قراءة في كتاب عين العرب في مئة عام (كوباني)

   علي شيخو

وقع تحت يدي منذ أيام كتاب تحت عنوان : عين العرب في مئة عام (كوباني) و تشير السطور التي تحت صورة المؤلف في الغلاف الأخير : أن الكاتب طبيب بيطري من قرية عين بط ، وقد زين أعلا صفحات كتابه باسمه وببندٍ عريض : د . حسين أمين ، إشارة إلي جهده العظيم في تأريخ المنطقة ، وهو المثقف المتخلص من الرواسب العشائرية و (البروظة) وكتابه عبارة عن خواطر وحكايات أخذها من أفواه بعض المسنين .

عند القراءة في أول صفحات الكتاب ، يصدم القارئ بكثرة مغالطات الكاتب ، بدءاً من  قوله : لا توجد مصادر كتابية عن منطقة عين العرب . وهو أبن هذه المدينة ومن مثقفيها وكتابها إن صحت التسمية ، فإن كانت تسمية البلدة تعود إلى عام 1892 م ، فهذا يعني أنها عاصرت الدولة العثمانية والانتداب الفرنسي ثم الجمهورية العربية السورية ، فهل من المعقول أنها عاصرت حكم ثلاثة دول ، متباينة اللغات و الثقافات وبقيت دون سجلات وتاريخ ؟ !.
أم أن الكاتب لم يكلف نفسه عناء قراءة المراجع وكتب التاريخية ، فاعتمد على أقوال خمسة أشخاص فقط من الوسط البرازي ، الذي يبلغ تعداده قرابة النصف مليون نسمة ؟ وباعتماده على مصادر شفوية حصرية ، ارتكب كاتبنا أخطاءً تثير الضحك والسخرية ، والظاهر أن الكاتب يجهل أن الأمانة التاريخية ، تقتضي البحث والتنقيب لتوثيق المعلومة التاريخية .    
وعن تسمية مدينة سروج يقول : أنها على اسم أحد أحفاد نوح عليه السلام وهو : سروج بن رعو بن فالح بن عابر ، سلسلة من الآباء تمتد إلى نوح عليه السلام .
ولا أعرف كيف استطاع الكاتب إثبات سلسلة أولاد نوح وأحفاده ، والذين يعود تاريخهم إلى آلاف السنين ، ولم يستطع إثبات تاريخ بلدة حديثة لا يتعد تاريخ بنائها المائة عام ، فلو عاد الكاتب إلى المصادر التاريخية لرأى أن اسم سروج هو اسم جد إبراهيم الخليل عليه السلام أبو آزر ،  ( سروغ ) و إنها عرفت بعدة أسماء مثل : تبارتيب ــ أوسراهونة ــ باتنا ــ إيبك شهري وغيرها .
وعن سكان مدينة كوباني ، يقول الكاتب : يزيد عدد سكان المدينة عن أربعين ألف نسمة ، حسب إحصائيات الثمانينات من القرن الماضي ، أي قبل أربعة عقود من الزمن ، دون أن يضيف نسبة الزيادة المئوية ، أما عن وصفه ( لـلكوله ) البحيرة كما أسماها : أن عرضها 85 متراً وطولها 12 متراً . فكيف يكون الطول أقصر من العرض لا أعرف ، ربما وحدة القياس عند كاتبنا تختلف عن المعايير العالمية ؟؟؟؟ !!!!!. ويضيف أن ينابيع مرشد بينار وكاني عربان وعين البط  تجتمع لتكوّن نهراً متعرجاً ويتجه جنوباً حتى يصب في نهر الفرات . ولا أدري لماذا أجبر الكاتب هذا النهر التوجه جنوباً ، وهي منطقة جبلية وعرة ، ولو قال الكاتب : أن هذه المياه تصب في نهر البليخ لكان الأمر أسهل ، لأن نهر البليخ يأتي من تركيا ويتجه جنوبا ًوأقرب إلى هذا الوادي الذي أسماه الكاتب نهراً وهو 60 كم على أكثر تقدير ، ولو جعل هذا الوادي يصب في نهر البليخ ، لكان بذلك وفر عناء الترنح 170 كم على هذا الوادي المسكين .
وفي حديثه عن تسمية كوباني يقول : هو اسم أطلق على المدينة منذ الغزو المللي ، وأن هذا الاسم عم على المنطقة فترة النفوذ المللي ، والتي كان منها رجال الدولة العثمانية أيام السلطان عبد الحميد ، وأن تيمور باشا هرب من استانبول إلى ويران شهر أثناء الانقلاب على السلطان عبد الحميد ، وأن الدولة العثمانية كانت تمد الملليين بالسلاح والمال والرجال.
لو عاد الكاتب إلى التاريخ لرأى أن المنطقة ، لم تشهد يوماً صراعاً مللياً برازياً على الاطلاق ، لا في زمن تيمور باشا ولا في زمن إبراهيم باشا ، وأن تيمور باشا لم يكن معاصراً للسلطان عبد الحميد الثاني ، بل كان معاصراً للسلطان سليم الثالث والسلطان مصطفى الرابع ، وأن الذي هرب أثناء إنقلاب الاتحاديين على السلطان عبد الحميد الثاني ، هو إبراهيم باشا وكان هروبه من دمشق إلى ويران شهر ، وليس من استانبول إلى ويران شهر ، لأن طريق استانبول ويران شهر لا يمر من السروج ، وقد كتب هذا الحدث السيد مارك سايكس صديق إبراهيم باشا : عندما قاموا الاتحاديين بالانقلاب على السلطان عبد الحميد الثاني ، أرسل والي دمشق إلى إبراهيم باشا بأن يأتي بعشرة آلاف مقاتل من عشائره إلى دمشق ، لحماية خط الحديد دمشق ــ الحجاز ، وعندما أدرك إبراهيم باشا أنها مكيدة من الاتحاديين للقبض عليه ، عاد بجيشه إلى ويران شهر ماراً بمنطقة نفوذ البرازية والجيس ، فظنوا البرازية أنهم غزاة وتعرضوا سبيلهم ، مما أدى إلى قتل عدة رجال من الطرفين ، وتابع إبراهيم باشا مسيره إلى ويران شهر، وهذه هي الحادثة الوحيدة بين البرازية والمللية لأن الملليين كانوا دائما يتحاشون الاصطدام مع البرازية.
أما عن التسمية الأخيرة لعين العرب فيقول : أنها أتت من وجود العرب البدو في الربيع في المنطقة ، وارتيادهم هذا النبع.
وهذا غير صحيح ، لأن البدو لم يصلوا إلى قرية عين عيسى إلا في بداية القرن الماضي ، ومن كانوا يرتادون هذا النبع هم عرب الأبي شعبان (الشواية) ، عشائر منطقة الرقة ، وبينهم وبين البرازية تزاوج منذ أكثر من 250 سنة.
وفي حديثه عن أسماء القرى القريبة من الحدود التركية ، يقول باحثنا المتعمق في التاريخ : أنه كان للدولة العثمانية محاولات لتتريك المنطقة ، عبر تغيير المسميات ، ولازلنا نرى اليوم أن العديد من القرى السورية الأصيلة ، خاصةً في المناطق القريبة من الحدود التركية ، تحمل أسماءً تركية مثل : أرسلان طاش ــ قره حلنج ــ قره قوزاق إلخ……. وهي تسميات غلبت الأسماء العربية الأصيلة بمرور الزمان .
عزيزي الكاتب ، ألا يحق للقارئ أن يتساءل ، عن ماهية الأسماء العربية الأصيلة ، للمنطقة وقراها  ؟ . فإن كانت الأسماء التركية قد غلبت الأسماء العربية ، فما هي الأسماء العربية قبل التتريك ، أم أن التاريخ العثماني يمتد إلى آلاف السنين ، ولا تسعفك ثقافتك التاريخية لمعرفة ذلك ؟؟!!! .   

