من تاريخ الصحافة والإعلام ….

دهام حسن

الصحافة بمعنى التبليغ ، نقل الأخبار، الإعلام ، قديمة ربما قدم الإنسان، وما النقوش الحجرية سوى ضرب من ضروب الصحافة عند بعض الأمم القديمة كالصينيين والمصريين ، وكذلك التدوين على الورق البردي الذي اشتهر بها المصريون أيضا ، ويعود تاريخها إلى أربعة آلاف سنة ،وكانت الأخبار على هذه المدونات – فضلا عن التسلية – كانت  يختلط فيها الخيال بالواقع ، ليؤسس هذا الضرب من الصحافة بداية للفلكلور الشعبي، عند بعض الأمم ، حتى قيل أنه كان لبعض الجماعات البشرية مؤرخون ، يدونون الحوادث اليومية كما كان عند البابليين، وكان يتم نقل الأخبار من منطقة إلى أخرى عبر محطات بواسطة جياد، حتى إذا وصل الخبر إلى حاكم الولاية تتم إشاعة الخبر عن طريق بعض الرسل حيث يضيق المحيط، أو بالمناداة،..
ومن طرائق نقل الخبر، أن الخبر كان يدون على  الحجر، ويودع الحجر في أكثر من معبد حيث يرتاد الناس للعبادة من كل حدب وصوب، وبواسطتهم يشاع الخبر … لقد استطاع شامبليون أثناء حملة نابليون بونابرت على مصر من فك رموز حجر الرشيد والوقوف على سر الكتابة المصرية القديمة، وقد شاهدت جمجمة هذا العالم في متحف بالقاهرة، ويعود تاريخ هذا الحجر إلى بدايات القرن الثاني قبل الميلاد ، وهو أكثر من نسخة، ومدون بأكثر من لغة ، كما عثرت على مدونات مماثلة في كولونيا بألمانيا ، وفي أستراليا ، كما عثر على مدون في واجهة أحد المعابد وهي بمثابة وثيقة تحدد فيها العلاقة مابين الحاكم والمحكوم ، وتؤكد على وجوب حسن سير العدالة, كما تبين طرق جباية الضرائب وتحذر من اقتراف الجرائم كالرشوة وإشاعة الأخبار الكاذبة ….
في العصور الوسطى في أوربا كان البابا يسجل أحداث العام على سبورة بيضاء ، ثم استعاض عنها بعد توسع محيط  نفوذه  بنشرات على ورق حيث أخذت طابعا دوريا، حل محل الحوليات ، واستمر استخدام الرسائل على هذه الشاكلة طوال القرون الوسطى، لخدمة التجار وتسهيل عملية التجارة، وكانت فيينا هي المركز لهكذا رسائل
وتعد هذه الرسائل والخطابات المظاهر الأولى للصحافة الأوربية  خلال القرن الرابع عشر، حتى أن بعض الناس امتهنوا حرفة  الكتابة ، وربما عمد أحد الأثرياء أو تاجر الأخبار كما يسمى على الأرجح  من استئجار العبيد ممن يعرفون الكتابة ، فيملي عليهم ما جمعه من أخبار ، ليقوموا هم بدورهم بالبيع والتوزيع ، وكانت الأخبار تتوزع ما بين أخبار سياسية وحزبية ، وأخبار تجارية ومالية …
بعد مرحلة الأخبار على ورق البردي، ظهرت الكتابة على الخشب، ثم تطورت الكتابة عندما صنع من الخشب قوالب عرفت الطباعة بـ ” الطباعة القالبية ” وربما جاءت منها أختام اليوم ، لأنها لا تختلف عنها من حيث الفكرة  والمبدأ ، وكان للبابليين الفضل في ابتكار هذه الطريقة، بعد اختراعهم للورق أيضا، وكانت هذه الطريقة شائعة في الصين في القرنين الخامس والسادس الميلاديين ، ثم تطور حيث صنع أحدهم الحرف من فخار في القرن الحادي عشر، وفي القرن الخامس عشر اهتدى أحدهم إلى صنع حروف متفرقة، إلى أن ظهر بعد ذلك في القرن ذاته اختراع الحروف المعدنية المنفصلة في ألمانيا في القرن الخامس عشر ومخترعها هو يوحنا جونتبرغ من  مواليد مينز الألمانية عام 1400م ، ويعتبره أغلبية الكتاب والمؤرخين، بأنه هو مخترع  الطباعة الحقيقي وإن سبقته عدة محاولات ، وقد ثبت أن أول كتاب طبع بحروف لاتينية منفصلة هو الإنجيل فيما بين أعوام –1452 – 1455م ويحمل اسم جونتبرج … بعد نجاح فكرة الطباعة في ألمانيا انتقلت إلى أوربا بدءا من ايطاليا ثم إلى سائر الدول الأوربية مابين أعوام 1456- 1487م انتقلت الطباعة إلى تركيا عام 1503م  وتأخر انتقال الطباعة إلى روسيا مقارنة بسائر الدول الأوربية  حيث عرفتها في عام 1553 م
يعد اكتشاف الطباعة انقلابا فكريا كبيرا، فبعد أن كانت الكتابة مقتصرة على الميسورين بسبب نظام النسخ المكلف الأجر، أصبحت الصحف والكتب الآن في متناول الجميع، وحركة الإصلاح الديني لمارتن لوثر مدينة في جانب كبير منها إلى ظهور الطباعة …
أول صحيفة رسمية جاء صدورها في فرنسا كان في عام 1631م وفي بريطانيا عام 1641م لكن جميع الصحف ظلت خاضعة للرقابة ما عدا الصحف في هولندا .. زالت الرقابة عن الصحف البريطانية في عام 1695 م، حيث ظهرت أول صحيفة إنجليزية يومية عام 1702م وفي فرنسا عام 1777م وفي الولايات المتحدة عام1690م
وتمتعت الصحافة الأمريكية منذ بداياتها بحرية كبيرة نسبيا ولعبت صحفها دورا كبيرا في حرب الاستقلال الأمريكية عام 1776 ، ويشهد المؤرخون بأنها الدولة الوحيدة في العالم التي لم تضطهد الصحافة …
شهدت الصحافة في القرن التاسع عشر تطورا كبيرا بسبب المستحدثات التكنولوجية .. وفي حيلة لا تخلو من طرافة عمد أحد الصحفيين في عام 1837م إلى تنظيم أسراب من حمام الزاجل فاق عددها على خمسمائة  حمامة لنقل الرسائل بين مختلف المدن الأمريكية ، ومن الطريف كان قد أعد لهذا الغرض مهبط على أسطح مبنى صحيفة نيويورك صن ، ثم كان اختراع التلغراف عام 1837م وكان له التأثير البالغ لإيقاظ الجماهير، وجعلها أكثر اهتماما بالمسائل العامة، وبات ترى الأسلاك تمتد بين سائر المدن وارتبطت فرنسا بانجلترا تلغرافيا . إن أول برقية أذيعت بواسطة التلغراف رسالة تهنئة من الملكة فيكتوريا إلى الرئيس الأمريكي بوكنان الذي لم يصدق في البدء، ثم جاء اختراع  بيل التليفون في عام 1875م بمثابة دفعة قوية نحو الأمام، وقفزة رائعة للفن الصحفي  رغم استخدامه بطريقة بدائية في أول الأمر وتبع ذلك اختراع صمام الراديو في تطوير أجهزة الإرسال اللاسلكية  بيد أن نشوب الحرب العالمية الأولى كان سببا في تلكؤ وتعطيل تقدم الإذاعة إلى حين ……

