نشيد خيالي ومرثية قديمة تأويلات مدهشة لحياة أخرى

  شعيب حليفي

سرد بلا كلام

كانت الساعة تشير إلى الرابعة والربع صباحا، حينما نهضتُ  مفزوعا من نومي –إنْ كان نوما- أتصببُ عرقا ، دائخا أسبحُ في آثار العالم الذي كنتُ فيه قبل قليل . رميتُ عني الغطاء بسرعة ثم مددتُ رجليَّ خارج السرير ،وقد صرتُ في وضعية الجالس على حافة الفراش.. وسط سكون تام و ضوء عمود النور الخارجي يخترق ستائر الغرفة عبر النافذة بلون بنفسجي خامل ورقيق .قمتُ منزعجا من حلم رأيته ،دون أن  أنتبه أثناء خروجي من الغرفة أني أحدثتُ بعض الجلبة .
في المطبخ مددتُ يدي إلى فوطة بيضاء، مررتها أمسح وجهي وعنقي من العرق المتبقي بللاً.احترتُ في ما أفعل بعدما جلستُ أستردُّ باقي أنفاسي المشتتة في العالم الآخر وهيَ تعود إلي فُتاتا مُرتعشا. لم أنتبه لقيام زوجتي بسرعة، مذعورة بدورها ، تقترب مني ، تمد يديها تتحسس  رأسي وصدري ثم تسألني عما بي، فلا أجيب  وأنا صامت وسط لُجّة الذهول مُطَأطَأ الرأس.فقط، أتحسس بإبهامي ما بين حاجبي قبل أن أحوله إلى ما خلف أذني .أرفع رأسي حينما مدت إلي كوبا من الماء .تناولته كاملا بلهفة لم أكن اعتقدها ثم وضعت الكأس جواري  دون أن انتبه إلى يدها الممدودة.
عدتُ ورفعتُ رأسي إليها أتأملها كما تأملتها أول مرة، فارتابت وعادت تسألني بصوت حزين ،خائف ورقيق عما حاق بي في النوم .
دون كلام مني فهِمتْ انه حلم  قاس على نفسي أَخْرَسَني النطق.فقمتُ إلى غرفة علاء الذي وجدته مستغرقا في نومه ، ممدودا على ظهره .دخلتُ الفراش إلى جواره .أخذته إليَّ وعانقته بعدما أدخلتُ رأسي في حضنه الصغير مثل طفل خائف، ونمتُ وقد هدأ روعي وعادت إليَّ الطمأنينة مرتابة .

