الآثار السيئة لتغييب دور الثقافة في تكوبن المناخ الصحيح للتفاعل البشري

محمد قاسم

من طبيعة الأمور أننا نستحضر التاريخ عبر وقائع عسكرية أو تفاعلات اجتماعية بأبعادها المختلفة: العسكرية الدينية أو الاجتماعية أو الأخلاقية أو السياسية أو الاقتصادية أو الفولكلورية..الخ. لكي نعتبر بها، أو منها، ومن نتائجها السلبية أو الايجابية..!
المشكلة أن هذا الهدف يكاد -الاعتبار بالتاريخ- يكاد يغيب ضمن الصخب الإعلامي الذي يطغى على أسلوب التنافس –غير البريء-في استحضار الماضي..

وخاصة استحضار حياة العظماء في حياة وتاريخ الشعوب، سواء شعوبنا التي ننتمي إليها،أو شعوب العالم المختلفة وتجاربها الغنية والمختلفة ..وهذا الغياب يحدث –غالبا –عندما تتبنى جهات سياسية (نظام –حزب…)فعل ذلك..
من هنا فإن الاهتمام بمثل هذه الأمور في الإطار الثقافي المتمتع بالحرية الكافية- قانونيا وواقعيا..تربويا_وبأدوات ثقافية، سيكون المناخ الأفضل ..لذلك-بتقديري..!
ذلك لأن التربية المعاشة في ظروف القهر لا تتيح للشخصية نموا طبيعيا فينتقل القهر الخارجي إلى داخلها ..وتتقزم القوة الطبيعية فيها إلى درجة الخوف المزمن –الفوبيا- إذا جاز التعبير.
ذلك لما في طبيعة الثقافة – المتكونة من قيم علمية -من الحرص على الحيادية ،والموضوعية وتوخي الدقة، والمصداقية في تناول الماضي-والحاضر والمستقبل أيضا- وتحليل أبعاده، لأخذ العبرة.
 بخلاف الحالة السياسية التي تسخر لاتجاهاتها العملية المباشرة؛ كل شيء ومنها:استحضار الماضي وعبره؛ ليوظفها لغايات سياسية ..وهذه واحدة من المشكلات التي تبقي التوتر والتخاصم والصراع في الحياة بين المجتمعات المختلفة..إضافة-طبعا-إلى المصلحة المحركة لهذه النزعات السياسية.
  وعلى الرغم من أنها كثيرا ما تكون مصلحة وطنية أو قومية أو إنسانية حتى..-في جوهرها كما يفترض-إلا أن غلبة الميول الخاصة عند الغالبية في المجتمعات المتخلفة ؛ تؤثر على اتجاهات العمل الوطني والقومي والإنساني غالبا..
 وهذه هي المشكلة المزمنة في هذه القضايا، والتي تسبب أغلب المشكلات التي تطالعنا بين الشعوب والأمم ومنها مثلا الحروب المختلفة، وتحت أسماء مختلفة وعناوين مختلفة وأهداف مختلفة …!
من هذه المناسبات والوقائع في حياة الشعب الكردي مثلا مناسبة :تأسيس أو ل حزب كردي في سوريا،ومنها  مثلا –وفي الوسط الكردي- الاحتفال بمناسبة وفاة المرحوم الخالد مصطفى البار زاني،ومنها الاحتفال بعيد النيروز الكردي في 21 آذار  من كل عام.
إذ تتحول هذه المناسبات إلى نوع من تجاذب المناسبة -بدوافع حزبية خاصة- ولمصلحة حزبية خاصة لا تصب –غالبا-في مجرى المصلحة العامة للشعب الكردي..بل قد تتحول إلى مناسبة تتجدد فيها الاختلافات بين الكتل والأحزاب و الاتجاهات  السياسية..وينعكس ذلك سلبا على حياة الشعب والجماهير أيضا.
كنا نأمل أن تكون المناسبات المهمة في حياة الشعب الكردي محطات يلتف حولها أبناء الشعب الكردي ويتخذوها منطلقا لتطوير العلاقات الكردية والاتجاهات الفكرية الكردية على كل صعيد،وعلى صعيد السياسة خاصة.-بل  وتطوير هذه العلاقات مع القوى غير الكردية  ضمن الوطن…
ما يحدث في الواقع لا يرتقي إلى هذا المستوى –للأسف- وهذا ما يقلق المهتمين واليقظين إلى أهمية هذه الأحداث التي يجب أن تستثمر للتقارب الكردي، ولتوحيد الوجدان القومي الكردي ،بدلا من بعض المظاهر التي”لا  تسمن ولا تغني من جوع”.
،بل ربما تكون من أسباب تعميق الاختلافات، وتشتيت النزوع الوجداني والعاطفي نحو مفاهيم الشرذمة.
وهذا الأمر ينعكس واقعا مسيئا لغاياتهم أيضا، فالقيادي الذي يقود حزبا ضعيفا لا يستطيع أن يكون مؤثرا في ميدان نشاطه السياسي…
والقيادي الذي يتخذ أسلوب “المسك باليد الموجوعة ” في تدبير شؤونه السياسية الضحلة في وسط شعبه ،لا يستطيع أن يكون سوى مراوغ في حياة سياسية لا تفيد القضية التي يناضل من اجلها –افتراضا..
والقيادي الذي  يهدف –فقط- ليكون له لقب (سكرتير…أمين عام..سكرتير عام …الخ .دون أن يكون مؤثرا ليتوافق اللقب مع العمل والتأثير .. لا يكون سوى هيكل أجوف ..قد يكون جميلا كتمثال…ولكنه بلا حياة وفاعلية في السياق الذي وضع نفسه فيه..
بل هناك من وصل إلى درجة تخوين القوة الفاعلة –ثقافيا واجتماعيا ..وكيل التهم جزافا لهم.إما إسقاطا لما يشعر به في نفسه..أو شعورا بالعجز عن القيادة ..فيعلق فشله على كل ما يمكن التخفي خلفه..وهذه مهمة نضالية عجيبة وغريبة لم نجدها إلا عند الأنظمة –والأحزاب المستبدة..والتي تفشل في إنتاج الفعل والفاعلية  وتحقيق نتائج مفترضة…!!
ولعل الغيورين على حياة الشعوب والمجتمعات ،بل الإنسانية في كل أصقاع الأرض يتنبهون إلى هذه الحقيقة، فيلتفتوا نحوها، يتعاملون معها بطريقة منطقية ومبدعة، تنطلق من  المعطيات الواقعية  أساسا..
لعل هؤلاء يساهمون بوسائلهم الخاصة –والعامة-