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

(ولاتي مه – خاص):
على امتداد أكثر من خمسة عقود، يمضي الفنان والمناضل شفكر هوفاك في مسيرة حافلة تجمع بين الكلمة الثورية واللحن الصادق، ليغدو أحد أبرز الأصوات التي عبرت بصدق عن آلام الشعب الكردي وأحلامه بالحرية والكرامة.
منذ انخراطه المبكر في صفوف الحزب الديمقراطي الكردستاني في سبعينيات القرن الماضي، ظل شفكر وفيا لنهجه…

ماهين شيخاني

في فجرٍ بعيدٍ من فجر الأساطير، خرج رستم، بطل الممالك الفارسية، في رحلة صيدٍ طويلة. ضلّ طريقه بين الجبال حتى وجد نفسه في مدينة «سمنغان»، حيث استضافه الملك في قصره. هناك التقى بالأميرة تَهمينه، فتاةٌ تفيض حُسنًا وشجاعة، قالت له بصوتٍ يقطر صدقًا:

«يا رستم، جئتُ أطلب من البطل ولداً مثله، لا كنزاً…

إبراهيم اليوسف

لم يكن إصدار رواية” إثر واجم” في مطلع العام عام 2025 عن دار نوس هاوس للنشر والترجمة والأدب، مجرّد إعلان عن عمل سردي جديد، بل ولادة مشروع روائية- كما نرى- تُدخل إلى المشهد الروائي صوتاً لم يُسمع بعد. هذه الرواية التي تشكّل باكورة أعمال الكاتبة الكردية مثال سليمان، لا تستعير خلالها أدواتها من سواها، ولا تحاكي أسلوباً…

عصمت شاهين الدوسكي

الشاعر لطيف هلمت غني عن التعريف فهو شاعر متميز ، مبدع له خصوصية تتجسد في استغلاله الجيد للرمز كتعبير عن مكنوناته التي تشمل القضايا الإنسانية الشمولية .

يقول الشاعر كولردج : ” الشعر من غير المجاز يصبح كتلة جامدة … ذلك لأن الصورة المجازية جزء ضروري من الطاقة التي تمد الشعر بالحياة…