مصادفات يُرتبها القدر
كان شيئا مفرحا لي أن التقيت في بداية  هذا الشهر بمدينة سطات ، صديقي رحال الكرواطي الذي أخذته معي إلى أقرب مقهى ، نتكلم ونحتسي الشاي.
رحال رجل يقترب أو يجاوز سن السبعين ، وهو صديق والدي منذ الثمانينيات في إطار معاملات فلاحية وتجارية ، فهو ينتمي ويقطن بمنطقة بني مسكين في الحدود الجنوبية للشاوية  ، يشتغل في الفلاحة وتجارة المواشي .
يقضي في حقولنا رفقة بهائمه وأبنائه حوالي أربعة شهور في السنة ، وقد توطدت علاقتي به لطيبوبته التي تتماس أحيانا مع السذاجة والحكمة، وكذلك بأبنائه من زوجتيه .
كنتُ أحب الاستماع إلى كلامه الذي يشبه الحكايات الخرافية بعدما كان يدخن الكيف ، وهو محترف فيه ، لا يقربه إلا في أوقات محدودة وبكميات معلومة .
يحب التدخين وشرب الشاي المقطر قبيل كل فرض صلاة بطريقة غريبة ، دون أن  يلتزم بعدد الركعات أو بتلاوة الآيات كما هي (والحقيقة أنه كان يصلي صلاة المغرب وحدها ، وقد استثمرتُ هذا الحدث اللاديني في روايتي “أنا أيضا” مع شخصية حقيقية أخرى لا علاقة لها بخالي رحال) .وحينما سألته قال لي ما معناه بأنني لم أدرك، بعدُ، حقيقة ما أرى .وهذا هو الجانب الذي كنتُ أحبه في السيد الكرواطي ، عفويته المغموسة في ما هو غيبي وغرائبي ، وتلك الحِكم المترتبة عن صعود أبخرة الكيف إلى مساحات الدماغ الصامتة .وقدرته المكتسبة في تبرير كل شيء.
جلوسه إلى كيفه هو لحظة المتعة والتأمل والتفكير في شؤون الحياة بطريقة تختلف عنده عن تدبيراته وهو خارج هذا السياق العزيز .
يحب كثيرا الاستماع إلى الطرب الشعبي المحلي ونشرات الأخبار والنشرة الجوية من خلال المذياع والكاسيت .ولأني أبحثُ باستمرار عن الغرائبية في رحال الكرواطي ، فقد كنتُ أسأله عن كل شيء يدفعه لإبداء رأيه وموقفه ، فيسرد الحكايات ويتفرع في الاستطراد والأمثلة  من الدين و السياسة (من خلال ما يلتقطه من المذياع) ومن الثقافة الشعبية والأمثال والأغاني والألغاز.وقد تحاورنا طويلا حول الأغاني الشعبية ونحن نجتهد معا في فهم معانيها  فأقدم له تأويلات مجازفة أبررها أنا أيضا له ولنفسي حتى أستمع إلى توقعاته المفرطة .
 بعدما تأكد – كما قال لي – من استيعابي لأسرار “الكلام” الذي تغنيه المغنيات الشعبيات “الحقيقيات” ، شرح أخيرا وجهة نظره  ومفادها أن ذلك “الكلام” ليس كلاما بشريا وإنما تنزل به ” الزَّفَّانات ” من السماء في أذن وقلب الفنانات الشعبيات فتلتقطنه لكي يجري غناء ساحرا على ألسنتهن .
كان شيئا جديدا بالنسبة لي  ولمعرفتي سماع أن الغناء الشعبي تزفه كائنات يسميها رحال الكرواطي  الزَّفَّانات والتي ليست إنسا ولا ملائكة، وإنما توليفة من كائنات سماوية /أرضية.
أتستطيع سنابل الروح المسماة كيفا أن تجد تفسيرات جذرية وثورية لما لم نستطع الدنو منه والنبش فيه؟.
فاصل
رائحة زكية ونفَّاذة من بخور يمني تتخايل في غنج فاضح أمامي تغمر البيت والنفس في تلك الظهيرة. تمددتُ وقد أدرتُ زر المذياع على مؤشر محطة جهوية .أغمضتُ عيني وأنا أستمع إلى عناوين الأخبار ، تلتها أغنية مغربية لمحمد الحياني ثم نمت.
قمتُ بعد حوالي نصف ساعة ، هممتُ بتشغيل هاتفي ثم عدلتُ عن ذلك ، وخرجتُ مشيا في اتجاه مقهى “كازافورم ” .تصفحتُ الجرائد التي كانت معي والأخرى الموجودة بالمقهى.  وفي الثالثة والنصف  وصل أصدقائي  و بقينا مجتمعين حتى السادسة .
أحسستُ بالتعب والإرهاق جراء كثرة الاجتماعات والمناقشات ، فلم يخْلُ يوم من اجتماعين أو ثلاثة . روحي تبدو حية ورشيقة رغم ذلك، وسط جسم منهك  تفضحهما عيناي الحمراوين .
مررت ُ بصيدلية( 2 مارس) حيثُ اقتنيتُ حبوبا فوارة من “افيرالكون  ودوليبران ، ثم عدتُ إلى البيت ، مباشرة نحو الفراش وقد شعرت ببعض الحمى .
هيأت لي زوجتي كوبا دافئا من عصير الليمون الممزوج بالحامض والقرفة وإصبع  مفتت من الثوم ،ثم نمتُ.

بداية الكلام
أنا أحب الحياة كما لم يحبَّها أحد ، ولم أخش الموت أبدا كما لم يخشه أحد .أحبُّ القصائد الشعرية الصادحة بالفخر والتحدي ، وأحب الأحلام بعينين مفتوحتين؛أما أحلام النوم فهي رسائل لغوية ترجو تأويلات قريبة وبعيدة ، والحلم أيضا كما أتخيله يسكن بأدمغتنا داخل قبو/بنيقة مظلمة وعتيقة ذات باب موصد وأكثر عتاقة، يسمع صريره ذو الرجع المتكرر كلما انفتح ،هناك تختبئ الأحلام مثل راهبات لا يحفظن سوى كتب السحر والتاريخ والفقه .
هل ما رأيته كان حلما طالعا  من خزائني التي نهبتُ منها لكتاباتي كثيرا وما نفذت ؟أم هو رجْعُ  ما وقع لي في هذا الشهر وفي أسبوع واحد  حينما نجوت مرتين من حادثتي سير مميتتين بالطريق الرابطة بين سطات والدار البيضاء. الأولى مساء يوم الأربعاء  أثناء عودتي من سطات على متن سيارتي  وقد أغراني الغروب وكلمات أغان تطرب . شاحنة كبيرة من الاتجاه المعاكس تجاوزت سيارة أمامها ذات علامة أجنبية تسير بسرعة بطيئة في البداية ، ولما أحست بالشاحنة تتجاوزها  زادت من سرعتها   فعجز صاحب الشاحنة عن إتمام التجاوز أو الرجوع حيث كان .فخفضتُ من سرعتي وحدقت أبحث عن وجه السائق الذي انتبه للمقلب القاتل فقرر تضييق الخناق على السيارة ، ليترك لي فرصة المرور والنجاة دون الاصطدام به كما يقع في حالات كثيرة بهذه الطريق .مر كل هذا في ثوان محسوبة .
أما المرة الثانية فكانت يوم الجمعة الموالي في الخامسة وعشر دقائق وبنفس الطريق التي أعاقرها أسبوعيا،  ولم ينفعني هذه المرة إلا الخروج بسيارتي مُكرها إلى حقل فارغ في منعرج بعدما فاجأتني سيارة أجرة كبيرة .

