(أنا أعاند لأثبت ذاتي الكردية) حوار مع المخرج السينمائي الكردي مهدي أوميد

حاوره في دمشق :عمر كوجري

  في دمشق وما إن تناهت إلى مسامعنا نبأ وصول الفنان الكردي :مهدي أوميد قادماً من السويد من أجل تصوير فيلمه الجديد ( صائد الجن) في كردستان العراق، حتى هرعنا لملاقاة هذا الرجل الذي ذاع صيته في الغرب ، وكتبت عنه كبريات الصحف والمجلات المتخصصة في الفن السابع .
هذا الرجل الذي يحمل في صدره الجميل أحلاماً بوسع وعظمة جباله الشماء .لاقى صعوبات جمة أثناء دراسته في أكاديمية السينما بموسكو بعد أن ودع مدينته الحلوة “هولير” .. هو دائم الترحال بين موسكو إلى إسلام آباد إلى باريس إلى استوكهولم ،ولم يتعب بعد ،بل يزداد اشتياقاً وجنوناً لخلق مؤسسة سينمائية كردية.

مهدي أوميد فنان مشبع بكمٍّ هائل من الحُب لشعبه الكردي ، وهاهو يترجم حبه لإيجاد سينما له ليدخل بوابة المجتمع المدني بلا خجل أو ارتياب .
تعالوا إلى هذا الحوار الذي تم بحضور وتنسيق الصديق الكاتب والمسرحي الكردي “دلبرين موسى …”

  لنلج – ماموستا مهدي – أغوار الحلم بعد أن كان حلما في إرهاصات البداية ،حيث النزوع نحو وداع حالة التقزم والانتعاق إلى فضاء الإنسان كقيمة جمالية .

كانت البيوت تحترق ونحن الكرد المشردين ننظر إلى هذه النيران الراقصة بفعل الرياح من على قمم الجبال والهضبة المحيطة بقصبة “”gadir kerem المطلة على نهر “روخانة” في قلب كرميان … كانت القذائف تسقط بالقرب منا وفيما بعد اعتاد الناس رؤية هدايا السماء المشعة .
أتذكر لياليَ الكثيرة حيث كنا ننام بالعشرات في الغور المحفور في حافة الجبل .. كنت أراقب المصباح النفطي وهو يشتعل ، فتشتعل الفراشات مع لهيبه الناعس ، كنت أتابع بشغف حركة ظلال الأشياء بفعل النور المنبعث من المصباح .وكلما أدير الفتيل إلى أعلى تغير ضوء الفانوس ،وتحركت معه الكائنات .وهكذا عشت منذ البداية مع حركة النور والظلام .

  كيف انتقلت من حالة المواجهة الأبهية مع جمهورك ؟؟ الأنصار والزوادة ورفيق الكرد الجبل إلى المواجهة معه بلولبية الصوت ..ألم تتعب من حمل الكاميرا على كتفك وأنت تبحث عن أمنياتك الضائعة ؟؟

بداياتي كانت مع القصة القصيرة . وإلى الآن أذكر أنني كتبت قصة أبطالها “النمل ” إنه يحتل غرفة شخص نائم ، وما إن ينهض حتى تسحق قدمه جيش النمل ، فيهاجمه النمل ويطرده من الغرفة بعدها بدأت بكتابة المسرحيات وإخراجها وتمثيلها والعمل في الديكورات المسرحية ،ونشرت عدة مسرحيات منها “عروس الثلج – الإنسان والعصر – والفكر – وموهبة القتل ” . وقدمت هذه الأعمال في مختلف مدن وقصبات كردستان ..

  في الراهن حيث يتشكل الكردي ، وهو الباحث عن ظل شجرته الوارفة بالحب أبداً هل تهمه السينما ؟؟!! هل أراح الكردي بندقيته قليلاً ليتفرج على مسرحية أو فيلم سينمائي ؟؟

كعادة كل الثورات في العالم ، فإن المؤسسة الثورية الكردية اهتمت إلى حد ما بهذه المسألة .. فمسرحيات عديدة قُدِّمتْ في عهد الشيخ “محمود الحفيد” وكذلك إبان تأسيس جمهورية ” مهاباد” وفترة اتفاقية آذار . وفيما يتعلق بالسينما فالأمر يختلف لأنها تتطلب إمكانيات مالية ضخمة بعكس المسرح الذي لا يحتاج إلى البذخ وبذل المال كثيراً .
إذن: السينما الكردية ضرورية ليواكب الكردي روح العصر ، لأجل خلق صناعة وفن سينمائي كردي .. يحتاج هذا الشعب إلى زج أبنائه في امتهان الفن السينمائي .

  كيف استقبل المشاهد الغربي العمل السينمائي الكردي؟؟

لقد عرض فيلم النفق في مختلف المدن الأوربية . والجمهور الأوروبي أصبح يعي ما تسمى بـ السينما الكردية والتي لاتتعدى أحلامها عن ثلاثة أو أربعة أفلام .
سأل مدير مهرجان “يوتوبورتي” في مجلة “جابلن” السويدية : لماذا تكتبون في برنامج المهرجان بأن فيلم النفق هو إنتاج سينمائي كردي . فقارن هذا الأمر ببعض الأفلام التي تحدثت عن القضية الكردية غير أنها ممولة من شركات أجنبية غير كردية ، وقد اعتبر حتى أفلام “يلماز غوناي” بأنها أفلام تركية . أما فيلم “النفق” فهو ممول كردياً من قبل منظمة   fond hawkari  Kurdistan وكان التمويل على سبيل الاقتراض “الحسني” فمنحوني ثلاثة آلاف دولار ، ومازلت مديوناً لهم ،وهم يطالبونني بحقهم طبعاً
وكأني أخمن أنك تعذبت كثيراً لأجل إنجاز فيلميك .. ما رأيك ؟؟؟
نعم في المراحل التحضيرية لفيلم النفق قدمت طلباً إلى الفيدراسيون الكردي في السويد لغرض تمويل الفيلم . وبعد طول انتظار ، قدم لي الفيدراسيون مبلغاً” ضخماً جداً” وهو ألف كرون سويدي أي مايعادل 150 دولاراً ، فأخذت المبلغ ، واشتريت به طعاماً لزملائي .وفهمك يكفي .