فالخصوصية هي في طبيعتها الأصلية متعانقة مع العمومية .وبتعبير بعض المسلسلات الكارتونية “الكل في واحد والواحد في الكل”. أو بحسب موضوع علم النفس العام..الخصائص النفسية المشتركة بين الجميع (ذاكرة –فكر- عاطفة في عموميتها-..) ولكن الخصوصية والتميز هو في استخداماتها فيما يسمى –أحيانا –الجانب الفني في الفاعلية والممارسة. .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شيرين خليل خطيب

في أيِّ مجال إبداعي، أو أي حرفة تعتمد على الحس والموهبة، يظهر أشخاص يظنون أن بإمكانهم اقتحام هذا العالم لمجرد أنه يعجبهم أو أنهم يحلمون بالانتماء إليه. لكن الحقيقة المُرَّة التي مهما حاولنا تجميلها، هي أن بعض الطرق لا تُفتح لكل عابر، وأن بعض الفنون تحتاج إلى موهبة أصلية أو حد…

خالد بهلوي

اختُتمت الدورة الإلكترونية لتعليم كتابة سيناريو السينما الكردية، التي أُنجِزت بإشراف الدكتور جاسمي وزير سَرهَدي، البروفيسور في المسرح والسيناريو (الدراما الهوليوودية)، والمدرّس السابق في جامعة صلاح الدين في هولير، والحاصل على عدة جوائز دولية في كتابة السيناريو السينمائي.

قدّم الدكتور الدورة على مدى عشرة أسابيع، تناول فيها موضوع الدراماتورج وبنية القصة الدرامية، إضافة إلى محاور…

ا. د. قاسم المندلاوي

في هذه الحلقة نقدم للقارئ الكريم نبذة مختصرة عن فنانين آخرين، احدهم من غرب كوردستان، الفنان الشهيد يوسف جلبي، الذي تعرض الى ابشع اساليب الاضطهاد والتعذيب من قبل السلطات السورية الظالمة، وخاصة بعد سيطرة نظام البعث سدة الحكم عام 1966. فقد تعرض الكثير من المطربين والملحنين والشعراء الكورد في سوريا…

يسر موقع ولاتى مه أن يقدم إلى قرائه الأعزاء هذا العمل التوثيقي القيم بعنوان (رجال لم ينصفهم التاريخ)، الذي ساهم الكاتب : إسماعيل عمر لعلي (سمكو) وكتاب آخرين في تأليفه.

وسيقوم موقع ولاتى مه بالتنسيق مع الكاتب إسماعيل عمر لعلي (سمكو). بنشر الحلقات التي ساهم الكاتب (سمكو) بكتابتها من هذا العمل، تقديرا لجهوده في توثيق مسيرة مناضلين كورد أفذاذ لم ينالوا ما يستحقونه من إنصاف وتقدير…