حلم يعلو على الواقع !
هل كان حلما أن أرى نفسي ميتا؟ .
لا أعرف حتى الآن أسبابه واللحظة الفاصلة بين العالمين، رغم قناعتي أننا في سلالتنا نُعَمِّرُ طويلا ولا نموت  في شبابنا إلا إذا غدر بنا الغادرون .لذلك لم أُشْغِل نفسي بالبحث عن الكيفية التي قضيت بها نحبي .
شعرتُ بموتي في الصباح ..ربما في شهر أبريل .ولم يتم دفني إلا قبيل الغروب بمدينتي وسط أناس أعرفهم ويعرفونني ، وفي مقبرة تطل على حقولنا التي صارعت طويلا  لأجلها .
أراني غير مركز ، مشوش الرؤية  والبال والفؤاد ، مندهش ربما  مما سببته من ألم  وانشغال بي لكل من هم حولي  وأنا جثة  هامدة .
وها أنذا أجرب الموت كما جربتُ الحياة يوم ولدتُ .أرى أشياء كثيرة بروحي وأسمعها بأذني وأنا أخزنها لليالي القادمة التي سأكون فيها وحدي ..
حينما نزلت القبر لم أعرف كم بقيت من الوقت إلى أن جاءني ملكان طيبان ، لم يضجرا من عملهما منذ آلاف السنين . لم أجرؤ على سؤالهما هل هناك غيرهما  ممن يقضي هذه المهمة أم هما الوحيدان المالكان لقدرة الحضور في عدد لا محدود من الأمكنة  وأنا الذي كنت دائما لا أحب أن أُشْغِلهم بي .
كانا يتأبطان سجلين ضخمين عليهما اسمي ، لم أجرؤ مرة أخرى على طلب إمدادي بهما للتصفح ، ففيهما  قطعا سيرتي الكاملة والأصلية وتقييمات دقيقة تخص كل تفاصيل حياتي مما أعلمه ولا أعلمه ،.والغريب أني لم أشعر قط بالخوف فبالي مشدود إلى الصور التي رأيتها أثناء موتي  ودفني …ربما لأني مطمئن إلى الملكين جواري ، أو لأني في كل حياتي كنت في امتحانات لا تنتهي.
فهمتُ من كلامهما معي انه لا ذنوب لي ،  وما كان لي من هنات وأخطاء إنما هي أمور دنيوية لم تتجاوز الحدود المسموح بها .وهنا أيضا لم أجرؤ على القول لهما بأن حكمة ربي أوسع من عقول العالمين،  فهو الذي خلقنا بشرا خطائين  وترك لنا مساحة لأخطائنا وحدودا يحاسبنا عليها .
خلتهما سينسحبان ولكنهما شرعا يحاوراني في الأدب وفي ما كتبتُ في الدنيا .سألاني عن بعض المعاني  والمقاصد في رواياتي . وكنت أجيب متحمسا كما لو أني في ندوة أمام أصدقائي .
قال لي الذي كان على يميني  بما سيفاجئني :
–   إلى أي درجة  تحب سيدي علي الشاوي الذي كتبت عنه في صحيفتك “زمن الشاوية “؟ وهل تحبه لأنه صار خيالا أم لأنه جدك ؟
قلت له بدون تفكير أو تردد :
–   هما معا أيها الملاك الرحيم .
– وهل تحب رؤيته واللقاء به ؟قال كمن يمدني بحياة أخرى .