هل تحمل هواجس تتعذب من جرائها – الخوف – الفشل .. الخ .الخ

هواجس قديمة بعض الشيء … أنا أعاند لأثبت ذاتي الكردية . في بداية عام 1983عرضت على زميلي “برهان شاوي” فكرة تأسيس جمعية أو منظمة أو شركة سينمائية كردية .فكتبنا رسالة طويلة إلى السينمائي الكردي الخالد “يلماز غوناي ” في فرنسا ، ولسوء الحظ لم نتلق جواباً بسبب مرض غوناي ، ووداعه الحياة فيما بعد .

برأيك ماموستا ، هل نجحت السينما الكردية في إيصال الصوت الكردي إلى الآخرين ؟؟

لا أعتبر هذا التعبير دقيقاً ،فحتى نُغيِّر نظرة الرأي العام الأوروبي ، ونحضه ليتفاعل معنا علينا أن نحاصره بأفلام كردية كثيرة وكثيرة جداً .

الإرث الثقافي الكردي عرضة للسلب .كمثقف كردي كيف ترى عملية الحفاظ على هذا الإرث  بما فيها الأساطير والملاحم الشعبية الكردية

   لست خائفاً من هذه القضية .لأن الموروث الكردي كنهر عظيم لا يعرف النضوب ، ولايمكن لأحد أن يسرق ملحمة جلجامش أو سرقة مؤلفات شكسبير العظيمة .على العموم حضارات الشعوب تتداخل وقصصها تتقاطع بشكل جميل .فهناك ثلاث أساطير “كردية pira delalويونانية”جسر آرتاو” وجورجية”قلعة سوارم تتشابه مع بعضها البعض .إذن : يلزمنا بناء مؤسسات ثقافية تتمكن من المحافظة على هذا الأرشيف ..إن من يقصف أرضك ودارك يمكنه أيضاً نهب محتويات هذه الأرض .

هل أنت مع إنتاج أجنبي يصور حالة الكرد سينمائياً ؟؟

كانت هناك محاولات سينمائية .المؤسسة العامة للسينما في العراق صورت فيلم “نرجس عروس كردستان ” وقد صور في ظروف سياسية صعبة ..وبداية العشرينات من هذا القرن قام مخرجون أرمن بتصوير أفلام كردية في أرمينيا ..

إلى أي مدى ينجح الجهد الفردي في خلق الحالة السينمائية ؟؟

الجهد الفردي صعب والمؤسسة الكردية غير معنية بهذا الموضوع مطلقاً لأنها ملبوكة مع شؤونها ..لقد حاولت بناء مؤسسة سينما كردية غير أن المحاولة فشلت فشلاً ذريعاً في السويد وللعلم لم استلم فلساً واحداً من أية منظمة سياسية كردية ..أنا أقبل بها .وسأشكرها ولكن !!!
يتسم هذا العصر بأنه عصر الانقراضات انقراض الشعر – انحسار دور الرواية – إغلاق أبواب المسرح ، وإطفاء نجمة السينما ..ألست تغامر بوقتك ومالك في سبيل الــ   ؟؟؟
لاياصديقي لا تكن متشائماً إلى هذا الحد تبقى مسألة الإبداع مسألة حياتية . أعتقد أن للسينما كما للشعر والرواية وغيرها جمهورها . نحن بحاجة على منتج كردي ثري لايخاف من ماله .واطلبوا مني ما شئتم .فأنت كردي يعني أنت مغامر أو مقامر .

 

 ما موضوع فيلمك الجديد؟؟

الفيلم عنوانه”صائد الجن” أتمنى أن تقرؤوا موضوعه على الشاشة لا على الورق .

ولكنك وضعتني في صورة الفيلم وسأنقله إلى القراء

لا أرجوك، بالمناسبة يشارك معي في هذا الفيلم المصور السينمائي الكردي “أنور سندي” وهو من الشباب العاشقين لفن السينما ..وبحكم تجربتي مع الآخرين فإن سندي أكثرهم احترافاً للعمل ، كذلك نخبة من الفنانين الكرد المتخرجين من المعاهد الأوربية .

أخيراً بماذا أنت شارد طول الوقت؟؟

أحلم بأن أنجز فيلماً حول جمهورية مهاباد الكردية وسقوطها ، وإعدام رئيسها ،وعودة الضباط الأربعة ، وتسليم أنفسهم إلى العراق ، وبقاء البار زاني الخالد صامداً مع جماعة يحاربها الجميع ،والسف إلى الاتحاد السوفييتي ، وعبوره نهر “آراس” هذا النهر الذي ألهم آلاف الآباء الكرد ، فسموا أبناءهم “بآراس” ..وشكراً لك ..

 

أجراس : فصلية- مستقلة – تهتم بشؤون الفكر والأدب والثقافة
العدد التاسع

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…