتس” الملقب بأبي التاريخ والذي ولد عام 484 ق.م. أي قريبا من تلك الفترة التاريخية فيقول: في آذار-نوروز من عام 673 ق.م. انتفض الميديون بقيادة “كاشتريتي” صاحب القرية “كار-كاش” والذي أصبح قائدا للانتفاضة واستطاع الحصول على الدعم من المناطق الميدية الأخرى.. بدأت الانتفاضة بسرعة ولم يمض وقت طويل حتى خرجت من نطاق المناطق الثلاثة الأولية- فنجد أن جيش كاشتريتي أصبح في منطقة “كيشو” في بداية شهر نيسان… ان حصار الميديين للقلاع الآشورية لم تكن على شاكلة المعارك بل يدل على انتفاضة وثورة.. بكل الأحوال فبين منتصف شهر نيسان وبداية أيار تمكن المنتفضون من تحرير جميع الأراضي الميدية الشاسعة من سيطرة الآشوريين).

وهكذا فإن التاريخ والأسطورة تتقاطعان عند نقطة جوهرية أو ما يمكن تسميته بمحور الحكاية/ القضية (يوم نوروز)؛ حيث الاثنتان تؤكدان على مسألة “إنتفاضة” الشعب الكوردي (الميديون) ضد الظلم والعسف وجور المستبدين، إن كان متجسداً في الاستعمار الآشوري أو في شخصية الطاغية أزدهاك (EJDEHAK) والتي ترمز إلى العالم السفلي ( عالم كور – GÛR) كون المعنى الحرفي والاصطلاحي للكلمة الكوردية (أزدهاك-Ejdehak) تعني الأفعى أو الحية في اللغة العربية والتي تأخذ من الجحور والكهوف مسكناً ومأوى لها وهي التي تسببت (أي الأفعى) لأن يطرد (آدم) من الجنة وذلك حسب الأسطورة الدينية للإسلام. وبالتالي فإن الأفعى (أزدهاك) هي دلالة على العوالم السفلية الباردة وأيضاً سارقة نبتة الحياة والخلود من كلٍ من (كلكامش) و(آدم) بتسببها بطرده من الجنة. وها هي (أي الأفعى – أزدهاك) في الحكاية/ الأسطورة النوروزية ومرةً أخرى تسرق الحياة من الشبان الكورد – الميديين ولكن (رحمة الجلاد) تنقذ بعض الأرواح وهكذا فعندما يتمرد الحداد (كاوا) على الطاغية – الأفعى (أزدهاك) ويقود أولئك الشبان في ثورة الخلاص والانعتاق فإنها ترمز إلى ثورة الفقراء والمعدمين و(البروليتاريا) – بلغة سياسة اليوم – ضد جور وظلم الطبقة الحاكمة والمالكة وبالتالي فيمكن إعتبار يوم نوروز و(إنتفاضة) أبناءها في وجه الطاغية هي أولى ثورات المعدمين والحفاة في التاريخ الإنساني.

وكان من نتاج تلك (الانتفاضة) وما تمخض عنها هو الـ(نوروز – NÛROJ) حيث الكلمة الكوردية تتكون من جذرين لغويين: (ROJ) أي اليوم و(NÛ) الجديد وبالتالي فإن الترجمة الحرفية لمصطلح (NÛROJ) يعني اليوم الجديد أو يوم الخلاص والتحرر من جور وظلم الطغاة/ الطاغية (أزدهاك). ويبقى رمز النار في الحكاية/ الأسطورة النوروزية والتي تستمد معانيها ودلالاتها من الديانة الزرادشتية، حيث أنه (أي النار) من أقدس العناصر المكونة للطبيعة والكون وفي تسلسها وتراتبيتها فإنه يحتل أرفع وأسمى المراتب وقد حرص الإنسان الزرادشتي على أن تبقى تلك النيران المقدسة موقدة في معابدهم وذلك منذ أن سرق (برومثيوس) أول شعلة نار من آلهة الأولمب. وبالتالي فكانت تلك النيران رمزاً للخلاص والحرية وتنير الدروب للأجيال اللاحقة لتسير على الدروب التي رسمها أولئك الأسلاف للوصول إلى نوروز(هم) – يومهم الجديد بعد أن يكون قد تم دحر (أزدهاك) العصر الحالي.

هولير – 25/3/2009

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ا. د. قاسم المندلاوي

 

الفنان الراحل (صابر كوردستاني) واسمه الكامل “صابر محمد احمد كوردستاني” ولد سنة 1955 في مدينة كركوك منذ الصغر فقد عينيه واصبح ضريرا .. ولكن الله خالقنا العظيم وهبه صوتا جميلا وقدرة مميزة في الموسيقى والغناء ” فلكلور كوردي “، و اصبح معروفا في عموم كوردستان .. ومنذ بداية السبعينيات القرن الماضي…

فراس حج محمد| فلسطين

-1-

لا تعدّوا الوردْ

فما زالتِ الطريقُ طويلةً

لا نحن تعبنا

ولا هم يسأمون…

-2-

ثمّةَ أُناسٌ طيّبونَ ههنا

يغرّدونَ بما أوتوا من الوحيِ، السذاجةِ، الحبِّ الجميلْ

ويندمجون في المشهدْ

ويقاومون…

ويعترفون: الليلُ أجملُ ما فيه أنّ الجوّ باردْ

-3-

مع التغريدِ في صباحٍ أو مساءْ

عصرنة النداءْ

يقولُ الحرفُ أشياءً

ويُخفي

وتُخْتَصَرُ الحكايةُ كالهواءْ

يظلّ الملعبُ الكرويُّ

مدّاً

تُدَحْرِجُهُ الغِوايَةُ في العراءْ…

-4-

مهاجرٌ؛ لاجئٌ من هناك

التقيته صدفة هنا

مررتُ به عابراً في…

عبد الستار نورعلي

(بمناسبة عيد المرأة)

 

حين تكون المرأةُ الأحلامْ

تنسدلُ الستائرُ الحريرْ،

فلا نرى أبعدَ من أنوفنا،

وخافقٌ يضربُ في صدورنا،

فكلّ نبض امرأةٍ هديرْ

والمطر الغزيرْ،

 

نفتحُ حينها عقولَنا

أم نسرجُ الخيولْ

والسيفَ والرمحَ

وصوتَ الحلمِ الغريرْ؟

 

في حلمٍ

يُبرعمُ الربيعُ فوقَ صدرِها،

ينتظراللحظةَ كي يدخلَ في الفؤادْ،

يُعطّرُ الروحَ بدفء روحها،

يقتطفُ العشقَ

ويبدأ الحصادْ،

 

في كتبِ الروايةِ الأولى:

غزالةٌ تسلَقتْ تفاحةَ البقاءْ،

وانتزعتْ تفاحةً لتقضمَ الغرامَ

واللعنةَ، والدهاءْ،

 

امرأةُ العزيزِ راودَتْ فتاها

عنْ…

عبدالجابر حبيب

 

دور المسرح في المجتمع

المسرح ليس مجرد وسيلة ترفيه، بل هو فن يحمل رسالة، يعكس قضايا الناس، ويشكّل وعياً جمعياً. منذ نشأته، كان المسرح مساحةً للحوار، يسلط الضوء على المآسي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ويجسد الأحلام والآمال. فهو “مرآة تُعرض عليها الفضائل والرذائل”، كما وصفه الكاتب المسرحي شكسبير.

يقول جان فيلار: “المسرح مدرسة الشعب”، وهذه المقولة…