أنا ميت منذ الأزل !
ونحن بالمقهى نشرب الشاي سألته عن حاله بعدما رأيته وقد تخلى عن “شَدِّهِ”الذي كان حريصا على لفِّهِ نظيفا فوق رأسه لفات محسوبات .
ربما لم ألتقيه  منذ عشر سنوات أو أكثر بقليل ، وكنتُ أسأل بويا من حين لآخر عنه وهو الذي اخبرني أن زوجته التي كان يعزها قد ماتت ؛ الزوجة الأولى وهي في مثل سنه أو أكبر ، كما هاجر أبناؤه الذكور إلى ايطاليا دون عودة، فيما تزوجت ابنته الوحيدة  وتركته ..وقال لي بويا بأنه لم يعد كما كان في كامل شعوره .
رأيتُ كل هذا في نظراته الزائغة والمشتتة وشعره المبعثر وقد غزاه الشيب  كاملا .من قبل هذا كان يكلمني دون أن يرفع عينيه ، وكنت أعتبر الأمر شكلا من أشكال الأدب والطيبوبة  وهو يناديني بوُلْدْ بويا وحينا آخر بولد عبد السلام ، نسبة إلى جدي .أما الآن فهو يحدثني محدقا بنظرات طائشة.
حاولتُ ربط ما سمعته عن حالته  من والدي  ومما أراه ،وقد سعيت في البحث عن سبيل لحوار يكشف لي شيئا . فجأة يُسندُ رأسه إلى الوراء حتى يتدلى مغمضا عينيه ، ثم يفتح فمه مبتسما كما لو كان يستمع إلى نداء داخلي أو إلى صوت من العالم الخارجي للزَّفَّانات.
استمر هذا الوضع لدقيقة أو أكثر ، ولم أتجرأ على سؤاله ،  لكن الأمر سيتكرر لأربع مرات خلال جلوسي إليه في تلك النصف ساعة ، فسألته عما به  وفاجأني بأنه يحاول استراق السمع إلى ما سيقع !!.كررتُ السؤال بصيغة أخرى فردَّ علي بأنه لايجري عليه ما يجري على الأحياء لأنه ميت منذ زمان بعيد .
فكرت في اصطحابه معي إلى الدار البيضاء  وزيارة طبيب نفساني ، فسألته أن يأتي معي في المساء والبقاء عندي ليومين أو ثلاث فرفض بشدة  ولما ألححتُ عليه قام متأثرا وهَمَّ بالكلام ثم صمتَ فقمتُ معه  وقد صرفتُ النظر عن شيء لا يريده .
وفي طريقنا ،لا أعرف ما الذي جعلني أسأله عن الزَّفَّانات والفن الشعبي؛ فابتسم وشعر بالحبور ثم شدني من يدي ونحن نَعْبُرُ الحديقة المقابلة لقصر البلدية فدعاني للجلوس.  أخرج عدته ودخن وهو يحدثني عن أسفه لغياب الأعراس التي لم يحضرها منذ سنوات ..فاقتنصتُ الفرصة ودعوته للحضور معي في آخر سبت من هذا الشهر لحفلة مع أصدقائي .رحب بالدعوة  وقال لي بأنه سينتظرني بنفس المكان ، في السادسة مساء.
شعرت ،بعد رفضه دعوتي إلى الدار البيضاء، انه  أراد مجاملتي بقبول دعوة ما زالت بعيدة بثلاثة أسابيع .
قمنا وتوجهت إلى سبيلي الذي كنتُ فيه ، فيما شد رحال الكرواطي رِحاله إلى محطة سيارات الأجرة المتجهة نحو البروج . 

رسالة أخيرة
كان الزمن شيئا غريبا عني ومخالفا للزمن الذي أَلِفْتُهُ .رأيتُني في ربوة عالية وسط أشجار فواكه كثيرة ، تقدم مني جدي علي الشاوي الذي عرفته وعرفني ووجدته أكثر تشوقا للقائي.
– رأيتُ كل حياتك ، يا روحي ، وأنتَ تعيشها .كما لو كنت أنا .كل مساء في خيمتنا أنا وجدتك وأبنائي وعمك الهبطي والهداوي إلى جوار ربنا الكريم، كنتُ أحكي لهم ما أراه عنك ..ونسعدُ كثيرا .(قال لي وهو يضمني إلى صدره الحنون ).
– لا أستطيع العيش دون سلالتي  وأنتَ من أعطيتنا سببا كي نحيا ونموت بفخر وعِزَّة.(قلتُ له).
– بل أنت من جعلتنا حقيقة بعد أن طمرَتْنا الشياطين. ونحن هنا في جنتنا التي تركناها بالشاوية …كلهم ينتظرونك بشوق .(قال لي ).
( دمعتْ عينايَ وأرجعتُ رأسي إلى الوراء أنظر إلى سيدي علي الشاوي )
– ولكني ما زلتُ أحب الدنيا .مريم آسيدي تنتظرني ولا أريد أن تحزن أكثر من هذا عليَّ.
(بدتْ عليه علامات الحزن والغضب وظهر بعض التوتر جليا في كلامه وهو يرد عليَّ)
– غدروا بي وأنا في مثل سنك ، ثم تركتُ أبنائي وزوجتي دون علم مما سيلحقهم في مؤامرة كانت لتصفيتنا .الله يا روحي الغالية قادرة على كل شيء.
 