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حيدر عمر

تمهيد.

الأدب المقارن منهج يعنى بدراسة الآداب بغية اكتشاف أوجه التشابه والتأثيرات المتبادلة بينها، ويكون ذلك بدراسة نصوص أدبية، كالقصة أو الرواية أو المقالة أو الشعر، تنتمي إلى شعبين ولغتين أو أكثر، و تخضع لمقتضيات اللغة التي كُتبت بها. ترى سوزان باسنيت أن أبسط تعريف لمصطلح الأدب المقارن هو أنه “يعنى بدراسة نصوص عبر ثقافات…

نابلس، فلسطين: 2/7/2025

في إصدار ثقافي لافت يثري المكتبة العربية، يطل كتاب:

“Translations About Firas Haj Muhammad (English, Kurdî, Español)”

للكاتب والناقد الفلسطيني فراس حج محمد، ليقدم رؤية عميقة تتجاوز العمل الأدبي إلى التأمل في فعل الترجمة ذاته ودوره الحيوي في بناء الجسور الثقافية والفكرية. يجمع هذا الكتاب بين النصوص الإبداعية المترجمة ومقاربات نقدية حول فعل الترجمة في…

سربند حبيب

صدرت مؤخراً مجموعة شعرية بعنوان «ظلال الحروف المتعبة»، للشاعر الكوردي روني صوفي، ضمن إصدارات دار آفا للنشر، وهي باكورة أعماله الأدبية. تقع المجموعة الشعرية في (108) صفحة من القطع الوسط، و تتوزّع قصائدها ما بين الطول والقِصَر. تعكس صوتاً شعرياً، يسعى للبوح والانعتاق من قيد اللغة المألوفة، عبر توظيف صور شفّافة وأخرى صعبة، تقف…

عبد الجابر حبيب

 

أمّا أنا،

فأنتظرُكِ عندَ مُنحنى الرغبةِ،

حيثُ يتباطأُ الوقتُ

حتّى تكتملَ خطوتُكِ.

 

أفرشُ خُطايَ

في ممرّاتِ عشقِكِ،

أُرتّبُ أنفاسي على إيقاعِ أنفاسِكِ،

وأنتظرُ حقائبَ العودةِ،

لأُمسكَ بقبضتي

بقايا ضوءٍ

انعكسَ على مرآةِ وجهِكِ،

فأحرقَ المسافةَ بيني، وبينَكِ.

 

كلّما تغيبين،

في فراغاتِ العُمرِ،

تتساقطُ المدنُ من خرائطِها،

ويتخبّطُ النهارُ في آخرِ أُمنياتي،

ويرحلُ حُلمي باحثاً عن ظلِّكِ.

 

أُدرِكُ أنّكِ لا تُشبهينَ إلّا نفسَكِ،

وأُدرِكُ أنَّ شَعرَكِ لا يُشبِهُ الليلَ،

وأُدرِكُ أنَّ لكلِّ بدايةٍ…