معاني مخبأة بعناية
رمشتْ روحي فوجدتني في اللحظة السابقة إلى جوار الملكين .وقال الذي على يميني :
–  وماذا عن شامة  ؟ لأجلها شفع لك ربك وربنا عز جلاله الكثير من ذنوبك  ،وقد أحياها الله بعدما كانت خيالا في وجدانك وبتَّ روحها في زوجك وابنتيك اللائي يعبدن الله ويسبحن باسمه .
حينما سمعته يكلمني عن شامة ارتخيتُ وشعرت بقشعريرة تهز كياني وأنا أرى في المِرآة كل شئ:
[“شامة المتخايلة، مثل الشفق على الدوام، تحب المشي من منحدر الغروب إلى قمة الشروق وحينما تتعب تتحول خطواتها إلى نوم خفيف أو حلم يمشي. في عينيها سواد روحاني يوهم أنه كحل كثيف رُصَّ بإتقان، من ثم تنطلق نظراتها البارقة في اللااتجاه  خافتة ملونة لكنها عامرة بذهول ساحر، وبراءة مطلقة”.
–  مساء الخير شامة يا دنياي كنت كتبتُ عنك أشياء كثيرة ثم شطبت عليها لأني بدوتُ فيها قريبا من نفسي ..فهل أنت كذلك ؟ 
لا أستطيع استيعاب محبتك لي …امنحني روحك كلها كما منحتها لسيدنا علي الشاوي؛ ففي بعض الأحيان تلعب أرواح الناس أدورا هامة في التواصل لتعطي إجابات تعجز الكلمات عن احتوائها(قالت وهي تداري خجلها).
-أكيد أن نور الله مازال مُتَّقدا في قلبك  وتحاولين  إخفاءه  كولية مقدسة تخبئ أسرار حبها الأول والأخير .أنت شمس تاريخنا وحياتي  والنور الساخن في قلب يضيء الليل القادم.(قلت كما أقول دائما ). 
…( ظلت صامتة)
“-  أتحبين الشاوية أم الجنة ؟
 شامة أحسست بارتياح غريب و هي تقفز فوق فداحة السؤال و تقول : – الشاوية هي الجنة آبويا.  )شامة.. ماذا ستسمين أطفالك ؟ قلتُ أناوشها بالسؤال. ( غطت وجهها بيديها وظلت صامته ). أنا أعرف أنك تحبين روحي فدعيها تختلط بروحك الأزلية،لا تترددي ، فقد تندمين على كل لحظة من دون ظلي “]

كلاكيت:الأعمى يفقد المرآة
كل إنسان بداخله أسرار ومقدرات ، ومقدرة رابح الوادي أنه متعدد المواهب ، وهذا قدر عدد من هذا الجيل الموهوب .ولعل وجوده على رأس إدارة خاصة بالقمار  قد علمه  أو أكد له أن الكثير من الأشياء في الحياة أساسها خدعة .لكنه الآن  وقد تحصَّلت لديه هذه القناعة فاتبع نمطا ثابتا في حياته  بعد زواجه في تلك السن المتأخرة  من موظفة هرمة تزامن ارتباطها به بهديتين من الله ؛ الأولى  حصولها على المغادرة الطوعية وهي في سن الرابعة والخمسين ، أما الهدية الثانية فهي الزوج التاريخي الذي يكبرها بأزيد من عقد ونصف ، وهذه النقطة تعول عليها  الزوجة المصونة في حال احتجاج الزوج حينما يكتشف انه ارتبط بخردة عامرة بالأمراض المزمنة والعابرة  وأيضا الكامنة في انتظار فرصة الظهور.
لا أعتقد أن السيد رابح سيشغله جسد المرأة بقدر ما هو مهموم بتفتق موهبتين إضافيتين  تُدران عليه ربحا مهما ، رغم أنه يصرح لأصدقائه وزوجته انه يعمل من أجل التعبير عن حبه لهذه البلاد وعهدها الزاهر وتكفيرا عن السنوات التي كان خلالها مغررا به .
  موهبته الأولى انه صار شريكا في امتلاك سيرك وطني وبات يشرف على الإعداد الكامل لوصلة يومية خلق لها شخصية وهمية – على غرار الشخصيات الكارتونية الورقية – أسماها “الشاب فوعا” وجعله يمثل دورا بطوليا في الحياة السياسية للبلاد ويصبح منقذا لهذا العالم من الخيبات المزمنة .
أما موهبته الثانية فتكمن في تعيينه بظهير شريف ككاتب رسمي للنصوص الشعرية والبْرَاوَل الزجلية للفرقة الموسيقية المسماة الجوق الوطني الرسمي للمملكة المغربية الشريفة.

أنا ميت في حلم من؟
انتهى حواري مع الملكين فقعدتُ وقد شعرت أن الله قد منحني في الآخرة ملكة الرؤية  كما منحني في الثلاثة أيام الأخيرة لي في الدنيا ملكة الرؤيا .
هذه ليلتي الأولى ، أو ربما ليلة واحدة من الديمومة  وهذا جزء منها .أرى وأتذكر يوم مت في تلك الصبيحة الدافئة  وكيف ذاع الخبر  وانتشر عبر الهاتف والبريد الاليكتروني بين الأصدقاء .
أحس أني الآن قادر على الانتقال بروحي عبر عدة أزمنة وأمكنة بدون قيود، لذلك رأيت كل شئ رتبته بطريقة رياضية في ذهني  ضمن ثلاثة مشاهد كبرى :
المشهد الأول حول عائلتي الصغرى  من زوجتي وأبنائي، والذين لم يصدقوا سقوط هذا الحِصن .ابني البكر فهم معنى الموت فشرع يبكي بحرقة  وقد تملكه الشعور كيف لا أكون إلى جواره حيث كان يتعلم مني ويستمد قوته، سيشعر بمذاق الوحدة كلما عاد في المساء ، أو خلال أيام السبوت والآحاد والعطل، فيخلو إلى وحدته مثل الأنبياء .أما زينب فأدركت بدورها شيئا فشيئا الأمر وبدأت تبكي وتتمرغ ثم تسللت ودخلت الغرفة التي أنا ممدد فيها على فراشي. وارتمت علي  فنزلت دموعها حارقة مثل شلال خرافي . ثم جاء علاء ومريم وراءها وارتموا جميعهم علي كما كانوا يفعلون في الحياة لكن هذه المرة يبكون ويتمرغون فوقي ودموعهم قاسية تهطل علي .مريم كانت مذعورة وهي تبكي وقد تبلل كل جسمي.لقد فهمتْ ولم تفهم ْ ، اتجهت تقبلني بقوة في فمي وانفي وعيني وأذني ..كما كانت تفعل في حياتي.
تمنيت لو أقوم من موتي حتى لا أراهم في هذه الحال . تمنيت لو أن الله أحياني لأبقى بجوارهم حتى يكبرون ، وأسعد بهم كما سعد بي أبواي ، بحياتهم وكفاحهم ، تمنيت أن يشعروا بي إلى جانبهم  وأنا بالقرب منهم أحميهم من أحابيل الدنيا ، كما حماني بويا .وأسهر حتى أجعل من ابني عَرَّاب السلالة كما كنتُ .
الآن تذكرت لماذا كان حبهم الاستثنائي لي في الأيام الأخيرة، رغبتهم في اللعب معي وتقبيلي باستمرار بل النوم إلى جواري والخروج معي .أما مريم فصار كلامها غناء وتحرص على النوم إلى جواري  ولا تنام قبل أن أحكي لها حكاية أجعلها بطلة إلى جوار النملة البيضاء والسوداء والأرنب والحمامة و السلحفاة والأسد..
تخيلت كثيرا ، ولكنني لم أتخيل قساوة الفراق ..خطر لي خاطر أن أقوم وارتمي بين يدي الله  ربي الكريم الحنون واستعطفه أن يعيدني إليهم والى الدنيا ( حينما سأستفيق، سأفكر بيقين تام  بأن قدرة الله الواحد القهَّار يمكن أن تكون قد حولت تلك الواقعة من حقيقة جارية إلى حلم يجري في خيالي ، استجابة لطلبي).
زوجتي انهارت وأغمي عليها  كذلك أمي فيما بويا لم يصدق أن أموت وأتركه …من سيكون العرَّاب؟ ثم عاد الى خاطره المكسور والمفتت صامتا وشاخصا  في اللاشيء، لا يقدر على التفكير  أو النظر أو الكلام .
أمي وبويا ، أنا أحبكما أكثر مما أحب هذا البلد .لا تنتظراني بعد الآن فلن أعود .أنا هنا تحت عرش ربي .
لن أجلس إليكِ أمي ،  ولن أستمع الى حكاياتك  وإلى بوحك لي بما يسعدك أو يقلقك .أنت تحبين أطفالي كما  كنتِ تحبينني.
بويا …كيف ستجري المفاوضات والمعارك دوني ؟.
***
كان عليَّ أن أحبها قبل قرن من الزمان .بل أحس بيقين حقيقي أني أحببتها قبل أربعة قرون ، حينما كنتُ محاربا ادافع عن ثغورنا المهددة باستمرار ، ثم قُتِلتُ غدرا في لحظات عصيبة ، وبقيتِ أنتِ أرملتي .
ربي لا أريد الموت حتى أنتزع منها سلالتي التي تكون مِرآتي وتصون مستقبلي .
والآن لماذا فقدت شعورك ؟ انظري حولك تجدينني في أبنائنا ، وفي كل الازمان التي عشناها نكافح خطوة خطوة من أجل بناء نفوسنا الشامخة .
***
المشهد الثاني ، حصل بعد حوالي نصف ساعة من موتي ،إذ بلغ الخبر إلى كافة أصدقائي .في مكتبه وهو محاط بعدد من الأصدقاء يتحدثون عن برامج للتنفيذ وعن أهم القضايا ،وفجأة يحمل الهاتف ليسمع بالخبر، فيكرره ليتأكد .أسقط السماعة من يده  ثم ضرب على المكتب بقوة حتى تطايرت الأوراق وفنجان القهوة  ، بعد ذلك شدَّ رأسه بيديه وبدأ يبكي  مثل طفل فقد أعز ما لديه.
تحول بويا الروحي  إلى حالة أخرى وقد بدا الحزن عليه ثقيلا ؛وتمنيتُ أيضا لو يمنحني ربي لحظة صغيرة لاحيا وأعانقه العناق الأخير .
***
المشهد الثالث وهو من ضمن مشاهد أخرى لا تحصى أجلاها مشهد أدخل السرور إلى قلبي ولم يحزنِّي مثل المشهدين السابقين .جماعة من الكتاب بمقهى لم أتبين اسمها كانوا يناقشون مواضيع تهم المسرح ووزارة الثقافة   واتحاد كتاب المغرب وقطاع الرياضة وألعاب القوى وإضراب قطاع النقل  ووضعية الجوق الوطني  والغناء والرقص ….حوار طويل كان عبارة عن نميمات قصيرة جدا تتحول في أيام الكساد الى قصص طويلة  .ووسط هذا الجو بلغهم النعي عبر مكالمة هاتفية لأحدهم  فأخبرهم   وكان الخبر فرصة للتنويع في الحديث . أول من علق بجملة بليغة أعجبتني هو كاتب قال : موان زاه  (moins un ) .ثم صب لنفسه كأسا صافية وباردة غسلت فمه من عبارة ثقيلة لم يعقب عليها أحد.
شعرت بالرغبة في الضحك فلم أقدر .
فاصل
لا مقاييس للزمن ، وربما هناك مقاييس بالتأكيد لم أدركها كوني سجين الساعة واليوم والشهر والسنة ، الليل والنهار .وستلزمني بضع سنوات أو قرون حتى أخلق الانسجام  الضروري ومبدأ الملاءمة وبين الحركة الخارجية للتعاقب اللامرئي .لذلك رأيتُ ربي يمنحني صحائف حيواتي السابقة منذ بدء الحياة على هذه الأرض، لحظات أعيشها مسلسلة من حين لآخر في شكل صور قديمة جدا لكنها ناصعة ، تطلع أمامي نابضة بالحياة ،شعرتُ إثرها بقشعريرة في كل جسمي وروحي ،أرى نفسي في كل حين قاتلا ومقتولا حتى صار دمي أليفا مع التراب.

***
قامت من غيبوبة الصدمة ، احتضنت إلى قلبها الكبير أبناءنا  وهي تبحث بعينيها ، وقد أثقلهما حزن كثيف وثقيل ، عن صورة لي ، فلم تجد وعادت تنظر الى الوجوه المستسلمة بين يديها.
فجأة ترفع رأسها وهي تسمع صرير الباب الخشبي ، بل ربما صرير تلك البنيقة المظلمة المثقلة بخزائن الأحلام ، وبأبوابها العالية ، فتنتبه ثم تنهض تجري وتسابق أبنائي للقائي المعتاد.وكأن شيئا لم يكن ، أحمل بيدي فواكه من خوخ ومشمش وتفاح، أنزع ملابسي لأخرج إليهم وهم حولي يتهامسون ..تغمُرهم الحياة بهباتها السخية . دخلتُ

ليل مُشمس
السبت الأخير من شهر أبريل خرجتُ من الدار البيضاء حوالي الساعة الخامسة والنصف في اتجاه ضيعة صالح الوراقي لقضاء الليل مع الأصدقاء  كما كان متفقا ، وحينما وصلتُ الغابة عرجت على الطريق  المؤدية إلى الضيعة في ربوتها المترفعة عن دهشات  الزمن .تذكرتُ رحال الكرواطي  وكانت الساعة تشير إلى السادسة والنصف ، فاحترتُ لكني حسمتُ الأمر بالرجوع إلى سطات بحثا عنه  رغم أني مقتنع بعدم قدومه ، وحتى إن حضر فقد تأخرتُ عليه بساعة وما يزيد .
بعد عشر دقائق وصلتُ إلى المكان الذي تواعدنا فيه فرأيته مقرفصا  وقد لف شده على رأسه  ينظر إلى الفراغ ، غير قلق أو مرتاب . طالني شعور مزدوج ، حزن لأني تأخرتُ عليه ، وفرح لأنه في حاجة إلى الجلوس إلينا والاستمتاع بليلة بينها وبين السماء خيط رقيق .أخذته إلى المقهى حيث تناولنا شايا  ولم نقم إلا بعد ساعة حيث سنجد السيد صالح واثنين من أصدقائنا ، عرفتهم على رحال الذي سرعان ما استأنسوا به خصوصا لما رأوا “رشاشه “الكيفي وسرعة بديهته التي انتعشت .بقينا نتحدث ونضحك ونحن نشرب الشاي ونلتقط  ، مثل ديكة متوحشة ، ما أفرشه لنا مويليد من فواكه جافة ، كما سلمتُ مويليد علبة من البخور ستحول ليلنا الطهراني إلى جزء من الزمن الروحاني الذي لم تدركه روح بشرية في هذا الزمن .
رأيتُ بعيني وحواسي كيف امتزجت أصداء الأصوات الطربية بالبخور المتحفز مع تأملاتنا العالية والفادحة ، مع ضربات رحال الفنية من رشاشه المصنوع من خشب جيد  وقد أعلن إيمانه المطلق والنهائي بنفسه ، في تلك الليلة ، أنه آخر الأولياء الصالحين في هذه الأرض التي عمرها الشياطين والأشرار.
كانت الفنانات الشعبيات الأربع قد شرعن في الصدح بمواويل افتتاحية وهن محيطات بشيخ طريقتهن القاعد مثل سياسي محنك خاض كل التجارب بدءا من القومية والرأسمالية إلى الاشتراكية بشقيها العلمية والشعبوية ثم العقائدية بكافة أطيافها وأخيرا انتهى به المطاف إلى المرحلة الامبريالية .نظراته صافية وهن على يمينه وشماله  واقفات بوجوه  مشرقة ، ونحن نتكلم ونحكي  في انتظار اللحظة التي لا نستطيع معها المقاومة أمام روائع الفن الشعبي الذي لم يمسسه بشر.اللحظة التي أفتى فيها رحال الكرواطي حينما تبدأ الزفانات في إرسال الأناشيد إلى تلك القلوب الغضة التي تروي الزمان بشلالات صوفية تتحرر من ثقل الفهم وسوء الظن.
هذا الشيخ فعلا له أسلوب امبريالي، فهو يقود “بناته” بكمنجته السحرية كما يشاء ويريد ، دون كلام أو نظرة منه، وماكر لأنه استطاع شد انتباهنا ، فنرمي كل الحوارات  التافهة خلفنا ، أما أنا العبد الطهراني  الإنساني الخطَّاء ، فقد رميتُ عني عباءة الزيف التي ترتدينا  ولبستُ نفسي وصوت الحقيقة يطلع من دواخلي  ، فتخيلتني “شيخا هبطيا “أنهَى كتابة ألواحه المقدسة لأهل الشاوية ، وحان الوقت ليكتب لوحه الأخير .
كانت رغبتي دائما في دك الأرض دكا على الزيف الذي طال كل شيء، وآن أواني للاغتسال بعرق حقيقي .
لحظة لا بداية لها أو نهاية حينما فهم الشيخ الامبريالي بحدوسه اعتمالات روح الكرواطي ، فاستخرج إيقاعاته المطلقة التي نهض إثرها رحال مثل سهم رشيق ، هو الأخير الطالع من جراب صياد يائس . وبطريقته صار يرقص بشد يديه إلى الخلف محركا رأسه ، قبل أن يعود إلى ضرب صدره بيديه في تناوب على مناحة مفترضة في ذهنه، وكلها تمهيدات للدخول في عالم الجذبة المدبرة من الشيخ وكمنجته وبناته بأصواتهن العصية على القبض والتقليد .
تبلل كل جسمه قبلنا وهو يروض الحيرة  بأزمانها التي فصلت بينه وبين زوجته (كان قبل هذه اللحظة، يحدثني عنها في خفوت ، بصوت فيه خطوط بارزة من الحزن والحب ، وكيف أن موتها شتت كل شيء بما فيه عقله).
الأغنية التي دبرها الشيخ الامبريالي  كانت تحكي عن جبال من الضيم  التي يحملها رجل يبحث عن حبيبته .ورحال قد تحول إلى قائد عظيم ونحن حوله مثل أطياف مفككة .
الشيخ الامبريالي يدرك كل شيء وقد شرع في الهبوط بالإيقاع وهو ينظر إلى قائد الحَرْكة .هبوط أدركه هذا الأخير فهيأ نفسه للحظة النهاية التي وقَّع عليها بصرخة ستتحول الى جملة تلتقطها فورا الزفانات ؛ قال: آالحبيبة ..مْشيتي وخَلِّيتيني .مُتِّي وقْتَلْتيني ..نَتْحاقُّوا عند ربي.
آالحبيبة كَنْحَبَّكْ أكثر من جُو تِّيمْ  je t’aime.
عدتُ إلى مكاني وصرت أضحك وأضحك حتى دمعت عيناي وشعرتُ بأنفاسي وهي تهرب مني .
–                         لهذا يا صديقي ، قال فيك أولئك المزيفون بأنك في الدار البيضاء تحيا حياة المثقف العضوي البورجوازي الذي يبرر كل شيء بثلاثة أنواع من المنطق ، بالسياسة والعلم والدين .أما في سطات فتعيش في عباءة الإقطاعي المتعطش إلى التوسع وضم ممالك الله إلى حقولك.(قال صديقي).
–                         على الأقل أعيش كما أحب ، لا كما يريد لي غيري .ولدتُ ودرستُ واشتغلتُ دون أن أستعير عقل غيري ولم أجد أبدا طريقا مفروشا أو أضراسا تمضغ نيابة عني.أنا الذي تكلمني الآن ، في حياتي كنتُ السيد والعبد ، الوعد والنكث ، القسم والحنث ، النهر والطمي ، الابن والأب ، الوالد والولد ، الخبر والسند ، القمة والهاوية ..أنا الذي لملمتُ الدهشة حبة حبة وقطرة قطرة  ثم خبأت كل شيء في قلبي.

***
 في الصباح ، فتحتُ عيني وكانت صورة الشفق ماتزال عالقة بوجه الشمس الضاوية ، وهي تطل علي من النافذة  العالية ، ذات الزجاج العراقي الملون .رفعتُ يدي اليسرى أمام عيني ثم شرعتُ في جعل أصابعي تنفرج في حدود ضيقة جدا عن بصري ، مسترقا النظر إلى تلك النار المشتعلة في السماء منذ الأزل .

/انتهت/

Chouaibhalifi@yahoo.fr

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…